لأنه صغير قصير، راح يشب ليستطيل كى يراه الناس؛ فضآلته منحته إحساساً داخلياً بالاختلال والحاجة إلى إثبات الذات، يصرخ يومياً ويرفع إصبعه ولا يلتفت إليه أحد، «يشخط وينطر» ولا يستجيب أحد، سأل نفسه: «لماذا لم يضع الله فى المهابة»؟ فأجابته مرآته: «لأنك ضئيل مأمور». فرد: «لست كذلك». فصرخت المرآة فى وجهه: «أنت عبد». فقال بطريقته الثرثارة: «لست عبدا، وإنما العبد كذا وكذا، والحق أبلج والباطل لجلج». فقالت: «كف عن الثرثرة والرطرطة، لقد صنعوا منك عقلة للإصبع». وزادت: «ألا ترى استهانتهم بك؟ ألا ترى استخفافهم بحركاتك وتصرفاتك؟ ألا ترى تحديهم لإشاراتك؟ ألا ترى سخريتهم من ضآلتك؟» فغضب وراح يشير بيديه كما اعتاد وقال: «لقد غضبت ولكن لم يعلمونى كيف أتصرف، لم يعلمونى كيف يهابنى الناس». المرآة أرادت أن تلقنه درساً فتحدثت بلسان الراوى: «عد إلى قصة عقلة الإصبع ستجد العبرة فيها؛ فقد جاء لأبويه قصيرا ضئيلا لكنه كان ذكيا، حاوِل أن تتعلم كيف تجلس فى أذن الحمار، تعلم كيف تستبدل تيجان بنات الغول، تعلم كيف تضع الحصى فى طريقك حتى تستطيع أن ترجع منه مرة أخرى، تعلم كيف تحصل على حذاء الغول حتى تأمن شره وتأخذ ماله». صمت للحظة ثم عاد قائلا: «أنت تسخرين منى مثلهم» فقالت: «ليس كذلك.. أنت أحمق تتحدث بما لا تفهم ولا تدرك ما تقول ولا توجد لديك خبرة، قلت لك مرارا وتكرارا: لا تكن ثرثارا رطراطا»، فعاود احتجاجه: «إنك صورة من الشيطان، أنت من المتآمرين الحاقدين»، فقالت له: «بل أنا صورتك المهزوزة المهتزة المرتبكة المتعجلة الحمقاء، تكره حقيقتك وتجادل لأنهم علموك ذلك، انعتق من حمقك وتفاهتك»! «عقلة الصباع» يعترض أمام مرآته ومرآته تدفع إليه بالإهانات، ويغضب قليلا، لكنه يختم دائما بابتسامة بلهاء ويتحدث عن «جلده التخين وعن الدم اللى بيخر» ويكرر نشيده: «مرشدى يا مرشدى أنت عونى وملجئى» يتغنى عقلة الإصبع بأوراد وأناشيد مرشده ويعود إلى مرآته قائلا: «بطلى زن الناموس» فتشير إليه مرآته: «أنت بتلق فى الجلابية، القصير الضئيل يبحث عن المقاس المناسب.. دى كبيرة عليك قوى»، فيعود مستدعيا ابتسامته البلهاء: «موتى بغيظك» يطير عقلة الإصبع بين شوارع الحى ويطلب من الجميع: «ما حدش ينادينى بعقلة الصباع عشان أنا مش قصير أُزعة أنا طويل ومش أهبل» ينظر إليه الجميع متحسرين على الحى الذى سكنه «الأهبل» وتغادره المرآة بعد أن ألقت صورته الملطخة بالسواد فى بركة مياه وقالت: «لا تنصح العبد ولا تخلى العبد ينصحك، روح يا أخى ده انت...» وهنا سكتت المرآة عن الكلام المباح!!