سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«وحش التضخم» يستعرض عضلاته على الاقتصاد.. المعدل في أعلى مستوى خلال 30 سنة.. وخبراء: الفساد والغلاء وضعف الرقابة على الأسواق أبرز الأسباب.. وقرارات الإصلاح الاقتصادي الصعبة جاءت في الوقت الخاطئ
خبراء: * نحتاج تشريعا استثنائيا لزيادة المرتبات بسبب التضخم * إجراءات الحكومة للسيطرة على التضخم فشلت لهذه الأسباب * معدل التضخم المعلن «مزيف» وزيادة الإنتاج سبيل الإصلاح الوحيد بدأ وحش التضخم المخيف فى استعراض عضلاته على الاقتصاد المصرى رغم تحجيمه لفترات طويلة خلال ال 40 عاما الأخيرة، حيث وصل معدل التضخم إلى ما يقارب 30% بعد وضع الحكومة خطة لإنعاش الاقتصاد المصري وصفتها بالإجراءات الحتمية. "صدى البلد" التقى مجموعة من خبراء الاقتصاد للتعرف على آرائهم فى أسباب زيادة معدلات التضخم والإجراءات التى يجب اتباعها للسيطرة عليه وإعادة الانضباط إلى الأسواق وتبديد مخاوف المواطنين من استمرار التضخم فى التوحش. في البداية، قال الدكتور عبد الرحمن طه، الخبير الاقتصادي، إن هناك مؤشرات تقيس أسعار السلع الاستهلاكية، بناءً على عدة معايير يقرها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، عن طريقها يقيس نسبة التضخم كل عام، وهذه الزيادة في أسعار السلع هي التي تعبر عن نسبة التضخم التي وصلت هذا العام إلى 30%. وأضاف "طه" أن تأثير ارتفاع التضخم ينعكس سلبا على المواطن المصري، حيث إنه يقلل قوته الشرائية، فكلما زاد التضخم قلت القيمة الشرائية للجنيه، ما يستدعي أن يتم رفع الدخول للمواطنين عن طريق رفع المرتبات سواء في القطاع العام أو الخاص، ونسبة التضخم هذه تتطلب استصدار تشريع استثنائي لرفع المرتبات حتى لا يشعر المواطن بهذا التضخم. وأوضح الخبير الاقتصادي أن مواجهة التضخم تأتي بزيادة الإنتاج، وتكثيف الرقابة الحكومية والشعبية على المنتجات لمنع التلاعب بالأسعار. بركة الفلوس وقال الدكتور مجدي عشماوي، الخبير المصرفي والاقتصادي، إن التضخم في أبسط معانيه يعني ارتفاع الأسعار، وإن "بركة الفلوس قلت أو الفلوس ما بقاش فيها بركة"، أي أن الكم الذي كان يستطيع المواطن شراءه في وقت معين بمبلغ معين أصبح أقل لاحقا. وأوضح "عشماوي" أن التضخم هو مرض اقتصادي يعني انخفاض قيمة النقد والقوة الشرائية له، ويحدث نتيجة تخفيض قيمة العملة المحلية أمام العملات الدولية، وهو ما تم خلال التعويم، وزيادة كمية النقد المتداول في السوق بدون زيادة في الناتج القومي أو بدون زيادة في السلع التي يمكن شراؤها، ويحدث أيضا حينما يكون الاستهلاك أكبر من ناتج العمل (زيادة الاستهلاك)، وعندما ترتفع الأسعار محليا مقارنة بالأسعار العالمية، وعندما يزيد الاستيراد وتقل الصادرات والاستنفاد للاحتياطي النقدي، مع وجود معدلات كبيرة من البطالة. تضخم متوقع وأضاف أن حدوث التضخم بعد قرار تعويم الجنيه لم يكن مفاجئا، بل كان متوقعا جدا وشيئا طبيعيا جدا، لأنه أثر طبيعي للقرار؛ لأنه قبل التعويم كان سعر العملة غير حقيقي، كما أن أسعار الفائدة حدث فيها ارتفاع صريح وسريع في أذون الخزانة والسندات وشهادات الادخار، لافتا إلى أن نسبة التضخم ارتفعت لكنها أقل مما كان متوقعا كتوابع لقرار التعويم. وأشار إلى أن آثار التضخم تظهر في انعكاسه على ارتفاع الأسعار في ظل محدودية الدخول، كما أن جشع التجار أدى إلى أن ارتفاع الأسعار كان مبالغا، حيث إن التضخم كان تحت السيطرة ولكنه زاد نتيجة عوامل أخرى مواكبة. رؤية الحكومة وأوضح الخبير المصرفي والاقتصادي، أن التخطيط دائما تنقصه الرؤية الشاملة للآثار أو تنقصه المتابعة والرقابة على التخفيف من الآثار، فالتضخم كان متوقعًا، لكن توقيت اتخاذ الإجراءات كان صعبا، خصوصا مع انخفاض العائد من السياحة، وزيادة البطالة، والسياسة الاقتصادية الانكماشية، وانخفاض العائد من تحويلات العاملين بالخارج، فخطة الحكومة الاقتصادية كانت مدروسة في التعويم، لكن قدرتها على الرقابة على الأسواق ومتابعة الأسعار والتجار كانت محدودة نسبيا، وطبيعي أن معدل التضخم يرتفع ولكن بمعدل أقل من الفترة الأولى بعد التعويم، فالمتبع عالميا في مثل هذه الإجراءات أن يتوقع حدوث تضخم ولكن بنسب مسموحة سنويًا. دخول الأفراد وأكد أن حلول الأزمة الراهنة تتمثل في التوسع في المشروعات الصغيرة والمتوسطة لمكافحة البطالة وزيادة الإنتاج المحلي للحد من الاستيراد أو للتصدير، وزيادة الصادرات ولكن بتنويعها وعدم الاعتماد فقط على المواد الخام الأولية أو السلع الزراعية التي يتم التهديد الخارجي بعدم قبولها أحيانا بحجة التلوث، وتنظيم الفجوة بين الحد الأدنى والأقصى للأجور، إلى جانب العنصر الأهم وهو مراقبة الأسواق لضبط الأسعار، مع توعية المواطنين بمقاطعة السلع المبالغ في أسعارها وضرورة النهوض بالعمل والإنتاج. فيما قال الدكتور شريف الدمرداش، الخبير الاقتصادي، إن معدل التضخم الذي أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لا يعبر عن المعدل الحقيقي للتضخم في السوق المصرية، فيما يتعلق بالسلع الرئيسية التي تهم المواطن المصري، فإذا كان حجم التضخم المعلن 30% فإن الحجم الواقعي يصل إلى أكثر من 100%. وأضاف "الدمرداش" أن التضخم عبارة عن أمرين، الأول أنه يعني ارتفاع متوسط أسعار مجموع السلع الأساسية بما فيها السلع الاستهلاكية، والمعنى الثاني هو انخفاض القيمة الشرائية للعملة المحلية، وهذا يعني انخفاض القدرة الشرائية للمواطن وعدم قدرته على تلبية حاجته، لافتا إلى أن قياس معدل التضخم في مصر مازال يشوبه عدم الدقة بسبب المعايير التي يتم قياسه عليها، أي أن الأسلوب المستخدم اقتصاديا لقياس التضخم مازال متأخرا ولا يرقى للمستوى الواقعي. وأوضح أن نسبة ال30% تضخما التي أعلن عنها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، ظهرت بهذا الشكل بسبب إضافة بعض السلع غير الأساسية إلى قائمة السلع المقيسة، إلى جانب إضافة سلع لم يحدث في أسعارها أي زيادة، وهي التي لا يهتم المواطنون جميعا بشرائها، وبالتالي ظهر معدل التضخم المعلن بهذا الشكل. مخاطر التضخم وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن هذا المعدل هو أعلى معدل تضخم وصل إليه الاقتصاد المصري خلال أكثر 30 عاما، رغم أسلوب القياس المعيب الذي نستخدمه، وهذا يسبب عدة مخاطر، أهمها خلق دوائر متداخلة لعملية الإنتاج، أي أن كل عنصر في عملية الإنتاج يغذي الآخر ولكن في الاتجاه السلبي، وبالتالي قلة معدل الإنتاج، أي المعروض مع ثبات معدل الطلب، ما يعني ضعف محفزات الإنتاج، إلى جانب ارتفاع الأسعار نتيجة انخفاض قيمة العملة المحلية، في ظل اعتمادنا على استيراد ما يقارب من 70% من حاجاتنا، كما أنه مع زيادة التضخم وزيادة ارتفاع الأسعار، فإن هذا يعني أن هناك صناعات كثيرة في سبيلها إلى الاندثار والغلق، ما يخلف نسبة البطالة أعلى بآثارها الاجتماعية غير المرغوب فيها. وتابع أن كل ما سبق سيصب في ضعف الناتج القومي، بسبب قلة الإنتاج وثبات معدل الطلب التي إن قلت فإنها لن تكون بالدرجة التي تواكب انخفاض المعروض نتيجة قلة الإنتاج، وهذا يجعلنا نقف في دائرة مغلقة ليس لها مخرج. توقيت الاصلاح خاطئ وأكد الخبير الاقتصادي أن سبب التضخم الحالي جاء بسبب الإجراءات الاقتصادية الأخيرة، حيث تم تعويم الجنيه، فانخفضت قيمة العملة المحلية لأننا نستورد حوالي 70% من حاجاتنا، ورفع أسعار الخدمات السيادية كالكهرباء والمياه ورفع الدعم، وكل هذه الخدمات مدخلات أساسية في عملية الإنتاج، وارتفاع أسعارها يعني ارتفاع أسعار السلع المنتجة، وتطبيق القيمة المضافة، كل هذا جاء في وقت واحد فأدى إلى ارتفاع الأسعار، مع غياب الرقابة على الأسواق، فكانت نسبة ارتفاع الأسعار أضعافا مضاعفة من الزيادة الحقيقة لهذه الإجراءات. وأوضح أن سبب فشل الإجراءات الاقتصادية في مواجهة التضخم يرجع إلى عدة أسباب، الأول منطقي وهو متعلق بالمواطن المنتج المستهلك، فالمواطن الذي ينتج سلعة هو بطبيعة الحال مستهلك لسلعة أخرى، وبناءً عليه فهو يرفع سعر سلعته التي ينتجها بنفس نسبة ارتفاع السلعة التي يستهلكها بغض النظر عن إنتاجه لها لا يتكلف هذه الزيادة، ولكن هو يتجه لذلك حتى يغطي المستوى المعيشي الخاص به، ضاربا بعرض الحائط المسئولية التي يتحتم عليه أن يتحمل جزءا منها مع المجتمع، إلى جانب غياب الرقابة وعدم القدرة على إحكام منظومة الأسعار، كل هذا يشير إلى أن توقيت اتخاذ وتنفيذ هذه الإجراءات كان خاطئا وتزامنها أيضا كان له أثر سلبي كبير، بغض النظر عن أنها كانت ضرورية، ولكن لم يتم ضبط الوظائف الحيوية للاقتصاد المصري قبل تنفيذها. وقال إنه لا سبيل لأي إصلاح إلا عن طريق زيادة الإنتاج، ويتم ذلك عن طريق زيادة الاستثمارات المحلية والخارجية، لتحسين الإنتاج المحلي وتحقيق الاكتفاء وتقليل نسبة الاستيراد، ما يعني أن مخاربة التضخم تتم عن طريق زيادة الإنتاج ومحاربة الفساد الذي يمثل وحشا يبتلع كل متحصلات الإنتاج، وتحسين البيئة التشريعية والإدارية المحفزة للاستثمار والإنتاج، وإزالة معوقات الاستثمار أمام المستثمر المحلي أولا، لأن المستثمر الأجنبي لن يدخل السوق إلا إذا وجد حال المستثمر المحلي مستقرة، ولا يعاني من تشديد الإجراءات.