جاءت تصريحات الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد بضرورة خروج كل القوات المشاركة في الحرب على سوريا دليلا على أن الرجل يعلم جيدا ما يحاك من محاولات تجريف الأرض السورية من شعبها، ورسم خريطة جديدة لهذا الشعب المسكين الذي أصبح مشردا في بلاد الله، وأن كل قوى الشر بما فيها قوى عربية للأسف الشديد، شاركت وتلوثت أيدي حكامها بدماء أبناء الشعب السوري، وساهموا في إبادة شعب رفض ويرفض بكل كبرياء كل محاولات العودة للوراء. تصريحات الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد الذي دعا الجميع إلى الخروج من سوريا بما فيها القوات الإيرانية له عدة دلالات عميقة تؤكد عمق الجراح السوري من ناحية وفشل بلاده في فرض إرادتها علي هذا الشعب العظيم، خاصة أن مثل هذا التصريح لن ولم يجرؤ أحد في إيران على خروجه، إلا إذا كان قد حصل على ضوء أخضر وموافقة كاملة من المرشد علي إلقاء بلونة اختبار للقوى المشاركة في الحرب علي سوريا. وبالتالي فإن هذا التصريح لا يمكن أن يمر مرور الكرام أو يعتبره المتابعون للشأن السوري وتطوراته مجرد تصريح خرج من رجل لكسب شعبية أو تحقيق مكاسب سياسية، خاصة أنه رجل معروف وله أنصاره ومريدوه بعد مرشد الثورة الإيرانية. إذا قمنا بتحليل منطقي لتصريحات السيد نجاد، فإننا يجب ألا نهمل أنه يبحث في المقام الأول محاولة الخروج من الأزمة الكارثية التي وضعت فيها بلاده نفسها وتورطها في حرب في محاولة لفرض أسلوب سياسي أو تمدد فارسي شيعي بالمنطقة لتطويق المملكة العربية السعودية، خاصة أن إيران ليست الدولة المثالية، بل أنها تعتبر الدولة الرابعة على مستوى العالم التي تخطت كل الحدود والأعراف في تعاملها الإنساني، وأنها أنفقت المليارات على حروب عبثية في العراق منذ بداية الثمانينات أثناء حرب السبع سنوات ضد الرئيس الأسبق صدام حسين وتورطها مؤخرا في العراق أيضا بعد خروج الاحتلال الأمريكي من بغداد. وتورطت أيضا في الحرب علي سوريا واليمن وأفغانستان وغيرها، وهو الأمر الذي كبد الدولة الفارسية خسائر ضخمة ومخيفة واستنزاف مالي وبشري وعلاقات دولية وسمعة سيئة للغاية، جعل نجاد يحصل على ضوء أخضر من المرشد للخروج بمثل هذا التصريح الخطير، خاصة أن الجميع كان يعتقد أن إيران ستحقق مكاسب سياسية بعد التدخل الروسي العميق في سوريا للدفاع عن أمنه الاستراتيجي أمام محاولات الهيمنة الأمريكية، ولكن ما حدث هو خروج كل القوى الإقليمية، وبقيت القوى الكبرى تتحرك وتقسم الكعكة السورية بما يحفظ في النهاية أمن واستقرار الابنة المدللة للجميع، واقصد هنا "إسرائيل". تصريحات أحمد نجاد جاءت متأخرة للغاية، وجاءت بعد أن أصبحت بلاده في مواجهة من الخلف والأمام واليمين واليسار لتقديم دورها التي كانت تحاول أن تتمدد على حساب المنطقة العربية، فأصبحت هناك بوادر حقيقية لهزيمة سياسية عسكرية معنوية للتتار الفارسي أمام هيمنة الكبار من ناحية، وإصرار الشعب السوري الأصيل على التمسك بحقه في الحياة بحرية تامة، وأنه رغم المعاناة التي أفقدته ثلث أبنائه، إلا أنه جاهز أيضا بأن يلقن كل القوى المتورطة على الأراضي السورية درسا أخلاقيا للغزاة وعلى رأسهم الولاياتالمتحدةالأمريكية التي أتوقع أن تخرج مع باقي المتصارعين خالية الوفاض، وستجر الهزيمة أذيالها كما حدث في فيتنام. في النهاية تصريحات أحمد نجاد الرئيس السابق للدولة الفارسية، تؤكد أن الشعب السوري في طريقة بمشيئة الله لتحقيق انتصار معنوي، رغم أن الأراضي السورية ارتوت وتشبعت بدماء أبنائها الأبرياء، وأن التمسك بالحق في الحياة يخرج غالبا من بين أنقاض دولة تحمل تاريخا عميقا أطول وأكبر من كل المتصارعين علي تدميرها. فلتبق سوريا وشعبها وليرحل العملاء وتجار الدم إلى الجحيم.. ويبقى التاريخ شاهدا على صمود هذا الشعب، وأن البقية الباقية منهم قادرة على البناء والتنمية بعد رحيل الطغاة الملوثة أيديهم بدماء أبناء هذا الشعب الذي عانى ما لم يعانيه شعب في الكرة الأرضية من قبل. هذا الشعب الذي يئن تحت رحمة البراميل المتفجرة في طريقه أن تتحول هذه البراميل إلى قوة وعناد ودرس من الصمود وبروز أجيال سورية قادمة أكثر عنادا في وجه الطغاة، وسيبني أبناؤها سوريا الجديدة التي تخرج من بين أنقاض الدمار والمحافل المتآمرة عليها. سيبقى التاريخ شاهدا على جبروت الإنسانية واستخدام الطغاة بداية من بشار الأسد إلى كل حكام العالم بمن فيهم حكامنا العرب الذين اكتفوا بالفرجة ومصمصة الشفاه.. اللهم انصر هذا الشعب المسكين على جحافل الطغاة والمتصارعين على تدميره بكل الطرق والوسائل.