في لحظة عندما تفقد إنسانيتك ، إحساسك بأنك كائن يستحق الاحترام ، عندما يذلك الانتظار. عندما تتعلق عيناك بشباك يقدم سلعة أو خدمة وتطوق نفسك للوصول له ولمس هذا الشباك ، عندما تخاف من غضب الموظف القابع خلفه وإغلاقه لهذا الشباك. عندها تدرك بأنك تقف في طابور .. في وقوفك تفقد احترامك لنفسك ، واحترامك لهذا النظام .. المجهول المصدر . في الطابور تقام الصداقات بين رواده ، في الطابور يتعارك البشر ، في الطابور تبكي المرأة والكهل .. في الطابور ربما يموت شخص أو يولد شخص ، في الطابور نغضب نثور نلعن كل من كان سبب في هذا الطابور . وفي الطابور يطلق الرجل زوجته ، وآخر يختار زوجته . في الطابور تعيش دولة داخل الدولة ، هناك من يلتزم بقانون الطابور .. وآخر يبحث عن ثغرات في هذا الطابور.. واليوم كانت لي تجربة مقصودة في الوقوف في طابور السجل المدني لاستخراج شهادات ميلاد لطفلي الصغيرين ، ذهبت قبل ميعاد العمل بساعة حتى أكون أول الطابور فإذا بي وقد اكتمل الطابور ، سألت متعجباً متى اكتمل ؟ فقالوا لي قبل ساعة من الآن .. هل أحب الشعب نظام الطابور ، حتى إنهم يأتون قبل الميعاد للاستمتاع بالطابور ؟ أم أنهم أرادوا الفوز بالوصول للشباك قبل موعد انتهاء العمل ؟ عشرات البشر في مكان ضيق لا يتسع لبشر ، وصلت لآخر الطابور ووقفت في آخره ، ساعة تمر دون حراك ، ما السبب ؟ الكل يسأل حتى وصل السؤال لأول الطابور ثم رجعت الإجابة لنا نحن سكان آخر الطابور .. الموظف يتناول إفطاره ويشرب الشاي . إلى هنا والكل متعلق بالشباك لعله يفتح لهم . فتح الموظف الشباك ، هلل سكان الطابور ، سألنا ما الحدث ؟ فقالوا فُتح الشباك . إهانات لآدمية الإنسان وكأنه ليس إنسان ، تجاوزات واستثناءات من الموظف للمعارف والأصدقاء . رجل عجوز يطلب مني أن أحفظ له دوره ليستريح قليلاً بالجلوس على الأرض ، وامرأة تخرج من طابور النساء وهي تبكي من كثرة الزحام . بعد خمس ساعات من المعاناة وصلت للشباك ، قبلت حديد الشباك وكأنه مقام لولي صاحب بركات . أعطيت الموظف تاريخ الميلاد والاسم وأخذ الرسوم منى ، خرجت حاملاً الشهادتين ناطقاً بالشهادتين وكأني ولدت من جديد . والسكان الجدد للطابور يهنئونني بالانتصار ونيل المراد . خرجت من الطابور محملا بكم من الأسئلة ، هل نظام الطابور مازال سارياً في بلدان العالم المتحضر ؟ هل استخراج الأوراق الرسمية يحتاج كل هذه المعاناة ؟ هل العلم عجز عن القضاء على نظام الطوابير ؟ وجدت أن هناك حلولاً سهلة للقضاء على الطوابير بعضها ينفذ بالفعل مثل النظام المتبع في البنوك وهو نظام الرقم ، فكل عميل يحصل على رقم بمجرد دخوله البنك ثم يجلس متمتعاً بالراحة منتظراً ظهور رقمه على الشاشة. وهناك أيضاً الحكومة الالكترونية ،بالفعل لا مجرد شعار، حيث استخراج الأوراق الرسمية عبر الانترنت ، وهذا نظام متبع في كل الدول المتقدمة . وإن عجزنا فهناك طرق أخرى لتقليل معاناة المواطنين ، منها تجهيز شبابيك إضافية لخدمة المواطنين ، وكذلك عمل فترات عمل مسائية لتقليل الزحام . الطابور أيها السادة أنقرض في دول كثيرة ، فلماذا يزداد نمواً في بلادنا نحن ؟ الطابور تجربة تستحق المرور بها ، فربما يأتي يوماً نشتاق فيه للطابور .