شهدت معدلات التضخم للعام الجديد ارتفاعًا غير مسبوق لم تشهده مصر منذ 30عامًا، إذ ارتفع بنهاية يناير الماضي إلى 29.6% على أساس سنوي، وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وقال الجهاز في بيانه الشهري - الذي تأخر صدوره عدة أيام عن المعتاد - إن التضخم ارتفع على أساس شهري بمعدل 4.1%، مستأنفًا ارتفاعاته بعد أن تراجع في ديسمبر الماضي مسجلاً 3.4%، مقابل 5% في نوفمبر الذي شهد تعويم الجنيه. وأضاف الجهاز أن معدل الزيادة فى أسعار الطعام والمشروبات بلغ 38.6% على أساس سنوى و7% على أساس شهرى وهو الأمر الذي حذر خبراء اقتصاديون من تفاقمة خلال الأشهر المقبلة. ويقول اقتصاديون إنه على الرغم من توقع ارتفاعات الأسعار نتيجة للقرارات الصعبة التى كانت الحكومة مقبلة عليها، إلا أن انفلات الأسعار المصاحب لتراجع الجنيه غير المتوقع جعل من إدارة صندوق النقد نفسها تتعجب في ظل عدم قيام الحكومة بأية إجراءات وقائية للحد من الزيادة المفرطة في الأسعار. ومعدل التضخم هو أحد مؤشرات الدولة لإظهار الفجوة بين معدلات النمو وبين الواقع الاقتصادي والاجتماعي، وتفاقمه بشكل كبير يقضي على جميع فرص النمو، ويؤكد وجود فجوة كبيرة بين احتياجات المواطنين ومستوي دخولهم التي انخفضت بنحو جعل المواطن البسيط غير قادر على تلبية احتياجاته الأساسية في ظل توافر السيولة لدي فئة معينة من المجتمع. وقال فخري الفقي الخبير الاقتصادي، ومستشار صندوق النقد الدولي الأسبق ل "المصريون"، إن "هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى ارتفاع مستويات التضخم لأرقام قياسية لم تحصل منذ عشرات السنوات، كان على رأسها تعويم الجنيه الذي تسبب في تراجعه أمام الدولار إلى مستويات لم يتوقعها صندوق النقد الدولي نفسه حتى وصل إلى 19 جنيهًا، في حين أن القيمة المتوقعة للارتفاع كانت عند 15 و 16 جنيهًا، وهذا ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بنسب كبيرة". وأضاف: "ارتفاع التضخم بنهاية شهر يناير إلى 4.1% مقارنة بديسمبر 3.4% يرجع إلى أن التجار والمستوردين استخدموا سعر الدولار المرتفع في عمليات الاستيراد، وبالتالي انعكس ذلك على قيمة جميع الأسعار في الشهر الماضي، كما أن الحكومة فشلت في سحب السيولة الكبيرة في السوق المصري من خلال زيادة أسعار الفائدة، ما أدى إلى مواصلة ارتفاع الأسعار وسط إقبال فئات معينة من الشعب على الشراء، بينما يعاني الجانب الأكبر من الشعب من أثار التضخم". وطالب الفقي، الحكومة بالتدخل للحد من الارتفاع في معدل التضخم والذي سيؤدي إلى تآكل أي نمو تعتزم الحكومة تدعيمه، واستغلال فترات تراجع الدولار، وخفض السلع في الأسواق بنفس القيمة، لإحداث تحسن نسبي يمكن أن ينتظر على أساسة المواطن لتحقيق تحسن كامل في المستقبل. من جهته، قال الدكتور شريف الدمرداش، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، إن ارتفاع معدل التضخم لقرب30 % يعني أن القيمة الشرائية للجنيه انخفض إلى الثلث، وهو أمر خطير ويعد من أعلى معدلات التضخم في العالم، كما أن هذه النسبة قد تكون أقل من المعدل الحقيقي للتضخم، وذلك لأن قيمة الدولار منذ عام كانت بنحو 7 جنيهات، والآن قيمة الدولار 18 جنيهًا، فالزيادة ارتفعت من 225%إلى 300 % وفي السنة الأخيرة فقط ارتفعت الأسعار من 200% إلى 250% ومن المنتظر أن يكون المعدل الحقيقي هو 60%. وأضاف ل"المصريون": معدل التضخم يتم حسابه على أساس متوسط الأسعار للسلع، ويمكن أن يكون ارتفاعه بسبب زيادة السيولة في السوق دون زيادة حقيقية في الإنتاج إلا أن فشل زيادة الفائدة أثبت أن السبب الرئيسي في زيادة التضخم هو ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة العملة". وأشار إلى أن "زيادة معدل التضخم سوف ينعكس بالسلب على القوي الشرائية للمواطنين ويدعم تباطؤ الحركة الاقتصادية وتوقف الإنتاج، ومن ثم ترتفع البطالة ويزداد الكساد وتختفي بعض الصناعات وتراجع معدلات الدخول وإغلاق المصانع، وذلك إذا لم يتم إصلاح الخلل الأساسي وبالتالي سنشهد ارتفاع كبير للتضخم خلال الفترة المقبلة".