فى عام 1827 تم تعيين الطبيب الفرنسى أنطوان براثيليمى كلوت، لتولّى مهمة تنظيم وإنشاء مدرسة طبية، واعتبر تأسيس مدرسة «القابلات» كفرع لمدرسة الطب عام 1832، بمثابة إسهام غير مباشر فى مهمة توفير المهنيات المتخصصات فى الصحة اللاتى يملكن المهارة اللازمة فى الطب، والقبالة، والجراحة، وبقدر ما انتقد كلوت بك الدايات المتخصصات فى التوليد انتقادًا شديدًا ووصفهن أنهن جاهلات، لأنهن لسن ملمات بمبادئ الطب الحديث، وأدان وشجب ممارسة «إخصاء الرجال»، باعتبارها تمثّل انتهاكًا لقوانين الطبيعة ومبادئ الأخلاق، فإنه التزم الصمت تجاه عملية «ختان الإناث» ومهارات الدايات «الخافضات» اللاتى كن يقمن بإجراء عمليات الختان. لم يكن كلوت بك يعلم أن قبل حلول القرن العشرين سوف يتم استبدال بالداية وحلاق الصحة، الأطباء، لإجراء عمليات الختان، رغم أنهم أقسموا قسم أبقراط قبل مزاولتهم المهنة الطبية، لم يكن كلوت بك يعلم أن كثيرات من فتيات مصر سيفقدن حياتهن على أيدى أطباء/ طبيبات، لم يكن ختان الإناث ضمن المقررات التى درسوها ولا الدروس العملية التى تلقوها. بتر وتشويه الأعضاء الجنسية الأنثوية ممارسة ثقافية وليست دينية، فهى تمارس بشكل رئيسى فى إفريقيا، ومن المؤكد تاريخيًّا أن المجتمع المصرى قد عرف ختان الإناث قبل اعتناقه المسيحية والإسلام، فالقرآن الكريم قد خلا من أى نص يتضمَّن أى إشارة عن ختان الإناث، وليس هناك إجماع شرعى فيه، كذلك لم يرد ذكر ختان الإناث فى الإنجيل أو التوراة ، فهذه الممارسة غير معروفة فى الدول الإسلامية الرئيسية مثل السعودية والعراق والجزائر وباكستان ودول الخليج، وهذا يؤكّد لنا علاقة الختان بالثقافات الإفريقية الممتدة على طول مجرى وادى النيل. وتُعتبر مصر أعلى نسبة فى ممارسة الختان بعد الصومال وجيبوتى، أى أن مصر هى من أكثر دول العالم التى تمتلك أعداد فتيات مختونات حول العالم. فالختان هو بمثابة رسالة للتحكم فى أجساد النساء، رسالة لتهدئة الخوف الذكورى من حرية النساء الجنسية ، هو بمثابة القارورة الضيقة التى تحجز طاقتها الجنسية بحزام عفة مصنوع من تشويه لحمها. وختان الإناث يعد شكلًا من أشكال العنف ضد المرأة، ويرجع انتشار العنف ضد النساء إلى جذوره الراسخة فى النزعة الأبوية وعلاقات السيطرة والتبعية الأخرى، فالنزعة الأبوية متمرسة فى القواعد الاجتماعية والثقافية، ورسخت وجودها فى الهياكل القانونية والسياسية، وهى تحد من خيارات المرأة وحقوقها فى العيش بكرامة وحرية. كانت هذه المقدمة الطويلة لنعرض حكمًا مهمًّا تم فى هذا الصدد، فقد قضت محكمة استئناف المنصورة بمحافظة الدقهلية يوم 26-1-2015 بمعاقبة طبيب بالسجن بالأشغال الشاقة لمدة عامين، وغلق عيادته لمدة عام فى دعوى وفاة طفلة إثر عملية ختان. فى أول حكم للإدانة منذ صدور قانون بتجريم ختان الإناث منذ عام 2008، وكان الطبيب رسلان فضل قد تمت تبرئته سابقًا من القتل الخطأ للفتاة سهير الباتع، البالغة من العمر 13 عامًا، فى أثناء إجراء ختان الإناث، لكن النيابة العامة طعنت فى الحكم، كما قضت المحكمة المصرية بسجن والد الطفلة أيضًا ثلاثة أشهر مع وقف التنفيذ، لأنه اصطحب ابنته إلى هذا الطبيب من أجل ختانها، الأمر الذى أدّى إلى وفاتها، وفق ما جاء فى قرار المحكمة. بماذا كانت تشعر الصغيرة سهير؟ هل وعدوها بحلوى وفستان جديد وطعام شهى؟ هل طعم الخوف والرعب بقى عالقًا فى لسانها؟ هل عبأ الطبيب بالآلام وبصراخها الذى صم أذنيه وما زال؟ هل زفر أبوها بأسى وتنهَّد تنهيدة طويلة موجعة وقال من غير ندم هذه إرادة الله وهم يهيلون عليها التراب. هذا الحكم هو بمثابة حكم تاريخى لحماية الفتيات من هذه الجريمة ومحاكمة مرتكبيها، ويجب أن يسارع البرلمان القادم بسن تشريع يغطى كل أشكال العنف ضد المرأة (البدنى والجنسى والنفسى)، ووضع الإطار القانونى والسياسى لحماية النساء من العنف، وتنفيذ هذا الإطار بفاعلية.