من المؤكد أن الحرب التي يشنها البعض ضد مشيخة الأزهر والإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر لها أسبابها و مبرراتها، و من المؤكد أيضا أن الأسباب و المبررات التي يرددها مهاجمو الأزهر وشيخه طوال الأيام الماضية و منذ العمليات الإرهابية الأخيرة، و التي تنحصر في اتهام المشيخة بتفريخ الإرهابيين وتصدير أفكار متطرفة عن طريق المناهج الأزهرية، ماهي إلا ستار يخفى حقيقة الأسباب الحقيقية غير المعلنة. الذين تبنوا عملية إرهاب شيخ الأزهر اليوم هم نفس الأسماء - تقريبًا- التي رفعته على الأعناق في زمن الإخوان باعتباره الضمانة الحقيقية للإسلام الوسطى وحائط الصد المنيع ضد التطرف والإرهاب، لدرجة أن أحد الإعلاميين- دون ذكر أسماء- يتعمد الأن اتهام الأزهر وشيخه بكل ما يحضر فى ذهنه من مساوئ، انتشرت له فيديوهات على مواقع التواصل مر على بثها 4 أعوام تقريبًا يكاد يضع صورة شيخ الأزهر على صدره باعتباره بطلًا ومخلصًا من الأفكار المتطرفة. إذن ما سر هذا التحول؟ و ما هو السبب الحقيقي وراء هذه الحرب الكونية ضد الأزهر؟ "في البداية و قبل أي شيء .. فتش عن "المملكة
"1"
عودة إلى الوراء قليلآ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، فى حوار تليفزيوني له فى فبراير 2012 ، قال إن الأزهر لن يتوقف عن الحوار مع المذاهب الإسلامية المتعددة من بينها الشيعة من منطلق أهمية الحوار الإسلامي الإسلامي ، وإن الأزهر يسير ويتمسك بدعوة التقريب بين السُنة والشيعة التى قادها شيخ الأزهر الراحل محمود شلتوت، مع المرجع الشيعى تقى الدين القمى، عندما أسسا دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، وأن الحوار السُنى الشيعى مهم لدرء الفتن بين المسلمين فى كل أنحاء العالم. وفى 21 إبريل 2013 ، زار «الطيب » السعودية، والتقى الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودية السابق، واختار الرياض لكى يقول كلمته التى تؤكد تلبيته لطلب تقريب المذاهب، ولكن من منبر سعودى هذه المرة، حيث قال فى مؤتمر له هناك: «زياراتى تأتى للم الشمل ووحدة الصف، والقضاء على أسباب الفرقة والتقينا فى السعودية كبار المسئولين والعلماء، وسنلتقى فى البحرين مع كبار المسئولين وعلماء من السُنة والشيعة. وأشار إلى أن الخلاف الذى تثيره السياسة بين السُنة والشيعة، ليس فى مصلحة أحدهما، لكن فى مصلحة أعداء الإسلام، مضيفا: «ليس أمامنا إلا جمع الفريقين ووحدة الصف »، وشدد على أن دعوة الوسطية التى يتبناها الأزهر تجمع ولا تفرق فى إطار جامع شامل يتجاوز الخلافات السياسية والفكرية بما يضمن الحقوق للجميع، ولا يسمح بالتدخل فى الشئون الداخلية للآخرين، مؤكدًا أن الأزهر هو المعبر دائمًا عن ضمير الأمة، وقد نأى بنفسه عن التخندق فى مذهب أو اتجاه سياسى. طبعًا قامت الدنيا ولم تهدأ فى المملكة بعد كلمات شيخ الأزهر، ولولا العلاقة الطيبة التى جمعت شيخ الأزهر بالملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز لكانت أنياب مشايخ الوهابية غرست فى رقبة الأزهر وشيخه، وظلت النار تحت الرماد حتى رحل الملك عبدالله، وجاء الملك «سلمان » إلى سدة الحكم بالمملكة. و خلال هذه الفترة ظلت مؤتمرات التقارب بين المذاهب والتي يعقدها الأزهر من حين لآخر، ويهدف منها التقريب بين المذاهب الإسلامية المختلفة وعلى رأسهم المذهب الشيعى تمثل صداعا مستمرًا فى عقل المملكة العربية السعودية التى تشن حربًا ضخمة ضد كل ما هو شيعى، ومنذ فتوى شيخ الأزهر الجليل الشيخ محود شلتوت بجواز التعبد في الإسلا م بالمذهب الشيعى الاثنا عشرى، والتى صدرت عام 1959 ، ومرورًا بفترة السبعينيات التى شهدت نجاحًا مبهرًا لهذه المؤتمرات، وحتى هذه اللحظة، تتسبب هذه المؤتمرات غصة ومرارة لمشايخ المملكة. ولو كانت هذه المؤتمرات تثير لديهم القلق من ناحية الأزهر كمؤسسة «قيراط ».. فالقلق من آراء شيخ الأزهر فيما يخص التقارب تثير لديهم القلق« 24 قيراطًا». هذا ما ذكرته وثائق ويكليكس المسربة حول هذا الأمر، حيث أكدت أن هذه المؤتمرات كانت تسبب قلقًا بالغًا للمملكة لدرجة جعلت شيخ الأزهر يتشاور مع الخارجية السعودية قبل عقدها، وذلك قبل ثورة يناير مباشرة، حتى لا تتسبب هذه المؤتمرات فى أزمة مع المملكة، وهو ما يسبب مشكلة كبيرة للأزهر الذى يحاول التقريب بين الجميع. لذا كان حتمياً أن تتحرك المملكة للتخلص من هذا الصداع بأسرع طريقة ممكنة
"2"
منذ اعتلاء الملك سلمان العرش بالمملكة العربية السعودية، وهو يوجه ضربات قاضية لسياسات سلفه الملك عبدالله فى كل المناحى تقريبًا، مقررًا تغيير استراتيجية المملكة تجاه قضايا عدة ودول بعينها – على رأسها مصر طبعًا- وبدأ رجال القصر فى التخطيط لاستراتيجية مختلفة تمامًا فى التعامل مع الأزهر وشيخه تختلف عن استراتيجية الملك عبدالله رحمه الله بعد ما قاله الطيب وأقر به فى 2013 من داخل المملكة فيما يخص التقريب بين المذاهب. وعقب زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز للقاهرة فى مارس من العام الماضى لتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والمملكة العربية السعودية، والتى تضمنت بين بنودها اعترافًا بتبعية جزيرتى تيران وصنافير المصريتين للمملكة، بدأت تحركات سعودية حملت طابع السرية لفتح قنوات اتصال مع مؤسسة الأزهر الشريف لأغراض لم يعلن عنها فى وقتها، كل ما أعلن فى هذا التوقيت على لسان السفير السعودى بالقاهرة أحمد القطان، نية المملكة فى ضخ مبالغ ضخمة من قبل المؤسسة الخيرية العالمية، المسماة على اسم الملك عبدالله بن عبدالعزيز، للأعمال الإنسانية فى مصر لتنفيذ أعمال فى مقدمتها إعادة تأهيل جامع «الأزهر الشريف» ومشيخة الأزهر الأثرية وتمويل قناة «الأزهر ».. وإعادة تأهيل مسجده.. ورحلات حج وعمرة لمشايخه، وتنفيذ جميع مشروعات الأزهر المتوقفة منذ فترة.. السؤال هنا لماذا سعت المملكة فى تقديم كل هذه المساعدات للأزهر فجأة، وهو الكيان الذى تختلف معه المملكة دائماً بسبب تقاربه مع الشيعة، ومشايخها يعتبرون أئمته ضالين ومضلين؟ فى منتصف يونيو 2016 تبلورت التحركات السعودية التى بدت ملامحها بعد زيارة الملك سلمان للقاهرة مباشرة بوصول الأمير تركى بن عبدالله، نجل العاهل السعودى الراحل، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، إلى القاهرة، والتقى عددًا من القيادات السياسية فى اجتماعات مغلقة لم تعلن تفاصيلها، ثم التقى الأمير تركى السفير أحمد القطان سفير المملكة بالقاهرة ثم أجرى عددًا من اللقاءات الأخرى وغير المعلن تفاصيلها أيضًا حتى الآن، ثم أعلن فجأة السفير السعودى بالقاهرة عن نية المملكة فى دعم الأزهر ومشاريعه بتمويلات مباشرة ومعلنة. فى نفس التوقيت نشرت جريدة الرأى التونسية تقريرًا فى غاية الأهمية لم يلتفت إليه أحد تحت عنوان «السيطرة على الأزهر » ذكرت فيه أن النظام السعودى يسير وفق مخطط مدروس للسيطرة على مؤسسة الأزهر الشريف بالقاهرة، لتحويله إلى فاعل سياسى وسلاح فى يد المملكة واستغلاله فى دعم السياسات السعودية وأن هناك تحركات على الأرض يقودها السفير السعودى بالقاهرة بالتعاون مع الأمير تركى بن عبدالله، لتنفيذ خطة المملكة فى السيطرة على الأزهر عن طريق دعم مالى ضخم لمشاريع الأزهر المجمدة بسبب الضائقة المالية التى تمر بها المؤسسة الإسلامية الأعرق فى العالم العربى. وأكدت مصادر سعودية للجريدة التونسية أن الرياض ترغب فى تحويل الأزهر إلى فاعل سياسى فى ساحة الصراع المقبلة، فى إطار الحرب الوهابية المقبلة ضد الشيعة، والتى يتم التحضير لها فى إيران والسعودية.. أنور عشقى الجنرال المتقاعد من القوات المسلحة السعودية - 73 عامًا- والذى زار القدس فى يوليو من العام الماضى قال نصًا فى نفس توقيت زيارة الأمير تركى بن عبدالله للقاهرة أن المملكة تدرك أهمية دور مؤسسة الأزهر الشريف فيما هو قادم، لأن إيران أصبحت الخطر الأكبر على العالم الإسلامى، ولابد من أن يكون للأزهر دور محورى فى التصدى لهذا الخطر. مغرد سعودى شهير معروف بنشر أسرار تخص القصر ودائرة الحكم فى المملكة على تويتر ذكر فى يوليو الماضى أن ترتيبات سعودية تجرى على قدم وساق لاستيعاب مؤسسة الأزهر الشريف والسيطرة عليه لاستخدامها فى معارك سياسية مقبلة للمملكة ضد إيران، وما أسمته بالمد الشيعى، وأن الأزهر يمثل بالنسبة للمملكة ذراعًا يمنى فى تلك المعركة، وتسعى لاستمالته بأى ثمن، وأن تجبره على التخلى عن دوره فى التقريب بين المذاهب وقطع علاقته تمامًا بأئمة الشيعة بل وإدانة الشيعة دائمًا وتكفيرهم إن لزم الأمر.
"3"
مسألة السيطرة على الأزهر أخذت خلال العامين الماضيين حيزًا كبيرًا من الدراسة داخل المملكة، ودار بسببها عدد كبير من المناقشات بين كبار رجال المملكة، حتى وصلت بهم المناقشات إلى اتفاق واضح ونهائى حول الآليات والوسائل المحددة التى يمكن من خلالها السيطرة على الأزهر، وأهم هذه الوسائل الدعم المالى أو الضغط الإعلامى. شهدت هذه الاجتماعات انقسامًا بين الحاضرين فيما يخص رؤيتهم لاستجابة شيخ الأزهر لخطط المملكة، فبعضهم رأى أن شيخ الأزهر أحمد الطيب قد يكون عائقًا فى طريق المملكة للوصول إلى مسعاها فى السيطرة على الأزهر فيما أن البعض الآخر يرى أن الطيب سيذعن تمامًا لرغبات المملكة بعد صفقة المشروعات التى ستنجزها وتدعمها المملكة للأزهر. واختلف الفريقان أيضًا على ردود أفعال شيخ الأزهر فى الفترة المقبلة، فالفريق الأول طالب بضرورة الضغط للإطاحة بالطيب بعيدًا عن الأزهر ليسهل السيطرة عليه فيما تمسك الفريق الآخر برؤيته مؤكدًا أن أداء الأزهر خلال الفترة المقبلة سيرضى المملكة، وأن الطيب سيكون رأس حربة فى معركة المملكة مع الشيعة وإيران من موقعه فى القاهرة، وأنه سيتخلى تدريجيًا عن قناعاته التى أعلنها مسبقًا من قلب المملكة بضرورة التقارب والانفتاح على الجميع من بينهم الشيعة. المغرد السعودى الشهير بتسريب أسرار المملكة تسأل على صفحته بتويتر فى نهاية يوليو الماضى، ترى أى الفريقين يكسب؟ وفى سبتمبر جاء رد شيخ الازهر واضحًا ليحسم الخلاف الدائر بين الفريقين السعوديين، وذهب إلى مؤتمر «أهل السُنة والجماعة » فى العاصمة الشيشانية جروزنى، وهو المؤتمر الذى لم تدعُ إليه المملكة، و توقعت المملكة ألا يحضره شيخ الأزهر، وانتهى باعتبار الوهابيين ليسوا من ضمن أهل السُنة والجماعة، مما أثار غضب المملكة ومشايخها وهاجموا شيخ الأزهر لفترة طويلة بعد المؤتمر بسبب استبعاد الوهابيين من قائمة أهل السُنة والجماعة. فى هذه اللحظة أدركت المملكة أن الطيب لم يتأثر بإغراءات الدعم المالى والتمويل الضخم لمشاريع الأزهر. لذا كان من الضرورى اللجوء للخطة "ب" و أظن أن الباقي لا يحتاج الى تفسير أو سرد.