إنه ليس خبرا ولا سبقا صحفيا أو كما يسميه البعض "خبطه" إعلاميه ولا أي شئ من هذا القبيل..هي مجرد مشاهد من تلك التي تمر عليك في شرودك مفكرا في أمر ما لدرجة الإستغراق الكامل في تفاصيله.. تأتيك وأنت سارح في ملكوت الله كما تأتي الرؤيه أو يأتي الحلم والمنام للنائم المستغرق في أمان الله.. السيسي يصل مكتبه في وزارة الدفاع في السابعه صباحا كالمعتاد ويدخل في ثبات ثم يجلس علي كرسيه ليجد تقارير عن يمينه وعن يساره كالمعتاد.. يبدأ بيمينه فيجدها تقارير الحاله الأمنيه كالمعتاد فيبدأ بإسم الله تعالي ثم يلقي نظره سريعه باحثا عن حادث في سيناء فلا يجد فيحمد الله تعالي..ثم يتفحص باقي التقرير ليجده خاليا إلا من 3 عبوات ناسفه في ثلاث أماكن متفرقه نجح الأمن في تفكيكها فيحمد الله ويشكر فضله.. ثم يتناول الملف علي يساره ويبدأ بإسم الله ليجده تقرير الرأي العام الداخلي والخارجي وتقديرات الموقف والمقترحات المقدمه بناءا عليه.. كل الأمور تقريبا مكرره منذ عدة أيام إلا آخر حدث يتناولة الرأي العام وهو فوز الفريق بشخصية العام في إستطلاع رأي مجلة التايم الأمريكيه متصدرا 44 شخصيه عالميه مرموقه منها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي جاوزه الفريق بحوالي 250 ألف صوت في الساعات الأخيره من هذا الإستطلاع.. جالت صورة مرسي علي غلاف نفس المجله في نفس التوقيت من العام الماضي في خاطر القائد العام للجيش..خواطر ومشاهد مختلفه جالت في خاطره حينما أطرق برأسه متأملا المشهد كله محاولا الإرتقاء لمراقبة المشهد من أعلي كي تتضح المعالم، مع أنه يعلم تمام العلم أن من يكون بقلب الحدث بل وفي بؤرته يصعب عليه الإرتقاء لأعلي إلا إذا إعتكف وحيدا - وهذا غير متاح علي الإطلاق - أو إذا ساعده من يثق به علي مراقبة المشهد بتفاصيله من أعلي حتي تتضح التفاصيل ومواطن القوه والضعف ويظهر العدو من الصديق فيصبح تقدير الموقف أقرب للصحه مما يدفع القرار النهائي في الإتجاه الصحيح.. ضاق صدر الفريق للحظات ثم رفع سماعة المكتب مخاطبا اللواء مدير المكتب " إذا سمحت شوفلي الأستاذ حسنين هيكل فين دلوقتي..عايز أعرف هوه فين بس مش أكتر من كده..شكرا..".. لحظات ورفع السماعه مره أخري ليجد صوت سيادة اللواء يبلغه "في منزله الريفي بقرية برقاش قليوبيه يا فندم".. فرد عليه الفريق "طيب بلغوه إنه فيه زياره للإطمئنان علي صحته وحضروا للتحرك خلال ساعه بدون مغالاه في التحضيرات".. بعد أقل من ساعه تحرك القائد العام في موكب بسيط إلي منزل هيكل في برقاش..فور وصوله كان الأستاذ هيكل في إنتظار الزياره التي لم يعلم بوجود السيسي شخصيا فيها ففوجئ بالطبع وإن كان قد توقع بخبرته الطويله حدوث ذلك وهو الشئ الذي لم يمنعه من المفاجأه أو إبدائها ترحيبا بضيفه المهم جدا قائلا: " إذا كنت سيادتك أخبرتني إنك عايزني أنا كنت جيت مسافة السكه ".. الفريق: "عفوا يا أستاذ، إزاي ده؟ أنا قلت لازم أطمن علي حضرتك بنفسي".. هيكل: " دي مفاجأه أسعدتني جدا وأشكر سيادتك علي عظيم إهتمامك و زي ما بيقولوا خطوه عزيزه".. السيسي: " ربنا يديك الصحه يا أستاذ..أنا كمان بصراحه كان نفسي برضه أطمئن علي المكان الأثري الرائع ده بعد إنتهاء عمليات الإصلاح والترميم لأني عارف هوه غالي عندك قد إيه".. هيكل: " والله يا سيادة الفريق أول هوه غالي عليا جدا فعلا وأنا تأثرت جدا باللي حصله ده من ناس متعرفش قيمة الأرض ولا التاريخ..لكن الحمد لله إن ربنا أنقذ أرضنا وتاريخنا علي إيدك وإيدين شبابنا".. السيسي:" الحمد لله رب العالمين..آثار الحريق إختفت والكتب إن شاء الله تعوضها زي ما جمعتها و أنا أكون سعيد لو ساعدت في الحفاظ علي التراث ده كله".. هيكل مبتسما لعثوره علي مدخل مناسب: "أشكرك سيادة الفريق أول ولكن سيادتك هتحافظ علي إيه ولا إيه؟ العبء ثقيل وربنا يكون في العون".. السيسي: "أيوه يا أستاذ هيكل العبء ثقيل..لكن الناس اللي كانوا قاعدين مكاني هنا قدام حضرتك في نفس البيت ده علمونا إنه معندناش رفاهية الإختيار..كل شئ بأمر الله يجري".. هيكل: "أنا بافتكر الرئيس عبد الناصر رحمة الله عليه وهوه في نفس موقفك ده..وأعتقد لسان حاله كان بيقول نفس كلام سيادتك ده لكن مصارحنيش بيه..هوه فعلا مكانش عنده رفاهية الإختيار..الحال كان غير الحال..كان هوه الثوره..هوه الفكره..ومكانش فيه بديل عن قراره بتولي المسؤليه..لكن سيادتك إحمد ربنا إنه الحال أفضل دلوقتي مع تشابه الظروف في أوجه كثيره".. السيسي وقد بدت علي وجهه علامات التركيز: "أتمني ألا أكون في نفس الموقف الآن..لكني أشعر أن كل من حولي يدفعوني دفعا لنفس القرار..وكل من أراهم في المشهد الذي أنا في بؤرته للأسف يحاولون تزيين الأمور بتفاصيلها في نفس الإتجاه.. حتي إني بدأت أشعر أن جهات ما شعرت بعدم حسمي لموقفي الشخصي بشكل نهائي فباتت تعيد ترتيب الامور كلما أمكن حتي يتكون في نهاية الأمر مشهد مشابه للمشهد الذي دفع ناصر لحسم أمره، فيدفعني نفس المشهد دفعا نحو نفس القرار".. هيكل: "سيادتك خير مافعلت إنك قررت تخرج من بؤرة الحدث وتشوف المشهد من فوق الآن..توقيت سيادتك ممتاز كالعاده - مبتسما - ، وإسمحلي يا فندم أقول لسيادتك إنه لا شك أنك الأفضل لحكم مصر ولكن ليس الآن".. السيسي وقد هدأت ملامح وجهه لسماع ذلك إذ وافق الأمر شيئا في نفسه: "أنا كنت متأكد إنه حضرتك هتساعدني أشوف تفاصيل المشهد من فوق في وسط كل الأفكار دي".. هيكل: "دي حاجه تشرفني وتسعدني دايما إني أقدمها لبلدي..لكن أهم شئ يكون القرار بكل دفوعه وتفاصيله ناتج من داخل سيادتك أيا كان..لا تلتفت لمن يدفعك للترشح وإسمع أكتر لمن يعارض أيا كانت حجته..من واقع خبرة العمر الطويل ده إسمحلي سيادتك أقول إنه فعلا سيادتك كقائد عسكري تعتبر من أفضل قادة الجيش المصري علي مدار تاريخه؛ الفتره اللي عشتها قريب من الجيش ودوائر الحكم في مصر علمتني إنه القائد العسكري ما هو إلا تقدير موقف وقرار بناءا عليه..طالما ده كان موفق يبقي القائد عظيم..وسيادتك في الحقيقه من أبرع القاده في إستخدام العلم لتقدير موقف إستراتيجي سليم..وعشان كده أنا وكل المصريين بنكون واثقين في قرارتك".. السيسي: "أنا سعيد إنه بسمع ده من حضرتك وإنت قابلت وتعاملت مع أهم قادة العالم..أشكرك يا أستاذ" هيكل: "دي الحقيقه يا فندم..وعلي العموم المصريين ثقتهم فيك كبيره لكنهم دايما محتاجين تجديد الثقه وتأكيدها..دايما محتاجين ده".. السيسي: "بالتأكيد يا أستاذ..وإحنا دايما محتاجين برضه من حضرتك المشوره والدعم علي كل المستويات".. هيكل: "العفو يا سيادة الفريق أول..أنا دايما أتشرف بذلك..وأتمني أكون شاركت ولو بقليل في رؤية المشهد من أعلي".. السيسي: "أنا عايز أقول لحضرتك إنك ساعدتني في تقرير ما كان مستقرا في قلبي لولا إضطراب المشهد لكثرة وتداخل الأصوات".. هيكل مرتاح الوجه: "الحمد لله رب العالمين".. السيسي: "الحمد لله..وأتمني كمان دعم حضرتك إعلاميا..كلام زي ده لما يكون علي لسان حضرتك هيفرق كتير أوي مع المتلقي".. هيكل ضاحكا: "أنا قلقان بس تزعل مني زي حمدين" السيسي مبتسما: "العفو طبعا يا أستاذ..وأكيد الأستاذ حمدين مكانش يقصد ده..أو إتعلم منه حاجه" هيكل: "أنا معرفش أدافع أبدا عن حد..كل شخص يدافع عن نفسه بأقواله وأفعاله..لكن بالتأكيد هوه إتعلم من ده..كلنا بنتعلم".. السيسي وقد إرتاحت ملامح وجهه: "والله تعالي يدافع عن الذين آمنوا..أنا عايز اشكر حضرتك علي وقتك وعلي كل شئ" هيكل: "لا شكر أبدا علي واجب..ده واجبي تجاه بلدي..وأنا إتشرفت بقدومك شخصيا إنهارده..وأنا دايما أحب لقائك وأسعد بيه".. السيسي: "إذا نلتقي قريبا إن شاء الله تعالي".. وإستقل القائد العام ركابه عائدا إلي الأمانه العامه لوزارة الدفاع وقد تبدل الحال تماما إلي حال أفضل وأهدأ للنفس وأقرب لله تعالي..