للمرة الأولى منذ أول تجليات أول التوترات الطائفية 1910 «المؤتمر القبطى»، ومنذ 1910 حتى «أحداث العمرانية» 2010 مضى قرن من الزمان، وتبوأ الحكمَ فى مصر أربعةُ ملوك (عباس حلمى، حسين كامل، فؤاد، فاروق) وثلاثةُ رؤساء (عبدالناصر، السادات، مبارك). و(65) حكومة، (42) فى العصر الليبرالى، منذ حكومة بطرس غالى باشا 1910 حتى حكومة على ماهر باشا 1952 بتكليف من الملك فاروق، و(7) حكومات فى عهد ناصر، و(7) فى عهد السادات، و(9) حكومات فى عهد مبارك، كل ذلك والمشكلة الطائفية قائمة بشكل أو بآخر. لكن للمرة الثانية يواجه الأقباط حاكماً يريد إنهاء وجود القبط، كان عباس حلمى الأول يريد تهجير الأقباط إلى السودان وقتل فى الحمام، ويذكر بعض المؤرخين أن إخوته قتلوه ل«شذوذه»، والثانى الوالى الإخوانى «مرسى» الذى يناصبهم وجماعته وحلفاؤهم العداء، ومنذ أن حصل الإخوان وحلفاؤهم الأغلبية البرلمانية حتى الآن وفى 43 حادثاً طائفياً قتل (60) وجرح (918) مواطناً قبطياً، وتم الاعتداء الجزئى أو الكلى على (24) كنيسة، وهُجر قسرياً (124) أسرة لم يعد منها (43) أسرة حتى الآن، وتم ازدراء الديانة المسيحية فقط (14) مرة من د. ياسر برهامى آخرها فتواه الشهيرة لسائقى سيارات الأجرة بعدم توصيل القساوسة للكنائس! وكلها موثقة فى موقعى «أنا سلفى» و«السلف» وكذلك حرق أبوإسلام للإنجيل المقدس، ولم يحاكم «برهامى» بل تمت مكافأته باختياره فى الجمعية التأسيسية للدستور، وأبوإسلام لم يحبس سوى ليلة واحدة وأفرج عنه بكفالة!! فى الوقت الذى أدين فى محاكمات عاجلة (12) مواطناً قبطياً منهم طفلان، والأخطر أن يقوم السلفيون بتقديم البلاغ والعقاب الجماعى لأسرة المتهم والمواطنين الأقباط فى المنطقة والتهجير القسرى لأقارب المتهم، وحصار النيابة حتى تحويل البلاغ إلى المحكمة التى تقرر الحكم بشكل عاجل!! وهكذا يتم الاتهام وتنفيذ العقوبة، ومن ثم يصير حكم المحكمة تقنيناً وغطاء لما حدث!! أيضاً لا بد من معرفة أن كل القضايا والاعتداءات المشار لها لم يتم حتى التحقيق فيها. يحدث ذلك جنباً إلى جنب مع سلسلة التصريحات المعادية للمواطنين المصريين الأقباط سواء من الرجل الأول فى الجماعة خيرت الشاطر بأن 80% من المتظاهرين أمام الاتحادية من الأقباط، واتهام الأقباط بأنهم وراء البلاك بلوك والعنف!! ولابد من الإشارة إلى اتهام عصام الحداد مستشار الرئيس للشئون الخارجية للأقباط بأن لديهم أسلحة واستخدموا العنف فى الوقت الذى تم فيه الاعتداء عليهم للمرة الأولى منذ تأسيس الدولة الحديثة، كذا يتم القضاء على آخر ما تبقى من أساسات الاندماج القومى عبر «الأخونة»، ومحاولة تديين الأساس الاجتماعى والاقتصادى للدولة المدنية، ويتم الآن إجراء «جراحة إيكولوجية للوطن»؛ عبر التهجير القسرى للأقباط من أماكن إلى أخرى، أو التهجير الطوعى للأقباط لخارج البلاد عبر «صناعة التخويف». كان الأقباط من قبل يرفعون شكواهم مطالبين بحقوقهم للحاكم عادل أو فاسد، والآن صار الحاكم وجماعته معادين للأقباط، ويسمحون أو يغضون البصر حتى لحرق الإنجيل وازدراء المسيحية، ومحاولة إعادة الأقباط إلى داخل الكنائس مثل العصور المملوكية، أغلب الحكام الذين أشرنا إليهم طوال القرن الماضى كانوا ينتقصون من مواطنة الأقباط، ولكن جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية «الحرية والعدالة» وذراعها الأخرى الرئاسية د. مرسى، تريد إعادة الأقباط ليس للكنيسة مثلما كان يحدث فى الصفقة الشهيرة ما بين الرئيس السابق مبارك والراحل البابا شنودة، الأول يحكم مصر دون معارضة الكنيسة والثانى يحكم الأقباط دون تدخل الدولة، ولكن الإخوان يريدون إرجاع الأقباط للكنيسة كأهل ذمة وليسوا حتى كمواطنين منقوصى المواطنة، من هذا المنطلق صارت معركة المواطنين المصريين الأقباط مع الحكم الإخوانى معركة وجود، ولذلك وللمرة الأولى خرج الأقباط بالكنيسة للوطن ولم يخرجوا من الكنيسة للوطن، ولم يعد أمام الإكليروس الكنسى سوى إعطاء الدور السياسى للمدنيين الأقباط والاكتفاء بالدور الروحى والوطنى، خاصة أن النخب القبطية السياسية صارت متنفذة فى كل الأحزاب المدنية وحتى الإسلامية، وانتهى العمر الافتراضى للصيغة القديمة للمجلس الملى، وكذلك لجان المواطنة، وأدرك البابا تواضروس الثانى علامات الأزمنة الجديدة، وقرر إعطاء ما للإكليروس للإكليروس وما للمدنيين للمدنيين، وكذلك هناك آخرون من الإكليرس الأسقفى مثل الإصلاحى نيافة الأنبا موسى ومن الكهنة المستنير أبونا داود لمعى، ولكن هناك الحرس الأسقفى القديم مع كامل احترامى ما زال يفكر بالعقلية القديمة، ولا ننكر استقطاب الجماعة لبعض رجال الأعمال الأقباط «الفاسدين» والمعروفين بالاسم، هؤلاء يفرضون أنفسهم على حاشية البابا عبر بعض أساقفة البلاط البابوى السابقين، ولابد من بيان واضح من البابا تواضروس مثلما فعل البابا شنودة لسد هذه الثغرة المميتة، ولابد من إعطاء ملف الإعلام لمتخصصين من خدام الكنيسة لأنه وبصراحة يخشى الجميع من قلة خبرة سكرتارية البابا فى هذا المجال الأمر الذى يسهل مهمة أصحاب المصالح خاصة أنهم آباء الشيطان ولهم من الحيل ما يوقع السكرتارية «الطيبين» فى «العثرات»، ويجب إنشاء منتدى مدنى متعدد الأطراف والتخصصات يضم: (مؤسسة حقوقية وأخرى تنموية «think tank»، ومنسقية سياسية، وتضم شركاء من المواطنين المسلمين)، يقف خلف هؤلاء فى المسرح الآباء والمرشدون الروحيون، هكذا يمكننا أن نخرج بالكنيسة للوطن وليس من الكنيسة للوطن، ونعطى ما للإكليروس للإكليروس وما للمدنيين للمدنيين، ومن له عينان للنظر فلينظر ومن له أذنان للسمع فليسمع.