«إحالة أوراق المتهم..» لم يكمل القاضى كلماته التى سمعوها عبر الأثير حتى تحول الترقب إلى فرحة واللهفة إلى انتشاء، هكذا تزينت السماء بألوان طيف أحدثتها طلقات الشماريخ. «72 لن ننساكم» لافتة رفعتها إدارة الأهلى فوق أسوارها احتفاء بالشهداء، فيما كان النظر إليها يعيد ذكريات مؤلمة لم تمحها الشهور قبل أن تصبح قبلة أعضاء الألتراس رافعين أكف الضراعة إلى الله بقراءة الفاتحة على أرواحهم، كانت «آمين» إيذاناً ببدء المهرجان.. عندها اعتلى المئات أسوار «معشوقهم» مرددين هتافات: «يوم ما أبطل أشجع هكون ميت أكيد» لتحتفى إدارة النادى بالحضور الغفير وسمحت لهم بالاحتفال داخل ملعب الكرة. على أبواب مدرج «مختار التتش»، المهجورة منذ عامين، بعد أحداث مباراة «كفر الشيخ» بدا السرور واضحاً على الوجوه «وحشتنى وقفة الجمهور فى المدرج» بابتسامة صافية يقولها حمزة، أحد عمال النظافة، المائل وجهه للسمرة، قبل أن يبدأ فى الهتاف مع زوار المكان القدامى: «جمهوره ده حماه.. ع الحلوة والمرة معاه»، ثوانٍ كانت كافية لامتلاء المدرجات، فيما بدا أن المشهد معد سلفاً، فها هم الأفراد ينتشرون فى أرضية الملعب، بينما احتل آخرون الدكة المخصصة للمدير الفنى، فى الوقت الذى تعالت أصوات الجمهور: «فى الجنة يا شهيد». «يا ريت البلد كلها ألتراس ماكنش حق شهيد يروح» يقولها أحد مشجعى النادى موجهاً حديثه لصديق قبل أن يرد: «الأهلى لما طلع تالت العالم الجمهور ماكنش مالى المكان كده»، استعدادات الأمن المترقبة لحدوث أزمة تلاشت مع التحام الألتراس معهم حين صارت الأحضان لغة الحوار «أنا هنا من امبارح مانمتش م القلق كنت متوقع الدنيا تبوظ.. بس الحمد لله دلوقتى طاير م الفرحة» يعلق بها عم رمضان، أحد أفراد الأمن، على شعوره عقب الحكم أثناء تنظيمه دخول الآلاف للملعب، بدأت اللافتات ترتفع داخل الجدران الأسمنتية وكأن الحضور كان لديهم شعور بالاستعداد محتفلين «المدرج حتة منه مات شهيد فى صغر سنه»، تمر سيدة خمسينية تتشح بالسواد معلقة على رقبتها صورة لولدها الشهيد تردد بانتظام عبارة واحدة لا تتبدل: «يا ألتراس يا أحرار.. ربنا يحفظكوا يا أبطال»، فى الجهة المقابلة لاستاد «التتش» تتجلى عبارة «صالة شهداء النادى الأهلى» المخصصة لتكريم ضحايا المجزرة. شعارات أعضاء الجروب وملابسهم كانت علامة بارزة فى الحدث، فالجميع بدوا جسداً واحداً يرتدون ملابس مزينة بكلمات إجلالاً للشهداء «74 بأى ذنب قتلوا.. تالتة شهداء.. وحياة دمك يا شهيد..»، الجلوس على الأرض كان سمة اللحظات الأولى التى بدأت بالترقب «سيد الموقف»، بعيون متلهفة ووجوه شاحبة وأعصاب منفلتة، انتظروا سماع الحكم فيما كان اللسان عاجزاً عن النطق، الأعداد تتزايد كسرب نمل منتظم، فى تمام الثامنة إلا عشر دقائق كانت الأجواء خاوية، فيما كانت دقات الثامنة صباحاً إيذاناً بالحضور فى الموعد المحدد سلفاً، كانت مهمة محمد عيد هى دق طبول النصر على «الطبلة» التى تلازمه أينما ذهب فى الاستاد وأمام المحكمة حتى يوم الحكم، كان جاهزاً لإطلاق شرارة الغضب التى تحولت ابتهاجاً بالحكم على 21 متهماً بالإعدام «كنت هلبسها فى دماغ أى ظابط» بسخرية يقولها الشاب الذى لم يكمل عامه العشرين على استخدام آلته الموسيقية فى حال عدم رضائه عن الحكم، ليضحك رفيقه «طارق» الممسك بالطبلة مردداً عبارة «الحمد لله» يتبعها زفرة تعبر عن زوال الغمة.