"يا زمان تميل والمال يميل والحبيب ما ينام ولا يميل، لا نام أبونا ولا أمنا ولا أخونا كل اللي مال وفاتنا ونسينا خلاص نسيناه وما يبقي لينا الا وجه الله" .. هكذا تكلمت سميحة وهبة .. ذات السبعين عاما بعد صمت طال عشرة أيام هي عمر الأحداث الأخيرة بقرية الفتنة الطائفية حسبما يطلق عليها البعض، قرية دهشور التي تم ترحيل كافة الاسر القبطية منها عقب واقعة مقتل الشاب المسلم معاذ حسب الله حرقا علي يد سامح يوسف، المكوجي المسيحي. "الوادي" تقتحم حياة العمة سميحة، كما تحب أن نناديها لتكشف عن عمق العلاقة القديمة فيما بينها وبين المسلمين منذ سبعة عقود هي جُل عمرها في الحياة وهي لا تزال بنت بنوت حتي اليوم وصولا إلي اخر كلماتها "طويل العمر بيتهني"، فإلي نص الحوار: منذ متى وانت فى القرية ؟ أعيش فى القرية منذ سبعين عاما مع المسلمين مع والدى وأخوتى ولكن لم يسعدنى الحظ بالزواج وإنجاب أولاد، فقد تزوج كل إخوتى إلا أنا . - كيف كانت العلاقة بين المسلمين والأقباط فى القرية؟ معاملة جيدة وبها مزيد من الحب والمودة ودائما ما أغلق باب بيتى ولو تأخرت فى المنزل يأتون ليسألوا عنى والعلاقة كانت جيدة تماما وكنا نسئل على بعضنا البعض ولا توجد مشاكل فيما بيننا أبدا فقد كان المسلمون يأتون الى بيتى ليشربوا الشاى ويحصلون على واجب الضيافة ولم تكن هنالك حساسيات سابقة فى المعاملة. - لماذا تدهورت العلاقة بين المسلمين والأقباط فى القرية ؟ العلاقة لم تتدهور بين المسلمين وكل الأقباط ولكن "الشيطان"اللى أسمه سامح بن يوسف هو سبب كل البلاوى ومعروف عنه السمعة السيئة وليس كل الأقباط مثله، فهو قاتل مجرم ليس لنا علاقة به . - هناك من يقول بأن القس تكلا، راع الكنيسة سبب كل المشاكل فى القرية لعدم قدرتة على تسيير الامور وتحسين العلاقة بين المسلمين والأقباط لعلاقتة بجهاز أمن الدولة ؟ هذا ليس صحيحا، فأبونا تكلا ليس كذلك فهو رجل طيب علاقتة جيدة ومعاملته ميه فى الميه مع الناس واللى بيعوز حاجة يعطيه وفيه كل الصفات الكويسة وليس له أى ذنب فيما حدث، فهو من صلاته لبيته ومن بيته لصلاته وهو خالى للعلم، وانا أعلم حقيقتة أكثر من غيرى ويسأل عنا دائما ويعطينا كل ما نحتاجة وليس كما يقال أو يكتب أو يذاع عنه وهو رجل عقلانى ومسيحي طاهر. - هناك معلومات تتردد بأن القس تكلا كان على علاقة بأمن الدول وكان محمى بهم ويأتى فى صف المسيحيين على حساب المسلمين؟ هذا ليس حقيقى فالقس تكلا رجل متواضع جدا وبعيد عن هذا الكلام ومعه أولاد ولا يعمل خطية أو ذنب، فهو يساعد كل الناس، فالمحتاج يعطيه والعريان يكسيه ويساعد الغلابة من أهل القرية ويعطى الناس هدايا فى الأعياد وفية كل الصفات الحلوة . - ماهى حقيقة وفاة معاذ؟ كل اللى أعرفة أن معاذ كان فى حالة وكان خارج من المسجد وفى يده المصحف فى طريقة إلي البيت وقت الشجار بين سامح المكوجى وأخر مسلم بسبب حرق سامح قميص المسلم وكان مارا من أمام بيت سامح فقام هذا لشيطان "سامح" بإلقاء زجاجة المولوتوف وبها مية نار وبنزين على معاذ فجاءت على رأسة ووجهه، فسلختة واحترق وبعدها الدنيا ولعت فى القرية . - ماذا فعلتم كأقباط فى تلك اللحظة؟ دعانا أبونا تكلا الى الكنيسة للصلاة والدعاء والصيام لمعاذ ليشفيه الرب وجمع تبرعات للحصول على أدوية طبية وعلاج من خارج مصر لمعالجته من آثار الجروح حتى النهاية. - ماذا حدث يوم وفاة معاذ؟ يومها فى الساعة الرابعة خرجت لشراء طعام من القرية فقال لى أحد الاهالى "إرجعى بيتك يا عمة سميحة علشان الامن موجود فى المكان وذلك بعد تردد اخبار بوفاة معاذ وعندما تأكدنا من الخبر وعدت الى البيت وجدت أخى عطية تركنا هو وأولاده وإمراتة وأخذ المواشى والطيور حتي الكلب الخاص بي أخذوه وترك البيت وذهب الى مكان على حدود القرية وتركنى وحدى "فاتونى وأنا عاتله همهم، لكن ربنا مش هايفوتنى" ويومها جاء أبو معاذ الى الكنيسة وقابل القس تكلا وقال القس له "احنا وجهنا فى الارض منك يابو معاذ واحنا أسفين وهنعالج معاذ بره لحد النهايه، وجاءت ام معاذ مهرولة الى القس تكلا فى كنيسة "مارىجرجس" التى تفصلها عن بيت معاذ بضعة شوارع وهى فى حالة صراخ شديد وتتمتم بكلام للقس "معاذ مات ياقتيلة أبوها"، ابنى مات، فما كان من القس إلا أن خرج من الكنيسة وتركها. وفي منتصف ليل الاربعاء وبعد دفن معاذ كانت ليلة سوداء مشوفتش أسود منها، وانا نائمة سمعت أصوات خارج المنزل الملاصق للكنيسة لأفراد أمن يطلقون النار وقنابل غاز مسيلة للدموع اصطدمت بشباك الغرفة التى انام بها وتم تكسير زجاج الشباك وباب البيت من شدتها. وكذلك هددونى وقاموا بكسر باب المنزل والقاء قطع من الحجارة والزلط والزجاجات على المنزل من فوق وأمتلأ المنزل بقطع الزجاج المكسر وقمت بجمعه وأصبت وقتها بحالة من الإختناق وضيق النفس فأسرعت الى حظيرة المواشى لأختبئ بها ودخل الأمن المركزى بعدها وملأ المنزل فحاولت الصعود إلى سطح المنزل لأنتقل لمنزل آخر ولكن ضوء القمر كان ساطعا وتوقعت أن يرانى الناس ويقتلونى ونزلت الى المنزل مرة اخرى . - وقت الأحداث هل ساعدك أحد من المسلمين فى القرية؟ إحتميت فى بيت أم محمد التى تسكن جوارنا وأستضافتنى عندها 5 ليالى وكنت أنام عندها وكانت تعرض على دائما الإفطار معهم وتناول السحور ايضا ولا يوجد أى شئ أو فوارق فيما بيننا وبعدها شعرت بانى اريد العودة لبيتى مرة أخرى حتى لا أكون ضيفة ثقيلة عليها وطلبت منها العودة للمنزل ولكنها رفضت بشدة حتى لا أجلس وحدى فأخبرتها أن الأمن موجود على بيتى المجاور للكنيسة ولم يتعرض إلى أحد من المسلمين فكانوا معى دائما. - مارايك فى إصرار والد معاذ على القصاص من سامح القبطى؟ حقة وربنا ما يوريها لأحد ولا يضع أحد فى موقفة وإذا أراد قتل سامح فهذا من حقة كما قتل إبنة ولا أحد يمنعه من القصاص لابنه وهو نفسه قال لي "ما ارتحش ولا يهدي لي بال الا أما أخذ ضد ابني". - هل كل مسيحى القرية تركوها أم هناك اخرين بدهشور؟ نعم بيوت كثيرة وعائلات كثر هاجرت حتى الناس التى جاءت إلي القرية من القرى المحيطة، جميعهم هربوا من القرية و تركوها بعد الاحداث ولم ينتظروا. - هل أنت خائفة من تواجدك وحدك كقبطية فى المنزل والقرية ؟ انا لست خائفة من شئ فإذا كان أهلى فاتونى فإن الله والعذراء لن يفوتوننى، فالعمر واحد والرب واحد وسألنى أحد المجندين من الأقباط هو انت ليه ما رحلت مع باقى المسيحيين الذين تركوا القرية وبقيت وحدك فى القرية ألم تخافي من الموت؟ فقلت له لا فالرب موجود ولن يفوتنى وهو الحارس الذى يعطينى ويمنع عنى ويحمينى ويطعمني ويسقيني. - هل فيه حساسية فيما بينك وبين المسيحيين فى القرية بعد الحادث؟ ابدا فكل الناس طيبين ومؤدبين وحلوين معايا فأنا الآن أخرج لشراء الخبز والطعام بسهولة ولكن أشعر بالخجل من الناس، فأنا القبطية الوحيدة في القرية ولا يوجد لي قريب او حبيب وأقول لهذا صباح الخير ولا انتظر منه رد، لكن لا توجد حوارات فيما بيننا. - هل قابلك أحد من المسئولين؟ رجال من قوات الامن دخلوا كنيسة مارى جرجس وطلبوا منى مقابلة الرئيس مرسى ولكنى رفضت مقابلته وقتها لظروفى الصحية والنفسية السيئة من جراء الحادث. من يقم علي رعايتك والانفاق عليك؟ انا ساقطة قيد واتقاضى معاش "السادات" عن أختي المتوفية منذ عشر سنوات، ذلك المعاش الذي بدأ ب5.5 جنيها وصولا إلي مائتي جنيها اليوم، بالإضافة الى مساعدات أبونا "القس تكلا" لى والدنيا كويسة. رسالة أخيرة توجهينها الى أم معاذ بعد وفاة إبنها لتواسينها؟ كان فيه مثل زمان بنقوله دايما "صباح الخير يا جاري انت في حالك وانا في حالي" وأنا لا أريد أن اكلمها فأنا فى حالى وأغلق بابى على نفسى ولاأريد أن ادخل نفسى فى مشاكل او ازمات ثانية وكفاية الكلمة التي سمعتها منها لأبونا تكلا في الكنيسة ولكنها معذورة ومحروقه في ابنها.