70 مريضًا يترددون يوميًا على مستشفى القناطر الخيرية ل«غسيل الكلى» بسبب تلوث المياه تحاليل العينات تثبت عدم صلاحية المياه للاستخدام الآدمى.. ورئيس القابضة يعترف: ملوثة خبير مائى: الحكومة أكبر ملوث للنيل.. ونحتاج 7 مليارات جنيه لإنشاء محطات المعالجة نبوية: «مش مهم أنا.. أنا جالى المرض خلاص.. المهم أطفالنا.. فين رقابة المسئولين» مليون مواطن يقطنون فى 50 قرية تابعة لمركز القناطر الخيرية بالقليوبية، جميعهم يشربون مياها ملوثة، غير صالحة للاستخدام الآدمى، مصدرها محطة مياه المركز، مما تسبب فى إصابة عدد كبير بالفشل الكلوى؛ بسبب تلك المياه؛ حتى إن مستشفى القناطر الخيرية وحدها تستقبل يوميًا أكثر من 70 حالة تتردد على وحدة الغسيل. كانت البداية زيارة لصديقنا المريض، فلفت نظرنا العدد الكبير من الأهالى الذين يترددون على وحدة الغسيل الكلوى بالمستشفى، مما دفعنا إلى سؤال أحدهم عن سر تلك الأعداد الكبيرة، فكان رده أن جميعهم يترددون على الوحدة ثلاث مرات أسبوعيًّا لغسيل الكلى، ومن هنا بدأت رحلتنا للبحث عن أسباب انتشار المرض بين الأهالى. داخل غرفة الغسيل، جميع المرضى راقدون على أسرتهم، تتصل بأيديهم الخراطيم التى تنقل الدماء من وإلى الماكينة. اقتربنا من إحدى الممرضات، نستأذنها الحديث مع أحدهم، فخاطبت الطبيب المشرف على الوحدة، وهو الدكتور طارق رمضان، الذى أبدى تعاونه، ورحب برصدنا معاناة المرضى مع الفشل الكلوى. «نبوية».. والمياه الملوثة سمح لنا الدكتور طارق بالحديث مع إحدى المرضى، وربما كانت هى الوحيدة القادرة على الكلام، بينما كان مجاوروها يئنون تحت وطأة ماكينة الغسيل، فبدأت «نبوية عبد الفتاح»، وهى سيدة أربعينية، حديثها معنا وهى تبكى، متذكرة رحلتها مع الفشل الكلوى، وقالت إنها أصيبت بالمرض منذ سنة، واكتشفته بالمصادفة عندما كانت فى زيارة طبيب لقياس ضغط الدم، فطلب منها إجراء بعض الفحوصات بمركز التحاليل بالقناطر، فتبين منها إصابتها بالفشل الكلوى، فذهبت إلى مستشفى قصر العينى، وأعد لها أحد الأطباء تقريرًا طبيًا يطالب بأن تقوم بالغسيل الكلوى فى إحدى وحدات الغسيل بالقناطر الخيرية، وأخبرها أن أهم الأسباب التى تؤدى إلى الفشل الكلوى هى المياه الملوثة. أضافت «نبوية»: «سألنى الطبيب عن محطة المياه التى نشرب منها، فأخبرته بأنها محطة مياه القناطر الخيرية، وأن هناك أحاديث تتردد بين الأهالى بأنها غير صالحة للاستخدام الآدمى، مستدركة: «مش مهم أنا، أنا خلاص جالى المرض وربنا سبحانه هو الشافى، لكن المهم أطفالنا اللى بيشربوا من المية.. فين رقابة المسئولين». الدكتور«طارق رمضان» رئيس وحدة الغسيل الكلوى بمستشفى القناطر، أكد أن حالات الفشل الكلوى فى القليوبية، خاصة بالقناطر الخيرية، والقرى المحيطة بها مرتفعة جدًا، وأن هناك العديد من الأسباب، لكن يبقى أولها وأخطرها على الإطلاق مياه الشرب، مشيرًا إلى أن عدد الحالات التى تأتى إلى وحدة الغسيل الكلوى يوميًا 70 حالة، بمعدل 25 حالة فى الوردية الواحدة تقريبًا. وبعيدًا عن أحاديث الأهالى المرسلة عن تلوث المياه، كشف لنا أشرف محمد، موظف، عن مفاجأة، عندما أكد أن بحوزته مستندات تثبت أن مياه الشرب غير صالحة للاستخدام الآدمى وفقًا للتحاليل الصادرة من مديرية الشئون الصحية بالقليوبية بقسم المعامل المركزية، وبالفعل توجهنا معه إلى مسكنه واطلعنا على الأوراق، التى أكدت أن محطة مياه القناطر، التى تغذى 50 قرية حولها، غير صالحة للشرب، طبقًا لعينات تحاليل المياه. «أشرف» قال إن الكارثة الكبرى، على حد تعبيره، أن المحطة تسحب المياه من نهر النيل، وتتم إضافة بعض المواد الكيماوية والكلور والشبة لتحليتها، وبعد ذلك تعود مرة أخرى وتلقى المياه الزائدة فى نفس المأخذ، مما يؤدى إلى تسرب المياه المضاف لها مواد كيماوية إلى المياه العادية، ويتم خلطها مرة أخرى، وهذا ما يؤدى إلى تلوثها، فضلًا عن أن هناك بجانب محطة المياه المرشحة محطات مياه أخرى «ارتوازية» عبارة عن آبار، وحالة انخفاض ضغط المياه، يقومون بتشغيل المحطتين مع بعضهما، وبذلك تختلط مياه النيل بمياه الآبار، دون علم القيادات المسئولة. اعترافات مسئول. ذهبنا إلى المهندس مصطفى مجاهد، رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة لمياه الشرب بالقليوبية، الذى اعترف فى البداية بوجود الأزمة، ولكنه أكد أن الشركة تسعى بكل جهدها إلى حل هذه المشكلة، وتم تشكيل لجنة من قبل المهندسين بالشركة، لإعداد تقرير عن حالة محطة المياه، مؤكدًا أنه سيتم إنهاء هذه الأزمة فى غضون شهرين على الأكثر. وعلق «محمد.س»، أحد العاملين بمحطة مياه الشرب بالقناطر، على تصريح رئيس الشركة بأن إصلاح المحطة يحتاج مدة زمنية لا تقل عن 6 شهور، يتم فيها توقف المحطة كاملة عن العمل ليتم تغيير الخطوط، وإصلاح العيوب المتواجدة فيها. تحليل العينة حصلنا على صورة رسمية من نتائج التحاليل الخاصة بمحطة المياه من المراكز البحثية التابعة لوزارة الصحة، بعد أخذ عينات منها بتاريخ 11 أكتوبر 2014، التى أثبتت أن عينات المياه جميعها غير مطابقة للمواصفات، وبها «بكتيريا سبحية برازية»، وبالرجوع إلى الدكتور طارق رمضان، رئيس وحدة الغسيل الكلوى بمستشفى القناطر المركزى، أكد أن تلك المياه تؤدى إلى الفشل الكلوى على المدى البعيد. المعالجة الثلاثية المفقودة الدكتور نادر نور الدين، الخبير المائى، قال ل«الصباح» تعليقًا على نتيجة تحليل العينة: «هذا التقرير كارثى ولابد من العمل فورًا على تلافى الملحوظات الواردة فيه وتنفيذها بصورة عاجلة، واستكمال بعض الأجهزة والزجاجيات والكيماويات اللازمة لمعمل المحطة»، مشيرًا إلى أن العاملين بالمعمل «كيميائيين وفنيين» فى حاجة إلى تدريب فى مجال التحاليل الكيميائية والدعم الفنى للتشغيل فى المحطة. الدكتور نادر شرح لنا مراحل تنقية المياه الصحيحة من مصدرها حتى تصل إلى المنازل للاستعمال الآدمى، موضحًا أنها تمر بمراحل المعالجة الثلاثية، وأولاها الدخول على أحواض الترسيب، وهى عبارة عن أحواض سطحية كبيرة لترسيب المياه من شوائبها، وثانيها المعالجة عن طريق مادة «الشبة» لمقاومة الهلاميات بالمياه وتنقيتها بشكل ثنائى، وتأتى المرحلة الثالثة بضخ كميات محددة من مادة «الكلور» تقل فى الشتاء وتزيد فى الصيف حتى تقوم بقتل الميكروبات فى المياه قبل ضخها فى المواسير للمنازل»، منبهًا بأن مادة الكلور تقتل كل الميكروبات فيما عاد ميكروب واحد «أحادى الخلية»، ولهذا يلجأ العالم الآن إلى المعالجة والتنقية بالأوزون، مشيرًا إلى أن هذا الميكروب يؤدى إلى تقرحات بالفم واللسان وأمراض أخرى فى القولون. وتابع: «للأسف، محطة مياه القناطر الخيرية لا تعالج المياه، لا ثنائية ولا ثلاثية»، مؤكدًا أن تلوث المياه وراء انتشار الفشل الكلوى بين الأهالى، ومشيرًا إلى أن هناك محطات أخرى غير القناطر تعانى الأزمة نفسها، مثل المحطة الرئيسية بشبرا الخيمة وإمبابة، نتيجة عدم الرقابة على مصانع الغزل والنسيج التى تصب فوائضها فى النيل مباشرة، وكذلك محطة مياه كفر الزيات التى تقع فى محيط مصب مصنع كيماويات بالمنطقة. 7 مليارات جنيه لإقامة محطات تحلية تحتاج مصر ما يقرب من 7 مليارات جنيه لإقامة محطات تحلية ومعالجة للمياه التى تصل إلى المنازل فى كل أنحاء الجمهورية، هذا ما أكده الخبير المائى نادر نور الدين، مشيرًا إلى أن الحكومة نفسها تتسبب فى تلوث مياه النيل، حيث يوجد ما يقرب من 5 آلاف حوض تجمع حكومى للصرف الصحى فى جنوب الصعيد، تصب فى نهر النيل. من جهته، أكد الطبيب البشرى إسماعيل أبو سرية، صاحب «مركز الحياة الطبى» بقرية البرادعة التابعة لمدينة القناطر الخيرية، ارتفاع نسبة المصابين بالفشل الكلوى المترددين على المركز، بسبب أزمة المياه الملوثة مختلطة بمياه الصرف الصحى، مشيرًا إلى أن أجهزة المركز لديه تبين الكوارث التى تحتوى عليها المياه عند تحليلها. مصطفى كمال، موظف بقرية أبو الغيط، إحدى القرى المتضررة التابعة للقناطر، قال إن الأهالى أرسلوا شكاوى للمسئولين أكثر من مرة دون جدوى، موضحًا أن العديد من أبناء منطقته مصابون بقرحات بالمعدة ونزلات معوية متكررة للكبار والصغار، ويضطر الكثير منهم لشراء جراكن المياه المفلترة. الحكومة تدين نفسها بتقاريرها حصلنا على تقرير شركة المياه، الذى يحتوى على العديد من الملاحظات الخاصة بمحطة المياه بالقناطر، وجاء فى التقرير أن المياه الناتجة من المحطة مطابقة «بكتريلوجيا» وغير مطابقة كيميائيًا؛ لزيادة العكارة عن الحد المسموح به طبقًا للمواصفات القياسية لمياه الشرب رقم 458 لسنة 2007، وانخفاض مستوى الجودة فى المحطة لانخفاض كفاءة المعالجة فى المروقات والمرشحات إلى أقل من 50%.