تشهد مصر حالة غريبة من السلوكيات، والتي نلاحظها في كل مكان، في الشارع، في المنزل، في الأغاني، في البرامج الحوارية، بين الأطفال والشباب بل حتى بين الكبار.. لغة غريبة انتشرت وكادت تحل محل لغتنا العربية الأصيلة.. مصطلحات لا تليق وسلوكيات لا يمكن أن تكون هى السلوكيات المصرية الأصيلة. هذه اللغة موجودة وتتغير بشكل متباين قبل ثورتي 25/30، حتى تفاقمت وزادت في السنوات الثلاثة الأخيرة.. ماذا يحدث؟ أغان ودراما غير لائقة يندي لها الجبين!! ولماذا نسكت عليها؟ أتذكر الأسبوع الماضي أن إحدى القنوات الفضائية كانت تبث فيلما غريبا، ولا أفهم ما الرسالة التي يهدف إليها؟ أم تخون زوجها المسجون مع رجل آخر، وابنتها تستضيف رجلا بغرفة ملحقة بالمنزل، وتقيم علاقة مشبوهة معه بشكل فج ومخجل، وحينما تواجه الابنة والدتها بعلاقتها الغرامية، تقول لها الأم إني أعلم أيضا علاقتك مع الشخص المقيم بالغرفة الملحقة بالمنزل، وأسكت بمزاجي!! كيف يشاهد الطفل المصري مثل هذه المشاهد؟ وما تأثيرها عليه فيما بعد؟؟ بالطبع نحن في أزمة!! فبعد أن كان الشعب المصري يشاهد، ويتعلم من قصص نجيب محفوظ، ويوسف السباعي وإحسان عبد القدوس، وطه حسين، والعقاد، أصبح يشاهد ويتعلم من قصص وروايات، لا تعود عليه وعلى أولاده وأهله إلا بنشر مبادئ وصور تتنافى مع القيم والأديان السماوية، ويصبح عدم مشاهدتها أفضل لعدم تحطيم القيم والمثل التي تبني مجتمعا سليما، خالياً من الإرهاب والعنف والجرائم، التي أصبحنا نسمع عنها بشكل شبه يومي!!! ناهيك عن كلمات الأغاني التي تحمل معاني مسيئة وهابطة، وتصور في كليبات بمعرفة شخصيات لا يمكن أن يكونوا ممثلين للفن المصري، وهى صورة غير لائقة تتطلب مننا جميعا الوقوف سويا لوقفها وحذفها تماما من تاريخ الفن المصري، لأنه وببساطة ليس فنا، بل إساءة للفن!! نشاهد بدهشة كيف تتناول اليوم بعض الأفلام السينمائية الجديدة مشاهد عجيبة.. وأسأل من الذي يكرس هذه الأفكار؟ وما الهدف منها الآن؟ تحمل هذه الأفلام السينمائية رسائل لا يمكن أن يقبلها أي مواطن مصري غيور ليس فقط على أطفال وشباب مصر، بل وعلى الأسرة المصرية والمجتمع بأكمله!! تحتوي هذه الأفلام على مضمون لا يتناسب مع سن الأطفال، ومع قيم وتقاليد المجتمع المصري، فتلك الأفلام تعرض أخلاق وقيم الطفل المصري للخطر. الجدير بالذكر أن تلك الأفلام يحظرها قانون الطفل 126 لسنة 2008 والذى ينص على "حظر السماح للأطفال بدخول دور السينما أو مشاهدة ما يعرض فيها إذا كان العرض محظورا عليهم طبقا لما تقرره جهة الاختصاص، كما يحظر اصطحاب الأطفال عند الدخول للمشاهدة"، "المادة 90 من القانون" ، كما نص القانون ذاته على أنه "على مديرى دور السينما، وغيرها من الأماكن العامة المماثلة، أن يعلنوا فى مكان العرض، وفى جميع وسائل الدعاية الخاصة، ما يفيد بحظر مشاهدة العرض على الأطفال، ويكون ذلك الإعلان بطريقة واضحة وباللغة العربية"، كما تضمن قانون الطفل المادة 96 حظر تعريض الطفل للخطر، حيث نص على أن "الطفل يعد معرضا للخطر إذا وجد فى حالة تهدد سلامة التنشئة الواجب توافرها له، ومن بين هذه الحالات إذا تعرض أمنه أو أخلاقه أو صحته أو حياته للخطر".. وأي خطر بعد ذلك؟ نبث في الطفل من خلال الدراما العنف والانحلال الأخلاقي!! وماذا يفعل الطفل المراهق حينما يرى بطلة الفيلم الجديد الفاتنة الحسناء فى دعاية للفيلم، وهى تسير مرتدية فستانا غير لائق يلفت الأنظار إلى أن تقف لتخرج سيجارة من حقيبتها!! فيتهافت كل من حولها لإشعال السيجارة مع ظهور طفل مراهق فى المشهد ينظر لها بلهفة!!! كما يركز إعلان الفيلم على مشهد اغتصاب بطلة الفيلم !! اغتصاب وجنس وتدخين؟؟؟ ما هى الرسالة التي نريد أن تصل لهذا المراهق من هذا المشهد الفج؟ وما الذي ننتظره منه بعد ذلك في مرحلة من أصعب المراحل التي تتغير خلالها سلوكيات الطفل المراهق نتيجة تغيرات فسيولوجية ونفسية وبدنية!!! وهذا السؤال يستطيع أن يجيب عنه ليس فقط المتخصصين في علم النفس والاجتماع والصحة، ولكن أولياء الأمور والجدود ورجل الشارع العادي.. الخلاصة مراهق يقلد كل ما يشاهده ويعتقد أن هذا التقليد الأعمي سيخلق منه رجلا وشخصية تشبه الفنانين والمشاهير!! كارثة أخلاقية محققة.. تؤدي إلى المزيد من مشاهد العنف والاغتصاب والجريمة!! أدعو المعنيين، وأطالب هيئة الرقابة على المصنفات الفنية بتوخى الحذر بإجازة سيناريوهات الأفلام والدراما التي توجه للمجتمع المصري.. يكفي حالات العنف والاغتصاب غير المسبوقة والتي شاهدناها ولمسناها في الأيام القليلة الماضية.. اغتصاب وقتل أطفال بمعرفة أطفال.. وهى ظاهرة جديدة على مجتمعنا وعلى مصر. ألا توجد أي مواد درامية تحفز المجتمع على النجاح والعمل والأخلاق؟ ألا توجد أي مواد درامية تسترشد بقصص الأبطال، ورواد العمل السياسي، والاجتماعي، والديني، والعلمي؟ هل أضحى لدينا إفلاس فكري وثقافي وأدبي وأخلاقي؟ ولا يوجد لدينا سوى مواد درامية تحتوى على ألفاظ خادشة للحياء والآداب العامة؟ لماذا نسمح لأطفال أن يكونوا مثالا غير مشرف لأقرانهم بظهورهم في مواقف جنسية لا تضيف إلا العنف والانحلال لأقرانهم، ونعلم جميعا تأثير وصول الرسائل من قرين إلى قرين، وكيف تكون أقوى وتصل أسرع!! وقد يدافع البعض بأن الفيلم يحمل لافتة للكبار فقط!! ولكن كل طفل لديه بطاقة، أو رقم قومي وعمره 16 سنة يستطيع أن يدخل هذا الفيلم على الرغم من كونه طفلاً!! فهل لافتة للكبار فقط تكفي؟ ولا ينتهي الأمر ولا تنتهي الأفكار التي تحملها الدراما، والمفترض أن تكون لصالح المجتمع فنجد أن هناك فيلما آخر جار تصويره تتنافى قصته أيضا مع قيم وتقاليد المجتمع، حيث تجسد البطلة شخصية مدرسة فى أواخر الثلاثينيات من عمرها وتعجب بطالب بالمدرسة!!! بل وتقيم معه علاقة غير مشروعة!! مما يدفع والد الطالب لإقامة دعوى قضائية ضدها!! ماهذا العجب وما هذه الرسالة التي تشكل كارثة أخلاقية جديدة.. هل هذه هى صورة المدرس ومربي الأجيال وهو من يقال عنه "كاد المعلم أن يكون رسولا"، وهو من يحمل رسالة العلم والتنوير ويربي ويعلم الأجيال.. فكيف تظهر المعلمة بهذه الصورة؟؟ هل لتسيء لصورة المعلم والمربي المفترض أن يكون فاضلاً؟؟ ونود أن نشير أيضا إلى أن دخول من هم أكثر من 18 عاما لمشاهدة الفيلم يمثل خطورة أخلاقية تؤثر على قيمهم وتنشئتهم كشباب ورعاة للوطن.. بما ينعكس سلبيا على الأخلاق العامة والذوق المصري!! وهو ما يرتبط ارتباطا وثيقا بتزايد حالات العنف فى المجتمع بصفة عامة، وضد الأطفال على وجه الخصوص.. وهذا ما أكدته الدراسات التى أعدتها بعض الجهات في الفترة الماضية، والتي تؤكد على تفاقم مشكلة العنف والإدمان وحوادث القتل والاغتصاب، نتيجة الدراما وما يمارسه الطفل من أنشطة لا تساهم في تربيته وتنشئته، التنشئه السليمة. دعوة إلى القائمين على السينما والدراما.. أرجوكم ساهموا فى بناء الطفل والمراهق والشاب المصري.. ساهموا في بناء الأسرة المصرية.. كرسوا رسالتكم للارتقاء بالطفل والسلوكيات المصرية المنشودة، أدعوكم لتقديم فن راق، يشارك فى بناء جيل واع، قادر على الحفاظ على قيم وأخلاقيات المجتمع، والالتزام بالمسئولية الاجتماعية للسينما والفن المصري الأصيل، والذي يبهر العالم ويحصل على الجوائز العالمية لتعاظم تأثيرها لما تملكه من مقومات بصرية ومؤثرات صوتية.