التنظيمات الإرهابية تجبر النساء على الزواج من شركائهن فى العمليات كغطاء شرعى للخلوة والحركة والسفر القبض على «والى داعش» فى السعودية فجر لغز جمع بنان عيسى بين زوجين ملابسات من الإثارة والغموض، شهدتها وقائع إلقاء القبض على سويلم الهادى الرويلى، المعروف ب"والى داعش" فى السعودية، والمسئول عن الخلايا التى تولت تفجيرعدد من المساجد واستهداف قوات الأمن هناك. فعملية المداهمة التى أعلنت عنها السعودية كإنجاز ضخم نجحت خلاله فى اصطياد حلقة الوصل بين القيادة المركزية لدولة البغدادى بالرقة، وبين العناصر التابعة له فى بلاد الحرمين، فوجئت خلالها قوات الأمن بامرأة مجهولة تتولى مباغتتهم بسلاحها الرشاش وتقوم بإطلاق النار والاشتباك معهم، ماعرضها فى النهاية لإصابة توفيت على إثرها بعد نقلها للمستشفى بحسب التصريحات الرسمية. شريكة والى داعش الغامضة فى منزله الآمن، اتضح بعد ذلك أنها بنان عيسى هلال، ابنة أحد المطلوبين لدى السلطات الأردنية، والمعروف بأبو حمزة التبوكى، وأنها اختفت من منزل عائلتها منذ ما يقرب من عام ونصف العام، وبياناتها فى السجل المدنى - وفقا لتصريحات المتحدث باسم وزير الداخلية السعودى – تؤكد أنها متزوجة من شخص آخر يدعى محمد ربيع البلوى وهو موجود بإحدى مناطق الصراع خارج السعودية، وأن الاختفاء الغامض ل"بنان" قد حدث بعد سفره مباشرة. غيرأن المزاعم المثيرة للرويلى، "والى داعش" السعودى، من أنه متزوج منذ بضعة أشهر من بنان بشهادة من المسئول عن إيوائهما ويدعى ناعم خلف، رغم ماهو مثبت فى نفس الوقت لدى السجلات الرسمية من زواجها فعليا من آخر موجود خارج البلاد، فجرت ضجة إعلامية ضخمة واتهامات بشأن مشروعية الخلوة بين الرويلى وبنان، ومدى صحة الرواية التى زعمها الرويلى من زواجه منها، وحول ما إذا كانت هذه الرواية، إن صحت أيضا، تعنى فعليا أنها قد جمعت بين زوجين أحدهما رسمى مدون بالسجلات، والثانى هو أمير فرع التنظيم الإرهابى المقبوض عليه. لكن التقليد المتعارف عليه لدى التنظيمات الإرهابية المتطرفة، بعدم لجوئها إلى توثيق زيجاتها فى المستندات الرسمية لدى الحكومات عادة، واكتفائها بالصيغة الشرعية والشهود لإتمام الزواج، ونقص المعلومات التنظيمية لدى الأجهزة الأمنية بشأن بنان، وزوجها الأول، لا يزالان يطرحان احتمالات بأن يكون الأخير قد طلقها أو لقى مصرعه أثناء المواجهات المسلحة للتنظيم الإرهابى، وبذلك يكون داعش قد وفر مصوغا شرعيا فعليا لوجودها مع الرويلى فى المنزل الآمن. فى كل الأحوال فإن بنان قد تحولت فعلياً إلى نجمة جديدة فى عالم إرهابيات وانتحاريات التنظيمات المسلحة، وانضمت إلى قائمة السعوديات الشهيرات منهن، وفى مقدمتهن وفاء اليحيا، التى ذاع صيتها كأول إرهابية سعودية تنجح فى الهروب من المملكة إلى اليمن سنة 2006، ومنها إلى العراق حيث تزوجت بعد ذلك من أبومصعب الزرقاوى وشاركت فى مهام تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين هناك، إلى أن تم إعلان وفاتها سنة 2013. الأهم أن بنان هلال فى نفس الوقت فتحت بلغز زواجها من والى داعش فى السعودية ملفا جديدا يستدعى الانتباه وتحول مؤخرا إلى ظاهرة حقيقية فى الملف الاجتماعى للتنظيمات الإرهابية، هو ملف" زيجات الموت" التى تفرضها هذه التنظيمات على النساء المنضمات لها، من المنوط بهن الاشتراك فى العمليات الإرهابية، وذلك كغطاء شرعى وضرورة حتمية، لجواز الخلوة والانتقال والحركة والإقامة مع زملائهن، خاصة بعد أن تحولت النساء فى التنظيمات الإرهابية إلى مقاتلات وشريكات رئيسيات فى أخطر العمليات الإرهابية الكبرى التى نفذتها داعش والقاعدة فى الفترة الأخيرة، بما فيها العمليات الانتحارية منها. علماً بأنه لم يفصل سوى 4 أشهر فقط بين واقعة بنان وبين واقعة أخرى متطابقة لزميلتها الداعشية حسناء بولحسن، الأيقونة النسائية الأشهر فى تفجيرات باريس، وابنة خال عبدالحميد أباعود مخطط وقائد خلية تفجيرات باريس، وشريكته فى المنزل الآمن بضاحية سان دونى بفرنسا أيضا، حيث كانت بولحسن ضمن أفراد المجموعة المتواجدة فى الشقة وتمت مهاجمتها من قوات الشرطة الفرنسية، أثناء تعقبها لأباعود المخطط، وتم طرح علامات الاستفهام وقتها أيضا حول حقيقة علاقة بولحسن بأباعود، وسط احتمالات قوية بأن تكون زوجة له أو لأحد أفراد الخلية المنفذة للهجمات، حيث كانوا جميعا يشتركون فى الإقامة بشقة سان دونى. قبلها بشهور أخرى كان تنظيم داعش قد أثار أيضا ملف إرهابية أخرى هى العراقية ساجدة الريشاوى، أشهر انتحاريات تنظيم القاعدة، والتى كانت بدورها حديث وسائل الإعلام العربية والدولية بسبب ارتباط اسمها بواحدة من أبشع عمليات القتل التى أقدم على تنفيذها تنظيم داعش، حيث قام بإعدام الطيار الأردنى معاذ الكساسبة حرقا، بعد أن رفضت السلطات الأردنية مقايضته بالريشاوى التى كانت محتجزة فى السجون الأردنية على ذمة حكم قضائى بالإعدام لم يكن قد تم تنفيذه. الريشاوى التى سارعت السلطات الأردنية بتنفيذ حكم الإعدام "المؤجل" فيها شنقا رداعلى إحراق "داعش" للكساسبة، كان من المفترض أن تتقاسم مع زوجها على حسين الشمرى العملية الانتحارية الدموية بقاعة أفراح فندق راديسون بالعاصمة الأردنية عمان فى التاسع من نوفمبر2005 ، كجزء من ثلاث عمليات انتحارية متزامنة لتنظيم القاعدة هناك، لولا أن ساجدة فشلت فى تفجير حزامها الناسف، بعد أن كان زوجها قد انتهى من دوره فى عملية أسفرت عن 57 قتيلاً و115 جريحاً، فيما عرف بيوم "الأربعاء الأسود" فى عمان. وكانت المعلومة المفاجئة والمثيرة حينئذ هى أن تنظيم القاعدة فى العراق كان قد فرض عقد قران ساجدة الريشاوى على زوجها قبل تنفيذ عملية تفجيرات عمان بأسبوع واحد، ليكون لديها مصوغ شرعى لمرافقته والسفر والتحرك والإقامة معه تمهيدا لتنفيذ عملية الموت. وعلى عكس الجيل الجديد من التنظيمات الإرهابية، كداعش وبوكوحرام وجبهة النصرة وغيرها، كان لدى التنظيمات الإسلامية المسلحة فى طبعتها الأولى، متمثلة فى تنظيم القاعدة وحركة طالبان، فى بداية التأسيس، موانع شرعية، ضد انخراط النساء فى العمليات والمواجهات، فى إطار قناعة فقهية بأن المرأة مكانها المنزل لا تفارقه. فيما لا يزال أيمن الظواهرى يحمل تحفظا صريحا – لم يتم التراجع عنه حتى الآن - على اشتراك النساء فى العمليات القتالية، دللت عليه دعوة زوجته أميمة فى رسالتها للنساء باجتناب الجهاد المسلح لما فيه من مشقة وحرج شرعى لاحتمال السفر والتحرك بدون محرم. ولهذا السبب الشرعى بالتحديد ثبت أن تنظيم القاعدة فى العراق قررعقد قران ساجدة الريشاوى على زوجها قبل تنفيذ العملية. فى كل الأحوال لا يمكن إغفال العامل الاجتماعى فى العمليات التى تقوم بتنفيذها الإرهابيات أو الانتحاريات فى تنظيم داعش، سواء بروابط الأخوة، أو الزواج بين منفذة العملية وزوجها، على نمط خلايا "الذئاب المنفردة"، كما فى خلية الأمريكية من أصل باكستانى تشفين مالك وزوجها سيد رضوان فاروق اللذان ارتكبا مذبحة كاليفورنيا خلال حفل خاص بمؤسسة لذوى الاحتياجات الخاصة قبل شهور، وأسفرت عن مقتل 14 وإصابة 17 شخصا، فى ظاهرة أصبحت الآن كابوسا يؤرق منام الأجهزة الأمنية فى العالم كله. كما يظهر العامل الانتقامى للأزواج والآباء والأشقاء بوضوح أيضا كدافع رئيسى فى انضمام هؤلاء النساء للتنظيمات الإرهابية من الأساس، أو قبولهن المشاركة فى تنفيذ العمليات، وذلك فى حالة الإرهابيات من جنسيات عربية كما حدث مع هيلة القصير، الإرهابية السعودية الشهيرة الملقبة ب"سيدة القاعدة" والتى حكم عليها بالسجن 15 عاما لتورطها فى أعمال إرهابية، وكانت تسعى للانتقام لمقتل زوجها محمد الوكيل الذى اشترك فى تفجيرات وزارة الداخلية السعودية سنة 2004. وكذلك وفاء الشهرى انتقاما لشقيقها يوسف الشهرى، وريما الجريش التى كانت تسعى للانتقام لزوجها محمد الهاملى وأروى البغدادى التى كانت تسعى أيضا للانتقام لشقيقيها محمد وأيمن البغدادى.. ناهيك عن ظاهرة "الأرامل السود" التى قامت بالأساس من قبل انتحاريات التنظيمات الشيشانية ضد روسيا على يد النساء اللواتى فقدن أزواجهن أو أشقائهن أو آبائهن برصاص القوات الروسية ويسعين للانتقام، وكن يرتدين الحجاب الأسود طوال الوقت دلالة على الحزن، ووصلت نسبة العمليات الانتحارية التى نجحن فى تنفيذها إلى 40% بالكامل من عمليات التنظيمات الشيشانية مجتمعة داخل روسيا.