في هذا المقال نستكمل عرض ما جاء في مقال ديان شيلينج الكاتبة والمحررة والمؤسسة الشريكة في موقع WomensMedia الذي ركزت فيه على تقديم نصائح مبسطة يستفيد منها المرء في تنمية مهارة حسن الاستماع لديه. لكن بادئ ذي بدء، نؤكد على أنه لا بُد أن تتوفر لدى المرء النية الخالصة لحسن الاستماع، حيث إنه أضحى من اليسير على المتكلم أن يكتشف إذا كان المستمع ينصت له حقًا أم يدعي الإنصات لكنه لا يهتم بما يقوله المتكلم ولا يلقي له بالًا. وأهم أسباب توافر هذه النية، من وجهة نظري، هي إيمان المرء بأن الإنسان كائن اجتماعي، وأنه لا يستطيع أن يحيا بمعزل عن الناس، وأن الناس تحب من يستمع إليها وتكنّ في قلوبها احترامًا كبيرًا له. وكما أكدت في مقال سابق، فحسن الاستماع دليل احترام المرء لنفسه قبل احترامه لغيره. ولعل أبسط التعريفات للاستماع الفعّال Effective Listening هي: "استيعاب المعلومات التي قالها المتكلم، وإظهار حسن الاستماع لها وفهمها جيدًا." وتحدد شيلينج النصائح الرئيسة التالية لإتقان هذه المهارة: 1. اجلس في مواجهة المتكلم وحافظ على التواصل معه بالعين. 2. كن منتبهًا لما يقول بأن تكون حاضر الذهن. 3. كن منفتحًا وتحلّ بالعقل. 4. استمع إلى ما يقول وحاول أن تضع في ذهنك صورة عامة عن ما يتكلم عنه. 5. لا تقاطع المتكلم. 6. انتظر حتى يسكت المتكلم، ثم اسأل أسئلة توضيحية. 7. اسأل أسئلة تساعدك على التأكد من فهمك لما قال. 8. حاول أن تضع نفسك موضع المتكلم وتشعر بما يشعر. 9. تجاوب مع المتكلم بصورة منتظمة. 10. انتبه للرسائل الضمنية في الكلام، أي لما لم يقل أصلًا. ولأن أغلب هذه النصائح لا يحتاج إلى تعليق، فإنني سأعلق فقط على نصيحتين مختارتين منها. فأما الأولى فهي النصيحة الثالثة التي أرى أنها في غاية الأهمية، فكثير من الحوارات التي يبدأها المتكلم بنية "الفضفضة" كي يفرّج عن همه مع من يُحب تنتهي بلوم المستمع له على فعل خاطئ أو تصرف جانبه فيه الصواب، فيزعج بذلك المتكلم ويجعله يضيق ذرعًا بالمستمع فينطق بعفوية: "هي ناقصاك انت كمان؟" وهنا نذكّر القارئ الكريم أن العديد من حالات الفضفضة يكون غرضها الوحيد التفريج عن النفس كي يشعر المرء بارتياح، وأنه حتى وإن أخطأ الإنسان منّا وقصّ على أحد المقربين منه ما فعل أو ما حدث معه، فإن هذا دليل ضمني على اعتراف المرء بخطئه، وللوم والعتاب على الخطأ وقتُ آخر، فلكل مقام مقال، ولكل حدث حديث. وأما الثانية فهي النصيحة التاسعة التي هي من أحب نصائح الاستماع الفعّال إلى قلبي. وهذه النصيحة بالتحديد (تجاوب مع المتكلم بصورة منتظمة) لها مفعول السحر على قلوب المحيطين بك، عزيزي القارئ. والمراد من هذه النصيحة أن يظهر المستمع للمتكلم أنه قد وضع نفسه موضعه بالفعل، وأنه يقدّر ما يقول وما يشعر به، فيتجاوب معه بعبارات بسيطة تشعر المتكلم بأن المستمع ينصت له فعلًا وأنه يهتم لأمره. ومن ذلك مثلًا لو قصّ عليك أحد معارفك أنه تعرض لموقف مُحرج في الجامعة أو محل عمله فيمكنك أن تتجاوب معه بعبارات مثل: "بصراحة موقف بايخ، الله يكون في عونك، ياه! ليه الإحراج ده" وغيرها من العبارات التي تُظهر له اهتمامك بما يقول واستيعابك لما حدث له ومشاركتك لمشاعره عن ما حدث. ثم إنك قد تستحثه على استكمال ما بدأ فتقول له: "طيب عملت إيه؟ وبعدين إيه حصل؟ وخرجت من الموضوع ده إزاي؟" وهي العبارات التي تضع في قلبه يقين تام بأنك فعلًا تهتم بما يقول. وتذكّر، عزيزي القارئ، أن المبالغة في استخدام تلك العبارات سينفر منك المستمع وسيجعله يشعر أنها مجرد "كليشيهات" اعتدت على استخدامها فقط. لذلك فإن عليك أن تحرص تمامًا على أن لا تبالغ في استخدامها، وتذكّر أن خير الأمور الوسط. وأخيرًا، فإن اختياري التعليق على النصيحة الثالثة والتاسعة فقط كان لشعوري بأن باقي النصائح واضح إلى حد ما، وليس لأهميتهما الزائدة عن باقي النصائح. نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا.