"نطلب الاستقلال التام ونطلب أن تكون مصر للمصريين، وهذه أمنية كل مصرى، ولكن مالنا لا نعمل للوصول إليها، وهل يمكننا أن نصل إلى ذلك إلا إذا زاحم طبيبنا الطبيب الأوروبى ومهندسنا المهندس الأوروبى والتاجر منا التاجر الأجنبى والصانع منا الصانع الأوروبى وماذا يكون حالنا ولا "كبريتة" يمكننا صنعها نوقد بها نارنا ولا أبرة نخيط بها ملابسنا ولا فابريقة ننسج بها غزلنا ولا مركب أو سفينة نستحضر عليها ما يلزمنا من البلاد الأجنبية. فما بالنا عن كل ذلك لاهون ولا نفكر فيما يجب علينا عمله تمهيداً لإستقلالنا إن كنا له حقيقة طالبين وفيه راغبين .. وأرى البنوك ومحلات التجارة والشركات ملئي بالأجانب وشبابنا إن لم يعملوا فى الحكومة لا يبرحون القهاوى والمحلات العامة، وأرى المصرى هنا أبعد ما يكون عن تأسيس شركات زراعية وصناعية وغيرها، وأرى المصرى يقترض المال بالربا ولا يرغب فى تأسيس بنك يفك مضايقته ومضايقة أخيه وقت الحاجة. فالمال هو "أُس" الأعمال كلها فى هذا العصر وتوأم كل ملك". كان ما سبق جزءٌ من مقالٍ للرجل الذي حلت في 25 نوفمبر ذكري ميلاده ال146 واصفاً الحال في 1907 حين نُشر له هذا المقال بجريدة "الجريدة"، فما أشبه الليلة بالبارحة بل بما قبل قبل البارحة.........إنه "طلعت حرب" مولانا و سيدنا و تاج رؤوسنا الذي كتبتُ فيه الكثير و الكثير و لن أََمْل إلي أن يقضيَ اللهُ أمراً كان مفعولا. في ذكري ميلاده رأيتُ أن أُطلع القارئ الكريم علي جزءٍ من معركة خاضها الإستعمار البريطاني ضد "طلعت حرب" و إستخدم فيها –كالعادة- بعض وكلائه المحليين لضرب الإستقلال السياسي من خلال الإقتصاد، حيث أراد البريطانيون إهانة الكرامة الوطنية من خلال تحطيم أعظم إنجازات الرجل و أهمها علي الإطلاق....."بنك مصر" الذي أنشأه "طلعت حرب" في 1920 إثر نجاح ثورة 1919 فكان بمثابة "الجناح" الإقتصادي للوطنية المصرية برأسمال قدره 80 ألف جنيه (رأسمال البنك بعد 93 عاماً هو 11.3 مليار جنيه) و كان المؤسسون هم أحمد مدحت يكن ، يوسف أصلان قطاوي ، محمد طلعت ، عبد العظيم المصري ، الدكتور فؤاد سلطان، عبد الحميد السيوفى، اسكندر مسيحه ، عباس بسيونى الخطيب و إنضم اليهم علي ماهر و يوسف شيكوريل في مجلس الإدارة الذي إنتخب أحمد مدحت يكن رئيساً، و "طلعت حرب" نائباً للرئيس وعضواً منتدباً حيث إستمر "طلعت حرب" في منصبه حتي عام 1939 حين وصل عدد فروع البنك حينها إلي 37 فرعاً. في سبتمبر 1939 قام "احمد عبود" المليونير الشهير و "محمد أحمد فرغلي" ملك القطن بسحب ودائعهما لدي بنك مصر بمعدل نصف مليون جنيه يومياً حتي بلغ إجمالي السحب ثلاثة ملايين جنيه (و ما أدراك ما الجنيه في 1939) فكانت هزة إقتصادية كبري و بدأت وزارة المالية بسحب ودائع صندوق توفير البريد لدي بنك مصر و تلاها قيام عدد كبير من المودعين بسحب ودائعهم مما زاد من حدة الأزمة. فكان أن ذهب "طلعت حرب" لمقابلة "حسين سري" وزير المالية وقتذاك بمقترحات محددة لإنقاذ بنك مصر للإختيار فيما بينها و كانت: إما أن تصدر الحكومة بياناً تضمن فيه الودائع لدي بنك مصر لإيقاف حُمي سحب المودعين لودائعهم أو أن تطلب الحكومة من البنك الأهلي إقراض بنك مصر أو أن تتوقف الحكومة عن سحب ودائع صندوق التوفير فكان رد وزير المالية سريعاً و حاسماً بالموافقة فوراً و لكن بشرط واحد: "أن تترك يا طلعت باشا البنك" فكان رد "طلعت حرب" أكثر سرعةً و حسماً: "ما دام في تركي حياةً للبنك فلأذهب أنا و ليعيش البنك". رحمة الله عليك يا "عم طلعت" و كل عامٍ و أنت تعلمنا.