*قصة الدمية الغامضة من التخويف من «المؤامرة» إلى الترويج ل«الإنفلات الجنسى» *حاتم الكاشف وشادى عبداللطيف هما مؤلفا الشخصية وقدماها لأول مرة على قناة «إنرون» على يوتيوب *جماهيرية الدمية تصاعدت مع قضية «تخابر فاهيتا» بعد إعلان إحدى شركات المحمول *قناة خاصة تحاول استثمار شعبية «فاهيتا» ببرومو جنسى وإعلان على تويتر «الست الواعية متستسمرشى غير فى نفسيها» تحتاج الشعوب إلى جانب الجدية والعقل إلى مزيج من الرموز والألعاب والخرافات، حتى تستطيع مواصلة الحياة، وفى مصر، إلى جانب صعوبات الحياة هناك اهتمام كبير منذ قيام ثورة يناير بالخرافة وأحاديث المؤامرة أكثر من محاولة فهم ما الذى جرى أو توثيقه، ومن هنا نالت «حظاظات» وائل غنيم وعمرو حمزاوى اهتمامًا أكبر بكثير من ارتباط الأول بالإخوان، وعلاقة الثانى بمراكز أبحاث غربية ليست فوق مستوى الشبهات، وكان جزءًا رئيسيًا من عدم الثقة لدى المصريين فى أنهم هم من أطاحوا بمبارك الفرعون القديم الراكز على سدة الحكم ثلاثين عامًا، إرجاع الإطاحة به إلى قوى مثل الماسونية أو غيرها من الحركات الهدامة، ونالت الماسونية شعبية عارمة فى مصر، واكتسبت قوة أكبر من حجمها مئات المرات، وتوالت الحكايات والقصص والتغريدات ما بين الجد والهزل عن رموز الماسونية المنتشرة بين عدد من قيادات يناير، واختلطت المخاوف من الفوضى بالإسراف فى تخيل المؤامرات لدرجة تجاوزت عقول كل مبدعى العبث الكبار فى تاريخ الدراما، كان من بين القصص الخبرية المدهشة قصة «الطائر الجاسوس» الذى تم القبض عليه وفى رقبته أجهزة تجسس متطورة، وقيل إن مكتب الإرشاد هو محفل ماسونى فى الأصل نظرًا للتراتبية الهرمية فى بناء الجماعة الملعونة التى تشبه بالفعل بناء التنظيمات الماسونية - فضلًا عن لقب الأستاذ الذى يلقب به الإخوان مرشديهم، وهو لقب ماسونى أيضًا - لكن قمة اختلاط الجد بالهزل، والكوميديا بالحقيقة، والخيال بالواقع كانت مع ظهور شخصية «أبلة فاهيتا» التى شغلت الناس لمدة أربع سنوات من الجدل والاتهامات بحثًا عن حقيقة هذه الدمية التى قيل إنها أداة للتآمر ضد أمن البلاد وانتهت بها الحال بطلة برنامج جديد فى إحدى القنوات الفضائية تعلن عنها من خلال إطلالة جديدة ل «أبلة فاهيتا».. إطلالة جنسية فجة هذه المرة. هنا نحن نكشف كل التفاصيل حول حقيقة هذه الدمية التى أخذت أكبر من حجمها، ففى السنوات والعقود الأخيرة اشتهرت العديد من الدمى والعرائس ونالت شعبية كبيرة مثل «بقلظ» مع المذيعة الشهيرة نجوى إبراهيم أو «بوجى وطمطم» أو العرائس المتحركة فى الأوبريت التاريخى «الليلة الكبيرة»، كل هذه العرائس جاءت فى ظروف طبيعية ونالت جماهيرية ثم سرعان ما أصبحت جزءًا من تاريخ الإبداع عند المصريين، فى حالة «أبلة فاهيتا» الأمر مختلف، فنحن أمام دمية لا أحد بالضبط يعرف لها صاحب، ظهرت بصورة مفاجئة، ونالت جماهيرية أكبر من كل العرائس أو الدمى السابقة بفضل انتشار مواقع التواصل الاجتماعى وبسبب الظرف السياسى والاجتماعى المختلف والمضطرب فى زمن الثورات أو التغيرات السياسية الحادة، كان أول انتشار واسع ل «أبلة فاهيتا» مع الرأى العام فى عام 2014 عندما قامت إحدى شركات المحمول إعلانًا ترويجيًا من أجل الترويج لشريحة جديدة للهاتف واستعملت الشركة فى إعلانها الذى حمل عنوان «شريحة المرحوم» وتظهر أبلة فاهيتا فى الإعلان، وهى تتحدث على هاتفها المحمول لتسأل عن شريحة زوجها المتوفى حتى تعيد تشغيلها، وتستفيد من مميزاتها وخلال تلك المكالمة الهاتفية تقوم الدمية بالترويج لتلك الشريحة بأسلوب ساخر. لم يمر هذا الإعلان كغيره من عشرات الإعلانات التى تذيعها الفضائيات، فقد كان هناك شخص من نتاج الفوضى التى أعقبت ثورة يناير يدعى «أحمد سبايدر» تخصص فى الظهور على إحدى الفضائيات ليحلل ويكشف الرموز الماسونية فى كل شىء يحيط بنا، وتحول إلى مادة للفكاهة على مواقع التواصل، لكن هذا الشخص قدم بلاغًا يتهم فيه الإعلان وشخصية «أبلة فاهيتا» بأنها رمز من رموز أجهزة المخابرات تستخدم لنقل الرسائل بشفرة معينة من أجل إحداث الفوضى والعنف، قال سبايدر فى بلاغه إن هناك عددًا من الكلمات فى الإعلان هى علامات ورموز الفوضى والعنف من أجل إتمام عملية تهريب الرئيس الإخوانى المعزول محمد مرسى، هذه الكلمات هى «كلب، جراج، حارس، مول» وتسأل سؤالًا جوهريًا عن معنى كلام فاهيتا عن «الصهد والنار» فى الوقت الذى تمت فيه إذاعة الإعلان فى فصل الشتاء اللهم مفسرا ذلك بأنه رمز للنار والدماء والعنف، خرج بعد البلاغ الممثل القانونى لشركة المحمول وهو مندهش من طبيعة الاتهام الموجه لشركته خاصة أن القضية عرفت إعلاميا بقضية «تخابر فاهيتا»، وقال الممثل القانونى «المسألة ليست جدية، هذا مجرد إعلان تجارى محض لتشجيع الزبائن على اقتناء الشريحة الجديدة» معبرًا عن استعداده للمثول أمام جهات التحقيق لمساءلته حول الإعلان الذى تحول لاتهام دمية بالتخابر.. تم إغلاق ملف هذا الاتهام قضائيًا بالطبع، لكن التفاعلات التى ظلت مستمرة بعد ذلك حول شخصية «أبلة فاهيتا» ظلت مستمرة. كانت هذه الشخصية مثار تساؤلات كثيرة من الأصل بعد ظهورها فى أواخر عام 2010 أى قبل ثورة يناير بشهور، قيل إن الممثل الكوميدى الشاب خالد منصور هو من ابتدعها قبل العمل فى برنامج باسم يوسف، وأكد هذا الزعم ظهور صوت هذه الدمية مع باسم يوسف فى عدد من الحلقات، لكن الحقيقة أن مبتدع هذه الدميه شخصان هما حاتم الكاشف وشادى عبد اللطيف، وهما شابان من خريجى الجامعة الأمريكية درسا السينما فى الولاياتالمتحدة وعادا إلى مصر فى عام 2009 وابتدعا سويًا هذه الشخصية الكارتونية وخصصا لها قناة على يوتيوب اسمها قناة «إنروب» ويعمل الاثنان حاليًا فى إحدى وكالات الإعلان تدعى وكالة «جى دابليو فى» واتفقا على عدم تعريف الرأى العام بشخصيتهما حتى يظل الغموض مرتبطًا ب «أبلة فاهيتا» التى تحولت خلال أعوام 2012 و13 و14 والى الآن إلى واحدة من نقاط الغموض والسخرية لدى الرأى العام، وبعكس العديد من شخصيات العرائس لا تمتلك «فاهيتا» لغة خاصة بها ولا مفردات تميزها، فقط دمية سيدة عجوز تبدو سليطة اللسان ومتهكمة، وعندما ظهرت فى عشرات البرامج لم تستطع الشخصية ترك مفردات أو «إفيهات» تعلق بأذهان الناس، ومع ذلك ظلت جماهيرية فاهيتا فى تصاعد خاصة مع أغنية غريبة أطلقها الموزع حسن الشافعى كان عنوانها «ميتسهلوش» وجاء إعلان الأغنية يحمل اسمهما معًا «حسن الشافعى مع أبلة فاهيتا».. استغل الشافعى الذى هو ليس مطربًا صوت فاهيتا الأنثوى الخشن فى عمل أغنية غربية تمامًا، وكان حريصًا على تضمين كلمات الأغنية معانى غريبة تتسق مع غموض الدمية وأهدافها «هلبس نضارتى وأعيش بطريقتى.. لو عكس الناس»، الكلمات الغربية الروح والتى تحمل عداءً شديدًا بين الفرد والمجتمع وتدعو لأن يتصرف كل إنسان على اعتبار أن الجميع يتآمرون ضده جلبت 10 ملايين مشاهدة على اليوتيوب، وحاول البعض استثمار شعبية فاهيتا بعمل قناة تليفزونية، وتم بالفعل حجز تردد على النايل سات لقناة موجودة ولم تبدأ البث منذ عام ونصف العام اسمها «أبلة فاهيتا تى فى». ومنذ أيام تم الإعلان عن برنامج جديد على إحدى القنوات الخاصة أثار الإعلان لغطًا شديدًا وجدلًا على مواقع التواصل لأن البرنامج يقدم أبلة فاهيتا من زاوية جديدة وهى زاوية الإثارة الجنسية. البرنامج اسمه «من الدوبلكس.. لايف مع فاهيتا»، واحتوى البرومو الترويجى على تعبيرات جنسية فجة حيث صور الدمية مستلقية على سرير تطلب من رجلين خلع ملابسهما قائلة «تعالى أنا زى ماما».. منتهى الابتذال والإسفاف وأيضا ثقل الدم. لكن القناة التى قدمت هذا الإعلان والتى تبدأ عرض البرنامج هذا الأسبوع لم تكتف بذلك بل قدمت على صفحة البرنامج الجديد على تويتر فاصلًا من البذاءة والإسفاف لا يقل عن الإعلان الترويجى حيث كتب مشرفو الصفحة عددًا من الكلمات التى تستعين بها فاهيتا فى فهم الحياة، كلمات تؤمن بها وستقدمها فى برنامجها، وستكون هذه هى رسالة البرنامج طوال حلقاته من ضمن هذه الكلمات ما تقوله فاهيتا «الست الواعية متستسمرشى غير فى نفسيها».. عبارة بذيئة جدًا تليق بأن توضع على باب ماخور درجة تالتة. المهم لماذا تفعل القناة هذا ولماذا تحاول نقل شعبية هذه الدمية من منطقة الغموض والمؤامرة التى عرفت بها إلى منطقة الابتذال والإسفاف، السبب فى هذا أن هذه القناة حاولت تقديم جرعة من الإثارة أو إثارة الجدل عبر مذيع يدعى أكرم الشرقاوى فى برنامج اسمه «عرض كبير». انتقل هذا المذيع من قناة كان يقدم فيها برنامجًا اسمه «لاسوستا»، وهو برنامج قام على الإفيهات الجنسية ومحاولة كسر اللغة السائدة، لكن ثقل ظل المذيع كان سببًا فى فشل البرنامجين خاصة الأخير الذى كلف القناة عدة ملايين فى الدعاية له ولم يحقق نجاحًا برغم حملة الترويج الضخمة له، مصادر داخل البرنامج الجديد قالت إن «الدوبلكس» برنامج فاهيتا الجديد سيعتمد بشكل أساسى على الجنس والتحقير من قيم معينة والترويج لقيم أخرى غريبة أو مبتذلة. إذن ها هو المجتمع ينتقل من العرائس الجميلة الطيبة التى كانت تتحدث مع الأطفال والشباب عن الحب والتسامح والجيران والقيم إلى استغلال لدمية فى عمليات تجارية تنتقل من الاستثمار فى مجال المؤامرة والفوضى إلى الاستثمار الجنسى لدمية لا ذنب لها إلا أن من يحركونها هدفهم الربح والربح فقط.. وليذهب المجتمع إلى الجحيم.