لم تجرؤ كاتبة واحدة، باستثناء الدكتورة «نوال السعداوى»، حتى الآن على نشر شهادتها العملية على عملية «الختان»، أو بالأدق «تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية» وهو المصطلح المعتمَد من قبَل «منظمة الصحة العالمية»! حتى تجربة الحمل والإنجاب، رغم أنها «عبقرية الأنثى» التى تنفرد بها، لم تسجلها واحدة منا.. وكأنما نركع ضمنياً للمجتمع الذى يعتقلنا فى خانة «العار والعورة».. أو أننا سلَّمنا صكوك ملكية أجسادنا للرجال، «فلهم حرية التشويه والضرب، والتحرش والاغتصاب، والحجب أو الكشف.. إلخ من أشكال الاستغلال الجسدى للنساء من الدعارة إلى جهاد النكاح»!. نحن «أجبن» من كسر «تابوه الجنس» الذى يتجسد فى المرأة باعتبارها رمز الخطيئة والغواية، التى تحمل جريمة «حواء» على مدى التاريخ، وتكفّر عن خروج سيدنا «آدم» من الجنة حتى الآن. وختان الإناث يشتبك مع كل التابوهات المحرمة، فهو قانونياً يرضخ لتابو «السياسة».. وثقافياً ينحاز لأعفن ما فى تابو «الدين»، ويُحيى أسوأ ما فى العادات والتقاليد. فيما يشبه «السلخانة» كانت الفتيات الصغار تساق فى الريف والصعيد إلى «حفل ختان» همجى وبربرى.. فى أكبر عملية «هتك عرض» تتجمع فيها الأمهات، وتتسيّد الموقف «الداية» التى تبتر «البظر» وتضع مكانه البرود والتبلد والإحساس بالذنب وربما الاكتئاب الذى يصاحب المرأة بقية عمرها. لا يسأل «الأب» عن قطيع البنات اللاتى ذُبحن قرباناً ل«شرفه»، وكأنه يفضّل أن تسدد ابنته ثمن حياتها من دمها بدلاً من أن يريقه -فيما بعد- ويحرمها الحق فى الحياة!. وبعدما جاءت المادة «242 مكرر» من قانون العقوبات المصرى عام 2008، بدأ ما يسمى «تطبيب ختان الإناث»، وأظهر المسح الذى أجرته «اليونيسيف» عام 2014 أن 82% من حالات ختان الإناث فى مصر الآن تتم على يد «الأطباء وفريق التمريض»، بالمخالفة للقانون وقرارات وزير الصحة ونقابة الأطباء. الطفلة «ميار محمد موسى على» آخر ضحايا مجازر الختان فى المستشفيات، حملتها أمها مع شقيقتها التوأم إلى مستشفى «القناة الدولى» بالسويس، ماتت «ميار» عقب بتر كرامتها وإنسانيتها بمشرط حاد حل محل «موس الداية الصدئ». ربما أصابتها صدمه عصبية أو أزمة قلبية من الذعر أو نزيف حاد.. لكن الغريب أن الأم (لأنها شريكة فى الجريمة) تواطأت مع الأطباء وادعت أن ابنتها توفيت خلال إجراء عملية إزالة لحمية أسفل البطن وليس عملية ختان!. قصة تحدث كل يوم لا نكتشفها لأن «الأسر المحافظة» تتكتم على حوادث التحرش والاغتصاب وإصابة الفتيات بعاهة مستديمة أى الختان.. لكن مفتش الصحة بالسويس الدكتور «صدقى سيدهم» رفض إصدار تصريح بالدفن للفتاة، كما طلبت أم الطفلة، بعدما اكتشف أن الوفاة بسبب إجراء جراحة عملية ختان، وأبلغ النيابة التى حولت الطفلة إلى الطب الشرعى. هل غلق المستشفى أو سجن الطبيبة المدانة التى نفذت الجريمة سيعيد «ميار» إلى الحياة؟.. إطلاقاً. هل الموت المتكرر لصبايا كل ذنبهن أنهن «إناث» سيحرر المجتمع من الخرافة؟ هل ستقتنع المرأة التى تصدّر قهرها ومحنتها الخاصة لابنتها أن الختان ليس من شعائر الدين وفروضه؟ وتدرك أنها تورث ابنتها عقدها النفسية وأزمتها الموصولة فى غرفة نوم لم تعرف إلا «البرود الجنسى» وعدم الارتواء. إذا كان الطبيب الذى يفترض أنه «مثقف» يتملكه الوسواس القهرى من جسد المرأة ويحل لنفسه بتر جزء من المرأة خلقه الله فى «أحسن تقويم».. فماذا نقول لسكان العشوائيات ممن يتحالف ضدهم الفقر والجهل والخوف من العار؟ فى «اليوم العالمى للقضاء على ختان الإناث» تعهّد الدكتور «أحمد عماد»، وزير الصحة والسكان، بالقضاء على ظاهرة الختان بحلول عام 2030.. ورغم أنه قد لا يكون فى منصبه فى 2030 إلا أنه لم يقل لنا ما هى استراتيجية الوزارة للقضاء على الختان؟ بحسب تقارير «الأممالمتحدة»: مصر «عاصمة الختان فى العالم»، فمن بين كل النساء والفتيات اللواتى خضعن لعملية الختان حول العالم، واللواتى يبلغ عددهن 125 مليوناً، واحدة من كل أربعة منهن تعيش فى مصر وهى نسبة تفوق أى دولة أخرى فى العالم!. «ميار» كانت واحدة من الأربعة، سلّمتها أمها للطبيب وكأنها تلقى ب«عروس النيل» فى المياه ليستمر نزيف العذارى.. وتحل علينا اللعنات بدلاً من البركات. الأم والطبيب (هل هناك أياد أكثر أمانة منهما؟) اعتقدا أن أياديهما تتطهر بدماء «العفة»، لكن الأيادى الخبيثة اغتالت البراءة والطهر.. سرقت «السر الإلهى» من «ميار» لتصعد إلى عالم الفضيلة الذى لا يعرفونه.