حاولت قدر الإمكان الابتعاد عن قضية أحمد قذاف الدم خاصة أن موقفي منه ومن وجوده علي أرض مصر معروف للجميع وسبق أن كتبت أكثر من مقال حتي قبل اندلاع الثورة الليبية أطالب بتوضيح دور هذا الرجل والمهام المكلف بالقيام بها، وعقب الثورة الليبية كتبت مطالباً بضرورة تسليمه للثوار في ليبيا ورفع الحماية الغامضة عنه، واليوم أجدني مضطراً لفتح قضية هذا الرجل مرة أخري خاصة أن الموقف الحالي منه يثير الدهشة ويجعلنا نطرح العديد من الأسئلة حول مصير الهاربين بأموال المصريين في الخارج، فإذا كنا في مصر ومنذ ثورة يناير نخاطب الإنتربول الدولي بضرورة تسليم عشرات الهاربين بأموالنا وثروات بلادنا فكيف نرفض اليوم مطالبات الثوار في ليبيا بتسليم قذاف الدم؟! إنني هنا لا أناقش أحكاماً قضائية ولا أعلق علي ما صدر بشأن قذاف الدم من أحكام لكنني أطرح القضية للنقاش المنطقي والعقلاني، فمن المعروف أن قذاف الدم لم يكن مجرد رجل أعمال ليبي هارب بأموال الشعب الليبي ومقيم بالقاهرة، لكننا بصدد رجل كان هو الظل والذراع اليمني للعقيد معمر القذافي الذي قتله الثوار في ليبيا، ولاشك أنه من حق أهالي الشهداء والمصابين في ليبيا كما أنه من حق الثوار أن يطالبوا مصر بتسليم قذاف الدم تماما مثلما نطالب نحن في مصر بتسليم حسين سالم وبطرس غالي وباقي قائمة الهاربين من المحاكمات والمتهمين بتبديد ثروات مصر. ومن المخجل والمؤسف أن يتولي بعض دعاة حقوق الإنسان الدفاع عن قذاف الدم وهم علي علم كاف بجرائم نظام العقيد في حق الشعب الليبي، وعلي علم بمدي العلاقة الوثيقة بين قذاف الدم والعقيد الذي فتح النار علي الشعب الليبي وتعهد بقتل كل معارضيه قبل أن يتم الفتك به، كما أنه من المؤسف أن تتم التجارة بالجنسية المصرية والحديث المجاني وغير المعقول عن حصول قذاف الدم عليها فمن المعلوم أنه قبل سنة 2000 فإن ليبيا كانت لا تسمح بازدواج الجنسية وأن أي أجنبي يرغب في الحصول علي الجنسية الليبية يجب أن يثبت بالمستندات أنه تنازل عن جنسيته الأخري، وبالتالي فمن المنطقي أن تكون لدي السلطات الليبية وثيقة تنازل قذاف الدم عن جنسيته المصرية التي قيل إنه حصل عليها وإن اسمه «جمعة» وإنه من أبوين مصريين!!.. ونضيف إلي ذلك سؤالاً منطقياً أيضا وهو هل كان قذاف الدم موظفا عاديا في ليبيا؟!.. أم أنه كان رجل الدولة ومنسق العلاقات المصرية الليبية؟!.. فمن المعروف أن قذاف الدم كان ضابطاً يحمل الشعار الرسمي الليبي وكان حاكماً لمنطقة أمن طبرق فهل يعقل أن يحكم ويدير ويصبح الرجل الثاني للعقيد وهو يحمل جنسية أخري؟! وحتي وإن سلمنا بأن قذاف الدم قد حصل علي الجنسية المصرية فإن الاتفاقيات الليبية المصرية تحظر ممارسة النشاط المعادي بين الدولتين. ولأن أحمد قذاف الدم قام بإلإضرار بالأمن القومي الليبي فيجب علي الدولة المصرية أن تعاقبه علي جرائمه في حق الشعب الليبي. وبشكل عام وبعيداً عن مناقشة كل هذه الأمور فإننا نعود لما سبق وطرحناه حول حق الشعب الليبي في محاكمة قذاف الدم محاكمة عادلة وعلي مسمع ومرأي من العالم كله وذلك علي غرار حق الشعب المصري في مثول الهاربين بأمواله وثرواته أمام محاكم مصرية، فالثورة إرادة شعب، وتعلو فوق كل السلطات، ومن حق الشعب الليبي كما من حق الشعب المصري أن يقتص لحقوقه ولشهدائه وأن يسترجع ثرواته المنهوبة. أما هؤلاء الذين يتشدقون بعبارات مجانية عن دور قذاف الدم في حرب أكتوبر وكأنه صاحب الضربة الجوية الأولي فنقول لهم إن هذا الكلام يسيء إلي مصر وإلي نصر أكتوبر المجيد، ويكفي أن نسرد بعض جوانب تاريخ قذاف الدم لنعرف إلي أي مدي نسيء إلي نصر أكتوبر ونحن ننسبه إلي هذا الرجل. جاء قذاف الدم إلي القاهرة بعد أن ظل سنوات وسنوات ضمن دائرة كبار المسئولين الأمنيين في النظام الليبي، ولقد تخرج من الأكاديمية العسكرية في بداية السبعينات ثم التحق بسلاح الحرس الجمهوري الليبي وتدرج في المراتب والمناصب العسكرية في فترة وجيزة بحكم صلة القرابة بينه وبين العقيد، وكان العقيد يثق فيه ثقة عمياء فكان قذاف الدم هو رجل معمر القذافي في كل مكان وكان يتولي مهمة التصفية الجسدية لكل معارضي العقيد في الخارج ولذلك تولي ملف المعارضة الليبية بتكليف مباشر من العقيد وارتكب جرائم بشعة في حق المعارضة الليبية سواء في أوروبا أو غيرها، وفي الثمانينات ارتبط اسمه بأكبر فضيحة جنسية حيث دخل في علاقة مع ملكة جمال الهند سابقا باميلا بوردز وتناولت الصحف البريطانية تلك الواقعة التي حاول قذاف الدم إخفاءها. والغريب أنه في عام 1984 قام العقيد بتعيينه حاكما عسكريا لمنطقة طبرق وأمينا للمكتب الشعبي في السعودية عام 1985 ومساعدا لشقيقه سيد قذاف الدم عندما تولي مهمة الحاكم العسكري للمنطقة الوسطي، ثم قام بإرساله إلي القاهرة ليعيش في حماية عمر سليمان وينجح في إقامة علاقات واسعة مع عائلة مبارك بعد أن قرر أن يقوم بغسيل أموال العقيد في بنوك مصر، ووصل حجم استثماراته إلي 20 مليار دولار، ووصلت ثروته الخاصة إلي ما يقرب من 10 مليارات دولار وتعددت نشاطاته في القاهرة لإخفاءالأموال الليبية وحمايتها من التعرض للمصادرة عندما كانت ليبيا تخضع لفرض عقوبات عليها بسبب حادثة سقوط الطائرة الأمريكية فوق قرية لوكيربي البريطانية، والتي اتهمت ليبيا بالضلوع فيها. انتقل بعد ذلك إلي مصر وفتح مكتباً بها وزاول أنشطة مالية وتجارية واستخباراتية من خلاله داخل وخارج مصر، ولذا يمثل عمله في مصر أول نجاح له فيما كلفه معمر القذافي به من مهام حيث وطد علاقته بالمخابرات المصرية ورئيسها عمر سليمان وعائلة الرئيس المصري والعديد من الشخصيات المصرية وأدخلهم معه في شراكات مالية وتجارية لصالح النظام الليبي وكان الجزء الأكبر من ثروة مبارك وعائلته وعدد من أركان حكمه قد تولدت من إدارتهم للاستثمارات الليبية وما يحصلون عليه من عمولات. وكانت أهم الخدمات للنظام الليبي هي حماية أرصدة العقيد المالية والتحويلات المتعلقة به في أوسع عملية غسيل أموال كانت تتم برعاية مبارك وأولاده حيث كانت الودائع الليبية في البنك المركزي يشرف عليها جمال مبارك ولا تخضع لأي رقابة ولا تظهر في ميزانيته ولا تخضع إدارتها لمحافظ البنك، وإنما يتولاها جمال مبارك. ومن المعروف أن قذاف الدم كان علي علم بالحسابات السرية الخاصة بالقذافي في مصارف عربية وأوروبية.. وأنه أيضا واسع الثراء ولديه أملاك وعقارات كثيرة في الداخل، وحسابات مصرفية عديدة في الخارج بجنيف وباريس ولوزان والقاهرة والرباط.. وغالبا ما يتحرك في البلاد العربية وأوروبا يرافقه حرس خاص، أو تتولي عناصر استخبارات دول عربية حراسته في بعض العواصم الأوروبية.. ويوصف في أجهزة الإعلام العربية برجل المهمات الصعبة. ومع اندلاع الثورة الليبية أوكل إليه معمر القذافي مهمة المساعدة علي إخماد التحرك الشعبي في بنغازي الواقعة في شرق البلاد والتي اندلعت منها الانتفاضة ووصل أحمد قذاف الدم إلي القاهرة لهذا الغرض في 21فبراير وعلي أساس عقد صفقة بيع أسلحة لصالح ليبيا، وعندما بلغ المجلس العسكري ذلك قام علي الفور باستدعاء أعضاء الحكومة لعقد اجتماع مشترك عاجل، خاصة أن قذاف الدم حاول أن يعقد صفقاته دون علم المجلس معتمدا علي علاقاته القديمة، وتلقي قذاف الدم درسا في الوطنية من أعضاء المجلس العسكري الذين رفضوا التآمر علي الثورة الليبية وطالبوا قذاف الدم بتحديد موقفه من الثوار، كما أبلغ المجلس العسكري ميناء القاهرة باتخاذ إجراءات التفتيش مع قذاف الدم، واضطر «أحمد قذاف الدم» إلي الانتظار بصالة كبار الزوار بمطار القاهرة الدولي أكثر من ساعتين، لحين قيام السلطات المختصة بمنحه إذناً بالسفر علي طائرته الخاصة إلي دمشق حيث تلقي المسئولون بمطار القاهرة أمراً يفيد بعدم السماح للطائرة بالإقلاع إلا بعد الحصول علي إذن جديد من السلطة وتبين وجود "طبنجة" بحقيبة يده، وتم التحفظ عليها، وتسليمها لمسئولي سفارة ليبيا.. وتحت ضغوط المجلس العسكري لوقف أي التفاف من قذاف الدم علي ثورة ليبيا قام رجل العقيد بإعلان انشقاقه عن النظام الليبي يوم 24 فبراير 2011 وقام مكتبه بتوزيع بيان علي وسائل الإعلام يوم 25فبراير يعلن فيه استقالة قذاف الدم من عمله بالحكومة الليبية ولجوءه إلي مصر احتجاجا علي قمع القذافي للمتظاهرين وأنه سيسير قافلة مساعدات إلي الثوار في بني غازي لإثبات حسن نواياه، إلا أنه سرعان ما انتقل إلي دمشق في نفس اليوم أي الجمعة 25 فبراير دون أن يقدم للثوار الليبيين في شرق ليبيا أي مساعدات.. ولم يكن إعلانه الانشقاق سوي تمويه علي تحركاته في خدمة نظام ابن عمه القذافي وقبيلته ولحماية أرصدته وممتلكاته من التجميد وأيضا لكي تظل قنوات اتصاله بأجهزة المخابرات العربية والغربية مفتوحة. وكان مصطفي عبدالجليل رئيس المجلس الانتقالي الممثل الرسمي للثوار الليبيين قد أعلن علي شاشة "الجزيرة" عن قيام أحمد قذاف الدم بمحاولات تسييل الاستثمارات الليبية في مصر، واستخدام هذه الأموال في مساعدة وإمداد قوات القذافي والعمل علي تجنيد مصريين للعمل كمرتزقة وإحداث تخريب وإثارة القلاقل بشرق ليبيا مما يربك الثوار ولكن المصريين وقفوا له بالمرصاد، وتنصل قذاف الدم من هذه الاتهامات ونفاها عنه وادعي أن صلته انقطعت بالنظام الليبي، ونحن نطالب بسرعة تحديد الموقف مع رجل العقيد في القاهرة خاصة أن مواقع الثوار في ليبيا تطالب برأسه باعتباره الذراع اليمني للقذافي.