الذاكرة هى حالة ذهنية كثيفة تظهر بشكل آلي في الجهاز العصبي وليس من خلال بذل جهد مُدرَك، وتستدعي إما حالة نفسية إيجابية أو سلبية، هنا لابد من التفريق بين الذاكرة والعاطفة، نحن لا نولد وبداخلنا عاطفة تجاه شخص أو شيء معين، وإنما تتكون العاطفة من تكرار اتصال الفرد بموضوع العاطفة، فالعاطفة تتكون من مجموعة من الانفعالات المتباينة تدور حول موضوع واحد، بالتالي فإنه من الطبيعي أن تتشكل الحالة الذهنية التي تستدعي الذكريات من آن لآخر. تظل الذكريات مؤلمة حتي وإن كانت تحتوي على الأوقات والمواقف السعيدة المبهجة، نعم لقد تحولت إلى مجرد سراب نقتفي آثاره عبر التذكر من آن لآخر فنتجرع الأنين لفقدان الزمان أو المكان أو الأشخاص الذين قضينا معهم أوقات مرت بأعمارنا دقت خلالها دقات الساعات ومرت عقاربها لتطوي صفحات بأعمارنا لن تعود. النسيان برغم كونه من العوامل التي تساعدنا على تخطي الألم والمواقف الصعبة بالحياة، فإنه بالوقت ذاته يحمل شقين، أحدهما ذلك الذي يعطينا الصبر والقوة على تخطي الفترات المتعثرة بالحياة، والشق الآخر هو عندما نتناسى غدر الزمان وتنمحي من ذاكرتنا إمكانيات القدر في حرماننا من أشخاص نرتبط بهم معنويا فنهمل التواصل مع هؤلاء الأشخاص حتي تدق الساعة دقاتها ونتفاجأ بدقة تنذر بالفراق، وقتها لا نتجرع سوى الألم و تدور الدوائر ويلعب النسيان مره أخرى دوره الإيجابي ونسير في دروب الحياة. بمعهد ماساتشوستس للعلوم والتكنولوجيا، تمكن العلماء من التوصل لطريقة للتحكم في ذاكرة فئران التجارب والتأثير عليها لنسيان الذكريات المؤلمة. وأوضح العلماء أن ذلك البحث سيعود بالكثير من النفع على البشرية، فمن خلاله يمكن التوصل لطريقة ما لمعرفة المكان المحدد في الدماغ الذي تخزن فيه الذكريات، ومن ثم سيتمكنون من تعقب الذكريات، ومسح الأليم منها، أو إضافة أخرى سعيدة. هل الحل لمحو الذكريات المؤلمة يكمن في محوها؟ البعض يستطيع ذلك دون الحاجة إلى علاجات أو طرق علمية مبتكرة، حتى أن هؤلاء اعتادوا على تذكر ذواتهم فقط وعدم وجود أي روابط حقيقية للتواصل بينهم وبين الغير من مكان أو زمان أو شخوص. يفترض فرويد أن الجهاز النفسي يتكون من "الهو" و "الأنا"، فالهو عبارة عن منبع الطاقة الحيوية ومستودع الغرائز، أما "الأنا " فهو مركز الشعور والإدراك الحسي الخارجي والداخلي والعمليات العقلية والمشرف على الحركة والإدارة والمتكفل بالدفاع عن الشخصية وتوافقها وحل الصراع بين مطالب " لهو" و "الأنا" والواقع. لكي نستطيع تحقيق تلك المعادلة من التفاعل بين متطلبات الأنا والواقع الذي يربطنا بالآخر، فهل لابد لنا مثلا من الاحتفاظ بمذكرة تحتوي على تسلسل لأمكنة وأزمنة وأشخاص؟ حتى نلتزم بمعاودة الاطلاع عليها دوريا للمرور بتلك المحطات بين الحين والآخر حتى لا تفاجئنا الأقدار ونندم على ضياع أوقات أنطوت من أعمارنا لم نستغلها كما كان يجب في ملء فراغ تركناه دون قصد، لنملأ تلك الفراغات ولا نتركها لتتسع وتترك الألم في الذاكرة، حتى لا نستدعي لحظات وذكريات السعادة ونمزجها بالألم حين يفاجئنا القدر بالفراق ونبكي على ضياع تلك الأوقات التي كان بالإمكان أن نملأ أركانها بالتواصل.