تحل اليوم الذكرى السابعة والخمسين لدحر العدوان الثلاثي على مصر، نشهد اليوم ذكرى بطولات أبناء بورسعيد المنسية، يوم دحر أفراد المقاومة الشعبية لجيوش العدوان الثلاثي على مصر في 23 ديسمبر 1956 . كان ذلك اليوم "عيدا للنصر" يحتفل المصريون بذكراه كل عام، قبل أن يلغي الرئيس المخلوع حسني مبارك الاحتفال به.. لكن بقيت بورسعيد تجسد ملحمة شعبية، حيث تكالبت ثلاث دول على كسر إرادة المصريين بعد تأميم القناة فكانت الهزيمة والخزي لهم، والنصر للمصريين، وكتبت المدينة الباسلة نهاية عالم قديم وبداية عالم جديد، وبقيت نقطة تحول جذرية في خريطة العالم السياسية. بدأت أحداث العدوان الثلاثي على مصر رسميا في 29 أكتوبر حينما بدأت إسرائيل مهاجمة المطارات المصرية، وسيرت كتبيتين مظلات والأخرى ومدرعات لغزو الأراضي المصرية، ولكن تم القضاء عليهما، أصدرت بعدهما انجلتراوفرنسا "إنذاراً لإيقاف القتال بين الجانبين والانسحاب لما خلف ضفتي قناة السويس، وكان لرفض مصر الإنذار إشارة لبداية الهجوم. كان ذلك هو السبب المعلن للعدوان، أما السبب الخفي فهو رغبة الدولتين العظمتين حينها تجميل وضعهما كأكبر قوتين دوليتين بعدما اعتبروه "كسر شوكتهما" بإعلان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس في 26 يوليو من العام ذاته، وذلك بعد رفض البنك الدولي مشروع تأميم السد العالي. وكان من أبرز الأسباب التي دفعت فرنسا للدخول في الحرب على مصر هو دعم الرئيس جمال عبد الناصر ثورة الجزائر بالسلاح والمال والمقاومة، وهو ما رأته باريس تهديداً لمصالحها في الشرق، كما كان توقيع مصر اتفاقية مع الاتحاد السوفيتي لتزويد القاهرة بالأسلحة المتطورة لدعم جبهتها أحد دوافع إسرائيل للاشتراك في العدوان. وفي 31 أكتوبر 1956 وجهت القوى الثلاث ضربة شاملة لمصر، وقصفت الساحل البورسعيدي بداية من 6 نوفمبر 1956، وأنزلت قواتها المشتركة في بورسعيد، وهدد حينها الاحتلال السوفييتي بضرب بريطانياوفرنسا وإسرائيل بالأسلحة الذرية حال استمرار هجومها على مصر، واخترق عدد من طائراتها المجال الجوي الإسرائيلي في رسالة تحذيرية. وفي السابع من نوفمبر 1956 أصدر مجلس الأمن قرارًا بوقف إطلاق النار بين مصر والدول الثلاث المعتدية، إلا أن الدول الثلاث لم تستجب للقرار لتستمر بذلك المواجهة، وتجسد خلالها المقاومة الشعبية في بورسعيد ملحمة وطنية قدمت خلالها آلاف الشهداء والمصابين لدحر العدوان، وتحولت لثكنة حربية وخط مواجهة أول لإجلاء جنود القوى الثلاث. وخلال العدوان لعبت المقاومة الشعبية والمقاومة السرية المسلحة الدور الأكبر في الأحداث، حيث أصدر عبد الناصر قرارا جمهوريا بتشكيل المقاومة السرية الشعبية، وتعيين البكباشى عبد الفتاح أبو الفضل مسئولاً عنها في بورسعيد، وتولى الصاغ كمال الدين حسين – أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة – إدارة عمليات المقاومة في الإسماعيلية، تحت إشراف البكباشى – حينها - زكريا محيى الدين رئيس المخابرات العامة، والمشرف العام على المقاومة في أنحاء الوطن العربي. ودعمت المخابرات العامة المصرية حينها تشكيلات المقاومة الشعبية بالأسلحة والمعدات، وتولى مسئولية تلك المهمة محمد كمال الدين رفعت، القائد العام لتجمعات المقاومة السرية فى القناة والمنسق العام للمقاومة فى الوطن العربي، وكان من أبرز عملياتها حينها خطف الضابط أنطونى مورهاوس، إبن عمة الملكة اليزابيث ملكة إنجلترا، واغتيال الميجور جون وليامز، رئيس مخابرات القوات البريطانية فى بورسعيد، ومهاجمة معسكر الدبابات البريطاني بالصواريخ، في عملية مشتركة مع مجموعة الصاعقة والتي تولى قيادتها الملازم إبراهيم الرفاعي، ومهاجمة مقر كتيبة بريطانية في مبنى مدرسة الوصفية، مع نصب الكمائن بالقنابل اليدوية للدوريات الراكبة والراجلة في المدينة. وكان لضغوط الولاياتالمتحدة وتهديدات الاتحاد السوفييتي وثورة العمال في بريطانياوفرنسا، وقبلهما عمليات المقاومة الشعبية في بورسعيد، الدور الأساسي في إجلاء آخر جندي من قوات العدوان الثلاثي عن مصر في الثالث والعشرين من ديسمبر 1956، فيما وافقت مصر حينها على قرار الأممالمتحدة بوجود قوة طوارئ دولية على الحدود الفاصلة بين مصر وإسرائيل، وفي منطقة شرم الشيخ المطلة على خليج العقبة. ولم تكن نهاية العدوان الثلاثي على مصر في 56 حدثاً عابراً، بل اعتبره العديد من المؤرخين والعسكريين نقطة البداية لانهيار نفوذ قوتين عظمتين "إكلينيكياً"، بعد الخسائر التي تكبدتاها في الحرب، واشتعال المقاومة ضد قوى الاستعمار في البلدان العربية والإفريقية اقتداءً بالتجربة المصرية، فلعبت الدور الأكبر بعد ذلك الجزائر وتونس والعراق واليمن وغيرها في إنهاء حقبة من الاحتلال دامت عشرات السنوات. كما كان لدحر العدوان في 56 مؤشراً لصعود زعيم قومي لمصر ولحركات التحرر بكافة بلدان العالم وهو الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي اعتبره العديد من قادة العالم قدوة لهم في طريقه منحو تحرير بلادهم من الاستعمار. ورغم مرور 57 عاماً على ذكرى الانتصار لازالت الدولة غافلة أو متجاهلة الاحتفال به كعيد قومي للبلاد يستحق نقل دروسه جيلا بعد جيل، لنلتمس العبرة من بطولات وصمود الأجداد ضد الغزاة والمعتدين.