الصحيفة تخصص مساحات واسعة لأتباع الإخوان للحديث عن معاناتهم والظلم الفادح الذي تتعرض له الجماعة تتناسي جميع أعمال العنف التي يرتكبها الإخوان.. وشنت حملة عدائية علي الحكومة المصرية بعد إدراج الجماعة علي قائمة الإرهاب تدرك جماعة الإخوان المسلمين وتنظيمها الدولي أهمية الوصول لوسائل الإعلام العالمية والمكاسب التي يمكن أن تحققها الجماعة بالتأثير علي الميديا في الغرب، سواء كانت في مجال الصحافة من حيث الجرائد الكبري أو في الإعلام والقنوات الفضائية ذات الشعبية والانتشار، وبالطبع في مجال عالم التكنولوجيا الحديثة حيث تنشط لجانهم الإلكترونية كرأس الحربة في تفعيل وتنشيط الشائعات والأكاذيب التي تروج لها الجماعة. ومؤخرا استطاعت الجماعة الوصول إلي عدد من الصحف العالمية وجعلها تتحدث باسمها وتدافع عنها، وسواء تم ذلك بطريق المال وشراء صفحات كاملة من تلك الجرائد، أو بالتأثير علي المراسلين وأصحاب مقالات الرأي، إلا أن من الواجب الاعتراف بأن الجماعة نجحت في ذلك الأمر حتي الآن، وعرفت الطريق لتحويل تلك الصحف بما لها من انتشار هائل وتأثير علي الرأي العام العالمي إلي أبواق تنطق بآراء الجماعة وتتبني وجهة نظرها. ومن أبرز الصحف العالمية التي سارت في كنف الإخوان ودافعت بشدة عن وجهات نظرهم متجاهلة الواقع السياسي في مصر، نجد صحفا مثل «الجارديان» البريطانية، و«نيويورك تايمز»، و«واشنطن بوست» التي تعتبر المتحدث الرسمي باسم الحكومة الأمريكية. وإذا نظرنا إلي ما تنشره الأخيرة منذ قيام الثورة في 25 يناير 2011، وبعدها من سيطرة الإسلاميين علي البرلمان ثم الرئاسة، لوجدنا أن تلك الصحيفة العريقة تتبني الدفاع عن جماعة الإخوان المسلمين بشكل دائم ومنهجي، بل تستخدم نفس ألفاظ ومصطلحات الجماعة وتطلق علي ثورة 30 يونية اسم "الانقلاب"... وتسعي لتصوير الجيش المصري والحكومة الجديدة كسلطة قمعية تحاول العودة بالبلاد إلي الدولة البوليسية من جديد، كما تفرد الصحيفة مساحات واسعة لأتباع الجماعة للحديث عن معاناتهم والظلم الفادح الذي تتعرض له الجماعة رغم "سلميتها"، وحملة الاعتقالات غير المبررة وذلك لخوف الحكومة "الانقلابية" من الشعبية "الجارفة" للجماعة والخطر الذي تمثله علي تلك الحكومة غير الشرعية في مصر. وكأمثلة علي ذلك: في 25 ديسمبر الماضي وفور إعلان تصنيف جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية، سارعت الصحيفة إلي توجيه النقد اللاذع للحكومة المصرية بسبب هذا القرار، وكتبت أن الحكومة المصرية سارعت بإلقاء اللوم علي جماعة الإخوان - التي نبذت العنف منذ عقود- عن تفجير مديرية الأمن في الدقهلية، وأن هذه المزاعم زادت من التوتر وأدت إلي هجمات القصاص ضد الإخوان. ولم يتوقف ثناء الصحيفة علي الإخوان فقط، بل راحت تكيل المديح لدويلة قطر بسبب مواقفها الداعمة للإخوان والهاربين منهم إليها، فكتبت الصحيفة في نفس العدد السابق أن قطر "الصغيرة" ساعدت في تمويل "المتمردين" ودعاة "الديمقراطية الإسلامية" في جميع أنحاء الربيع العربي، والآن تقوم باستيعاب المنفيين من مصر الذين يذهبون إليها حيث الديمقراطية الوليدة(!). واستمرارا لدفاع الواشنطن بوست عن إرهاب جماعة الإخوان، قالت الصحيفة في مقال نشر في 10 يناير الماضي، إن الجماعة في مصر ليست حركة إرهابية، علي الأقل ليس في الوقت الراهن، لكن خطوة إعلانها كجماعة إرهابية ومنعها من ممارسة السياسة، قد يحولها بالفعل إلي "منظمة إرهابية"، وتضيف الصحيفة أن مصر الآن علي الطريق لأكبر فترة من القمع والحروب الداخلية وعدم الاستقرار، وبالتالي فإن السؤال عن تطرف الإخوان يبدو أكثر واقعية اذا سألناه ب "متي" سيبدأ، وليس "إذا" ماكان سيبدأ أم لا؛ والأمر المؤكد هو أن النظام الحالي سوف يجعل المشكلة أسوأ بكثير. وفي أحد التقارير المنشورة في شهر سبتمبر الماضي، تقول الصحيفة إنه منذ "الانقلاب العسكري" الذي أطاح بمحمد مرسي من الرئاسة، قامت القوات الحكومية بقتل المئات من مؤيدي الإخوان واعتقال آلاف آخرين، بما في ذلك كبار قادة الجماعة، وشنت الحكومة الجديدة حملة دعائية لتشويه صورة الإخوان ووصفهم بأنهم إرهابيون. كما تتهم الصحيفة القضاء المصري بعدم الحيادية وبتلقيه الأوامر من السلطة التنفيذية حيث تقول إن هذا الانقلاب تلاه الأمر بإصدار حكم محكمة بحظر جماعة الإخوان ومصادرة أموالها، وهو ما يعني أن السلطات الجديدة في مصر علي استعداد للذهاب إلي ما هو أبعد مما فعل الرئيس السابق حسني مبارك لسحق الجماعة. كما تحاول الصحيفة التأكيد علي أن هذا الحكم القضائي هو حكم سياسي بالدرجة الأولي ويهدف إلي تقليص نفوذ الجماعة عن طريق رفع يدها عن المئات من الجمعيات الخيرية التي تقدم الخدمات الغذائية والعلاجية للمواطنين بأسعار رمزية والتي تعتبر المصدر الأول لجذب الشباب إلي الجماعة وتغلغلها في أوساط الفقراء والمحتاجين الذين يمثلون الأغلبية من الشعب المصري، ما يعطي الجماعة القوة والنفوذ في أوساط هذه الطبقات ويهبها التعاطف المطلوب استمرارها ونموها. وقد أدرك الكثير من المصريين المقيمين في الولاياتالمتحدة هذه الحقيقة، وأصبح واضحا لديهم كيف أن الصحيفة التي يفترض فيها المهنية والحياد أصبحت تتبني نفس وجهة نظر تنظيم الإخوان، حتي أن المئات من المصريين والعرب المقيمين في الولاياتالمتحدة قاموا بالتظاهر خارج مبني الجريدة في أغسطس الماضي منددين بسياستها ودفاعها عن الإخوان، وتجاهلها الهجمات التي يقوم بها أنصار الإخوان علي الكنائس في محافظات مصر المختلفة، وظل المتظاهرون يرددون هتافات مثل: "أوباما.. توقف عن دعم الإرهابيين"، و"واشنطن بوست تؤيد العنف" و"واشنطن بوست تدعم الإرهاب". لكن يبدو أن الصحيفة قررت المضي قدما في طريق دفاعها عن الإخوان حتي النهاية، فبعد يومين فقط من المظاهرات، قامت الصحيفة بتحدي مشاعر المصريين وخاصة المسيحيين منهم، ونشرت في افتتاحيتها مانشيتا بعنوان: الإخوان لم يشاركوا في تدمير الكنائس المسيحية أو في الهجمات ضد المسيحيين في مصر(!). وقد رصدت الصحف الأمريكية نفسها كذب الواشنطن بوست في هذا المانشيت الغريب، حيث بنت الجريدة نظريتها تلك علي أساس ما ورد اليها من مراسلة الصحيفة "هيوس لونار"، وقامت بتحريف تقرير لونار حتي توحي ببراءة الإخوان من دم المسيحيين والكنائس التي تعرضت لعدة هجمات خاصة في صعيد مصر. وبالرجوع إلي ما قالته لونار حرفيا في تقريرها، نجد أنها ذكرت أن مسئولا غربيا هاما، رفض كشف اسمه، قال بالحرف: "إنه ليس هناك أدلة مادية تثبت أن الإخوان كمنظمة هي من قام بالترتيب لهذه الهجمات"... وقد كتبت لونار أن المعلومات التي عرفتها عن تورط الإخوان في تلك الهجمات جاءت من شهود العيان الذين يعيشون في تلك المناطق والذين رأوا قيادات إخوانية معروفة لديهم وهم يشاركون في تلك الهجمات. ومن ناحية أخري تجاهلت واشنطن بوست الفيديو الشهير للقيادي الإخواني صفوت حجازي والذي هدد فيه بسفك دماء المسيحيين في مصر إذا ما قاموا بدعم المعارضة في الإطاحة بمرسي... وفي الفيديو يقول حجازي أيضا: هذه رسالة للكنيسة المصرية من مسلم مصري.. والله، إذا كنتم تتآمرون وتريدون الانضمام لصفوف الفلول من أجل إسقاط مرسي.. فسيكون لنا شأن آخر.. وأضاف حجازي وسط هتافات الحشود قائلا: أقول للكنيسة.. صحيح أنتم إخواننا في هذا البلد، ولكن لدينا خطوطنا الحمراء. فشرعية الدكتور مرسي هي الخط الأحمر، ومن يرشها بالماء فسوف نرشه نحن بالدم(!). كما رصدت الصحف الأمريكية الأخري تجاهل واشنطن بوست لصدور هذه التصريحات الصادمة من القيادي الإخواني صفوت حجازي وسط أحداث العنف التي طالت الكاتدرائية في أبريل الماضي بالعباسية، والتي أسفرت عن مقتل شخص وإصابة العشرات من الأقباط. وتأكيدا للإنحياز الصارخ من قبل الصحيفة لجماعة الإخوان، لم تقتصر كتابات الصحيفة علي الدفاع عن الإخوان وتجاهل كل ما يدينهم أو يلصق بهم الإتهامات بممارسة العنف، لكن ذهبت إلي الهجوم علي الفريق أول عبدالفتاح السيسي بصفته الفاعل الأول في الإطاحة بحكم مرسي والإخوان من عرش مصر. فبعد أيام قليلة من خروج ملايين المصريين لتفويض السيسي في حربه ضد الإرهاب المحتمل في يوليو الماضي وأثناء اعتصام الإخوان في رابعة والنهضة، شنت الصحف الأمريكية الكبري مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست في افتتاحيتهما هجوما حادا علي السيسي ودفاعا عن أنصار الإخوان المعتصمين في رابعة، وحثت تلك الصحف السلطات الأمريكية علي اتخاذ موقف أكثر وضوحا وحزما تجاه العملية السياسية في مصر، وقالت واشنطن بوست في افتتاحيتها إن السيسي يستمع إلي الاحتجاجات الصادرة من واشنطن وأماكن أخري، لكن يبدو أنها ليس لها تأثير كبير عليه، ولهذا فإن الإدارة الأمريكية عليها أن تواجه خيارات أكثر وضوحا قريبا. ومع ذلك، فرغم أن صحيفة نيويورك تايمز إعترفت بأن الأساليب القمعية لحكم مرسي والإخوان هي ما جعلت البلاد تنزلق إلي تلك الحالة من الفوضي، منتقدة الأساليب الإدارية للحكام العسكريين في مصر مع تنبؤها بجعل البلاد أسوأ حالا بكثير، إلا أن الواشنطن بوست لم تر ذلك الأمر، بل ألقت بكل اللوم علي السيسي والجيش المصري في تبرئتها للإخوان المسلمين من أي عيب أو نقيصة، متجاهلة الأخطاء الكارثية التي ارتكبها مرسي طوال عام كامل من حكمه وهو ما أوصل البلاد إلي تلك الحالة وأدي إلي شعور الشعب باليأس من أي إصلاح قادم علي يد جماعته. ويقول بعض المحللين المحايدين عن مواقف بعض الصحف الأمريكيةوواشنطن بوست تحديدا، إن هذه المواقف تكشف وجود موجه مسيسة وتوجيها للرأي من قبل الحكومة الأمريكية، وهو ما يكشف بوضوح أن سقف الحرية قد انخفض بالفعل في أمريكا، ويعود ذلك إلي خضوع جزء كبير من وسائل الإعلام الحرة لسيطرة الدولة بعد أحداث 11 سبتمبر، لكن كان ذلك يتم بطريقة غير ملحوظة، أما الآن فقد أصبح الأمر واضحا تماما. ويقول موقع "باثيوس" الأمريكي إن تلك التهم التي توجهها الواشنطن بوست للجيش المصري والحكومة الجديدة غالبا ما تكون غامضة وتفتقر إلي الأدل حتي أن ما تنشره لا يمكن تحديده من الناحية الصحفية والمهنية ما إذا كان تحليل للأخبار أو مقال صحفي أم مادة إخبارية!. وقد اعتادت الصحيفة أن تنشر تلك المقالات دون أدلة وفي غياب تام للتفاصيل، مما يعطي الإنطباع بأنها مجرد مقالات للرأي أو تعليق وتقديم لوجهة نظر كاتبها ورؤيته الخاصة للأحداث، بدلا من أن يقدم تقرير وافي عن تلك الأحداث. ويضيف الموقع, إن الصحيفة غالبا ما تعرض مجموعة متنوعة من أنصاف الحقائق لدعم رؤيتها ووجهة نظر كاتبها، بالإضافة إلي تقديم المزيد من الحجج المؤيدة لجماعة الإخوان، حيث تنصب التأكيدات وتمتلئ بالبيانات المشكوك فيها دون تمحيص. وغالبا لا ترد علي صفحات واشنطن بوست أي إشارة لأسباب تلك الثورة الشعبية التي قام بها الشعب المصري ضد الإخوان، كما لا تبحث الصحيفة في أي من الأحداث السياسة ولا حتي الأحداث الدينية في مصر. والغريب أننا إذا عقدنا مقارنة بين ما تقوله وتنشره قناة الجزيرة المعروفة بدعمها العلني للإخوان وبين ما تنشره الواشنطن بوست، فسوف نجد شبه تطابق تام في اللهجة والأسلوب واستخدام الحقائق فيما يماثل تلك التقارير التي تنشرها شبكة الجزيرة الموالية للإخوان. ومن السقطات المهنية الخطيرة التي تبلغ حد "الخطيئة" في كل من نيويورك تايمز وواشنطن بوست، - بحسب الموقع - أنهما ترفضان الاعتراف بأن الانتفاضة الجماهيرية التي حدثت في 30 يونية 2013 هي بمثابة ثورة مكتملة الأركان والشروط، في حين إنهما تطلقان علي أحداث 25 يناير 2011 مسمي الثورة الشعبية التي نجحت في إسقاط نظام الطاغية حسني مبارك، ويأتي التناقض الصارخ هنا من حيث الواقع الذي يقول إن عدد الأشخاص الذين شاركوا في الثورة الأولي في 25 يناير، كانوا حوالي نصف العدد الذي خرج للمطالبة بإسقاط مرسي في 30 يونيو. وفي كلتا الحالتين، كان الجيش هو العامل الحاسم الذي حول تلك الثورات إلي واقع وقام بتنفيذ الإرادة الشعبية وحمي البلاد وجنبها من الصراع والحرب الأهلية. لكن صحيفة نيويورك تايمز والواشنطن بوست لا تريان الأمر علي هذا النحو. ففي رأي الاثنتين، فإن تدخل الجيش في الحالة الأولي لم يكن انقلابا لأنه أدي في نهاية المطاف إلي أن تتولي جماعة الإخوان السلطة؛ بينما تري ان تدخل الجيش في الحالة الثانية يعد انقلابا لأنه أطاح بالإخوان خارج السلطة!.