* استقالة 32 نائبا من "نداء تونس" يهدد تشكيلة الحكومة ويقلب ميزان القوى داخل البرلمان * صراع المصالح يهدد بتفكيك الائتلاف الحكومى.. و"السبسي" يحاول إنقاذ الأوضاع * "النهضة" تراقب الموقف وتتردد فى تحمل المسئولية منفردة وتحسب المكاسب والخسائر تواجه تونس أزمة سياسية طاحنة تهدد بتفكك التشكيلة الحكومية الحالية التى تتزعمها حركة نداء تونس ومعها تشكيلة ائتلافية من ثلاثة احزاب سياسية اخرى أهمها حركة النهضة الممثلة لتيار الإخوان المسلمين والتى حصدت المرتبة الثانية فى الانتخابات البرلمانية التى جرت مؤخرا برصيد 69 مقعدا. وتشهد حركة نداء تونس خلافات حادة بين أعضائها ولكنها كانت مخبأة وأشبه ببرميل بارود حيث ظلت الخلافات خافتة إلى أن تحولت إلى عراك وتبادل للعنف بالعصي والهروات في اجتماع للحزب بمدينة الحمامات. وتتزايد هوة الخلافات داخل حركة نداء تونس بسبب الصراع بين معسكرين الأول يتزعمه حافظ قائد السبسي ابن الرئيس التونسى والذي يسعى للعب دور أكبر في الحزب من خلال السعي لإعادة هيكلته، بينما يتزعم المعسكر الثاني محسن مرزوق، الأمين العام للحزب وتسببت هذه الخلافات فى تقدم 32 نائبا فى البرلمان التونسى من اعضاء نداء تونس باستقالاتهم من البرلمان وهو أمر يصب بلا شك فى صالح حركة النهضة. ويواجه الرئيس الباجي قائد السبسي الذي أوشك على توديع العقد التاسع من عمره انتقادات حادة بأنه يحاول توريث ابنه قيادة الحزب لإعداده لمنصب سياسي أهم في وقت لاحق. ويرى المراقبون أن استمرار هذه الأزمة وفشل الحزب في تجاوزها قد يعجل بانتهاء الحزب الحاكم بما سيفتح الطريق أمام حركة النهضة للعودة إلى السلطة من الباب الواسع. ورغم ان النهضة لم تعلن عن نيتها الانسحاب من الحكومة وتأكيد جناح محسن مرزوق عن استمرار دعمه للحكومة الائتلافية الحالية لكن لا يمكن التكهن بعواقب الصراع الداخلي داخل نداء تونس وفي حال بات الانشقاق نهائيا وناجزا فإن الحكومة ستصبح تحت رحمة النهضة ويمكنها الانسحاب منها وبالتالي اسقاطها حينما تشاء. وتصب الاستقالات والانشقاقات التي عصفت بصفوف حزب "نداء تونس"، في صالح التيارات الإسلامية في البلاد والمتمثلة فى حركة النهضة، لتسمح لها بتصدر الساحة السياسية، وقد يؤدي ذلك، بحسب مراقبين، إلى حدوث تداعيات وخيمة تنعكس سلبا على استقرار البلاد على الصعيدين السياسي والاقتصادي. ويرى بعض الباحثين أن حزب "نداء تونس"، يعيش أزمة كبيرة بلغت الذروة ونقطة اللاعودة إذ أصبح هشا وعرضة للتفتيت، خاصة بعد الخلافات التي ظهرت على السطح وترجمت إلى حوادث عنف بين أعضاء الحزب خلال اجتماع له في أحد الفنادق بالحمامات الشمالية في ولاية نابل الأسبوع الماضي. وبعد استقالة 32 عضوا في البرلمان التونسي من "نداء تونس"، يتقلص عدد مقاعد الحزب في البرلمان إلى 54 مقعدا مقارنة بحزب النهضة الذي حصل على 67 مقعدا خلال الانتخابات العامة التي جرت في عام 2014، مما يعطي الأغلبية واليد الطولى لحزب النهضة الذي حكم البلاد قبل 2014. وترجع أسباب الاستقالة الجماعية من "نداء تونس" إلى صراع المصالح الشخصية والنفوذ وغياب تشكيلات هيكلية منتخبة، حيث صرح أحد الأعضاء الذين تقدموا باستقالاتهم لوسائل إعلام تونسية إلى أن "لوبيات المال الفاسد هي وراء ما يحدث في تونس، بالإضافة إلى سلوك بعض أعضاء الحزب واختيارهم مسارا غير ديمقراطي. ويشهد "نداء تونس" منذ فترة نزاعات كبيرة وصراعا على النفوذ بين تيارين، إذ يتزعم الجناح الأول حافظ، نجل الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، والذي يرغب في إعادة هيكلية "نداء تونس" بهدف توسيع صلاحياته داخل الحزب، إضافة إلى المعسكر اليساري الذي يتزعمه محسن مرزوق الذي يشغل منصب الأمين العام لنداء تونس ويضم نخبا سياسية من تيارات يسارية بارزة في النقابات المهنية التونسية. وفي محاولة منه لدرء حالة الانقسام في صفوف الحزب، قدم الباجي قايد السبسي اقتراحا يقضي بعدم ترشح نجليه حافظ أو مرزوق لأي من المناصب التنفيذية داخل الحزب. وتعود خلافات الحزب إلى مرحلة التأسيس منذ عام 2012 وتبنيه الفكر البورقيبي بهدف مواجهة التيار الإسلامي المتصاعد في البلاد والمتمثل بتيار النهضة، خاصة وأنه جاء نتيجة حالة مفتعلة ضمت تيارات متناقضة من الأطياف اليسارية والنقابية أو من الشخصيات التي تتحدر من قوى سياسية خرجت من رحم الحزب الحاكم السابق. ويؤكد المراقبون أن تواصل مسلسل الانشقاقات داخل "نداء تونس"سينعكس سلبا على الحكومة التونسية، وبالتالي على الشارع التونسي الذى يعول على " نداء تونس" في عودة الاستقرار للبلاد، سياسيا واقتصاديا، وتحسين مناخ الحريات العامة وزيادة الاستثمارات لإنعاش الاقتصاد الذي عانى كثيرا في السنوات الأخيرة. ومَثَّل إعلان 32 نائبا من حزب "نداء تونس" استقالاتهم من الكتلة البرلمانية ومن الحزب تطورا خطيرا في المشهد السياسي التونسي، خاصة أنه يعني انتقال الأغلبية البرلمانية إلى حزب "النهضة" الإسلامي. ويجمع كافة المراقبين للمشهد الحالي في تونس على أن ما حصل في حزب "نداء تونس" وضع البلاد على فوهة بركان على وشك الانفجار وجعلها أعتاب "أزمة سياسية" كانت فى غنى عنها قد تكون تداعياتها خطيرة، خاصة في ظل تصاعد المخاطر الأمنية خاصة أن داعش على بعد 70 كيلومترا من الحدود التونسية إضافة إلى دخول البلاد في حالة ركود اقتصادي غير مسبوقة. ويرى المراقبون أن أزمة حزب "نداء تونس" كانت متوقعة باعتبار الهشاشة التنظيمية وفسيفسائية تركيبة الحزب لكن اللافت والخطير، بالنسبة لثابت، هو أن يتم نقل الصراع من داخل الحزب إلى البرلمان، في وضع سياسي يتسم بالهشاشة. وتفجر الكتلة البرلمانية ل"نداء تونس" من شأنه أن يدفع إلى حالة من عدم الاستقرار الحكومي، المضاف الى الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد، والفجوة المتزايدة الاتساع بين النخب السياسية والمجتمع الذي فقد ثقته في كل السياسيين بالبلاد. وحول تداعيات أزمة "نداء تونس" على الحكومة يشير المراقبون إلى أن "حركة النهضة" باتت هى الطرف القوي في النظام السياسي الحالي، لكنها واعية جدا بالمخاطر التي تهدد الاستقرار والأمن القومي برمته، وهو ما برز في مواقف وتصريحات قيادة الحركة الأخيرة. ووفقا لمصادر داخل حركة النهضة التونسية تبدو الحركة منشغلة جدا بتفاعلات أزمة "نداء تونس" لأنها في علاقة عضوية باستقرار البلاد وبأمنها القومي، وأيضا بحماية تجربة الانتقال الديمقراطي، والتعايش بين كافة مكونات الساحة السياسية في تونس. وتقول المصادر إن "النهضة" لا تفكر في توظيف ما يجري في "نداء تونس" لصالحها، وأن المهم بالنسبة لها هو حماية الاستقرار عبر المحافظة على المؤسسات المنتخبة وبالتالي طمأنة الرأي العام الى أن "الأزمة السياسية" سوف لن تربك الوضع العام في البلاد. وتبدو إمكانية الذهاب إلى انتخابات برلمانية مبكرة عملية صعبة بل مستحيلة في مثل هذا الظرف الذي تمر به تونس، لأن تنظيم انتخابات مبكرة قد يفضي إلى حالة من الفوضى، وينجر عنه مسار غير قابل للتحكم والسيطرة. ويعد الحل الأقرب هو إدخال تعديلات على التشكيلة الحكومية الحالية لأنه أصبح مؤكدا بل ومطلوبا وسيكون أمرا طبيعيا لتثبيت الاستقرار وتطويق تداعيات الأزمة. مضيفا أنه من المنطقي أن يكون لحركة "النهضة" في التشكيلة الحكومية الجديدة تمثيل أوسع مما هى عليه الآن". وفى رسالة مفتوحة وجهها القيادي في الحزب "الجمهوري" أحمد نجيب الشابي، للرئيس الباجي قائد السبسي نبه فيه إلى خطورة الأزمة داخل "نداء تونس" على الوضع في البلاد. وقال الشابي، مخاطبا السبسي أن الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والأمنية باتت تمثل تهديدا سياسيا في وجه الاستقرار يتمثل في أزمة حزب نداء تونس والتي تهدد إذا لم يتم تطويقها بشطب نتائج الانتخابات من حيث الدور المناط بمختلف الأحزاب في النظام السياسي الجديد وهو أمر يزيد من الضغوطات التي هزت الفريق الحكومي في الآونة الأخيرة والتي تمثلت في استقالة أحد الوزراء وإقالة آخر وتعرض ثالث لمساءلة تحت قبة البرلمان وانتقادات لاذعة في مختلف وسائل الاعلام، فضلا عن التململ الذي عبرت عنه الكتلة البرلمانية لأحد أحزاب الائتلاف الرباعي الحاكم". ويتمثل الصراع في الحزب بين فريقين، أحدهما موال لأمينه العام محسن مرزوق، وآخر يقوده حافظ قايد السبسي -نائب رئيس الحزب- ونجل الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي. ويتهم الفريق الأول حافظ السبسي بالسعي إلى وراثة رئاسة الحزب، فيما يتهم الأخير خصومه ب"عدم مشروعية نيلهم قيادة الحزب". ولا ينحصر الأمر في هذه الخلافات إذ أن غياب التجانس بين المستقلين واليساريين ورموز النظام السابق، له تأثيراته أيضا. وعلى الرغم من أن استقالة نواب نداء تونس لم تدخل بعد حيّز التنفيذ حسب النظام الداخلي للبرلمان إلا أنها خلطت الأوراق وزادت تداخل الوضع السياسي. وبموجب هذه الاستقالة فقد نداء تونس أغلبية المقاعد البرلمانية بعد أن كانت كتلته تضم 86 نائبا أصبحت اليوم تضم 55 نائبا، لتكون الأغلبية لحزب النهضة ب69 نائبا من إجمالي 217 نائبا. ووفقا لنصوص الدسنور التونسى فإنه يمنح الحزب الحاصل على أكبر عدد من المقاعد أولوية تعيين رئيس الحكومة في حالة واحدة فقط تتعلق بالمرحلة التي تعقب الانتخابات. وينص الدستور التونسي في الفصل 88 على أن" يكلّف رئيس الجمهورية في أجل أسبوع من الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات، مرشح الحزب أو الائتلاف الانتخابي الحاصل على أكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب، بتكوين الحكومة خلال شهر يجدد مرة واحدة". وتعتبر المنظومة الدستورية فى تونس قائمة على مسألة التزكية والثقة، فما دامت الحكومة الحالية التي يرأسها الحبيب الصيد تتمتع بثقة الأغلبية المطلقة للنواب (109 نواب) فإن وضعيتها الدستورية سليمة. ويضع الدستور التونسي طريقتين لا ثالث لهما لإزاحة الحكومة تتمثل الأولى في استقالة الحكومة، والثانية بتوجيه لائحة لوم تفقد على إثرها الحكومة ثقة الأغلبية البرلمانية، وفي غياب هاتين الحالتين فإن الوضع الدستوري سليم. ويرى مراقبون أن انسحاب النواب المنتمين لفريق محسن مرزوق من الحزب يعمّق الأزمة ويجعل ملامح التفكك تهدد الائتلاف الرباعي الذى يضم حزب النداء مع حزب النهضة مع حزب الاتحاد الوطني الحر وحزب آفاق تونس وفى مغادرة حزبي الوطني الحر وآفاق للائتلاف مما يعمّق الأزمة ويدفع نحو تشكيل حكومة جديدة أو انتخابات سابقة لأوانها. وتسبب الانشقاق داخل الكتلة البرلمانية فى قلب موازين القوى داخل الائتلاف الحاكم، ومن ثمّة فإنه وجب تغير الحكومة أو تشكيل جديدة. ويرى مراقبون أن الحكومة التونسية المبنية على ائتلاف رباعي لا يمكن أن تستمر مع انخفاض عدد النواب داخل كتلة نداء تونس البرلمانية مؤكدين أن حركة النهضة ستحافظ على الرؤية ذاتها المتمثلة في وجود رمزي داخل الحكومة، لتترك التنافس لبقية الأحزاب حيث ترى النهضة أن الحكم في هذه المرحلة محرقة، وهي تريد أن تربح الوجود في الائتلاف الحكومي دون التورط".