قصف إسرائيلي يستهدف مقراً للقوات الحكومية جنوب دمشق    تعيين رئيس جديد لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل    رئيس لجنة الحكام يعلن عن موعد رحيله    شاهد، إداري الزمالك صاحب واقعة إخفاء الكرات بالقمة يتابع مباراة البنك الأهلي    ليفركوزن يتفوق على روما ويضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    أيوب الكعبي يقود أولمبياكوس لإسقاط أستون فيلا بدوري المؤتمر    أحمد الكأس : سعيد بالتتويج ببطولة شمال إفريقيا.. وأتمنى احتراف لاعبي منتخب 2008    التعادل الإيجابي يحسم مباراة مارسيليا وأتالانتا ... باير ليفركوزن ينتصر على روما في الأولمبيكو بثنائية بذهاب نصف نهائي اليورباليج    ميزة جديدة تقدمها شركة سامسونج لسلسلة Galaxy S24 فما هي ؟    شايفنى طيار ..محمد أحمد ماهر: أبويا كان شبه هيقاطعنى عشان الفن    حمادة هلال يهنئ مصطفى كامل بمناسبة عقد قران ابنته: "مبروك صاحب العمر"    أحدث ظهور ل مصطفى شعبان بعد أنباء زواجه من هدى الناظر    بعد تصدره التريند.. حسام موافي يعلن اسم الشخص الذي يقبل يده دائما    سفير الكويت بالقاهرة: ننتظر نجاح المفاوضات المصرية بشأن غزة وسنرد بموقف عربي موحد    الصين تستعد لإطلاق مهمة لاكتشاف الجانب المخفي من القمر    أمين «حماة الوطن»: تدشين اتحاد القبائل يعكس حجم الدعم الشعبي للرئيس السيسي    سفير الكويت بالقاهرة: نتطلع لتحقيق قفزات في استثماراتنا بالسوق المصرية    في عطلة البنوك.. سعر الدولار الأمريكي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية الجمعة 3 مايو 2024    خطوات الاستعلام عن معاشات شهر مايو بالزيادة الجديدة    د.حماد عبدالله يكتب: حلمنا... قانون عادل للاستشارات الهندسية    جي بي مورجان يتوقع وصول تدفقات استثمارات المحافظ المالية في مصر إلى 8.1 مليار دولار    مباراة مثيرة|رد فعل خالد الغندور بعد خسارة الأهلى كأس مصر لكرة السلة    منتخب السباحة يتألق بالبطولة الأفريقية بعد حصد 11 ميدالية بنهاية اليوم الثالث    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    حار نهاراً والعظمى في القاهرة 32.. حالة الطقس اليوم    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    بسبب ماس كهربائي.. إخماد حريق في سيارة ميكروباص ب بني سويف (صور)    بعد 10 أيام من إصابتها ليلة زفافها.. وفاة عروس مطوبس إثر تعرضها للغيبوبة    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    وصفها ب"الجبارة".. سفير الكويت بالقاهرة يشيد بجهود مصر في إدخال المساعدات لغزة    سفير الكويت بالقاهرة: رؤانا متطابقة مع مصر تجاه الأزمات والأحداث الإقليمية والدولية    ترسلها لمن؟.. أروع كلمات التهنئة بمناسبة قدوم شم النسيم 2024    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    أدب وتراث وحرف يدوية.. زخم وتنوع في ورش ملتقى شباب «أهل مصر» بدمياط    سباق الحمير .. احتفال لافت ب«مولد دندوت» لمسافة 15 كيلو مترًا في الفيوم    فلسطين.. قوات الاحتلال تطلق قنابل الإنارة جنوب مدينة غزة    بطريقة سهلة.. طريقة تحضير شوربة الشوفان    مياه الفيوم تنظم سلسلة ندوات توعوية على هامش القوافل الطبية بالقرى والنجوع    رغم القروض وبيع رأس الحكمة: الفجوة التمويلية تصل ل 28.5 مليار دولار..والقطار الكهربائي السريع يبتلع 2.2 مليار يورو    مغربي يصل بني سويف في رحلته إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج    محافظ الجيزة يزور الكنيسة الكاثوليكية لتقديم التهنئة بمناسبة عيد القيامة    تركيا تفرض حظرًا تجاريًا على إسرائيل وتعلن وقف حركة الصادرات والواردات    مدير مشروعات ب"ابدأ": الإصدار الأول لصندوق الاستثمار الصناعى 2.5 مليار جنيه    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    حدث بالفن | وفاة فنانة وشيرين بالحجاب وزيجات دانا حلبي وعقد قران ابنة مصطفى كامل    «يا خفي اللطف ادركني بلطفك الخفي».. دعاء يوم الجمعة لفك الكرب وتيسير الأمور    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    السيطرة على حريق سوق الخردة بالشرقية، والقيادات الأمنية تعاين موقع الحادث (صور)    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    «الصحة» تدعم مستشفيات الشرقية بأجهزة أشعة بتكلفة 12 مليون جنيه    أستاذ بالأزهر يعلق على صورة الدكتور حسام موافي: تصرف غريب وهذه هي الحقيقة    استعدادًا لموسم السيول.. الوحدة المحلية لمدينة طور سيناء تطلق حملة لتطهير مجرى السيول ورفع الأحجار من أمام السدود    مصطفى كامل يحتفل بعقد قران ابنته    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية بطور سيناء    "أسترازينيكا" تعترف بمشاكل لقاح كورونا وحكومة السيسي تدافع … ما السر؟    أمين الفتوى ب«الإفتاء»: من أسس الحياء بين الزوجين الحفاظ على أسرار البيت    مدينة السيسي.. «لمسة وفاء» لقائد مسيرة التنمية في سيناء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا وراء تصاعد الأزمة بين الجيش والإخوان؟ «4»
نشر في الوطن يوم 22 - 04 - 2013

فى أواخر يناير 2005 قامت مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، بزيارة إلى مصر،التقت خلالها بعدد من القيادات السياسية ونشطاء حقوق الإنسان وبعض الصحفيين والإعلاميين. كانت مهمة أولبرايت فى مصر مهمة رسمية وبناء على تكليف من ديك تشينى نائب الرئيس الأمريكى فى هذا الوقت، الذى عهد إليه بمسئولية تقييم أوضاع الديمقراطية فى مصر والسعودية والعراق.
وقد أسندت إلى أولبرايت رئاسة قسم الرصد والتقييم داخل الهيئة، التى كانت معنية باتخاذ قرارات مهمة فيما يتعلق بالتطوير الديمقراطى داخل هذه البلدان.
وفى تقريرها الذى رفعته إلى ديك تشينى عقب انتهاء زيارتها إلى مصر وعودتها إلى بلادها، أكدت أولبرايت عدداً من الحقائق فيما يتعلق بالأوضاع المصرية فى هذا الوقت، جميعها أكد افتقاد مصر ديمقراطية حقيقية، تمكن من تداول السلطة فى البلاد.
وقالت أولبرايت فى تقريرها: «إن بعض من التقيت بهم، كان لديهم سؤال: لماذا تدعم الإدارة الأمريكية النظام الحالى فى مصر؟ وكان من رأيهم أن هذا الدعم يمثل تناقضاً فى الفكرة الديمقراطية وإصلاح الأوضاع، خاصة أن هذا النظام يجهض مبادرات الإصلاح»،
ووصفت أولبرايت أوضاع الديمقراطية المصرية فى تقريرها بأنها هشة ولا تستند إلى أى أركان قوية، وقالت: «إن المنظمات غير الحكومية هى وحدها القادرة فى مصر على تطبيق وتنفيذ مبادرات الإصلاح الديمقراطى، إلا أنه يجرى التعامل مع أعضائها على أنهم (جواسيس) يبيعون أسرار الوطن للخارج مقابل أموال، وأن هذه المنظمات أصبحت لا تمارس نشاطاً ملموساً بسبب الرقابة المفروضة عليها من جميع الأجهزة الأمنية فى مصر».
وقالت أولبرايت فى تقريرها: «إن هناك مشاكل فعلية يدركها المصريون، ويرون أن الإدارة الأمريكية تقف عاجزة أمام عدم نشر الديمقراطية فى بلادهم، وإننى قلت لهم: إننا ندعم النظام الحالى لعدة اعتبارات، من بينها أنه نظام معتدل، ويقدم نفسه على أنه صديق للولايات المتحدة، كما أن هناك اتفاقاً فى الكثير من المسائل الاستراتيجية الحساسة مع النظام المصرى، وأن هذا الاتفاق يتيح للإدارة الأمريكية أن تحقق الكثير من أهدافها فى المنطقة العربية».
وقالت: «إن هذا النظام يدعم الاستقرار فى المنطقة بالفعل، من خلال الحفاظ على ثوابت اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، والعلاقات السياسية مع إسرائيل، ونحن نخشى من أى نظام فى مصر يمكن أن يتنصل من هذه الاتفاقيات ويحول الشرق الأوسط بعد ذلك إلى بؤرة جديدة للانفجار، لأن أى عمل عسكرى بين مصر وإسرائيل لا بد أن يكون مختلفاً فى كل جوانبه عن أى عمل عسكرى آخر فى المنطقة، وإنه مع ذلك كله فإننا ما زلنا فى حوار طويل وممتد مع النظام المصرى حول الإصلاح الديمقراطى فى المنطقة».
وقالت أولبرايت: «إننى أعتقد أن النظام المصرى لن يستطيع أن يقاوم كثيراً الضغوط والمطالب الأمريكية، لأن ذلك سيؤدى إلى الإضرار به على المستوى الاستراتيجى، وهو ما لا يقبله النظام الحالى».
وقالت أولبرايت فى تقريرها إنها عبرت لبعض الشخصيات المصرية التى التقت بها عن وجود تخوف فعلى وواقعى فى الإدارة الأمريكية من أن البديل الجاهز شعبياً قد يكون دينياً فى الوقت الحالى، وقالت: «نحن لسنا ضد تكرار نموذج التجربة التركية والإسلامية فى مصر، إلا أننا نفضل أن يأتى البديل من داخل النظام الحالى فى الوقت الراهن، فهذا هو الأفضل والأقدر على الاستمرار فى معادلة الشرق الأوسط المستقر».
وطالبت أولبرايت فى هذا التقرير بضرورة مواصلة الإدارة الأمريكية حوارها مع الإسلاميين وتحديداً جماعة الإخوان المسلمين تحت أى صيغة، بهدف التعرف على المزيد من أفكارهم ومدى استعدادهم للقبول بالمطالب الأمريكية.
وفى عام 2005 قامت جماعة الإخوان المسلمين بتوجيه رسائل ضمنية لطمأنة الغرب خصوصاً الولايات المتحدة من خلال نشر مقال فى صحيفة «الجارديان» البريطانية، خلاصته أنه لا يوجد ما يقلق الغرب من صعود الإخوان المسلمين، كما أن المرشد العام للجماعة فى هذا الوقت محمد مهدى عاكف قال فى تصريح لوكالة «أسوشيتدبرس»: «إن الإخوان لن يسعوا إذا تسنى لهم الوصول إلى الحكم أن يغيروا سياسة مصر الخارجية، ومن ضمنها احترام معاهدة السلام».
كانت الإدارة الأمريكية فى هذا الوقت مرتبكة من المعلومات التى كانت تنشر عن وجود حوار سرى بينها وبين جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن الموقف الأمريكى بدأ يتغير تدريجياً بعد الإعلان عن فوز الإخوان المسلمين ب88 مقعداً من مقاعد مجلس الشعب فى عام 2005.
فى المرحلة الأولى، وعندما أعلن عن فوز الإخوان ب47 مقعداً من مقاعد البرلمان، علق ديفيد وولش، مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشئون الشرق الأدنى، بالقول: «إننا ننظر إلى الأمر على اعتبار أن مجموعة من المستقلين فازوا بعدد من مقاعد البرلمان».
وفى الجولة الثانية ارتفعت حصة الإخوان من مقاعد البرلمان إلى نحو 76 مقعداً، وهو على عكس ما جرى الاتفاق عليه بين الإخوان وجهاز مباحث أمن الدولة، ما اضطر الدولة إلى التدخل بعنف لتزوير الانتخابات ومنع الناخبين من التصويت. فى هذا الوقت عقد المتحدث الرسمى باسم الخارجية الأمريكية شون ماكورماك مؤتمراً صحفياً، شدد فيه على أن الحكومة الأمريكية لا تشعر بالارتياح إزاء ما يتردد عن أنباء عنف وتدخل قوات الأمن المصرى لمنع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم، وحث الحكومة المصرية على توفير المناخ الملائم أثناء سير عملية الانتخاب، كما أعرب عن قلق حكومته مما يتردد عن أنباء شن الحكومة المصرية حملة اعتقالات ضد المعارضين قبل إجراء المرحلة الثالثة والأخيرة.
وكان الإخوان قد كشفوا فى وقت لاحق عن تفاصيل اتفاقهم مع مباحث أمن الدولة إذ أصدروا بياناً قالوا فيه: «إن قيادة مباحث أمن الدولة استدعت بعض قيادات الإخوان بعد ترشيح 160 مرشحاً من الإخوان المسلمين للانتخابات البرلمانية عام 2005، وإنه لم يكن من الحكمة عدم الذهاب تحاشياً لشن حملة اعتقالات تطال المئات من الإخوان المسلمين».
وأشار بيان الجماعة إلى أن تفاصيل اللقاء تضمنت طلب قيادات أمن الدولة أن ينسحب عدد كبير من مرشحى الإخوان، وأن تكتفى الجماعة بثلاثين مقعداً فى البرلمان، فكان الرد من الإخوان بأن هذا حق الشعب أن يأتى بالعدد الذى يريد وأن مقاعد البرلمان لا توزع بهذا الشكل.
وأوضح البيان أن مباحث أمن الدولة عرضت على الإخوان رفع العدد المسموح به إلى أربعين مقعداً، إلا أنهم رفضوا هذا العرض، وأصروا على التمسك بأعداد من تم ترشيحهم.
وقال البيان: «إن هذه هى قصة انتخابات مجلس الشعب لعام 2005، ولو كان هناك اتفاق فلماذا تم التزوير والقتل والبلطجة وإسقاط المرشحين بالباطل فى الجولتين التاليتين؟».
غير أن هناك رواية أخرى كشفتها الوثائق التى تم العثور عليها فى أعقاب اقتحام مقر مباحث أمن الدولة بمدينة نصر فى 6 مارس 2011، حيث نشر الموقع الإلكترونى لصحيفة «المصرى اليوم» فى نفس يوم الاقتحام وثيقة صادرة من الجهاز تنفى ما ردده الإخوان المسلمين عن عدم وجود اتفاق مع مباحث أمن الدولة حول مقاعد مجلس الشعب.
لقد كشفت الوثيقة التى لا تزال منشورة على موقع «المصرى اليوم»، عن تفاصيل اجتماع جرى داخل مقر جهاز أمن الدولة فى 31 نوفمبر 2005 بين المهندس خيرت الشاطر، نائب رئيس المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، والدكتور محمد مرسى، مسئول ملف الانتخابات بالجماعة وقتها، وبين العميد رئيس مجموعة التنظيمات بجهاز مباحث أمن الدولة، للتنسيق بين الجماعة والجهاز بخصوص انتخابات مجلس الشعب.
وحسب الوثيقة، أعرب الشاطر عن استيائه من قيام محمد كمال، مسئول الحملة الإعلامية لمرشحى الحزب الوطنى فى الانتخابات، بتقديم شكوى للجنة الانتخابات بخصوص استخدام الجماعة شعار «الإسلام هو الحل».
وأشارت الوثيقة إلى أن المجتمعين استعرضوا أسماء مرشحى الإخوان المقرر خوضهم الانتخابات فى مرحلتها الأولى ودوائرهم، مضيفة أن جهود المذكورين «الشاطر ومرسى» أسفرت عن تقليص عدد المرشحين المزمع خوضهم للانتخابات فى المرحلة الأولى من 62 إلى 51 مرشحاً، وأنه جارٍ تقليص العدد ليصل من 40 - 45 مرشحاً.
وأكدت الوثيقة أنه جرى الاتفاق بين الجماعة ومباحث أمن الدولة على قيام الجماعة بإصدار تكليفات لعناصرها بعدم مساندة العناصر الإثارية، وتحديداً مصطفى بكرى «فئات» الدائرة 25 التبين، ومجدى حسين «فئات» الدائرة 21 المنيل.
وأشارت الوثيقة إلى إخلاء بعض الدوائر لعدد من الشخصيات جرى الاتفاق عليها بين الطرفين.
وأكدت الوثيقة أن «خيرت الشاطر ومحمد مرسى أبديا استجابتهما لتنفيذ توجيهات الجهاز»، مشيرة إلى أن أحد عناصر الجهاز المخترقة للجماعة رصد صدور تكليفات لعناصر الجماعة فى الجيزة والإسكندرية بتخفيض عدد المرشحين الأصليين، حيث تنازل 3 مرشحين بكل محافظة.
كان ذلك هو مضمون الاتفاق الذى اعترف به الإخوان المسلمون من حيث الشكل، إلا أنهم راحوا يشككون فى التفاصيل، حتى جاءت هذه الوثيقة لتكشف مضمون الاتفاق تفصيلياً.
كانت واشنطن فى هذا الوقت تدرس أبعاد الصعود الكبير لجماعة الإخوان وحصولها على 88 مقعداً دراسة عميقة، حيث بدأت تفكر جدياً فى هذا الوقت فى التنسيق مع الإخوان المسلمين لرسم ملامح المستقبل فى مصر، ولكن بدرجة من التحفظ، حتى لا تثير قلق نظام حكم الرئيس مبارك.
فى هذا الوقت قال جيسون براونلى، أستاذ العلوم السياسية والمتخصص فى قضايا التحول الديمقراطى فى منطقة الشرق الأوسط، فى مقابلة مع «تقرير واشنطن»: «إن التحفظ فى موقف الإدارة الأمريكية من صعود الإخوان طبقاً لنتائج الانتخابات المصرية، أمر مفهوم ومتوقع؛ فالإدارة التى تتبنى مشروعاً لتغيير وجه الشرق الأوسط وتعزيز الديمقراطية شعرت بخيبة الأمل من تراجع أداء التيار الليبرالى وبقية الأحزاب السياسية المصرية فى التاريخ المصرى، ولم يعد أمامها من خيارات سوى النظام الحاكم أو جماعة الإخوان، وبالتالى فإن الإدارة عليها أن تختار بين الضغط على النظام القائم لتحقيق إصلاحات ديمقراطية على المدى البعيد، وإحداث حراك فى المجتمع المصرى بمواصلة دعم التيارات الليبرالية ومؤسسات المجتمع المدنى، أو أن تتقبل وصول الإخوان للحكم فى مصر وما ينطوى على ذلك من تهديد للمصالح الأمريكية فى المنطقة».
واعتبر المحلل الأمريكى أن أولوية الولايات المتحدة هى فى استقرار الحياة السياسية فى مصر ووجود حكومة لا تضر بالمصالح الأمريكية فى المنطقة.
أما ميشيل دن، الخبيرة فى معهد «كارنيجى» للسلام فى أمريكا والأستاذة بجامعة جورج تاون، فقد كان من رأيها فى هذا الوقت أن «إدارة بوش لعبت دوراً فى غاية الأهمية للضغط على النظام المصرى وتشجيعه على القيام بإصلاح، حتى وإن أدى ذلك إلى تحقيق جماعات معارضة لسياسة الولايات المتحدة مكاسب سياسية»، وقالت: «على الولايات المتحدة أن تشجع تعزيز الديمقراطية والإصلاح، بما فيها إجراء انتخابات حرة بصرف النظر عن القوة أو التيار الذى تأتى به نتائج هذه الانتخابات».
أما مادلين أوبرايت، التى كانت تترأس المعهد الديمقراطى الأمريكى فى هذا الوقت، أثناء وجودها فى دبى فى أول ديسمبر 2005، فقد علقت على نتائج الانتخابات البرلمانية المصرية بالقول: «إن خطر استبعاد الإسلاميين من المشاركة فى الحياة السياسية على أساس أنهم غير ديمقراطيين يعتبر خطأ»، وحذرت أمريكا من دعم إصلاحات زائفة تؤدى إلى عزل المعارضة الإسلامية، واعتبرت أن أنجع وسيلة لانحسار التطرف فى الشرق الأوسط هو السماح للمعارضة الإسلامية غير العنيفة بالمشاركة فى الحياة السياسية.
كان الحديث يتردد بقوة داخل الدوائر الأمريكية السياسية والإعلامية للمطالبة بمنح الشرعية السياسية للإخوان المسلمين، باعتبارهم القوة المؤهلة لحكم البلاد فى الفترة المقبلة. ونشرت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور»، فى افتتاحيتها الصادرة فى 23 نوفمبر 2005، مقالاً بعنوان «منح الشرعية للإخوان المسلمين»، تحدثت فيه عن التطورات السياسية الأخيرة فى مصر، ورأت أن مطالبة أمريكا للحكومة المصرية بإضفاء الشرعية القانونية على نشاط جماعة الإخوان أمر بالغ الحساسية، وأن وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس لن تخوض فى تناول هذا الأمر بصورة معلنة.
وأشارت الصحفية إلى أنه «لا داعى لمخاوف الغرب من أن يكرر الإخوان النموذج الإيرانى»، وقالت إن «الجماعة نبذت العنف منذ زمن، وإنها تتبنى خطاً معتدلاً فى الوقت الراهن».
كانت كوندليزا رايس فى هذا الوقت قد طرحت ما سمى ب«مخطط الفوضى الخلاقة» كسبيل لتحقيق الديمقراطية وبناء شرق أوسط جديد وفق المفهوم الذى طرحته رايس فى ذلك الوقت.
و«الفوضى الخلاقة» مفهوم مبنى على نظرية الانفجار الكونى، وهو مفهوم «إلحادى» يقول إن الكون كله خلق من الفوضى، وإن الفوضى هى التى خلقت الكون دون إله واحد قادر على ذلك -كما يزعمون- وبالتالى فالفوضى التى يمكن صناعتها الآن فى العالم ستخلق فى النهاية نظاماً عالمياً موحداً.
لقد تم إطلاق هذا المصطلح العقائدى الملحد الفاسد فى إطار مشروع يصب فى إطار خلق الفوضى فى العالم العربى والإسلامى، بهدف افتعال فوضى مدبرة تؤدى إلى خلق واقع جديد يحقق فى النهاية نظاماً قطبياً عالمياً موحداً تكون السيادة فيه لليهود.
ووفقاً لرؤية كوندليزا رايس -صاحبة هذا المصطلح- فإن مفهوم «الفوضى الخلاقة» يعنى «التخلى عن مفاهيم الأمن والاستقرار، حتى ولو تسبب ذلك فى إسقاط العديد من الأنظمة الحليفة والموالية للولايات المتحدة».
وبزعم الدعوى إلى الإصلاح والديمقراطية تطالب كوندليزا رايس بترك التفاعلات التى تموج بها هذه المنطقة، حتى ولو أدى ذلك إلى سيادة الفوضى التى ربما تنتج فى النهاية وضعاً أفضل من الأوضاع السائدة.
وفى حديث لها حول تعريف «الفوضى الخلاقة» قالت كوندليزا رايس، فى حوار ل«الواشنطن بوست»، بتاريخ 19 أبريل 2005: «إن الفوضى التى تفرزها عملية التحول الديمقراطى فى الشرق الأوسط فى البداية هى نوع من الفوضى الخلاقة التى ربما تنتج فى النهاية وضعاً أفضل مما تعيشه المنطقة فى الوقت الحالى».
وتقوم هذه الفكرة على استقراء جيد لخريطة المجتمعات العربية بكل تضاريسها الفكرية والثقافية والاجتماعية، لتوظيفها التوظيف الصحيح، الذى يخدم المخطط فى أبعاده المختلفة.
وقد ارتكزت كوندليزا رايس فى فكرتها على فهم عميق لتأثيرات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى والستالايت، من حيث سرعة انتقال المعلومة والقدرة على التجمع والتواصل وخلق مجتمعات وتجمعات حرة، بعيداً عن الأنظمة وأجهزة المراقبة، لتكون نواة قوية لتحريك المياه الراكدة. والفوضى وفق هذا المفهوم تعنى انتفاء السلطة ومؤسساتها، والمجموعة الفوضوية هى الجماعة التى يتساوى أفرادها ولا قائد لهم، وهؤلاء خاصة «الأناركيين» منهم يسعون إلى جعل الدول المستهدفة بلا رئاسة عسكرية أو مدنية، حتى تغرق البلاد فى فوضى كاملة، وهم يفخرون دوماً بأن الثورة بلا قائد، وهؤلاء يرون أنه بعد الفوضى وهدم الدولة يأتى الدور على تحرير المجتمعات من كل ضوابط العرف والشرع والدين والمجتمع، ثم يأتى بعد ذلك أوان البناء على أسس وقواعد ومبادئ الماسونية، الذى يعبر عنه اسم الماسونية «البناءون الأحرار».
وقد رصد الخبراء والمتخصصون فى نظرية «الفوضى الخلاقة» خطوات الفوضى على الوجه التالى:
1- الخروج فى تظاهرات جماعية، ترفع شعارات تلقى قبولاً جماهيرياً واسعاً، مع دعوة الجماهير للمشاركة فى هذه التظاهرات للتخلص من الأنظمة الحالية المستبدة.
2- استفزاز الأمن من قبل عناصر مندسة لدفعه إلى الصدام مع الجماهير لاكتساب تعاطف واسع من فئات جماهيرية تقف على الحياد، فتضطر إلى المشاركة.
3- سقوط الأمن فى انهيار مفاجئ نتيجة إنهاكه وحصاره وإضعاف معنوياته بطرق يجرى التدريب عليها من خلال أكاديميات متخصصة لهذا الغرض، تقيمها منظمات ودول غربية عديدة للمساعدة فى التغيير فى البلدان المستهدفة، عبر الاستعانة بفئات من شباب هذه البلدان.
4- شيوع الفوضى فى البلاد، والتحريض على المؤسسات المختلفة وتعطيل العمل والإنتاج، وإبقاء البلاد فى حالة انقسام ومعاداة الأنظمة الجديدة التى تخلف الأنظمة المستبدة، والدعوة إلى إسقاطها.
5- هجوم جماعى من الخارجين على القانون لترويع الآمنين.
6- استمرار الثورة على أجهزة الأمن المختلفة وسحقها، وتعمد خلخلة الجيوش والدعوة إلى بث الفتنة فى صفوفها، تمهيداً لإسقاطها حتى تسود الفوضى العارمة وتسقط بقية مؤسسات الدولة.
7- اللعب بعقول المتظاهرين وتضخيم دورهم للحصول على مكاسب فئوية أكبر من طاقة الدولة بكثير، ما يؤدى تباعاً إلى إفلاس الدولة وانتشار عمليات النهب والسرقة وقطع الطرق والحيلولة دون تشكيل أى قوات أمنية جديدة لإعادة الأمن والاستقرار، بزعم أن أجهزة الأمن أجهزة قمعية معادية للثورة، مع زيادة مساحة عدم الثقة فيما بينها وبين الجماهير.
8- شغل الجهات القادرة على إحداث التوازن، مثل الجيش، بقضايا فرعية، وإنهاكه لشغله عن مهمته الأساسية، التى هى الدفاع عن الوطن.
9- محاولة زعزعة النظام والجبهة الداخلية لمنع التهدئة وإبقاء المجتمع فى حالة قلق وفوضى، حتى يستسلم المواطنون لهذه الحالة ويكونوا مستعدين للقبول بسياسة الأمر الواقع.
10- فى النهاية يجرى تسليم الوطن لأعدائه، حيث تتدخل هذه القوى المعادية فى شئون هذه البلدان بحجة وقف انتشار الفوضى وإعادة الأمن والاستقرار فيها، بما يحاكى النموذج الصومالى.
لقد تحدث الدكتور ماكس مانوارينج، الباحث بمعهد الدراسات الاستراتيجية الأمريكى التابع لكلية الحرب الأمريكية، عن ترجمة لمضمون هذا المخطط، مجسداً ذلك فى سبع نقاط أساسية هى:
1- انتهاء الحروب بشكلها التقليدى التى كانت تعبر فيها الجيوش النظامية إلى الدول المعادية للسيطرة عليها، وبداية ظهور الجيل الرابع من الحروب غير النمطية، الذى يتمثل فى إنهاك وتآكل إرادة الدولة المستهدفة، من أجل إرغامها على تنفيذ إرادة الغرب فى النهاية.
2- الهدف من الجيل الرابع من الحروب ليس فقط القضاء على قدرة الأمم على شن عمليات عسكرية خارج حدودها، ولكن الهدف أيضاً هو إنهاك وتآكل الدولة المستهدفة ببطء وثبات، من أجل اكتساب النفوذ الذى يمهد إلى إرغام تلك الدولة «العدو» على تنفيذ إرادتك.
3- هدفنا هو التحكم والوصول إلى نقطة التأثير فى العدو، والسلاح الرئيسى فى هذه الحرب ليس قوة النيران بل القدرات العقلية.
4- القاسم المشترك فى تنفيذ الجيل الرابع من الحروب هو زعزعة الاستقرار، وقوات تنفيذ المخطط ليست قوات نظامية، وليس كل أعضائها من الرجال، بل بينهم نساء وأطفال، أى بالاعتماد على القوى الشعبية.
5- تتعدد صور زعزعة الاستقرار، وفى الغالب ما تكون بطرق حميدة إلى حد ما (أى ينفذها مواطنون من الدولة العدو)، بهدف خلق دولة فاشلة، أول ملامحها هو إيجاد أماكن داخل الدولة خارج السيطرة والسيادة، عن طريق دعم مجموعات غير تابعة للدولة محاربة وعنيفة وشريرة، للسيطرة عليها لصنع ما يسمى «إقليماً غير محكوم»، وهو فى الحقيقة إقليم محكوم من قبل قوة أخرى، وبذلك تخلق دولة فاشلة.. والدولة الفاشلة «لا تتلاشى»، بل تصبح دولاً للجريمة، أو تقسم إلى دويلات صغيرة جديدة، ثم نستطيع أن نتدخل ونتحكم فى هذه الدول.
6- إن هذه الدولة الفاشلة مؤهلة لأن يتم اختطافها عن طريق التحكم الفكرى والسياسى لنظام الحكم، بحيث تصدر القرارات لا تعبر عن إرادة الشعب، بل تعبر عن إرادتنا نحن.
7- مصطلح الحرب يعنى الإكراه سواء كان قاتلاً أو غير قاتل.. الدولة الفاشلة، وهى ليست حدثا ولكنها عملية تنفذ ببطء وبهدوء كافٍ، وإن فعلت هذا بطريقة جيدة ولمدة كافية باستخدام مواطنى دولة العدو من الطابور الخامس، فسيستيقظ عدوك ميتاً.
كانت تلك هى الرؤية التى انطلقت منها وارتكزت عليها الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لتغيير خريطة الشرق الأوسط، وإعادة رسمها من جديد، باستخدام القوة الناعمة من داخل المجتمعات ذاتها. بعدها تكثفت الاتصالات بين الكونجرس الأمريكى ونواب من جماعة الإخوان المسلمين فى مجلس الشعب 2005 - 2010، وكانت هذه الاتصالات تجرى برعاية الخارجية الأمريكية والسفارة الأمريكية فى القاهرة، وكان النظام المصرى قلقاً للغاية من هذه الاتصالات، لكنه لم يكن قادراً على منعها فى ذلك الوقت.
(الحلقة المقبلة: الاثنين المقبل)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.