نسبة كبيرة ممن «اشتغلوا» بالمظاهرات المستمرة بعد نجاح ثورة يناير لم يشاركوا أصلاً فى مظاهرات الثورة، ولم يدخلوا ميدان التحرير ولا غيره من ساحات التظاهر فى عام 2011، فلا الوجوه هى الوجوه، ولا السلوكيات هى السلوكيات، ولا الروح هى الروح. أما النسبة الباقية وهى الأقل، فتنقسم بين شباب يرى أن الاعتصام والتظاهر هما الضمان الوحيد لاستمرار الثورة، وتحقيق أهدافها، وآخرين يرون أن الثورة يجب أن تستمر طالما لم يصلوا هم إلى السلطة، أو لمنع الإسلاميين من الوصول للسلطة أو البقاء فيها، وهؤلاء فيهم من ينتهج العنف. قبل عشرين عاماً ظهرت موجة عنف من جانب جماعتى الجهاد والجماعة الإسلامية، وقد تعامل معها النظام البائد بعنف أشد شمل القتل العمد والاعتقال دون محاكمة لسنوات والتعذيب والمحاكمات العسكرية، وبعد أن أجهد الطرفان بعضهما البعض بدأت بعض المراجعات الفكرية التى نجحت فيما فشل فيه العنف. اليوم.. يتصاعد العنف الاحتجاجى، وتظهر جماعات وحركات تعلن صراحة أنها تنتهج العنف، ومنها حركة القناع الأسود التى تتعهد باستخدام العنف ضد جماعة الإخوان المسلمين ووزارة الداخلية (الوطن 22 يناير)، وهى حركة سرية هددت باستخدام قنابل المولوتوف ومسدسات الخرطوش وغيرها من الأسلحة، لأن عهد «السلمية» قد انتهى، كما ترى، وأنها ستجعل أيام الإسلاميين جحيماً! وشعارها «نحن فوضى تمنع الفوضى»، وحين سألت الصحيفة أحد مسئولى الحركة: ألا تخشون أن يتم القبض عليكم أو على بعض أعضاء الحركة، لإعلانكم صراحة أنكم ستستخدمون العنف؟ كان الرد: لو حدث مثل هذا الأمر، فستنقلب الدنيا على الإسلاميين وعلى الرئيس مرسى! فرغم أن الأمر يتعلق بكيان الدولة، فإن هناك من هو مستعد لأن يقلب الدنيا من أجل عدم المساس بمن يريد هدم الدولة. اليوم أيضاً.. لا مجال مطلقاً لأن تستخدم الدولة نفس الأساليب الأمنية السابقة التى استخدمتها الداخلية وجهاز مباحث أمن الدولة، وفى المقابل لا يجوز السكوت على مثل هذه الحركات إذا ما لجأت لتطبيق أفكارها، وانتهجت العنف. التعامل مع الفئات الثلاث التى أشرت إليها يحتاج إلى مدخل مختلف. وبدايةً، يجب أن تنشط لدراسة هذه الظواهر الاجتماعية مؤسسات علمية يصعب اتهامها بالانحياز السياسى، كمراكز البحوث الاجتماعية فى الجامعات، والمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، لتشكيل صورة واقعية عن تلك التوجهات والأفكار، ثم اقتراح الأشكال المناسبة لاستيعابهم، وكيفية ربطهم بالواقع الحقيقى بعد إدراك حجم التحديات ودمجهم فى مشروع إعادة بناء الدولة. ينبغى أن يجرى حوار مع هؤلاء مفاده أن مصر تحتاج إلى سنوات حتى تبدأ فى تجاوز الأزمة الحالية، وتأسيس نظام يسمح بتنمية مستدامة، ثم سنوات أطول لبناء النهضة، وأن عملية التغيير لها قواعد فنية، تأخذ حيزاً من الزمن، وأن الثورات تحتاج إلى سنوات حتى تنجز أهدافها، وأن النظام القائم يعمل لصالح الثورة ولا يعمل ضدها، وأن العنف لن تكون عواقبه حميدة لا على أصحابه ولا على المجتمع، وأن الاعتصامات والتظاهرات المستمرة، والتى تستغلها أطراف أخرى، تعطل إنجاز أهداف الثورة التى يشتكون من عدم تحققها. وإليهم أسدى نصيحة: من يصيح طوال الوقت لا يسمعه أحد.. وإذا أردتم أن تكون صيحاتكم مسموعة افصلوا بينها بفترات من السكون.