زيادة في إقبال «أطباء الأسنان» على انتخابات التجديد النصفي للنقابة (تفاصيل)    المفتي: الرئيس السيسي إنسان لديه نُبل شديد وعزيمة غير مسبوقة    لمواجهة الكثافة.. "التعليم": إنشاء أكثر من 127 ألف فصل خلال 10 سنوات    17.5 مليار جنيه.. قفزة بحصيلة النقد الأجنبي في الأهلي ومصر للصرافة    منها الأرز والسكر والفول واللحمة.. أسعار السلع الأساسية في الأسواق اليوم الجمعة    وزير التنمية المحلية يوجه المحافظات بتطبيق المواعيد الصيفية لفتح وغلق المحال العامة بكل قوة وحزم    التوسع في الخدمات الرقمية يجذب الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا المالية    قناة مجانية.. 4 خطوات لمشاهدة مباراة الأهلي ومازيمبي في دوري أبطال أفريقيا    بالصور- انخفاض شديد في درجات الحرارة وسحب كثيفة تغطي سماء الوادي الجديد    مزارع يقتل آخر في أسيوط بسبب خلافات الجيرة    هنا الزاهد تنشر إطلالة جريئة.. والجمهور يغازلها (صور)    الأزهر للفتوى ينصح باصطحاب الأطفال لصلاة الجُمعة: النبي كان يحمل أحفاده ويؤُم المُصلِّين في المسجد    الناتو يخلق تهديدات إضافية.. الدفاع الروسية تحذر من "عواقب كارثية" لمحطة زابوريجيا النووية    "الدفاع الروسية": "مستشارون أجانب" يشاركون مباشرة في التحضير لعمليات تخريب أوكرانية في بلادنا    وزير التعليم العالي يهنئ الفائزين في مُسابقة أفضل مقرر إلكتروني على منصة «Thinqi»    اسكواش - نوران ل في الجول: الإصابة لم تعطلني وتفكيري سيختلف في بطولة العالم.. وموقف الأولمبياد    أول تعليق من كلوب على إهدار صلاح ونونيز للفرص السهلة    وزارة الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة 3 مايو    حصاد الزراعة.. البدء الفوري في تنفيذ أنشطة مشروع التحول المستدام لإنتاج المحاصيل    معمولي سحر وفكيت البامبرز.. ماذا قال قات.ل صغيرة مدينة نصر في مسرح الجريمة؟    25 مليون جنيه.. الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار الدولار    رئيس الصين يوجه رسالة للولايات المتحدة.. وبلينكن يرد    محامية حليمة بولند تكشف كواليس حبسها    فعاليات وأنشطة ثقافية وفنية متنوعة بقصور الثقافة بشمال سيناء    رئيس الصين يوجه رسالة للولايات المتحدة، وبلينكن يرد    خطيب الأوقاف: الله تعالى خص أمتنا بأكمل الشرائع وأقوم المناهج    الصحة: فحص 434 ألف طفل حديث الولادة ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية لحديثي الولادة    قافلة جامعة المنيا الخدمية توقع الكشف الطبي على 680 حالة بالناصرية    طريقة عمل ورق العنب باللحم، سهلة وبسيطة وغير مكلفة    تراجع ثقة المستهلك في فرنسا بشكل غير متوقع خلال شهر أبريل الجاري    مواقيت الصلاة بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024.. في القاهرة والمحافظات    الإسكان: تنفيذ 24432 وحدة سكنية بمبادرة سكن لكل المصريين في منطقة غرب المطار بأكتوبر الجديدة    انتداب الطب الشرعي لمعاينة جثث 4 أشخاص قتلوا على يد مسجل خطر في أسيوط    نجاح مستشفى التأمين ببني سويف في تركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    منها «ضمان حياة كريمة تليق بالمواطن».. 7 أهداف للحوار الوطني    عرض افلام "ثالثهما" وباب البحر" و' البر المزيون" بنادي سينما اوبرا الاسكندرية    سميرة أحمد ضيفة إيمان أبوطالب في «بالخط العريض» الليلة    في ذكرى ميلادها.. أبرز أعمال هالة فؤاد على شاشة السينما    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    احتجت على سياسة بايدن.. أسباب استقالة هالة غريط المتحدثة العربية باسم البيت الأبيض    دعاء صباح يوم الجمعة.. أدعية مستحبة لفك الكرب وتفريج الهموم    تشافي يطالب لابورتا بضم نجم بايرن ميونخ    أمن القاهرة يكشف غموض بلاغات سرقة ويضبط الجناة | صور    اتحاد جدة يعلن تفاصيل إصابة بنزيما وكانتي    تأجيل الانتخابات البلدية في لبنان حتى 2025    نائب وزير خارجية اليونان يزور تركيا اليوم    كارثة كبيرة.. نجم الزمالك السابق يعلق على قضية خالد بو طيب    الشركة المالكة ل«تيك توك» ترغب في إغلاق التطبيق بأمريكا.. ما القصة؟    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    رمضان صبحي: نفتقد عبد الله السعيد في بيراميدز..وأتمنى له التوفيق مع الزمالك    منها «عدم الإفراط في الكافيين».. 3 نصائح لتقليل تأثير التوقيت الصيفي على صحتك    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    فضل أدعية الرزق: رحلة الاعتماد على الله وتحقيق السعادة المادية والروحية    لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟    أدعية السفر: مفتاح الراحة والسلامة في رحلتك    سيد معوض يكشف عن مفاجأة في تشكيل الأهلي أمام مازيمبي    سلمى أبوضيف: «أعلى نسبة مشاهدة» نقطة تحول بالنسبة لي (فيديو)    أطفال غزة يشاركون تامر حسني الغناء خلال احتفالية مجلس القبائل والعائلات المصرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تسعة كتب أثرت فى عقل بيل جيتس .. لحنان أبو الضياء
نشر في صدى البلد يوم 24 - 07 - 2015

الكاتبة الصحفية حنان أبوالضياء صدر لها مؤخرا كتاب "دماغ بيل جيتس " والذى حاولت فيه الاجابة على سؤال كثيرا ما سأله الناس لبيل جبتس : ما هو أفضل كتاب قرأته....وهذا السؤال طرحه بيل جيتس على نفسه من خلال أحدى تغريداته على تويتر.....الى هذا الحد والامر عادى ،فكثيرا من تغريدات بيل جيتس تعبر عن أفكاره ،أو اخبارا عنه ...ولكن الامر لم يقف بالنسبة لها عند هذا الحد ولكن حاولت معرفة الكتب التى اهتم بها؛و أرتباطه الشخصى بها وبمؤلفيها ،وكان على رأسهم الكاتب الشاب "جوشوا فوير"صاحب كتاب«المشي على القمر مع اينشتاين»والذى حاول طبعه منذ عام 2006 ،وحصل على مساعدات من مؤسسة جيتس ،قدمت لهذا الشاب العبقرى لطرح افكاره الهامة ..
وهناك علاقة أخرى ربطت بين بيل جيتس مع المؤلف "دانيال يرجين" صاحب كتاب"-مستقبل الطاقة ، وإعادة تشكيل العالم الحديث " لان جيتس مهتم جدا بالطاقة والبحث عن كل ماهو جديد فيها بل أن هناك أهتمام شخصى من مؤسسة بيل جيتس بهذا الموضوع ...وفى الحقيقة أن أهم مافى التواصل مع بيل جيتس هو أكتشاف أن بيل جيتس يقدر كل مايرسل اليه ويتفاعل معه ... والدخول الى عالم بيل جيتس بمثابة التجديف فى بحر متلاطم الافكار وهذا مافعلته الزميلة حنان أبوالضياء فى كتابها الجديد (دماغ بيل جيتس).ومجدافك للغوص فى هذا العالم هو عشق المعرفة ؛فهى كلمة السر التى تفتح أمامك شفرة أفكاره ؛وأجمل مافى عالمنا الان هو مقدرتك على الركض داخل عقول مثل عقل "جيتس" فبمجرد الاقتراب منه عبر شبكات التواصل الاجتماعى ؛ يصبح جيتس بمثابة الساحر الذى يبهرك بحيله ومعجزاته ؛والجميل أن تلك الافكار هى نتاج مجهودات مضنية من كتاب قدموا أعمال غيرت من حياة بيل جيتس ونظرته للكثيرمن الامور ؛فلماذا لاتمنح نفسك فرصةالابحاربين التحارب التى أبهرت بيل جيتس ؛فقد تجد بين سطورها مايغيرمن مسيرتك الشخصية ؛ فحياتنا من صنع أفكارنا .
وكثيرا ماكان مخزوننا الفكرى نتاج ماقرأنا فى سنوات عمرنا ؛فأذا كانت أفكارنا حصيلة قراءات سلبية تصبح حياتنا نموذجا لهذا المحتوى؛ وإن كانت أفكارنا إيجابية تكون حياتنا ناجحة ، وطبقا لقوانين الزرع والحصاد فإن ما يزرعه الإنسان هو ما يجنيه - وإن كان لايستطيع أن يتحكم فى الظروف المحيطه به- لكنه يستطيع التحكم فى ما يقرأ... وكماقال ويليام جيمس ( يستطيع الإنسان أن يسافر بأفكاره إلى أي مكان في الكون بسرعة لم تخطر له على البال ,و تسبب له أحاسيس ليس لها لاوجود إلا في ذهنه )..فلماذا لانتحول الى إنسان ثقته في ذاته نابعة من مواهبه وقدراته التي نماها مسبقا .شخص يملك مقومات الشخصية الناجحة ،العاشقة للأمل، والرافضة لأحاسيس الخوف،والتفكير السلبي. والمعتدمة أولا وأخيرا على الأمل والتركيز والتقدم والنمو وتحقيق الأهداف...كل هذا مصبوب داخل قالب من العلاقات الاجتماعية الجيدة والقدرة على التواصل مع الأخر، ومساعدته على تحقيق أهدافه ،لإننا في النهاية نصبو نحو اتجاه واحد نحو إعمار الأرض ..
وكل هذه الصفات يعبر عنها بشكل نموذجي العبقري (بيل جيتس) وبالتالي لم يكن غريبا أن أختياره لعشر كتب أثرت في وجدانه مؤخرا ،بمثابة خريطة الطريق للعديد من الشعوب ،للخروج من أزماتها وتلك الأزمات تتساوى فيها الدول النامية والمتقدمة على حد سواء ،حتى لو كانت على درجات متفاوتة، لإنه كما قالت أنديرا غاندي اول خطوة نحو التقدم هي : هو معرفة السؤال (الصح)الذي نريد من خلاله إيجاد الحلول لمشاكلنا ...وفي الواقع أن الإنسان الذي حولته الآلة واستخدامها إلى شخص محدود الذاكرة ؛وسلبت منه المدنية العدديد من قدراته العقلية ؛يعد أول خطوة نحو حل المشاكل التي تعيشها الدول والشعوب .فهل يعقل أنك في القرن الواحد والعشرين قد تجد مجموعة كبيرة لا تستطيع القيام بأبسط العمليات الحسابية بدون استخدام الآلة الحاسبة .إلى جانب أنك تضيع جزء كبير من وقتك يصل إلى 40 ساعة في الشهر للبحث عن مفاتيح منزل .أوكتاب أو تذكر رقم تليفون ،وكل هذا لإننا اعطينا عقولنا اجازة معتمدين على التكنولوجيا الحديثة. وإذا اتجهنا إلى نموذج للخروج من أزمة الطاقة فسنجد أن الحل في الاستخدمات الحديثة لبدائل تقليدية مع الإيمان بعدم صدق مقولة نضوب مصادر الطاقة القديمة مع مرور الوقت ..
وإذا كنا نبحث عن الاحساس بمدن أمانة فإن السبيل إلى ذلك يكمن في استباق معرفى للجريمة ؛من خلال متابعة أشخاص لديهم جذور نفسية واجتماعية قد تؤدي بيهم إلى ارتكابها ..ولأن تقدم الشعوب معتمد أولا وأخيرا على التعليم فإننا يجب أن نبدأ من حيث انتهىت الشعوب وهناك خمس دول على رأسها "فلندا سنغافورة استرليا وكندا الصين "هي نماذج للتعليم الذي المؤدي لتقدم الدولة والشعوب ...إنني من خلال هذا الربط بين تلك الكتب والأفكار اضعك كإنسان أمام مسئولياته تجاه نفسه ووطنه ،فلماذا لاتمنح نفسك الفرصة لتغيير ذاتك .وتساعد بتطبيق تلك التجارب فى النهوض ببلدك ..فقط أبدأ الان بقراءة صفحاتى القامة ..وكما تقول أوبرا وينفرى :"بينما أنت تفكر تستطيع فعل ذلك أو لا ..أبدأ الأن ..فالخيال كله فى الفعل"
أهداء الى صديقى الغالى عبدالله كمال الذى اغار من مميزاته ولاأخاف من عيوبه
كثيرا ما يسألني الناس : ما هو أفضل كتاب قرأته....هذا السؤال طرحه بيل جيتس على نفسه من خلال أحدى تغريداته على تويتر.....الى هذا الحد والامر عادى فكثيرا من تغريدات بيل جيتس تعبر عن أفكاره أو اخبارا عنه ...ولكن الامر لم يقف بالنسبة لى عندهذا الحد ولكن حاولت معرفة الكتب التى اهتم..واستهوانى الامر أكثر الى معرفة أرتباطه الشخصى ببعض الكتب ومؤلفيها وكان على رأسهم الكاتب الشاب جوشوا فويرصاحب كتاب«المشي على القمر مع اينشتاين»والذى حاول طبعه منذ عام 2006 والمساعدات التى قدمت لهذا الشاب العبقرى ليقدم كتابه بافكاره الهامة ومن خلال التواصل مع بيل جيتس تعرفت على فويروتواصلت معه عبر تويتر.وهناك علاقة أخرى ربطت بين بيل جيتس مع المؤلف "دانيال يرجين" صاحب كتاب"-مستقبل الطاقة ، وإعادة تشكيل العالم الحديث "ويرجع سببها الى أهتمام جيتس بالطاقة والبحث عن كل ماهو جديد فيها بل أن هناك أهتمام شخصى من مؤسسة بيل جيتس بهذا الموضوع ...وفى الحقيقة أن أهم مافى التواصل مع بيل جيتس هو أكتشاف أن بيل جيتس يقدر كل مايرسل اليه ويتفاعل معه وهو صاحب شعر:
..( Sharing things I'm learning through my foundation work and other interests)
و فكرة الكتاب كان صاحبها الصديق الغالى عبدالله كمال الذى حول حالة الاعجاب منى بالافكار التى تضمنها كتب بيل جيتس وتنوعها الى فكرة لاستعراض تلك الكتب وتقديمها للقارئ وخاصة أنها تحوى الكثير من الحلول لمشاكل هامة فى حياتنا ورصد دقيق لسلبيات القرن الحالى والبحث عن حلول لها بشكل بعيد عن النظريات الجوفاء لان كل المؤلفين تعاملوا مع الافكار التى يطرحوها فى كتبهم بمزيد من البحث والدراسة..ولقد حاولت الى جانب الوقوف على أهم النقاط التى تناولتها الكتب .الربط بينها وبين الواقع الحالى .واستنباط بعض الافكار التى تساعدنا على التعايش مع مفردات عالمنا الحالى .
فمن خلال كتاب ستيفن بينكر (أفضل الملائكة في الطبيعة) نكتشف سبلا لمنع افكارنا الشياطنية وأطلق العنان لافكار الملائكة، و يبعدنا عن أشكال الأخلاق السيئة المؤدية إلى العنف، ويدفعنانحو التقدم الأخلاقي الذي ينادى بتجنب استخدام القوة.وأجمل مافى الكتاب أنه يجد العالم أكثر رقيا وأمنا أذا حكمته النساء!.. وعنوان الكتاب "الملائكة أفضل من طبيعتنا" أخذه المؤلف من الكلمات الأخيرة من أول خطاب لنكولن . كرمز يعكس أربع سمات محددة للإنسان: ضبط النفس والتعاطف، والأخلاق، والعقل.....
ومن المعروف أن ستيفن بنكر بروفيسور في علم النفس في جامعة هارفارد وهو مؤلف عدة كتب لاقت رواجا شديد في العقدين الماضين وبالاخص ما يدور حول العقل البشري وهو يعد من اكثر العلماء تاثيرا في هذا المجال.و كتابه الجديد يقدم رؤية أفضل حول طبيعتنا البشرية .محولا وضع النقط على الحروف ليعرف لماذا تراجع العنف فى حياتنا المعاصرة و بذلك الاسلوب يضعنا على أول الطريق للسيطرة على الاسباب المؤدية اليه وزيادة التركيز على النقط الايجابية التى تقلل من مخاطره ويحاول الكاتب مراجعة عدة مسلمات وأيجاد اجوبة بديهية يفترضها الناس بدون بحث وتفكير للتشكيك فى انحسار العنف وانخفاضه بشكل كبير فهم يشككون بقولهم الم يكن القرن العشرين الاكثر عنفا في التاريخ ؟؟؟؟ واليست الانظمة الملحدة في القرن العشرين التي قتلت عشرات الملايين من البشر؟..بنكرفى كتابه يرفض هذا على أسس ان بيانات القرون السابقة غير دقيقة ,و التقديرات الحالية لعدد القتلى عندما تحسب كنسبة من سكان العالم تبين ان هنالك فظائع حدثت قبل القرن العشرين لا تقل احداها عن دموية وقسوة الحرب العالمية الثانية ..وهى:
1. انهيار امبراطوريات
2. و تجارة الرقيق
3. ابادة ة الشعوب الاصلية
4. وحروب الديانات
5. والحرب العالمية الاولى
كل هذه الاحداث كانت في القرن التاسع عشر وماقبله من القرون ..الى جانب ان لفظ قرن يدل على مائة عام وليس خمسين فقط ولو لاحظت الخمسين عاما الثانية من القرن العشرين لوجدته ربما يحتوي على سلام وامن طويلين خاصة بين الدول المتقدمة متصاحبا مع معدلات حروب منخفضة بشكل غير عادي.
كما يجادل بنكر في مسالة ان الانظمة الملحدة هي التي قتلت الملايين من الناس ويجيب بانه هذه المقولة غير دقيقة تاريخيا لاسباب:
اولا الفرضية القائلة بان النازية والشيوعية كانت تمتلك ايديولوجية ملحدة يقع ضمن اطار الرؤية الدينية التي تقسم الانظمة السياسية انذاك الى من تدين بالمسيحية ومن لا تدين . وفى الحقيقة فان هناك العديد من الحركات الشمولية والانظمة التي عادت الانظمة المسيحية وأنسجمت مع افكار ماركس وهتلر.
ثانيا ان هتلر كما تروي المصادر كان يعتقد انه يملك خطة الهية والدليل ان النازية تلقت الدعم الكبير من الكنائس الالمانية. ولم تلق النازية اي معارضة من الفاتيكان انذاك كما حظيت النازية بمباركة الكنائس الكاثوليكية في اسبانيا وايطاليا والبرتغال .
ثالثا استنادا الى كتاب ماثيو وايت حول اكثر الاشياء المرعبة والكارثية Great Big Book of Horrible Things والمسمى ب نورتن 2011 عبر التاريخ فان 13 من 100 كارثة عالمية كان سببها الدين وبحسب الكتاب تسببت الاديان بقتل 47 مليون شخص واذا ما أدعى المدافعون عن الاديان بانهم تسبوا بمقتل 47 مليون فقط بينما قتلت الشيوعية 67 مليون فهذا ليس مبررا . ولا يدعو الى اي فخر.
رابعا اغلب المذابح الدينية جاءت في وقت كان فيه تعداد العامل السكاني يترواح بحوالي 400 مليون نسمة وهو تعداد قليل مقارنة بالحالي وفي ذلك الوقت قام الصليبيون بقتل مليون فرد في عالم تعداده 400 مليون وهو معدل اعلى مما ارتكبته النازية في مذبحة الهولوكوست بينما كان ضحايا حرب الثلاثين عاما يعادل ضعفي ما جاءت به الحرب العالمية الاولى والثانية .أننا فى هذا الكتاب عندما نناقش تاريخ العنف فالمقارنة التى نضعها يجب الاتكون بين الانظمة الالحادية والانظمة التى تدين بديانة ولكن بين الانظمة التي لها ايديولوجيات سوداوية ( مثل النازية او الماركسية او اصحاب الدينية المتطرفة ) وبين الديمقراطيات الليبرالية العلمانية التي تقوم على اساس المثل العليا المتمثلة فى حقوق الانسان ..ومن هذا المنطلق ربما تتفق مع رأى ستيفن بينكر فى أن العالم في الماضي كان أسوأ مما نعيشه الان بكثير. وخاصة أنه يدعم أرائه مستعينا بالمئات من الرسوم البيانية والخرائط، مستعرضا بعض الأرقام المذهلة. فالحروب القبلية فى تلك الاوقات ابادت مايوازى تسع مرات عن حروب الإبادة الجماعية في القرن العشرين . ومعدل جرائم القتل في أوروبا في القرون الوسطى أكثر ثلاثين مرة مما هى عليه اليوم وخاصة فى ظل الرق والمواقف السادية ، و لقد اختفت الحروب بين البلدان المتقدمة، وحتى في العالم النامي، فإن الحروب تقتل عدد أقل بكثير من الناس عما كان فى الفترة الماضية ما كان قبل بضعة عقود. ونفس الشئ بالنسبة للاغتصاب، والضرب، وجرائم الكراهية، وأعمال الشغب القاتلة،و الاعتداء على الأطفال، والقسوة على الحيوانات.وكيف يمكن أن يحدث هذا، و الطبيعة البشرية لم تتغير؟و ما الذى دفع الناس إلى التوقف عن التضحية بالأطفال، وطعن بعضهم بعضا على مائدة العشاء، أو حرق القطط ونزع أحشاءالمجرمين... ويكمن تفسيرذلك التراجع فى العنف، كما يفسره بينكر، الى معرفتنا بأمراضنا النفسية مثل( الانتقام، السادية، والقبلية) الى جانب انتشار الحكومات، ومحو الأمية، وزيادة نسبةالتعاطف مع الآخرين.
ولاننى مبهورة بعبقرية الصين ومقدرتها كدولة بتحويل أكثر مشاكلنا الى ميزة وهى الزيادة السكانية لذلك كان جميلا الابحار مع كتاب" دنج شياو بينج وتحول الصين" الذى يعطى رؤية تحليلية لكيف تحولت الصين إلى قوة اقتصادية، و كيف ذهب بالصين من كونها البلد الفقير إلى واحد ة من البلدان الأكثر أهمية في عالم اليو م من خلال الفكر الواعى لزعيمها "دنج شياوبنج " متبني اقتصاد السوق والمعتمد على هؤلاء الذين يسمون "تقنوقراطيون " في حل مشاكل الصين الشعبية والتطور بها وتشغيل الصينيين ، فكان التقنقراطيون خير نخبة يعتمد عليها في حل المشاكل في الصناعة والتطوير العملي والانتقال من مجتمع زراعي بحت إلى مجتمع صناعي . يعد تحقيق الاصلاحات الاقتصادية في الصين بعد عام 1978 هدفاً رئيساً ضمن أهداف السياسة الخارجية الصينية، بل تصد أولويات هذه السياسة وموجهاً لمسارات تحركاتها الإقليمية والدولية.
فبعد وفاة الزعيم الصيني ماو تسي تونج في العام 1976 ووفاة رئيس وزرائه شوان لاي في العام نفسه، وبعد عامين من الصراع على السلطة في الصين وصلت إلى الحكم قيادة تمتلك رؤية مختلفة عن الرؤية التي كانت تسود في الفترة السابقة.هذه الرؤية عمل بها ورسخها الرئيس دينج شياو بينج. تبعاً لذلك تغيرت الاولويات بالنسبة للقيادة في الصين ليتصدر الأولويات هدف الاصلاح الاقتصادي وتحقيق مستوى من العيش الكريم للمواطن الصيني وصولاً إلى رفاهية هذا المواطن.
إن وصول هذه القيادة الجديدة للسلطة في العام 1978 واستلامها لزمام الأمور في الصين، كان قد أشر لبداية جديدة في مسيرة الصين والتي أنتقلت فيما بعد بالصين إلى مستويات اقتصادية متقدمة قياساً لما كان عليه الحال قبل العام 1978.فالذهاب بأتجاه الأنفتاح على العالم الخارجي ولاسيما العالم الغربي، وأحداث اصلاحات اقتصادية يكون كفيل بتحقيق الأكتفاء الذاتي للصين ومن ثم تحقيق مستويات من الرفاهية مرضية للمواطن الصيني، يمثل جوهر الرؤية التي جائت بها القيادة الجديدة والتي تختلف عن الرؤية الماوية التي كانت سائدة للفترة السابقة عن العام 1978.
تعد التجربة الاقتصادية في الصين والتي قادها الزعيم الصيني دينج شياو بينج منذ عام 1978 واستمر على نهجه من جاء بعده، تجربة فريدة من نوعها وهي محط اعجاب العالم لما حققته هذه التجربة من نجاحات كبيرة أستطاعت ان تنتقل بالمستوى المعيشي للمواطن الصيني إلى مستويات أفضل.والنتائج الجيدة لهذه التجربة والنجاحات المتحققة، مكنت الصين من الارتقاء فى مكانة متقدمة بين الدول على الصعيد العالمي، ومكنتها من ان تلعب حالياً - ومستقبلاً - ادواراً عالمية على قدر كبير من الأهمية، فضلاً عن دورها المؤثر والفعال في المحيط الآسيوي. فللصين أهمية لايمكن اغفالها عند الحديث عن الدول التي تلعب دوراً فعالاً في تشكيل تفاعلات السياسة الدولية. وان كان هذا الدور يختلف باختلاف المنطقة - حسب أهميتها بالنسبة للصين - ونوع القضية المطروحة.وتعتبر الصين للفترة من 1949- 1978 دولة فقيرة اقتصادياً، حيث دخل الفرد متدني جداً وكذلك مجمل ناتجها المحلي ومعدل نموها الاقتصادي. أما الاستثمار الأجنبي فلم يكن له وجود في الصين قبل عام 1978، وكذلك اسهامها في مجمل التجارة العالمية كان نسبة قليلة جداً لا تتناسب مع حجمها. فحتى نهاية عقد الستينات من القرن الماضي كانت الصين تُعد من الدول الفقيرة، إلا انها استطاعت من خلال اتباع سياسات اقتصادية ناجحة أن تحتل مرتبة متقدمة ضمن ترتيب الدول الصناعية المتقدمة على المستوى العالمي.وقد أدركت القيادة الصينية بقيادة دينج شياو بينج التي استلمت الحكم عام 1978 إن النهوض بالصين يتطلب اولاً النهوض بالاقتصاد الصيني. وهذا الأمر لا يمكن أن يتحقق من دون اتباع سياسة خارجية مفادها الانفتاح على مختلف دول العالم. فمثل هذه السياسة تكون كفيلة بتهيئة البيئة الملائمة - بيئة مسالمة - لسياسة اقتصادية ناجحة.و تأسيساً على ما تقدم، فأن صياغة جديدة لهيكلية السياسة الخارجية الصينية مفادها الانفتاح على العالم الخارجي بشكل واسع اقتضته عملية البناء الداخلي، وتسخير هذا الانفتاح لصالح عملية الإصلاح والتحديث في الصين.
فكان ترتيب أوضاع الصين الداخلية يمثل أول هدف من أهداف السياسة الخارجية الصينية. فهناك علاقة وثيقة بين ما حصل في الصين من تغيرات داخلية وتوجهات سياستها الخارجية. فالتحديث الداخلي يحتل مكانة بارزة في السياسة الخارجية الصينية،
إن كل ما يجري في الصين من إصلاحات اقتصادية وانفتاح على دول العالم وخصوصاً الدول الغربية، يستند إلى التجربة الاقتصادية التي كان وراءها الرئيس الصيني الأسبق دينج شياو بينج، وقد جسد هذا التوجه بمقولته الشهيرة " ليس المهم لون القط ابيض ام اسود..
مادامت القطة تصطاد الفأر فهي قطة جيدة " فهو يرى ان المهم هو ان تحصل الصين على التكنولوجيا ورؤوس الأموال التي تحتاجها الصين من اجل نهضتها. وأعلنت الصين " ان الانفتاح على العالم الخارجي يعد من السياسات الرئيسية التي تتمسك بها الصين دون ثمة تغيير. بالإضافة إلى جذب رؤوس الأموال الأجنبية والتكنولوجيا المتقدمة، ودراسة التجارب الناجحة في التخطيط والإدارة الاقتصادية في الدول الأجنبية، وتشجيع مؤسسات الدولة للمشاركة في المنافسة بالأسواق العالمية وتعزيز الإصلاح الداخلي والتنمية الاقتصادية.
إن ما يرمي إليه هذا الزعيم الصيني هو زيادة الانتاج والوصول بالمجتمع إلى الرفاهية الاقتصادية، ولتحقيق ذلك فإن على الصين أن تسير في الطريق الذي يوصلها إلى ذلك بغض النظر عما إذا كان اشتراكياً أم رأسمالياً.
شهد عام 1978 بداية النهضة الاقتصادية لجمهورية الصين الشعبية، هذه النهضة التي حققت الكثير من الإنجازات وما زالت تسعى لتحقيق المزيد منها. وما يشهده الاقتصاد الصيني من معدلات نمو كبيرة جداً، وارتفاع في الناتج القومي، وتحسين في مستوى المعيشة للمواطن الصيني دليل على ذلك. ومما لاشك فيه إن مثل هذه التطورات الكبيرة على المستوى الاقتصادي تزيد من فرص الصين إن تحتل مكانة متميزة في القرن الواحد والعشرين. فالرؤية الصينية للأصلاحات الاقتصادية تستند على اعتبار أن أجراء هذه الإصلاحات من أبرز أولويات السياسة الخارجية الصينية لارتباطها باستقرار المجتمع وتحسن مستوى المعيشة، ولا يمكن أن يتحقق ذلك بدون هذه الإصلاحات" لقد خرج المارد الاقتصادي الصيني من قمقمه، وأنطلق مندفعاً منافساً للقمم الاقتصادية العالمية. وجميع التوقعات تشير إلى أنه سيتفوق على هذه القمم الراسخة خلال حقبة أو حقبتين وتصبح الصين القوة الاقتصادية الأولى في العالم. إن الثورة الاقتصادية التي حدثت في الصين وظهور سوق اقتصادية في أكثر بلدان العالم تعداداً يعد أهم حدث في نهاية القرن العشرين، وتفوقها على بقية الأسواق الاقتصادية سيكون أهم حدث في بداية القرن الحادي والعشرين ".
وقد أصبحت هذه التجربة نموذجاً للدول الأخرى لا سيما دول العالم النامي، بعد أن أحدثت تحولات كبيرة في شعب يزيد تعداده (1.2) مليار نسمة حيث استطاعت هذه التجربة توفير الملبس والمأكل لخمس سكان العالم.
لقد حققت التجربة الاقتصادية في الصين تحولات كبيرة في الاقتصاد الصيني، ولنا ان نستدل على نجاح هذه التجربة من خلال معدلات النمو الاقتصادي العالية المتحققة والتي انعكس بشكل ايجابي في ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي في الصين، مما أدى بالنتيجة إلى تحسن ملحوظ في مستوى دخل الفرد في الصين. ومن نتائج هذه التجربة ارتفاع معدل الاستثمارات الأجنبية في الصين، وكذلك زيادة مساهمة الصين في حجم التجارة العالمية. إن التجربة الصينية هي نوع من الإصلاح الاقتصادي، ومرد ذلك عدم ارتباط هذه العملية التي تجري في الصين بتغيير في النظام السياسي.
ولقد قال أحمد بن بيلاَّ الرئيس الجزائري الاسبق، ، يوماً على أحدى القنوات الفضائية كان الإستعمار الفرنسي يُعيب على الجزائريين أنهم لا يفقهون شيئاً سوى زراعة الأرض. فحتى هذا العيب الرائع لم يعد العرب يفقهونه فمعظم البلاد العربية تستورد غذاءها من الخارج لا سيما الدول الغنية التي أهملت معظمها الزراعة معتمدة على ريع النفط لاستيراد الغذاء وهي سياسة قصيرة النظر لاشك، في حين كان في الإمكان والوقت ليس متأخرا الآن إستثمار دخول النفط وريعه في إستصلاح الأراضي وتحقيق الإكتفاء الذاتي في الحد الأدنى من الغذاء. في الثمانينات نجحت السعودية في زراعة القمح والإكتفاء الذاتي به وحتى تصديره وللأسف إنتشرت نظرية مفادها أن الولايات المتحدة الأميركية ضغطت على السعودية لإيقاف المشروع، خشية كساد سوق القمح الأميركي كما بدا حينها للمحللين.
لقد استطاعت الصين أن توظف العامل البشري توظيفاً جيداً والذي يبلغ 1.5 مليار نسمة، من خلال المشروعات الصغيرة والقروض طويلة الأجل، وبالتالي تحولت المنازل إلى ورش عمل صغيرة في وقت يوجد وكيل للتسويق، وبالتالي انخفض العجز وقلت نسبة الباحثين عن العمل وازدادت نسبة التنمية، معطية العالم درسا مهما وهو أن عدد السكان ليس عائقا أمام التقدم والنمو وأن الثروة البشرية هي أغلى ما تمتلكه الشعوب، التجربة الصينية فريدة من نوعها ، فالصين دولة كبيرة واستطاعت تشغيل أياديها العاملة وفق خطط ذكية، وتؤكد الإحصائيات أنها تمكنت من تخليص ربع سكانها من دوامة الفقر والتخلف فعلى الرغم من امتلاكها 7 % فقط من الأراضي الزراعية إلا أنها استطاعت توفير الغذاء لسكانها . وأعلن في نوفمبر عام 2002 في مؤتمر الدوحة الاقتصادي عن انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية بعد جهود استمرت خمسة عشر عاماً لتعجيل وتفعيل سرعة نموها الاقتصاد ، والوصول بمنتجاتها لمستوى منافس للواردات الخارجية ، بعد قيامها بتحديث قاعدتها الصناعية المختلفة ، فانضمام الصين إلى المنظمة العالمية للتجارة يدل على التميز في المنهج الصيني في التنمية الاقتصادية وبالتغيير التدريجي المتوازن.
ولاأعرف هل كان أهتمامى بكتاب "دانيال يرجين" "-مستقبل الطاقة ، وإعادة تشكيل العالم الحديث "هو المعاناة اليومية التى أعيشها بسسبب أذدحام السيارات أما م محطات الوقود بحثا عن السولار ممايؤدى الى تعطيل المرور أم لانه يسعى للإجابة عن مجموعة من الأسئلة المرتبطة بالطاقة وعلاقتها بالسياسةو يطرح الكاتب نقطتين أساسيتين يرى أنه على الحكومات التفكير فيهما اولها جعل انبعاث ثاني أكسيد الكربون الناجم عن حرق الوقود باهظاً من الناحية الاقتصادية بفرض ضريبة على الكربون، أو تقديم الدعم المالي الضروري للأبحاث العلمية في مجال الطاقات النظيفة، وذلك يفضي إلى قفزة نوعية فى نوعية الطاقة المستخدمة. مما نُقل عن "بيل جيتس" في أحد المؤتمرات أنه قال بأنه لو قدر له تمني معجزة تغير وجه العالم وتحسن مصير الإنسانية خلال خمسين عاماً المقبلة، لاختار "معجزة الطاقة" بأن تكتشف تكنولوجيا جديدة تنتج الطاقة بنصف سعر الفحم الحجري ولا تطلق أي انبعاثات لثاني أكسيد الكربون. وأضاف جيتس إنه يفضل تحقق هذه الأمنية، أو المعجزة كما سماها، على اكتشاف لقاح جديد أو دواء فعال لعلاج مرض عضال. هذا الشعور الطاغي بأهمية الطاقة في تحديد معالم المستقبل وبلورة السياسة الدولية، وهذا ما التقطه الكاتب الأميركي المتخصص في شؤون الطاقة "دانيال يرجين" في كتابه "البحث... الطاقة والأمن وإعادة تشكيل العالم المعاصر"، والذي من خلاله يسعى للإجابة عن مجموعة من الأسئلة المرتبطة بالطاقة وعلاقتها بالسياسات العمومية.لكن قبل ذلك يبدأ الكاتب بالتذكير أولاً بمدى أهمية الطاقة في حياتنا المعاصرة، فلمدة طويلة من تاريخ البشرية ظل المجهود العضلي للبشر والحيوانات المصدر الأول والأساسي لتوليد الطاقة، وهو بالطبع ما حد من قدرة الإنسان على الإنجاز بالنظر إلى مصادر الطاقة البسيطة وغير المنتجة، غير أن الوضع بدأ في التغير انطلاقاً من أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر عندما سخر الإنسان طاقة البخار والفحم الحجري لتشغيل الآلات وإدارة المحركات المكتشفة حديثاً، فكانت النتيجة تفجراً حقيقياً للإمكانات البشرية والقدرة على إنتاج المواد والبضائع المصنعة. وبحلول عام 1957 كان الأدميرال "هيمان ريكوفر"، وهو أب الأسطول النووي الأميركي، يعتبر بأن 94 في المئة من الطاقة المنتجة في العالم خلال السنوات الأولى من الثورة الصناعية، مستمدة من المجهود العضلي للبشر والحيوانات، لكن بعد خمسينيات القرن الماضي انقلبت الإحصاءات رأساً على عقب ليشكل الفحم الحجري والغاز الطبيعي 93 في المئة من طاقة العالم.
ويرى الكاتب أن هذه الأرقام المرتفعة لإنتاج الطاقة والطلب المستمر على مصادرها مرشحة للتنامي أكثر على مدى العقود المقبلة، فحتى لو تبنى الغرب سياسات عاقلة للترشيد في استهلاك الطاقة، سيضمن الصعود الواضح لقوى جديدة في العالم، توسعاً دائماً للطلب على الطاقة. وفي الوقت الذي يصل فيه الناتج الإجمالي المحلي للعالم إلى 65 تريليون دولار ترجح التوقعات ارتفاعه خلال العقدين المقبلين إلى أكثر من 130 تريليون دولار ما يعني استهلاكاً أكبر للطاقة وطلباً متزايداً عليها ليرتفع الاستهلاك العالمي بنحو 40 في المئة، هذا فيما ستقفز أعداد السيارات من مليار سيارة في العالم إلى ملياري سيارة في السنوات المقبلة. فمن أين ستأتي الطاقة لتشغيل كل تلك السيارات ولإمداد الاقتصاد العالمي بالقدرة على الإنتاج؟
يجيب الكاتب بأن مصدر الطاقة الأساسي في المدى المنظور سيأتي من البترول، لاسيما أن جميع التوقعات بنهاية النفط ونضوبه أثبتت خطأها، ولا يتوقع الكاتب أن الأمر سيتغير مستقبلاً، فرغم كل ما يُروج له عن نضوب الطاقة غير المتجددة مثل النفط وغيره، ما زال البترول يمثل 80 في المئة من الطاقة التي يستهلكها العالم. ومع الاعتماد المتنامي على الغاز الطبيعي والصخور الزيتية وظهور تكنولوجيا جديدة لاستخراج النفط واستغلاله، من المرجح أن تظل الطاقة المستخرجة من النفط لاعباً أساسياً على الساحة الدولية خلال العقود المقبلة.وفيما ينتقد الكاتب بعض المتطرفين الذين ينفون أي تأثير لمصادر الطاقة التقليدية على التغير المناخي في ظل المعطيات العلمية التي تثبت ضرر انبعاث ثاني أكسيد الكربون على البيئة، فإنه يدعو إلى تدخل الدول في هذا الصعيد، لكنه في الوقت نفسه يعيب على بعض المفرطين في تفاؤلهم رسم صورة مشرقة حول قدرة التكنولوجيا على تطوير المصادر الجديدة للطاقة، فالتكنولوجيا الجديدة المتوفرة حالياً تظل عاجزة عن توفير إمدادات كافية من الطاقة الرخيصة لتعويض النفط.
لكن رغم العجز التكنولوجي في الوقت الحالي عن استبدال مصادر الطاقة التقليدية واستمرار الحاجة إلى الفحم والنفط الرخيصين، فإن ذلك لا يعفي الحكومات، كما يقول الكاتب، من تحمل مسؤولياتها والقيام بأدوارها، لاسيما وأن الأمر مرتبط بالصحة العامة وبالتلوث. وفي هذا السياق يطرح الكاتب نقطتين أساسيتين يرى أنه على الحكومات التفكير فيهما: فإما جعل انبعاث ثاني أكسيد الكربون الناجم عن حرق الوقود باهظاً من الناحية الاقتصادية بفرض ضريبة على الكربون، أو تقديم الدعم المالي الضروري للأبحاث العلمية في مجال الطاقات النظيفة، وهذا يفضي إلى قفزة نوعية.
غير أن الكاتب لا يعول كثيراً على الدور السياسي للحكومات ما دام صناع القرار غالباً ما يراعون الحسابات السياسية الضيقة ولا يهتمون بالمعطيات العلمية والتأثيرات المستقبلية، ليخلص في النهاية إلى استمرار أهمية البترول في رسم سياسات الدول في مجال الطاقة، ومعه استمرار المشاكل المرتبطة بالتلوث والتغير المناخي.
لولايات المتحدة تتجه غربا للحصول على إمداداتها النفطية مستقبلا..ويرى "يرجين"أن التركيز لم يعد ينصب على منطقة الشرق الأوسط لتزويد الولايات المتحدة بالذهب الأسود بل على نصف الكرة الأرضية الغربي.فمحور الطاقة الجديد يمتد من مقاطعة ألبرتا بكندا مرورا بولاية داكوتا الشمالية وجنوب تكساس، ومن اكتشاف نفطي ضخم قبالة ساحل جويانا الفرنسية إلى مخزونات نفطية بحرية هائلة بالقرب من البرازيل.وينطوي هذا التحول على أهمية كبيرة بالنسبة للعرض والسياسة النفطية العالمية ذلك أنه يحدث من قبيل المصادفة تقريبا وليس في سياق خطة كلية أو سياسة رئيسية.وقد ظلت خريطة العالم النفطية طوال خمسة عقود تتمحور حول منطقة الشرق الأوسط. وكانت كل التكهنات تقريبا تشير إلى أن اعتماد الولايات المتحدة على الإمدادات النفطية من الشرق الأوسط مرشح للازدياد على الرغم من اكتشاف مصادر جديدة للطاقة في مناطق أخرى.ولطالما ظل السعي لتبني "سياسة نصف كروية للطاقة" للولايات المتحدة مثار نقاش منذ أزمة الإمدادات النفطية في سبعينيات القرن الماضي.اثناء حرب اكتوبر. وقد استند مفهوم "الطاقة النصف الكروية" في السبعينيات والثمانينيات على دعامتين هما: فنزويلا، التي كانت مصدرا معتمدا للنفط منذ الحرب العالمية الثانية، والمكسيك التي عاشت طفرة نفطية هائلة حوّلتها من دولة مستوردة للنفط إلى مصدر رئيسي له.
ومنذ وصول هوجو شافيز إلى كرسي السلطة لم تعد فنزويلا على ما يبدو تلك الدعامة التي يمكن الاعتماد عليها بالنسبة للولايات المتحدة.وبالطبع ربما لن يتغير الموقف بعد وفاته .أما المكسيك، التي يشكل النفط فيها 35% من عائدات الحكومة، فتعاني من تدني الإنتاج، وقد تصبح مستوردة له في وقت لاحق من العقد الحالي ما لم تطرأ إصلاحات على قطاع النفط والاستثمار الأجنبي.وتستند السياسة النفطية الجديدة على مصادر لم يكن لها دور كبير في السنوات الأخيرة، لكن ذلك الدور بدا ممكنا الآن بفضل الفتوحات والتقدم في مجال التكنولوجيا.
"
سيتدفق ذلك النفط الذي كان يتجه يوما من الأيام غربا، نحو الشرق إلى حيث الأسواق الآسيوية الصاعدة. وهو ما قد يؤشر إلى تحول جيوسياسي كبير وبما يعنيه ذلك من تزايد رهان الاقتصادات الآسيوية على استقرار الإمدادات النفطية من الشرق الأوسط
"فخلال أكثر من عشر سنوات بقليل تحولت رمال كندا النفطية من مصدر هامشي إلى مورد رئيسي للنفط، إذ يبلغ إنتاجها اليوم من تلك الرمال 1.5 مليون برميل يوميا أي أكثر مما كانت تصدره ليبيا قبل ثورتها ضد القذافي.ويمكن لرمال كندا النفطية أن تضاعف إنتاجها إلى ثلاثة ملايين برميل في اليوم بحلول العقد المقبل. وستجعل هذه الزيادة من كندا منتجا نفطيا أكبر من إيران، وخامس أكبر منتج في العالم بعد روسيا والسعودية والولايات المتحدة والصين.
وهناك في الطرف الآخر من محور النفط بنصف الكرة الأرضية الغربي تقع البرازيل التي تملك مخزونات كبيرة من النفط.
أما التطور الرئيسي الثالث في مجال الإمدادات النفطية فقد حدث في الولايات المتحدة بفضل تكنولوجيا غاز الطُفال أو الصلصال في ولاية داكوتا الشمالية.
وحدث تطور مماثل في أجزاء أخرى من الولايات المتحدة وتحديدا في جنوب وغرب تكساس.ومن شأن هذه التطورات الثلاثة أن تُحدث تغييرا جوهريا في انسياب النفط عالميا. ومع ذلك سيظل نصف الكرة الغربي بحاجة لإمدادات نفطية من باقي أرجاء العالم.
غير أن تلك الحاجة قد تتراجع إلى ما دون النصف بحلول العام 2020، مما يعني تراجع الواردات من الشرق الأوسط وغرب أفريقيا.وكل ذلك يعكس كيف أن الأفكار والاختراعات الجديدة تعيد رسم خريطة العالم النفطية، وتعيد صياغة مستقبل الطاقة.
أما كتاب جوشوا فوير «المشي على القمر مع اينشتاين»فأنا أصبحت مبهورة بكل حرف فيه لانه يعد بمثابة الامل للكثيرين للحصول على ذاكرة فوتجرافية تمكنا من تذكركل شئ لذلك لم أتعجب من قول فوير: «أصبحت مهووساً بتدريب ذاكرتي»،لاننى نفسى أصبت بحالة عشق للبحث فى هذا المجال وبدأت فى تتبع الطريقة التي يتبعها في ذلك لان دماغ الإنسان مجهز لحفظ ذكريات الأشياء المادية. عن طريق ربط الأفكار المجردة بصور حية. وهذه هي الطريقة التي فضلها مفكرون من العصور القديمة والوسطى أمثال شيشرو، القديس توما الأكويني، واستخدموها لتطوير ملكات الخطابة ولقد أعتمد المؤلف على التطبيق العملى . "لنظرية قصر الذاكرة"
هذه النظرية مصدرها قصة اسطورية بطلها الشاعر الإغريقي الشهير سيمونيدس (556-468 ق.م), وهو من أوائل الشعراء الذين استخدموا الشعر كمصدر للكسب من خلال نظم قصائد المديح في الأمراء و الملوك وأعيان الناس, ذات يوم تلقى الشاعر الكبير دعوة من الملك سكوباس, ملك (ثيساليا), وذلك لحضور حفل من الاحتفالات الكبيرة في القصر. وطبقاً لهذه الدعوة طلب من الشاعر سيمونيدس أن ينظم قصيدة لمدح الملك أمام المدعوين مقابل مبلغ كبير من المال, لبى سيمونيدس الدعوة في الحال, وفي الموعد المحدد ذهب إلى القصر مصطحباً معه الرقعة المكتوب عليها القصيدة, كان القصر ممتلئ عن أخره بالأمراء والفرسان وأثرياء القوم. حينما رأى الملك الشاعر الكبير سيمونيدس أدناه من مجلسه وأمر الفرقة الموسيقى بالكف عن العزف وأمر الجواري ليتوقفن عن الرقص والغناء وذلك حتى يستمتع الجميع بقصيدة الشاعر العظيم, وبالفعل شرع سيمونيدس في إلقاء قصيدته.
كان من المفترض أن تكون القصيدة من أولها إلى أخرها في مديح الملك, إلا أن سيمونيدس قسم المديح بين الملك وبين (كاستور وبولُكس) وهما اثنين من ألهه روما المشهورين, فجاء نصف القصيدة الأول لتمجدهما والنصف الثاني خصص لمديح الملك, كان الملك يسمع الأبيات الأولى من القصيدة والغضب والضيق يملئان قسمات وجه, وبعد أن انتهى الشاعر الكبير من إلقاء القصيدة تقدم ناحية الملك وانحنى أمامه في انتظار أن يتعطف عليه بعطائه المتفق عليه, وكانت النتيجة المحزنة, فقد أعطاه الملك نصف المبلغ المتفق عليه وقال له هذا نظير الأبيات التي تخصني من القصيدة أم الباقي فاطلبه من الآلهة الذين مدحتهم, أنفجر كل الحاضرين في الضحك وراح كل واحد من المدعوين يلقى بنكته ساخرة أو بعبارة تهكمية على ما صدر من سيمونيدس من قلة ذوق في حق الملك, شعر سيمونيدس بالخجل فانزوى في مكان بعيد من القاعة وجلس حزيناً منكسراً, ولم يرحمه من سخرية الناس وكلماتهم النابية إلا عندما أمر الملك الفرق الموسيقية بمعاودة العزف والغناء, وانشغل الحضور عن سيمونيدس بالجواري وهن يرقصن, وإلى المهرجين والعبيد وهم يأتون بغرائب الألعاب وعجائب الحركات. كل من في القاعة كان يعيش في عالمه الخاص, منهم من كان يحتسي النبيذ, ومنهم من كان يجلس على المائدة الكبيرة يلتهم ما لذ وطاب, الكل كان سعيداً مبتهجاً, معدا شخص واحد هو الذي كان يشعر الحزن والخزي والانكسار, هذا الشخص هو سيمونيدس, فكر في أن يغادر القصر لكن الملك لم يأذن له بعد لذا كان عليه أن ينتظر الإذن والا سينال تقريع أخر من الملك, في هذه الأثناء أتاه جندي من الحرس وأخبره بأن فارسين يريدانه في حديقة القصر في أمر خطير, حينما سمع سيمونيدس ذلك أسرع خارج القصر ليستطلع الأمر, بعد خروجه لم يجد أي أثر لفارس خارج القصر, فتعجب مما صدر من الحارس, فكيف يكذب عليه ويخبره أن هناك من ينتظره بالباب, هل إلى هذه الدرجة سقطت قيمة الشاعر الكبير, أحس سيمونيدس أن ما لاقاه من إهانة هذه الليلة يكفي بأن يجعله يعتزل الشعر والشعراء, وبينما هو واقف يفكر هكذا حدث شيء لم يكن في الحسبان, فقد إنهار القصر على كل من فيه وأمتلئ المكان بالغبار وسمع عويلاً وصراخاً في كل أنحاء المدينة, لم ينجو أحد من المدعوين سوى هذا الشاعر الذي أدرك في نهاية الأمر أن الفارسين الذين كان يسألان عنه ما هما إلا كاستور وبولوكس أبناء الآلهة, وقد اتوا لإنقاذه مكافئة له نظير تمجيده لهما في قصيدته.(تلك هىالاسطورة التى تردد عن الواقعة).
بعد انهيار القصر بساعات ذهب أهالي الضحايا إلى المكان لرفع الأنقاض من أجل التعرف على جثث ذويهم, لكنهم لم يستطيعوا التعرف عليها نظراً لضياع معالمها وتناثر أشلائها في كل مكان, فطلبوا من الشاعر الكبير سيمونيدس أن يساعدهم في التعرف على الجثث كونه الناجي الوحيد في هذه الحادثة المروعة, راح سيمونيدس يتخيل حال القصر قبل الانهيار, وفجأة وقفت جدران القصر من جديد وارتفعت الأعمدة مرة أخرى, وارتفعت الأحجار فوق بعضها البعض, وأستوى القصر كما كان, رسم سيمونيدس صورة كاملة للمكان في صورته الأولى قبل الانهيار, فهنا كان يجلس فلان وعند هذا العمود كان يقف فلان, وعلى المائدة كان يجلس فلان وبجواره جاريتين شقراوتين, وبجوار الملك كان يجلس فلان وفلان, ظل سيمونيدس يتذكر ويتذكر حتى جاوز عدد الأسماء التي تذكرها الألفين, ومن هذه اللحظة وضع سيمونيدس الأسس الأولى لنظريته التي طورت فيما بعد وعرفت بنظرية القصر.
قصر الذاكرة يشار إليه أيضا على انه كطريق الرحلة، فهي وسيلة لتعزيز الذاكرة التي يستخدم فيها التصور لتنظيم وتذكر المعلومات. هناك العديد من المتسابقين في مسابقات للذاكرة يستخدمون هذه التقنية لتذكر الوجوه، الأرقام وقوائم من الكلمات. نجاح المتسابقين الفائزين في مسابقات الذاكرة لا علاقة له مع بنية الدماغ او مهارات عقلية، ولكن اكتر ما تكون تقنيتهم من استخدام المناطق التي في الدماغ التي لها علاقة مع التعلم المكاني، تلك الأجزاء في الدماغ التي تسهم في حد كبير في معظم هذه التقنية وتشمل: القشرة الجدارية ، والقشرة خلف الطحال و الحصين الأيمن الخلفي.
طريقة قصر الذاكرة هي تقنية تخيلية قديمة معروفة عند الأغرييق والرومان والتي وصفتها ييتس (yates) عام (1966) في كتابها فن الذاكرة "art of memory" . و كذلك لوريا "luria" عام 1969 .في هذه التقنية يستظهر تخطيط بعض المباني و ترتيب أي محلات تجارية في شارع، أو منزل أو أي كيان جغرافي يتألف من مواضع منفصلة.فمثلا عندما ترغب في تذكر بعض الاسطر، تخيل أنك تمشي من خلال المواضع التي اخترتها و على الترتيب، ركب العنصر (مثلا السطر الأول) في أي سمة مميزة في المكان الذي امامك، ثم اكمل طريقك سيرا على الاقدام الى الغرفة المجاورة وركب العنصر (مثلا السطر الثاني) واكمل طريقك سيرا على الاقدام الى المطبخ وهكذا، وبعد الانتهاء من الاسطر قم بالتحقق من العناصر التي وضعتها في الاماكن على الترتيب.. من الأفضل أن تختار المنزل أو مكان أنت تعرف ما الذي يوجد بالتحديد في هذا المكان المعين.ومثال لذلك عندما تتذكر قائمة التسوق الخاصة بك. فعندما تتخيل أنك تمشي من غرفة النوم الى المطبخ ، دعنا نقول أن العنصر الأول في قائمة التسوق هو الخبز ثم عقليا تخيل أن هناك رغيف خبز على سرير نومك. ننتقل الى العنصر الثاني من القائمة فمثلا هو البيض ، فتخيل اثناء سيرك الى المطبخ ان هناك بيض على ملابسك ، ثم استبدل العناصر الموجودة على القائمة في اماكن أثناء سيرك الى المطبخ الى ان تنتهي القائمة، فعندما ستكون في المتجر عندها يمكنك ان تتذكر أنك تمشي وترى الاشياء التي وضعتها في الاماكن.
في عقلك ستتذكر خبز على السرير ، بيض على ملابسك وهكذا . يمكنك ان تتذكر اشياء كثيره قم فقط بإستبدالها في الاماكن التي على طريقك الى المطبخ مثلا. وكل ما كانت الصورة أكثر مرحا ترسخ المعلومة أو الغرض في العقل أكثر. فعندما تتخيل الخبز حاول أن تتخيل خباز بقبعته الطويله بجانب السرير يريد أن يسرق الخبز وهكذا.
ومع ذلك فطريق واحد من الصعب استخدامه لقوائم مختلفة العناصر للذاكرة.
وخطوات تطبيق نظرية القصر
1-اختيار القصر: تخيل مبنى ما, أي مبنى ،معظم الخبراء يفضلون أن تتخيل مبنى يكون موجود بالفعل في الواقع تعرفه جيداً بكل تفاصيله تمام المعرفة
2-حدد طريق الانطلاق: لكي تتذكر الأشياء بالترتيب, عليك أن تحدد طريق تسير فيه للوصول إلى المبنى الذي وقع اختيارك عليه، يجب أن تعرف الطريق.
3-تحديد المخازن: بعد تحديد الطريق عليك أن تسير فيه بخيالك إلى أن تصل إلى المبنى الذي اخترته وبعد وصولك هناك حاول أن تتفقد المكان جيداً مستكشفاً الأماكن التي توجد بداخله والتي ستخزن بها المعلومات
4- حفظ المعلومات في المخازن: نأتي الأن للخطوة العملية وكيفية حفظ المعلومات داخل القصر الذي اخترته. لا تضع أكثر من معلومة في مكان واحد, تقيد بالترتيب المتلازم
5- استخدم الرمزية: ليس من الضروري أن تضع كامل المعلومة التي تود تذكرها في المخزن, قد يكون هذا الأمر غير مثمر وغير عملي في بعض الأحيان, يفضل أن تضع صورة رمزية للمعلومات الكبيرة, أي رمز يحث ذاكرتك ويستفذها
6-كن مبدعاً وخفيف الظل استخدم قدرتك الإبداعية أثناء حفظ المعلومات في القصر, أضف للمعلومات المجردة الكئيبة شيء من المرحة والفكاهة.
7-استكشاف القصر للمرة الأخيرة بعد حفظ المعلومات استكشف القصر الخاص بك مرة أخرى قبل النوم وبعد ذلك استيقظ في الصباح ستجد نفسك متذكر كل المعلومات مهما كانت كثرتها بفضل الله. كلما تريد تذكر أي معلومة استخدم القصر الخاص بك, بكل بساطة امشي في الطريق المحدد وتفقد القصر وما به من مخازن
8- شيد قصور جديدة بعد امتلاء هذا القصر يمكنك بناء قصر آخر لمعلومات جديدة.
....ولرغبتى الرومانسية فى الاستغراق فى حلم القضاء على العشوائيات وجدت أن "كاثرين بو" في كتابها ما وراء الجمال: الحياة والموت والأمل في مومباي الهند أعتمدت على تقديم منهج التحقيق الميداني لفترات طويلة فى أفقر المناطق العشوائية في مدينة بومباي وأقامت في منطقة البحث وتعايشت وأقامة صدقات مع سكانها، مما أكسبها قدرا كبيرا من التميز والمصداقية.بتحليلها لواقع ومستقبل المسيرة الديمقراطية والأوضاع الرأسمالية في الهند، وهي مسيرة تجمع بين نجاحات مشهودة وبين آفات وسلبيات عاينتها بنفسها في عشوائية "اناوادي" قرب مطار بومباي. حيث يقيم ثلث سكان الهند، وهم 1،21 بليون، في المدن. وفي 2030، يبلغ عددَ سكان الهند ضعفي سكان أوروبا وبلدانها كلها. لكن النفقات الحكومية المخصصة للريفيين تبلغ 6 أضعاف المخصص للمقيمين في المدن. ومنذ غاندي، يميل رأي عام وغالب إلى ترجيح كفة الريف الهندي الأصيل، الأرض الأم، على كفة المدن الهجينة، صنيعة الاستعمار. وكبرى المدن الهندية، بومباي (أو مومباي)، يقيم نصف سكانها في عشوائيات بُنيت مبانيها من غير تراخيص. وفي ضوء ذلك، يصح القول إن مومباي هي «مدينة عشوائية» مثلما يصح القول عن سلفادور دي باهيا في البرازيل إنه «شارع عشوائي». وانتظرت حكومة الهند عام 2005 لتقر برنامج تجديد مُدُني يطاول أكبر 63 مدينة في البلد.
المدن الضخمة والمختنقة تنفِّر السكان الميسورين، فيلجأ هؤلاء إلى إنشاء مدن في ضواحي المدن الكبيرة، وبمعزل منها. ومدينة غورغاوُن، إحدى ضواحي دلهي، مثل على هذا الصنف من المدن: في غضون سنوات قليلة بلغ عدد سكانها 1،5 مليون، وكانوا آلافاً، وانتشرت المراكز التجارية المكيفة والمجمعات السكنية الضخمة. وتهدد غورغاوُن كارثة وشيكة مصدرها 30 ألف بئر حفرت من غير ترخيص قانوني وأدت إلى انخفاض مستوى المياه في الطبقات الباطنية، ولوثتها المياه المبتذلة المتسربة إليها من قنوات الصرف الصحي والمستنقعات الآسنة. وتطل الشقق على ملاعب الغولف وعشبها الأخضر الذي يستنزف ريه مخزون المياه النظيفة ويبدده. وتتعرض المدينة الخصوصية والميسورة السكان، مع المدينة العشوائية، إلى خطر مشترك هو الدمار الذاتي، واستنزاف الموارد الحيوية الضرورية.
والمياه المبتذلة شأنها شأن مقومات البنى التحتية الأخرى التي تفتقر إليها المدن الخصوصية والمدن العشوائية مثل الطرق (المحفرة)، والأرصفة، والتيار الكهربائي (المتقطع)، والإضاءة العمومية (الغائبة)، والساحات والحدائق... ويولّد غياب هذه المقومات إحساساً بالاختناق والعيش في فقاعة غير آمنة. فكل ما هو مشترك وعام في المدن الهندية لا يحظى بعناية السكان، ولا بعناية الإدارات الحكومية أو المحلية، على نقيض المجمعات السكنية الفخمة التي تقوم قرينة على النجاح الفردي والثراء. وعمد المقاول كوشال بال سينغ إلى إظهار الحاجز بين المدينة الخصوصية التي تسكنها الطبقات الوسطى الناشئة وبين المدينة العمومية، فبنى جداراً يفصل الأمكنة العامة والمشتركة عن الأمكنة الخاصة. وعدد المدن الخصوصية كان 143 في 2011، وبلغ أواخر 2012، نحو 400 مدينة.
بعض هذه المدن نشأ غير بعيد من مراكز تكنولوجية وصناعية كبيرة توفر العمل لسكان المدن. فماغار باتاسيتي هي إحدى المدن السكنية الآمنة التي يقطنها أصحاب مداخيل عالية، وعلى مسافة 100 كلم من مومباي وحول مدينة بون. وقلب ماغار باتاسيتي هو سيبرسيتي، أي مجمع من 12 برجاً زجاجياً تبلغ مساحة مكاتبها 500 ألف متر مربع تنفرد بها تكنولوجيا المعلومات وصناعاتها الإلكترونية.
والقاهرة، ، تتغير على مثال غير المثال الهندي. ويصف بعض المراقبين والباحثين القاهرة المتوقعة في نهاية دورة التغير ب «دبي على النيل». ولكن لا معنى ل «دبي على النيل» إلا في ذهن المقاولين والمستثمرين الذين يستوحون المثال الليبرالي المتسلط للمدينة المعولمة والقائمة على طرف دائرة شاسعة ومترامية الأطراف من الأراضي، ويقضم توسعها الأراضي الزراعية الضيّقة التي تحف بضاحيتها القريبة. وفي عام 2009، بلغت حصة البناء غير المرخص في القاهرة 62 في المئة من الأبنية المشيّدة، ويقيم فيها 63 في المئة من سكان القاهرة «الكبرى».
ونجمت غلبة السكن غير المرخص عن التجديد المُدُني الذي تولاه مقاولون ومستثمرون هدموا أجزاء واسعة من المدينة التاريخية والأهلية (الشعبية)، وطردوا سكانها وأهلها، وأجبروهم عملياً على النزوح إلى الضواحي والإقامة فيها وبناء الملاجئ على عجل ومن غير ترخيص. والميسورون وأهل الطبقات المتوسطة من السكان الذين اضطروا إلى إخلاء مساكنهم وأحيائهم، شيّد المقاولون والمستثمرون لهم أحياء آمنة، ومدناً خصوصية، في الضواحي القريبة. المشكلة هي أن القاهرة انقلبت في الأعوام العشرة الأخيرة من نواة مجتمعة على مساحة 350 كيلومتراً مربعاً إلى كيان متعدد الأقطاب يبلغ 4 أضعاف النواة السابقة ويمتد من مدينة 6 أكتوبر الجديدة إلى نيوكايرو.
والطموح إلى تشييد «دبي على النيل» صاحَب طرد سكان المدينة الشعبية وتجديد قلبها التاريخي، وإعداده لاستقبال أمواج السياح المتوقعين الذين تقلصت أعدادهم غداة هجمات 2001 الإرهابية. واستأنفت خطة 2009 الطموح الأول، وخططت لتشييد أبراج على النيل، ومجمعات فندقية حول الأهرامات، وتلبية الطلب المعولم على السياحة ومراكز المال. ويقضي الاهتمام البيئي بزيادة المساحات الخضراء الهزيلة ونشرها في المدينة الكبرى. وتعوّل خطة المواصلات على الترام، وعلى توسيع شبكة مترو الأنفاق، وتعبيد الطرقات، وبناء مرائب تحت الأرض.
والزعم أن القاهرة مدينة خليجية يخالف الوقائع والحقائق، وعولمتها مستحيلة من غير تشظيها وتناثرها وتقسيمها. والمدينة المعولمة هي في آخر المطاف حي أعمال مؤلف من أبراج، ومتصل بقلب المدينة التاريخي وبمطار دولي. وأما السكان الميسورون فيتوجهون إلى المدن الخصوصية، وتقيم بقية السكان، وهي الغالبية العظمى، في الأبنية غير المرخصة التي تنشأ منها العشوائيات. وعلى هذا الأساس، تعني العولمة والمحافظة على قلب تاريخي وسياحي مجدد، طرد السكان إلى أبعد مكان ممكن من دائرة الأحياء التراثية، ومن الدائرة المتصلة بالمركز المالي والتجاري والمجمعات السكنية المغلقة والمطار الدولي.
ويخشى بعض المراقبين والباحثين من أن تؤدي خطة «القاهرة الكبرى 2050» إلى تفتت المدينة وتناثرها. وهي تقضي بإجلاء السكان عن مناطق سكن تلقائية مثل أمبابة، وبولاق الدكرور ومنشية نصر، تمهيداً لتقليص اكتظاظ أحياء وسط المدينة، ولشق محاور جديدة تربط بين مواضعها. ويلحظ المخطَط إخلاء مدينة الموتى، وهي تحولت إلى مدينة يسكنها أحياءٌ يرزقون ويتناسلون ويعملون، وتشييد حديقة «محاور» طبيعية أو ثقافية محلها.
في العودة إلى مومباي، مثال المدينة الضخمة، تبدو حصة العشوائيات فيها، التي تبلغ 62 في المئة من السكان وإقامتهم، معيار وصف المدينة بالعشوائية. ويعيش في إحدى عشوائياتها، ضاراوي، بين 700 ألف ومليون شخص، في دائرة مساحتها نحو 200 هكتار أو أكثر بقليل. وضاراوي تقع في ضاحية الحي التاريخي الكبير المعروف بآيلند سيتي، ويقطنه 3 ملايين و150 ألف نسمة. وأحاطت به مراكز أعمال، ومجمعات سكنية، ومدن خصوصية، ومدينة جديدة هي نافي مومباي، على ضفة الخليج الأولى. و»العشوائية» المتناثرة ليس في مقدورها تهميش عشوائياتها الناشئة على حين غرة ولا دمجها. والمحصلة هي شق المدينة فتصبح شقاً عاماً وآخر خاصاً .
وأستكملت رؤية مشاكلنا بكتاب مليار جائع... هل نستطيع إطعام العالم؟للمؤلف جوردون لانه يرى إن الفقر، والتغيرات المناخية، والزيادة السكانية، وارتفاع أسعار الطعام؛ هي معوقات تقف في وجه الأمن الغذائي العالمي، ويدعو عالم البيئة الزراعية جوردون كونواي إلى (ثورة خضراء مضاعفة)، تتسم بالتكثيف المستديم للإنتاج، والبحث والتطوير، وخلق الأسواق. ويسعى كونواي لبحث كافة الوجوه المتعلقة بالأزمة، ومناقشة المنهجيات الخاصة بحلّها، والبحث العميق في الدور المنوط بالمزارعين كمبتكرين ومبدعين، ومواجهة التحديات البيئية. والمهم فى هذا الكتاب الجمع بين الترتيب للعديد من الدراسات والأبحاث الجديدة، والخبرة الطويلة لأحد الخبراء في هذا المجال.ورغم إن ارتفاع أسعار المواد الغذائية وازدياد أعداد السكان والدمار البيئي وتغير المناخ ووجود مئات الملايين من السكان الجياع ... كلها أمور تجعل الانسان يشعر بالقهر. ولكن على الأقل ثمة رجل واحد متفائل و هو"جوردون كونوي" وهذه المساهمة دعماً منه لجهود مشروع "القضاء على الجوع".لأن التحديات التي يواجهها العالم مروِّعة وغير مسبوقة. حيث يتعين علينا إطعام سكان سيصل عددهم بحلول 2050 الى 9 مليار نسمة. ويتعين علينا أيضاً إطعام هؤلاء الناس في ظل ارتفاع الدخول، وازدياد انتشار تناول الوجبات الغربية التي تتسم بكثافة استخدامها للموارد، وتناقص الأراضي والمياه المتاحة، وتغير المناخ.
ويقول "جوردون كونوي" :فى أحدث كتاب ألّفته [مليار جائع: هل في وسعنا إطعام العالم؟
One billion hungry: can we feed t world? فانني أعتقد أنه في مقدورنا إطعام العالم. ولكن ذلك لن يحدث إلا اذا سلّمنا بأن التنمية الزراعية هي المسار الأفضل لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام في بلدان نامية كثيرة وتحقيق زراعةٍ عالمية تتميز بارتفاع الانتاج والاستقرار والمرونة والعدالة.
هناك أربع مساراتٍ متداخلة ومترابطة يمكن انتهاجها لبلوغ عالمٍ ينعم بالأمن الغذائي هي: الإبتكار والأسواق والسكان والقيادة السياسية.
الإبتكار
يتعين على الزراعة أن تضم مجموعة عريضة من التكنولوجيات حيثما كان ذلك ملائماً. ويمكن ان تكون هذه التكنولوجيات تقليدية أو وسيطة أو جديدة تماماً، غير أن المعيارها الرئيس لها هو أنها يجب ان تكون فعالة ويسيرة المنال وزهيدة التكاليف وسهلة الاستخدام ورفيقة بالبيئة وتلبّي حاجة حقيقية. ولذلك من الضروري زيادة الاستثمارات العامة والخاصة في مجالات البحوث الزراعية والإرشاد الزراعي وتبنّي التكنولوجيا الملائمة.
الأسواق
إن الابتكار وحده لا يكفي. بل لابد كذلك من خلق وإدارة أسواق منصفة وكفؤة توصل صغار الحائزين جنباً الى جنب مع أصحاب المزارع الكبيرة الى الفرص المتاحة لزيادة دخلهم. ويمكن تحقيق البيئات التي تمكّن من إيجاد هذه الوصلات من خلال إقامة شراكات بين القطاعين العام والخاص.
السكان
يشكل المزارعون ذوى الحيازات الصغيرة مركز الأمن الغذائي ومحوره. ولذلك يتعين على الحكومات كفالة شمول السياسات والاستراتيجيات للسكان المهمّشين عادةً، ومن ضمنهم صغار الحائزين ومعهم كذلك النساء والشباب والأقليات العرقية ومن لا يملكون أراضي.
كما يتعين علينا مساندة زراعةٍ تساهم في كفالة حصول السكان، وعلى وجه التحديد الأمهات والأطفال، على التغذية الملائمة. فالنساء، باعتبارهن مزارعات وأمهات ومعلِّمات ومبتكِرات، يقدمن وصلة حاسمة بين إنتاج الأغذية واستهلاكها وتحقيق التقدم بشأن الأمن الغذائي مستقبلاً.
القيادة السياسية
إننا بحاجة الى قيادة سياسية تمتلك رؤية وبصيرة قادرة على الإضافة الى هذه الخطة وتدعيمها على الصعد الدولية والإقليمية والقطرية والمحلية. وهذا يشمل احترام الإلتزامات وتنفيذها بالفعل من خلال مجموعة الثمانية G8ومجموعة العشرين G20أو الاتحاد الأفريقي African Union. غير أنه يشمل أيضاً دعم المبادرات القطرية الجاري تنفيذها حالياً، وذلك بصورة متينة ومستمرة من أجل تشجيع المزيد من الاستثمارات والشراكات.
وقد أثبتت لنا التجربة أن هناك مبرر كافٍ للتفاؤل. إن في مقدورنا إطعام العالم، ولكن لابد لنا من توجيه تركيزنا بصورة عاجلة ومحددة على الأمن الغذائي، وتشجيع القادة على رسم وتنفيذ السياسات السليمة، والاستثمار في البحوث والتنمية، وكفالة وصول هذه الأعمال الى المزارعين الأشد حاجة اليها.
ورغم ان كتاب هذه المرة مختلفة: ثمانية قرون من الحماقة الماليةصدر من عدة سنوات الى انه مازال يلاقى اهتماما عالميا حتى الان ربما لان كينيث روجوف و. ماري واتكنز وروبن ويجلسويرث يتبنوا عدم صحة تلك المقولة، مسترشدا بما حدث فى 66 بلدا في القارات الخمس، عبر ثمانية قرون من الأخطاء الحكومية، وحالات الفزع المصرفي، وارتفاع معدلات التضخم، من عملات العصور الوسطى إلى كارثة الرهن العقاري الراهنةو ويرى الكتاب أن ارتفاع معدلات التضخم، انهيار العملات، وانخفاض قيمتها غالبا ما تسير جنبا إلى جنب مع التعثر. ويؤكد الكتاب على الفكرة الشائعة بأن الأسواق الناشئة اليوم تفتح آفاقا جديدة في الاعتماد بدرجة كبيرة على أسواق الدين المحلية.
ووسط تلك الفوضى الامنية الان فليس أجدر من الاهتمام بكتاب "المدينة التي أصبحت أكثر أمناً" للكاتب فرانك زيمرينج. ينافش الكتاب قضية السلاح من زاوية أن ولاية نيويورك هي المثال المحتذى، في العالم، بأن نسبة الجريمة فيها الناتجة من استخدام الأسلحة النارية قلت، في العقدين الأخيرين، على نحو يفوق التصور. و يرى الكاتب، نتيجة اختبارات ميدانية مدعومة بتقارير موثّقة لأجهزة الشرطة في نيويورك، ان السبب هي مضاعفة أعداد الشرطة في عملية المراقبة والتقصّي والمحاسبة، ووضع الأماكن الساخنة التي تنشأ فيها الجريمة وتنتقل منها إلى غيرها بالعدوى، تحت المجهر ليل نهار.وهو يطلق عليه "سياسة النوافذ المخلّعةفالشرطة هناك تدهم أوكاراً للسود والبيض بها تجارة الماريوانا ليس لإلقاء القبض على المتعاطين أو التجّار. ولكن لهدف آخر يبدو أهم وأخطر، لاحتجاز مسبق للشباب ذو الاستعداد النفسي المسبق لارتكاب حماقات قد تصل إلى حدالجريمة ويوضع هؤلاء في خانة المشبوهين المحتملين .
يرجع بيل جيتس أهتمامه بكتابA World-Class Education الى أن أمريكا كانت لنصف قرن من الزمان الاولى بلا منازع في التعليم وهى بلد التعليم الثانوي وأول من جعل الكلية سهلة المنال. والكتاب يقدم تدريبات عالمية لمهارات الطالب وهو كتاب أوصي به لمعرفة المزيد عن التعليم .وفيفيان ستيوارت في كتابها، تطرح طراز العالميةللتعليم فى خمس دول (سنغافورة وكندا وفنلندا والصين وأستراليا) حيث الطلاب يحصلون على أفضل التقديرات العالمية عن الطلاب في الولايات المتحدة على الرغم من الاختلافات في النظم السياسية والسياقات الثقافية من هذه البلدان، فمفتاح النجاح فى فنلندا قرار في عام 1979 بالحصول على درجة الماجستير لمدة سنتين لجميع المعلمين، حتى فى المدرسة الابتدائية وفى سنغافورة لديها سياسة تسمى "تعليم أقل، وتعلم أكثر" التي تهدف إلى تشجيع المناهج المبتكرة واستخدام أكثر من وقت للتدريس.....وأجمل مافى تجربتى فى هذا الكتاب أننى وجدت بعض الترجمات لمقالات عن الكتب أعطت أحيانا أفكارا مختلفة للتناول.. وعامة هذه الكتب به القليل من الامل بالنسبة لنا ولكنها تحتاج الى الايمان بها والعمل على تطبيقها بل ومحاولة تجاوزها بأيجاد حلولا تناسبنا
حنان ابو الضياء
الفصل الاول
بيل جيتس الذى يعرفه النجاح
أغلب معتقدات بيل جيتس الشخصية تدور حول العمل الجاد والشاق ومحاولة النجاح قدر المستطاع. بيل يؤمن أنك اذا كنت ذكيا وتعلم كيف تستخدم ذكائك بامكانك أن تحقق المستحيل. وهو يؤمن بانك اذا لم تبذل قصار جهدك في العمل فلن تنجح. له مقولة أعتقد أنها نصف نجاحه،واول خطوة للانطلاق نحو القمة:"زبائنك غير الراضين هم أعظم مصدر لتعلمك"....قوته ايمانه بأن ذكاءه العالي وروحه التنافسية العالية هما اللذان أوصلاه الى مكانته اليوم بالاضافة الى أنه كان في المكان المناسب وفي الوقت المناسب. هو لا يؤمن بالحظ ولكن يؤمن بالعمل الشاق، المثابرة وروح المنافسة...المثيرللتأمل أن بعض شركات البرمجة الصغيرة تدعي أنها حتى لو أصدرت منتجا وبرنامجا أفضل من Microsoft، لن يكون بامكانهم تسويقه لأن مايكروسفت ستكون دائما بالمرصاد لتسوق منتجها وتضاهي سعرها. على النقيض ينظر بيل جيتس لهذه الادعاءات على أنها منافسة ايجابية وبالتالى سيظل ينافسهم حتى آخر يوم في حياته.و ستستمر زيادة ثروة بيل جيتس يوما بعد يوم.
قد لايعرف الكثيرين أن بيل جيتس زار مصر في أول زيارة له للشرق الأوسط عام 2004 .وهو ضد فكرة أن العالم العربي غير قادر على تحقيق النجاحات في مجال الأجهزة وتقديم الحلول وصرح في أحد مقابلاته الاعلامية: "العالم العربي مليء بأصحاب المواهب الرائعة". ويضيف: "عالم البرمجة مليء بالمفاجآت، ونحن لا ندري من أي جهة ستأتي الفكرة العظيمة المقبلة. وأنا أرى ان أي فكرة عامة تشير إلى مجموعة من الناس بأنها جيدة، ومجموعة أخرى بأنها غير ذلك هي غير صحيحة على الاطلاق".
يعتبر جيتس من أشهر مشاهير العالم وأوسعهم تأثيراً:
أدرج في قائمة القوّة لصّنداي تايمز في 1999
سمي مدير تنفيذي السنة بمجلة (chief executive officers magazine) عام 1994.
صنّف الأوّل في "أفضل 50 نخبة الإنترنت" من (times) في 1998.
صنّف الثاني في نخبة الأعلى 100 في 1999 وتضمّن في الغارديان كأحد "أفضل 100 شخص مؤثرين في أجهزة الإعلام" في 2001.
جايتس كان الأوّل على قائمة "فوربز 400" 1993 -2005 والأوّل على القائمة فوربز "الناس الأغنى في العالم" في 1996-2005 ماعدا 1997 عندما أضيف سلطان بروناي في الائحة على الرغم من سياسة فوربز العادية في استبعاد رؤساء الدول.
استلم جايتس دكتوراه فخرية، من معهد التكنولوجيا الملكي، إستوكهولم، السويد في 2002 وجامعة waseda في 2005.
أعطي أيضا لقب قائد الفرسان لمملكة البريطانية من ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية في عام2005 .
ويقول ستيف بالمير احد مؤسسي ميكروسوفت يحتمل أن يكون بيل أكثر شخص يستقبل ايميلات في العالم حيت أنه يستلم أكثر من 4 مليون بريد الكتروني في اليوم الواحد واغلبه رسائل غير مرغوبة (junk) وقام جيتس بتوظيف قسم كامل من اجل فرز الايميلات.
أفكار بيل غيتس وأسرار نجاحه
نجاح بيل غيتس ولد لديه أعداء كثر حاولوا محاربته، وحصلت مشكلات عدة مع شركة Apple وصلت إلى المحاكم. ولكنه واصل إنتاج أفضل البرامج والتطبيقات التي تنتجها شركة مايكروسوفت.
في عام 1999 وضع جيتس كتابه "الأعمال وسرعة الفكر" وهو كتاب يوضح كيف يمكن لتقنية الحاسبات الآلية تذليل المشكلات المرتبطة بالأعمال بطرق جديدة مبتكرة. تم نشر الكتاب ب 25 لغة مختلفة وهو متوفر في ما يزيد عن 60 بلداً....ونال كتاب "الأعمال وسرعة الفكر" بتقدير واسع، وحصل على مكان له بين قائمة أفضل الكتب مبيعاً ل "نيويورك تايمز"، "يو.اس.ايه. توداي"، "وول ستريت جورنال" وشركة "أمازون".وكان كتاب جيتس السابق "الطريق إلى الأمام" الذي نشر في عام 1995 قد احتل صدارة أفضل الكتب مبيعا في قائمة "نيويورك تايمز" لسبعة أسابيع. وقد قام جيتس بالتبرع بعائد كتابيه الاثنين لمنظمات غير ربحية تعمل على تشجيع استخدام التقنية في التعليم وتطوير المهارات
بيل جيتس بارعا بالرياضيات والعلوم، وقد أدرك أهله قدراته المميزة ولذلك بعد انهاءه المرحلة الابتدائية أرسلاه إلى مدرسة ليك سايد الإعدادية رفيعة المستوى. وفي عام 1968 قررت المدرسة شراء جهاز كمبيوتر، هذا القرار غير مجرى حياة بيل جيتس البالغ من العمر حينها 13 عاماً. وكان أكثر الطلاب أهتماماً بالكمبيوتر:بيل جيتس، كانت ايفانس وبول ألن الذي كان اكبر من جيتس بسنتين وأسس معه بعد ذلك مايكروسوفت. كان الثلاثة يجلسون لساعات طويلة أمام الكمبيوتر في أوقات فراغهم، حتى أنهم اصبحوا يفهمون بالكمبيوتر أكثر من اساتذتهم مما سبب لهم مشكلات عدة مع الاساتذة. وكانوا يهملون دراستهم بسبب هذه الآلة الجديدة.
بدأ بيل جيتس في سن الرابعة عشرة من عمره بكتابة برامج قصيرة، أول برامجه كانت ألعاباً محدودة، وكان يكتبها بلغة "البيسك" وكانت قدرته على كتابة البرامج نابعة من حبه للرياضيات وعلم المنطق. إذا أحب بيل جيتس ان يكون جيداً في مجال معين، فلا يرضى عن الأفضل بديلاً: وبدأ بقراءة المجالات التي تتعاطى مع شؤون التجارة.
في عام 1969، انشأ بيل غيتس وبول ألن شركة باسم" مجموعة مبرمجي ليك سايد للكمبيوتر"، وكان ذلك نقطة تحول تعرف الطالبان خلالها على الكثير من الأمور. وفي المرحله الثانوية استمر بيل في عمل البرمجيات حيث أسس مع صديقه بول Traf-O-Data شركة تبيع نظام حاسوب صغير يحوي برنامجهم للاطلاع على بيانات سير المرور للولايات في أمريكا. هذه الشركة لم تحقق نجاحا كبيرا ولكنهم حققوا من خلالها ربحا معقولا وخبرة مفيدة
قرر بيل جيتس مؤسس وصاحب شركة مايكروسوفت، إلقاء محاضرة فى إحدى المدارس الأمريكية عن التنمية الذاتية، وذلك لاقتناعه بأن أغلب أنظمة التعليم تعزز الإحساس الكاذب بسهولة النجاح، وبالتالى فهى تخلق جيل غير قادر على الابتكار أو التعامل مع الواقع.
كان عنوان المحاضرة "مهارات وأفكار لن تتعلموها فى المدارس"، اً.
القاعدة الأولى: الحياة ليست عادلة تماماً وعليك أن تقبل وتعتاد العيش فى الظروف التى تعيش فيها.
RULE 1
Life is not fair – get used to it.
القاعدة الثانية: لن تستطيع الحصول على دخل سنوى قدره 60 ألف دولار بمجرد التخرج من المدرسة الثانوية، ولن تتقلد منصباً رفيعاً لمجرد أنك إنسان محترم، ولن تحصل على سيارة إلا بعد أن تجتهد وتجد فى الحصول على الوظيفة المرموقة والسيارة الفارهة.
RULE 2
You will NOT make 60 thousand dollars a year right out
Of high school. You won't be a vice president with
Car phone, until you earn both
القاعدة الثالثة: العالم لا يعنيه مدى احترامك لذاتك ولا كيف ترى نفسك، فسوف يتوقع منك الجميع أن تنجز شيئاً وأن تؤدى دوراً قبل أن ينتابك شعور بالفخر تجاه نفسك.
RULE 3
The world won't care about your self-esteem. The world
Will expect you to accomplish something BEFORE you feel
Good about yourself
القاعدة الرابعة: إذا كنت تعتقد أن معلمك شديد وعنيف وأن طلباته المتواصلة تفوق طاقتك، فلا تسرع فى الحكم وانتظر حتى يكون لك مدير.
RULE 4
If you think your teacher is tough, wait till you get a
Boss. He doesn't have tenure
القاعدة الخامسة: لا تظن أن العمل فى مطاعم الهمبرجر وغسيل الأطباق وظيفة دون المستوى، فقد كان أجدادنا وآباؤنا وما زال الناس فى الدول الفقيرة يتمنون فرصة عمل كهذه.
RULE 5
Flipping burgers is not beneath your dignity. Your
Grandparents had a different word for burger flipping
They called it Opportunity
القاعدة السادسة: قبل ولادتك لم يكن والداك شخصين مملين، كما تظن الآن، لقد أصبحا كذلك بسبب مصاريف دراستك وارتفاع ثمن ملابسك الجميلة، والنظر إليك وأنت تكبر يوماً بعد يوم، ولذلك وقبل أن تشرع فى إنقاذ وتغيير العالم وإنقاذ الغابات الاستوائية من الدمار وفى حماية البيئة والتخلص من السلبية فى العالم، ابدأ أولاً فى تنظيف دولابك الخاص، وأعد ترتيب غرفتك.
RULE 6
Before you were born, your parents weren't as boring as
They are now. They got that way from paying your bills,
Cleaning your clothes and listening to you talk about
How cool you are. So before you save the rain forest
From the parasites of your parent's generation, try
Delousing the closet in your own room
القاعدة السابعة: إذا ما أخطأت وسقطت وارتبكت، فاعلم أن الذنب ذنبك، وليس ذنب أهلك أو والديك، وبدلاً من أن تبكى وتندب حظك، تعلم من أخطائك.
RULE 7
If you mess up,it's not your parents' fault, so don't
Whine about your mistakes, learn from them.
القاعدة الثامنة: قد تكون مدرستك قد تخلصت من المتفوقين والكسالى معاً، إلا أنهم ما زالوا موجودين فى كل مكان. وفى بعض المدارس تم إلغاء درجات الرسوب، حيث يتم منح الطلبة أكثر من فرصة لإعطاء الإجابات الصحيحة، وهى فرص لن يتمتعوا فيها عند الخروج إلى الحياة العملية، ففى بعض الأحيان لا يتم منحنا إلا فرصة واحدة فقط.
RULE 8
Your school may have done away with winners and losers,
But life has not. In some schools they have abolished
Failing grades and they'll give you as many times as
You want to get the right answer. This doesn't bear the
Slightest resemblance to ANYTHING in real life
القاعدة التاسعة: الحياة التى نراها فى الأفلام السينمائية؛ ليست واقعية ولا حقيقة. فى الواقع لا يقضى الناس كل وقتهم فى اللعب والإجازات والجلوس فى المقاهى الفارهة، بل عليهم الذهاب إلى العمل.
RULE 9
Television is NOT real life. In real life people
Actually have to leave the coffee shop and go to jobs
القاعدة العاشرة: الحياة ليست سلسلة من الفصول الدراسية المتتابعة، ولن تستطيع أن تقضى كل فصل صيف فى إجازة، ولن يكون أصحاب الأعمال مثلاً كالمعلمين متفرغين فقط لمساعدتك عليك أن تساعد نفسك وأن تنجز كل أعمالك على حساب وقتك أنت.
RULE 10
Life is not divided into semesters. You don't get
Summers off and very few employers are interested in
Helping you fin d yourself. Do that on your own time.
القاعدة الحادية عشرة: عليك أن تحترم المتفوقين _ حتى و أن كانوا غريبى الأطوار _ لأن ربما ينتهى بك الحال فى العمل تحت قيادتهم.
RULE 11
Be nice to nerds. Chances are you'll end up working for
One
سوف يكون سوق المعلومات الدولي ضخما ويشتمل على جميع الوسائل التي
يجرى تبادل السلع والخدمات والأفكار البشرية، وهذا سيعطيك على المستوى
العملي خيارات أوسع حول أغلب الأشياء بما في ذلك الكيفية التي تكسب رزقك
أو تستثمر و ما هى الأشياء التي تشتريها وكم تدفع مقابلها ومن هم أصدقاؤك
وكيف تقضي وقتك معهم وأين تعيش أنت وأسرتك وما مدى الضمان المتوفر لها.
كما أن مكان عملك وفكرتك عما تعنيه كلمة "متعلم" سوف يتغيران تغيرا عظيما
ربما تقريبا إلى أبعد مما نعرفه، وقد ينفتح إلى حد كبير إحساسك ويتك - بمن
أنت وإلى أين تنتمي - وباختصار فإن كل شىء سيتم بطريقة مختلفة. إنني أكاد لا
أستطيع انتظار هذا غدا وهأنذا أفعل كل ما في وسعي للمساعدة في حدوثه.
هل أنت غير متأكد من أنك تصدق هذا أو من أنك تريد تصديقه؟ لعلك إذن
سترفض المشاركة فيه. إن الناس عموما يقطعون عهدا على أنفسهم بذلك إذا
هددت تقنية جديدة بتغيير ما ألفوه وارتاحوا إليه، فقد كانت الدراجة في البداية
بدعة سخيفة وكانت السيارة متطفلا مزعجا وكانت آلة الجيب الحاسبة خطرا على
دراسة الرياضيات وكان المذياع اية لمعرفة القراءة والكتابة
"شيئا فشيئا ستصبح الآلة جزءا من الإنسانية". هكذاكتب الطيار والمؤلف
الفرنسي (أنطوان دي سان إكزيوبري) في مذكراته الصادرة عام 1939 بعنوان
"الريح والرمل والنجوم" حيث كتب عن الطريقة التي يميل الناس إلى التصرف ا
لقد فعلت المطبعة ما هو أكثر من مجرد إعطاء الغرب طريقة أسرع
لاستنساخ كتاب؛ فحتى ذلك الحين كانت الحياة رغم الأجيال المتعاقبة اجتماعية
بسيطة وغير متغيرة تقريبا وكان أغلب الناس يعرفون فقط ما يرونه بأنفسهم أو ما يقال لهم. كان قليل منهم يسرحون بعيدا عن قراهم وذلك جزئيا لأنه كثيرا
ما كان من المستحيل تقريبا العثور على طريق العودة بدون خرائط موثوق ا..
وحسب تعبير (جيمس بيرك)، وهو مؤلف مفضل لدى: "في ذلك العالم كانت التجربة
كلها شخصية؛ كانت الآفاق صغيرة واتمع منطويا على نفسه وكان ما يوجد في
الخارج مجرد أقأويل
قبل جوتنبرج كان هناك 30 ألف كتاب فقط في قارة أوربا برمتها، أغلبها أناجيل
أو تفاسير إنجيلية، وبحلول عام 1500 كان هناك أكثر من 9 ملايين كتاب في كل
ضروب الموضوعات وباتت للبيانات الموزعة باليد وغير ذلك من المواد المطبوعة أثرها
على السياسة والدين والعلم والأدب.. ولأول مرة صارت المعلومات المكتوبة في متناول
من كانوا خارج الصفوة الكهنوتية.
وسوف يغير"طريق المعلومات السريع" شكل حضارتنا تغييرا دراميا كما فعلت
مطبعة جوتنبرج للقرون الوسطى.
أفضل الملائكة فى الطبيعة (Better Angels of Our Nature)
نظرة تقاؤلية يقدمها لنا ستيفن بينكر من جامعة هارفرد مؤكدا أن البشرية أصبحت أقل ميلا للحرب وان تلك الفترة فى التاريخ البشري الاكثر أمنا ، والعالم المتقدم يتميز بمستوى أقتصادى أعلى من ثلاثينيات القرن الماضي. وبالتالى فأى انهيار اقتصادي، ومايتبعه من خسارة الناس مدخراتهم، ووظائفهم لن يؤدى إلى الفقر المطلق. وبالتالى لن يكون هناك تطرفا سياسى ويمكننا دعم مايقوله بيكر بماحدث فى لاتفيا فرغم الانكماش الاقتصادى بنسبة 18 % في 2009 - ولكن في الانتخابات الأخيرة التي جرت هناك، فاز حزب "هارموني سنتر" اليساري الذي يمثل الأغلبية العرقية الروسية ب29% من ألاصوات و حزب "الإصلاح" الذي شكله الرئيس السابق فالتيز زاتلرز جاء في المركز الثاني بعد حصوله على 21% من أصوات الناخبين. وفي إسبانيا، مع وجود 4.85 مليون عاطل عن العمل.وارتفاع عدد العاطلين عن العمل المسجلين ارتفع خلال 2012 بنسبة 10 بالمئة عن العام السابق وهو أكثر من 45 في المائة بين الشباب. ومع ذلك حقق الحزب الشعبي اليميني فوزا تاريخيا في الانتخابات التشريعية في حين تعرض الاشتراكيون لهزيمة غير مسبوقة،. وهذه النتيجة هي الافضل التي يحققها اليمين الاسباني منذ عودة البلاد الى الديموقراطية، والاسوأ بالنسبة الى الاشتراكيين ويبذل بينكر قصارى جهده لاكتشاف ما الذي يمنع الشياطين عن قدراتنا الذاتية وأطلق العنان لأفضل الملائكة.
والكتاب يطرح الامل فى عصرنا.فليست الوفاة في الحرب فقط هي التي تنخفض، بل القتل أيضا، الذى يرى المؤلف أنه ينخفض على المدى البعيد.ففي أوروبا، تصل احتمالات القتل الآن أقل من العشر، وفي بعض البلدان فقط واحداً من خمسين، قياسا لنسبة الأوضاع التي كانت عليه الحياة من قبل. . ويرى بينكر هذا الانخفاض كجزء من عملية حضارية، فمنذ عام 1945، بدأنا نشهد ظاهرة جديدة تعرف بإسم السلام الطويل فالقوى العظمى والدول المتقدمة بشكل عام لم تخض حروبا ضد بعضها البعض. ويحاول بينكر معرفة ما الذي منع افكارنا الشياطنية وأطلق العنان لافكار الملائكة، ثم يضع استنتاجاته في الفصل الأخير.ويفترض بينكر أن العقل يبعدنا عن أشكال الأخلاق المؤدية إلى العنف، ويدفعنا دفعا نحو التقدم الأخلاقي الذي يتجنب استخدام القوة.والعنف في طوره للتضاؤل على الرغم من أن كل الصور التي نراها كل يوم عبر شاشات التلفزيون في شتى أنحاء العالم تثبت عكس ذلك إلا أن بينكر وبطريقة منهجية رائعة يكشف لنا أن العنف ما بين المجتمعات وداخلها مثل القتل والحروب قد تقلص عما كان سائدا وهذا من خلال رصده ابتداء من عصر ما قبل التاريخ وحتى يومنا هذا. فنحن الآن أقل عرضة للموت على يد شخص ما مقارنة بما كان يحدث في الماضي. بل حتى تلك المجازر الرهيبة في القرن الماضي، عند مقارنتها بالمخاطر التي كانت قائمة قبل تشكل الدول من الممكن تجعلنا مع بيكر نؤمن بنظريته. والتى ترفض زيف فكرة «الإنسان المتوحش النبيل» هو واحد من المساعي التي يسعى الكتاب إلى تحقيقها، ولعبت الثقافة والحداثة دورا اساسيا فى القضاء على تلك الفكرة. ومن خلال هذا الكتاب يشارك القارئ في لعب دور ما في التقليل من العنف ورفع مستوى العدالة في مجتمعه، والمؤلف ستيفن بينكر يرينا كيف يمكننا جعل هذه المسارات الإيجابية أكثر تحققا. وهذا يعد مساهمة أكثر من كونه بحثا أكاديميا بل هو من أجل صالح العالم. وبينكر، وهو أستاذ علم النفس في جامعة هارفارد معروفا على نطاق واسع كمؤلف لكتاب غريزة اللغة، وهو فى كتابه الجديد يتطرق الى الأسئلة التي نسألها، مثل:هل إن البشر أساسا خيرين أم أشرار؟ وهل شهد القرن الماضي تقدما أخلاقيا أو انهيارا أخلاقيا؟ وهل لدينا أسباب للتفاؤل في المستقبل؟ وهل نحن مدينون للتنوير؟ هل هناك ارتباط بين حركة حقوق الإنسان والحملة من أجل حقوق الحيوان؟ لماذا تكون معدلات جرائم القتل في ولايات جنوبية في البلد أعلى منها في شماله؟ وهل إن النزعات العدوانية متوارثة؟
وهل يمكن أن يعزى التراجع في أعمال العنف في مجتمعات معينة إلى التغير الجيني بين أعضائها؟ وهل نحن نزداد ذكاء؟ وهل العالم الأكثر ذكاء هو العالم الأفضل؟ وللاجابة عن هذه الأسئلة، يعتمد بينكر على الأبحاث الحديثة في علم النفس والتاريخ والعلوم المعرفية، والاقتصاد وعلم الاجتماع.
وهو لا يخشى المغامرة فى الانغماس فى الاراءالفلسفية، مثل دور العقل في الأخلاق ليصبح عصرنا أقل عنفا و قسوة وأكثر سلما من أي فترة سابقة للوجود الإنساني. وأن تراجع العنف ينطبق على العنف في الأسرة، وفي الأحياء، وبين القبائل وبين الدول. ولان بينكريفترض أن العديد من القراء سوف يشككون في هذه المطالبة، ولذلك فإنه سيمضي ستة فصول كبيرة لتوثيقه.وقد يبدو ذلك صعبا وشاقا، ولكنها بالنسبة للمهتم بالطبيعة البشرية، مادة رائعة، ويقدم بينكر دراسات لأسباب الوفاة في مختلف العصور ومختلف الشعوب. وتستند بعض الدراسات على الهياكل العظمية التي عثر عليها في المواقع الأثرية، بمتوسط نتائج تشير إلى أن 15 في المئة من البشر ما قبل التاريخ واجهوا موتا عنيفا على يد شخص آخر. والبحث في المجتمعات المعاصرة أو البدائية المتأخرة ينتج معدلا مماثلا تقريبا بشكل ملحوظ، بينما كانت مجموعة أخرى من الدراسات لمجتمعات مرحلة ما قبل الدولة التي تشمل مرحلة زراعة البساتين فيها معدل أعلى بكثير في الموت العنيف. وفي المقابل، فإن مجتمعات الدولة، كانت أكثر عنفا، كما في المكسيك الأزتيك، التي قتل فيها نحو خمسة في المئة من الناس من قبل الآخرين. وفي أوروبا، وحتى خلال أعنف الفترات، أي القرن السابع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، كانت الوفيات في الحرب تصل إلى حوالي ثلاثة في المئة.
وتظهر البيانات أهمية فكرة هوبز الأساسية، التي تقول أنه بدون دولة فإن الحياة تكون قذرة ووحشية وقصيرة.
وفي المقابل، فإن احتكار الدولة للاستخدام الشرعي للقوة يقلل من العنف ويجعل كل فرد يعيش تحت هذا الاحتكار أفضل حالا مما لو لم تكن هناك دولة. وتلك الشعوب والقبائل التي أطرها الانثروبولوجيون بأنها لطيفة، وخصوصا مثل السيماي من ماليزيا، والكانج من كالاهاري وسكان منطقة القطب الشمالي الوسطى، فتكون معدلات القتل فيها، قياسا بنسبة عدد السكان، مماثلة لنسبة ديترويت.
وفي أوروبا، تصل احتمالات القتل الآن أقل من العشر، وفي بعض البلدان فقط واحداً من خمسين، قياسا لنسبة الأوضاع التي كانت عليه الحياة قبل 500 سنة.
والمعدلات الأميركية، أيضا، انخفضت بشكل حاد على مدى القرنين أو الثلاثة الماضية. ويرى بينكر هذا الانخفاض كجزء من عملية حضارية، وهو مصطلح كان يستعيره من عالم الاجتماع نوربرت إلياس، الذي يعزيه لتوطد سلطة الدولة فوق الولاءات الاقطاعية، وعلى أثر انتشار التجارة.
وتمشيا مع هذا الرأي، يرى بينكر بأن جزءا من الاسباب فى الأقلل في معدلات جرائم القتل الأميركية هي أن الناس في الجنوب هم أقل تأييدا لاحتكار الدولة للقوة منهم في شمال الولايات المتحدة.وخلال عصر التنوير في أوروبا القرنين 17 و 18، والبلدان تحت التأثير الأوروبي، حدث تغيير آخر مهم. إذ بدأ الناس ينظرون بريبة إلى أشكال العنف التي اخذت شكل أمر مفروغ منه: كالعبودية، والتعذيب، والاستبداد، والمبارزة بقصد انهاء حياة الطرف المقابل، والأشكال المتطرفة من العقوبة القاسية. وبدأت الأصوات ترتفع ضد القسوة على الحيوانات. ويشير بينكر إلى هذا باسم الثورة الإنسانية.
وعلى خلفية فترة هادئة نسبيا في أوروبا بعد العام 1815، كان النصف الأول من القرن العشرين يبدو وكأنه هبوط حاد في هوة أخلاقية غير مسبوقة. ولكن في القرن الثالث عشر، تسببت وحشية المغول في الفتوحات بمقتل 40 مليون انسان، فيما قدر خسائر الحرب العالمية الثانية 55 مليون قتيل، حيث قدرت خسائر الحملات المغولية بنحو سبع سكان العالم لمنتصف القرن العشرين. لقد اعتقل المغول وذبحوا ضحاياهم بدم بارد، تماما كما فعل النازيون، على الرغم من أنها كانت محاور معارك فقط وليست أسلحة متطورة وغرف الغاز.
إن وضع منظور أبعد للقصة يمكننا من أن نرى جرائم هتلر وستالين بحجم أوضح مما كنا نظن. وفي الآونة الأخيرة، وبعد نهاية الحرب الباردة، ظهر سلام جديد أوسع نطاقا. ولم يكن، بطبيعة الحال، سلاما مطلقا، بل كان هناك انخفاض في جميع أنواع الصراعات المنظمة، بما في ذلك الحروب الأهلية والإبادة الجماعية والقمع والإرهاب. ويعترف بينكر بأن وسائل الاعلام سوف تجد صعوبة استثنائية في هذا الاعتقاد، ولكن كما هو الحال دائما، وقد استخدمت الإحصاءات لدعم تأكيدات بينكر. ويناقش بينكر ثورة الحقوق كإتجاه نهائي، وكذلك رفض العنف ضد الأقليات العرقية وضد النساء والأطفال، والحيوانات والذي تطور على مدى نصف القرن الماضي.
ولا يرى بينكر، أن هذه الحركات قد حققت أهدافها، لكنه يذكرنا بما وصلنا إليه في وقت قصير نسبيا من جرائم القتل والإعدام بدون محاكمة في تلك الأيام عندما كانت شائعة في الجنوب.
وسبب ظهور هذه الاتجاهات المفيدةبالطبع لن تكون التغييرات في التطور الجيني. ولكنهاهي نتاج ثقافتنا اكثر من طبيعتنا البيولوجيةو كيف يعمل العقل ويثبت بينكر بأن هذا التطور خلصنا من شياطيننا الداخلية واظهر أفضل الملائكة في طبيعتنا، وحسب كلمات ابراهام لنكولن، التي تنحدربنا لنكون سلميين وتعاونيين. فإن ظروفنا المادية، مع المدخلات الثقافية، هي التي تحدد ما إذا كانت الشياطين أو الملائكة هي التي لها اليد العليا. وقد توازت إتجاهات أخرى على نطاق واسع الانخفاض مع العنف والقسوة، ولكن ليس من السهل فرز السبب والنتيجة. فهل إن عوامل؛ مثل: حكومة أفضل، وزيادة الرخاء، والصحة، والتعليم، والتجارة، والتحسينات التي طرأت على وضع المرأة كانت سببا أو مؤثرا للانخفاض في العنف والقسوة؟
وإذا كنا نستطيع معرفة ذلك، فقد نكون قادرين على الحفاظ عليها، ومد مساحة أوسع لعالم أفضل يسوده السلام الذي نعيش فيه.
ويعتقد أيضا أن اختراع الطباعة، وظهور ما عرف بإسم جمهورية الرسائل العالمية في القرنين 17 و 18 ساعد على انتشار الأفكار التي أدت إلى الثورة الإنسانية. وقد دفع ذلك مرة أخرى في القرن 19 من خلال روايات شهيرة مثل كوخ العم توم و اوليفر تويست، من خلال تشجيع القراء أن يضعوا أنفسهم في موقف من شخص مختلف جدا عنهم، وتوسيع نطاق اهتمامنا وقلقنا الأخلاقي. وبالنسبة للقراء الذين هم على دراية بالأدب في علم النفس التطوري وميله إلى التقليل من الدور الذي يلعبه العقل في السلوك البشري، فإن الجانب الأكثر لفتا للنظر لدى بينكر هو أن آخر أفضل الملائكة هو العقل.
يفترض بينكر أن العقل يبعدنا عن أشكال الأخلاق المؤدية إلى العنف، ونحو التقدم الأخلاقي الذي يتجنب استخدام القوة، وقصرها على الاستخدامات الضرورية لتحسين الرعاية الاجتماعية، مثل الإصلاحات النفعية والعقوبات للمجرمين الخطرين المعروفين بوحشيتهم.ويشير إلى نوع معين من الأخلاق. فنحن نفضل الموت على الحياة، والسعادة على المعاناة، ونحن ندرك أننا نعيش في عالم حيث يمكن للآخرين أن يحدثوا اختلافا بحيث يمكن ان يجعلوننا نعيش بشكل جيد أو نموت بصورة بائسة. وبينكر يقتبس جملة شهيرة من الفيلسوف وليم جودوين في القرن 18 والتي تقول: ما هو السحر في الضمير (لي) هو أنه يبرر لنا قرارات قلب الحقيقة المحايدة؟).إن فكرة الأخلاق القائمة على أساس الالتزام بمعاملة الآخرين بنفس معاملتهم لنا هي فكرة قديمة، موجودة بصورة مماثلة في التقاليد الأخلاقية للكثير من الحضارات الأخرى، ولكن بينكر يرى ان العقل يقودنا إليها.فالعقل المنطوي على سيادة التفكير الأخلاقي هو الذي ساعد على تجنب تفاعل أزمة الصواريخ الكوبية، والتي كان مصير العالم مهددا لولا أن القادة تحت تأثير نوع مختلف من الأخلاق السائدة قبل عقود من تلك الأزمة، بحيث انها كانت على وشك كتابة قصة نهاية البشرية على المعمورة.
والمؤلف يركزعلى العنف ضد الكائنات الحيةمن القتل والاعتداء والاغتصاب، والسرقة، والخطف، سواء ارتكبت من قبل الأفراد أو المجموعات أو المؤسسات. والتى تشمل بطبيعة الحال الحرب والإبادة الجماعية والبدنية وعقوبة الإعدام، والمجاعات المتعمدة.
وهو لايرى أن التفاوت الاقتصادي شكل من أشكال
..وقد تناول العنف فى كتب سابقة له كما فى كتاب . " كيف يعمل العقل" وسليت فارغة ..حيث قدم عدة أنواع من الأدلة على أن أعمال العنف قد انخفضت على مر الزمن. ولكن في عام 2007، من خلال سلسلة من الأحداث الغريبة، اتصلت به علماء في عدد من المجالات وأبلغوه أن هناك أدلة كثيرة على وجود انخفاض في العنف أكثرمما كان يدرك . وأقنعنته بياناتهأن تراجع العنف يستحق كتابا من تلقاء نفسه.
وأفضل الملائكة يقول الكثير من ألاشياء اللطيفة عن الحركات التقدمية مثل اللاعنف، والنسوية،الطريف أن المؤلف يعترف بالتأثير الفكري لزوجته، الفيلسوفة والروائية ريبيكا نيوبيرجر جولدشتاين،. التى شرحت له كيف يمكن أن تترتكز الأخلاق في العقلانية، وكيف أن الإنسانية العلمانية هى مجرد مصطلح حديث للرأي العالم التي انبثقت من عصر العقل والتنوير (على وجه الخصوص، تجادل، من أفكار سبينوزا).
ولقد استخدم المؤلف بعض بياناته من علم الآثار والطب الشرعي من الاثنوجرافيا الكمي. لتاريخ جرائم القتل في أوروبا، فالحكومات الغربية تحتفظ ببيانات جيدة عن جرائم القتل .والصادم فى الكتاب أنه يؤكد أن
الحقائق التاريخية لا تتفق مع الادعاء بأن المسيحية بعد أعتناق الرومان لها كانت قوة من أجل اللاعنف فالصليبيين ارتكبوا الكثيرمن عمليات الإبادة الجماعية التي قتلت مليون شخص. بعد ذلك بوقت قصير، تم إبادتهم الكاثار من جنوب فرنسا في الإبادة الجماعية الصليبية آخر لأنهم كانوا قد اعتنقوا بدعة البيجان ..ومحاكم التفتيش، وفقا لرومل، قتل 350،000 شخص. والغزاة المسيحيين ذبحوا واسترقاقوا الأميركيين الأصليين في أعداد كبيرة، وربما قتل عشرين مليون من قبل الاستيطان الأوروبي للأمريكتين. وهو يرى أن العالم قد خرج من سلسلة من سوء الحظ هائلة، واحد في ثلاثة منها بشكل غير عادي متعطش للدماء رجال مثل هتلر، ستالين، وماو، تمكنت من السيطرة على الدول القوية، وكانت مسؤولة عن أغلبية الوفيات من حرب وإبادة جماعية في القرن العشرين .وجميل أنهم لم يكونوا موجودين في عدد من المناسبات، مثل أزمة الصواريخ الكوبية، لان العالم كان سيكون على مقربة من الفناء النووي. ، فإن كلا من الولايات المتحدة واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية حاولت يائسة للخروج من الأزمة، وتجنب الاستفزازات غير الضرورية وتقديم تنازلات أكبر .ويشير أيضا الكتاب الى ان معدل الإجهاض في جميع أنحاء العالم في تراجع. نظرا لان الناس ينظرون إلى الإجهاض كشكل من أشكال العنف
ولكن ماذا عن المستقبل؟ فينبغي تطوير فهمنا للعنف، لكي نتجنبه، ويمكن أن تكون هناك أدوات قيمة للحفاظ على السلام والحد من الجريمة، ولكن هناك عوامل أخرى تزيد من المخاطر. و هناك اتجاهات ستستمر في تاجيج زوايا الصراع ونسف الفترة السلمية الحالية نسبيا عبر صدام الحضارات مع الإسلام، من خلال الإرهاب النووي، عن طريق الحرب مع إيران أو الحروب الناجمة عن تغير المناخ. ولكن الكتاب يعطي فرصة وأسبابا للتفكير بأن لدينا فرصة جيدة لتجنب مثل هذه الصراعات و يصبح العالم مكاناً أكثر أماناً لو كانت الولاية للنساء؟ لآن التاريخ الطويل يؤكد أن النساء يمثلن دوماً قوة جالبة للسلام، فالحروب التقليدية كانت لعبة للرجال . فلم نر النساء يتجمعن معاً للإغارة على القرى المجاورة". إن النساء باعتبارهن أمهات لديهن حوافز نشوئية تدفعهن إلى الحفاظ على ظروف سلمية تسمح لهن برعاية ذريتهن وضمان بقاء جيناتهن إلى الجيل التالي.سيسارع المتشككون إلى الرد بأن النساء لم يصنعن الحروب لأنهن ببساطة نادراً ما يتولين السلطة. وإذا تم تمكينهن كزعيمات، فإن ظروف العالم الفوضوي من شأنها أن ترغمهن على اتخاذ نفس القرارات العدوانية التي يتخذها الرجال. فكانت مارجريت تاتشر، وجولدا مائير، وأنديرا غاندي من النساء القويات؛ وكل منهن قادت بلادها إلى الحرب.ولكن من الصحيح أيضاً أن هؤلاء النساء صعدن إلى مرتبة الزعامة من خلال اللعب وفقاً للقواعد السياسية التي وضعها "عالم الرجال". وكان نجاحهن في التكيف مع القيم الذكورية هو الذي مكنهن من تولي الزعامة في المقام الأول. وفي عالم حيث تتولى المرأة حصة متناسبة من المناصب القيادية (النصف)، فربما كانت لتتصرف على نحو مختلف في السلطة.ويقودنا هذا إلى سؤال أكثر شمولاً: هل يشكل الجنس حقاً أي أهمية في المناصب القيادية؟ وفقاً للصور النمطية فإن العديد من الدراسات النفسية تظهر أن الرجل ينجذب إلى القوة الصارمة في القيادة، في حين تميل المرأة إلى التعاون والفهم الحدسي للقوة الناعمة الكامنة في الجاذبية والإقناع. ويميل الأميركيون إلى وصف الزعامة بصور نمطية ذكورية، ولكن الدراسات الحديثة في مجال القيادة تظهر نجاحاً متزايداً لما كان يعتبر ذات يوم "أسلوباً أنثويا".وفي المجتمعات القائمة على المعلومات، تحل الشبكات محل التسلسل الهرمي، ويصبح العاملون المحنكون أقل إذعانا. والواقع أن الإدارة تشهد تغيراً واضحاً في نطاق واسع من المنظمات في اتجاه "القيادة المشتركة"، و"القيادة الموزعة"، حيث يحتل الزعماء مركز الدائرة وليس قمة الهرم. يقول إريك شميت المدير التنفيذي السابق ل"جوجل" إنه كان يضطر إلى "تدليل" موظفيه.وحتى المؤسسة العسكرية تخضع لنفس التغيرات، ففي الولايات المتحدة، تقول وزارة الدفاع إن المدربين في الجيش أصبحوا "أقل صياحاً في كل شخص"، لأن جيل اليوم يستجيب بشكل أفضل للمعلمين والمدربين الذين يلعبون دوراً "أقرب إلى تقديم المشورة". ونجاح المؤسسة العسكرية في التصدي للإرهابيين والمتمردين يلزم الجنود بالفوز بالقلوب والعقول، وليس فقط هدم البنايات وتحطيم الأبدان.
ذات يوم وصف الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش دوره باعتباره "صاحب القرار"، ولكن القيادة الحديثة تنطوي على ما يفوق هذا كثيرا. فلابد أن يكون القادة قادرين على استخدام الشبكات، والتعاون، وتشجيع المشاركة. ويتناسب أسلوب النساء غير الهرمي والمهارات الخاصة بإدارة العلاقات مع احتياجات الزعامة في العالم الجديد الذي يتألف من منظمات وجماعات قائمة على المعرفة، وهي احتياجات لا يميل الرجال في المتوسط إلى القدرة على تلبيتها.
في الماضي، عندما شقت النساء طريقهن إلى قمة المنظمات، كن في الكثير من الأحيان يضطررن إلى تبني "أسلوب ذكوري"، فيخالفن بهذا القاعدة الاجتماعية الأوسع المتمثلة في "لطف" النساء. ولكن الآن، ومع تطلب ثورة المعلومات والديمقراطية للمزيد من الزعامة القائمة على المشاركة، أصبح "الأسلوب الأنثوي" بمنزلة الطريق إلى قيادة أكثر فعالية. ولكي يتمكن الرجال من القيادة بنجاح، فلن يكون لزاماً عليهم أن يقدروا هذا النمط في زميلاتهم من النساء فحسب، بل أن يسعوا أيضاً إلى إتقان نفس المهارات.
هذا في واقع الأمر مجرد اتجاه، ولم يتحول إلى حقيقة بعد، فالنساء ما زلن متأخرات في المناصب القيادية، حيث يستحوذن على 5% فقط من المناصب الكبرى في الشركات وقِلة من المناصب في الهيئات التشريعية المنتخبة (16% فقط في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، مقارنة بنحو 45% في السويد). توصلت دراسة عن 1941 حاكما لدولة مستقلة أثناء القرن العشرين إلى أن 27 فقط منهم كن من النساء، وما يقرب من نصفهن وصلن إلى السلطة باعتبارهن أرامل أو بنات لحكام ذكور. وأقل من 1% من حكام القرن العشرين كن من النساء اللاتي اكتسبن السلطة بأنفسهن.
لماذا إذن لا تتقدم مشاركة النساء في الزعامة على الرغم من الحكمة التقليدية الجديدة في دراسات القيادة والتي تقول إن الدخول إلى عصر المعلومات يعني الدخول إلى عالم النساء؟
الواقع أن الافتقار إلى الخبرة، ومسؤوليات الرعاية الأولية، وأساليب المساومة، والتمييز الواضح، كل هذا يساعد في تفسير الفجوة بين الجنسين. والأمر ببساطة أن المسارات المهنية التقليدية، والتقاليد الثقافية التي أملت وفرضت هذه المسارات، لم تمكن النساء من اكتساب المهارات المطلوبة لتولي المناصب القيادية الكبرى في العديد من السياقات التنظيمية. وتظهر الأبحاث أنه حتى في المجتمعات الديمقراطية، تواجه المرأة خطراً اجتماعياً أعلى من ذلك الذي يواجهه الرجل عندما تحاول التفاوض على موارد متصلة بالمهنة، مثل التعويضات. والواقع أن النساء عموماً لا يندمجن بشكل جيد في الشبكات الذكورية التي تهيمن على المنظمات، ولا تزال الصور النمطية المرتبطة بالجنس تعرقل النساء اللاتي يحاولن التغلب على مثل هذه الحواجز.
صحيح أن هذا التحيز بدأ ينهار في المجتمعات القائمة على المعلومات، ولكن من الخطأ أن نُعَرِّف النمط الجديد من الزعامة والذي نحتاج إليه في عصر المعلومات بأنه ببساطة "عالم للنساء". فحتى الصور النمطية الإيجابية تسيء إلى النساء، والرجال، والقيادة الفعّالة.
ينبغي لنا أن نغير من نظرتنا للزعماء باعتبارهم قادة بطوليين، وأن نراهم بوصفهم أشخاصاً قادرين على تشجيع المشاركة في مختلف أنحاء المنظمة أو المجموعة أو الدولة أو الشبكة. وتُعَد التساؤلات الخاصة بالنمط اللائق- متى نستخدم المهارات الصارمة أو الناعمة- على نفس القدر من الأهمية بالنسبة إلى الرجال والنساء، ولا ينبغي لها أن تحتجب وراء الصور النمطية التقليدية للجنسين. ففي بعض الظروف، يتعين على الرجال أن يعملوا بشكل "أقرب إلى طبيعة النساء"، وفي ظروف أخرى يتعين على النساء أن يعملن بشكل "أقرب إلى طبيعة الرجال".إن الاختيارات الأساسية فيما يتصل بالحرب والسلام في مستقبلنا لن تعتمد على الجنس، بل على الكيفية التي يجمع بها الزعماء بين مهارات القوة الصارمة والناعمة لإنتاج استراتيجيات ذكية. وسيتم اتخاذ هذه القرارات بواسطة الرجال والنساء على السواء، لكن ربما كان بينكر مصيباً عندما ذكر أن الأجزاء من العالم التي تأخرت فيها عملية تراجع العنف هي أيضاً الأجزاء التي تخلفت في تمكين النساء.
أن ستيفن بيكر فى كتابه يتجادل مع أفكار"توماس هوبز"الذى يرى أن المجتمع شئ مصطنع يؤلفه البشر لما فيه من فائدة تعود عليهم، وهو ليس نتاجا طبيعيا للطبيعة البشرية، لأن هذه الطبيعة لا تتعاون إلا بهدف المصلحة الشخصية. يقول هوبز: "لا نسعى للمجتمع من أجل ذاته ووفقا للطبيعة، بل من أجل الشرف والفائدة التي نحصل عليها منه؛ هذه هي ما نرغب فيه بصفة أساسية، أما المجتمع فهو ما نرغب فيه بصفة ثانوية. والطريقة التي يجتمع بها البشر تُعرف بمعرفتنا بالأشياء التي يفعلونها عندما يجتمعون. فإذا اجتمعوا لتجارة فمن الواضح أن كل واحد منهم لا يهتم بأخيه بل بنفسه ومصلحته" وعلى الرغم من أن هوبز يحتفظ بالتحديد اليوناني لهدف الإجتماع البشري والذي يضعه في الخير العام، إلا أنه يغير من معنى الخير العام بحيث يصبح المصلحة الشخصية لكل فرد من الأفراد المجتمعين؛ وبذلك يقدم هوبز تعريفا جديدا للخير يضعه في قياس منطقي شبه أرسطي، إذ يذهب إلى أن الاجتماع البشري من أجل الخير العام، وهذا الخير العام هو مجموع المصالح الشخصية للأفراد، أي هو مصلحة شخصية معممة على المجتمع كله، وهذه المصلحة تتأسس في الربح والفائدة التي يحصل عليها المرء، والربح والفائدة يتمثلان في تجنب الألم والحصول على المتع التي تؤثر في الحواس مباشرة.
*كتاب دنج شياو بينج وتحول الصين (Deng Xiaoping and the Transformation of China)
إذا كنت تريد الذهاب لقراءة كتاب واحد عن الصين الحديثة في فترة ما بعد ماو، فأنه سيكون هذا الكتاب الذي يجب أن يقرأ. والذى ركز فيه مؤلفه لصعود دنج شياو بينج واصلاحاته التي حولت الصين إلى قوة اقتصادية، و كيف ذهب بالصين من كونها البلد الفقير إلى واحد ة من البلدين الأكثر أهمية في عالم اليوم.,دنج شياوبنج سياسي ومنظّر وقائد صيني، قاد جمهورية الصين الشعبية إبان توليه قيادتها (بين عامي 1978 و1992) نحو تبني اقتصاد السوق. تولى قيادة الحزب الشيوعي الصيني بعد إطاحته بهوا جيو فينج. له نبوأة بان الصين تحتاج إلى نصف قرن لإستكمال عملية التحديث والسيطرة السياسية والاقتصادية .كانت هذه النبوئة في عام 1978 عندما كانت الصين دولة غير متقدمة وهى للكاتب ازرا فوجل Ezra Vogel الأستاذ فى جامعة هارفارد الأمريكية والمتخصص فى الشئون الآسيوية، وهو الذى وضع عام 1979 كتاب Japan as number one وقد كتب هذا الكتاب مع صعود اليابان وبدأ الحديث عن منافستها للولايات المتحدة ومكانها المحتمل فى النظام الدولى، ويقول فوجل ان هذا الكتاب قد ساعد فى إعداد بعض قادة الولايات المتحدة فى الحكومة وبين رجال الأعمال لصعود اليابان فى الثمانيات، الأمر الذى كان يمثل صدمة للكثيرين فى الغرب.
هذه السابقة هى التى جعلت فوجل يتساءل عن أفضل ما سوف يساعد الأمريكيين على فهم التطورات المقبلة فى آسيا مع بداية القرن الواحد والعشرين. وباعتبار ان القضية الأعظم فى آسيا هى الصين، والرجل الذى كان له أكبر أثر فى تحول الصين المعاصر هو دنج تشاوبنج، إضافة إلى أن تحليلا غنيا لحياة دنج وسيرته يمكن أن تنير القوى الرئيسية التى شكلت التطورات الاجتماعية والاقتصادية الحديثة فى الصين ومن هنا كان قرار فوجل ان يكتب كتابا عن: «Deng Xiaoping and Transformation of China».
ويرى فوجل ان دنج كان على وعى فعلى ان الصين فى حالة كارثة، فمع بداية الحقبة السابقة، وخلال «الفقرة الكبرى إلى الإمام»، مات اكثر من ثلاثين مليون صينى، وكانت البلد تكاد تخرج من الثورة الثقافية التى عبئ فيها الشباب لمهاجمة كبار الرسميين وبتأييد من ماو وتنحيتهم فى الوقت الذى كانت فيه البلد ذات البليون صينى تدخل فى حالة من الفوضى، وكان متوسط دخل الفلاحين الصينيين الذين يشكلون 80% من السكان فقط 40 دولارا شهريا، وانخفض مقدار الحبوب التى ينتجها الفرد إلى ما كان عليه عام 1957 ونقل العسكريين الرسميين والثوار لكى يحلوا محل كبار الرسميين فى الحزب الذين اطيح بهم، ولكنهم لم يكونوا غير مستعدين وغير مؤهلين للمناصب التى تولوها، وكان العسكريون الذين يتولون مناصب مدنية يتمتعون بامتيازات مناصبهم دون ان يقوموا بعملهم، وكانت المواصلات والبنية التحتية فى حالة تفكك واكبر المصانع تعمل بتكنولوجيا مستوردة من الاتحاد السوفييتى فى الخمسينيات.
وكان بعض الرسميين من الجرأة بما فيه الكفاية لكى يقولوا ان المشكلة الحقيقية التى تواجه الصين هى ماوتس تونج نفسه، ولكن دنج كان يعتقد ان فردا واحدا لا يجب ان يعتبر مسئولا عن فشل الحقبتين الماضيتين، وكان يقول «نحن جميعا ملومون».لقد ارتكب ماو أخطاء ضخمة بالتأكيد ولكن من وجهة نظر دنج فان المشكلة الاكبر هو النظام الخاطئ الذى تسبب فى هذه الاخطاء، وان جهود التحكم فى النظام حتى ابسط المستويات قد تفاقمت بشكل خلق الخوف والافتقار إلى المبادرة، كذلك تفاقمت جهود التحكم فى النظام الاقتصادى بشكل سبب الجمود الذى خنق الديناميكية.
وفى عام 1978، وهو العام الذى بدا فيه دنج وفكره الجديد للصين لم يكن لديه مشروع متكامل حول كيف تتحقق الثروة للشعب الصينى والقوة للصين، ولكنه كان لديه إطار للتفكير حول كيف تتقدم. وذلك من خلال انفتاح الصين بشكل واسع للعلوم والتكنولوجيا وإدارة التنظيم وللأفكار الجديدة من اى مكان فى العالم بغض النظر عن النظم السياسية، وكان على وعى ان القوى المحركة الجديدة فى آسيا: اليابان، كوريا الجنوبية، تايوان، وسنغافورة، كانت تنمو اسرع من اى بلد، ولكن دنج كان متحققا انه لا يستطيع ببساطة ان يستورد نظاما من الخارج، ذلك ان اى نظام اجنبى لا يستطيع ان يلائم الحاجات الاساسية للصين والتى تمتلك تراثا ثقافيا ضخما ومتنوعا وانه لن يمكن حل المشكلات لمجرد فتح الأسواق، فالمطلوب هو بناء مؤسسات بشكل تدريجى وهو سوف يشجع الرسميين على توسيع آفاقهم، وللذهاب إلى اى مكان لتعلم ما يحقق النجاح، ولجلب التكنولوجيا الواعدة واساليب الادارة وتجربة ما يمكن تطبيقه فى الداخل وهو سوف يمهد الطريق بتطوير علاقات جيدة مع الدول الاخرى لكى يستجيبوا للعمل مع الصين.
وكان بعض الغربيين المتأثرين بالأسلوب المباشر لدنج ونهجه العملى قد ظنوا خطأ انه رأسمالى فى اعماقه وانه سوف يقود العمل نحو النموذج الديمقراطى الغربى، وكان دائما مستعدا لان يتعلم ولكن فى النهاية كان يعتقد انه يعلم افضل منهم فيما يتعلق بما هو فى صالح الصين ولم يكن بينها الرأسمالية والنموذج الديمقراطى الغربى.
وكان هو الذى حقق فى النهاية المهمة التى حاول الآخرون لمدة قرنين ان يحققوها وايجاد الطريق الذى يجعل الصين غنية وقوية.وهكذا فعندما ترك دنج السلطة عام 1992 كان قد حقق المهمة التى راوغت قادة الصين على مدى 150 عاما، فهو وزملاؤه وجدوا الطريق لاغناء الشعب الصينى وقوة الصين ولكن خلال عملية تحقيق هذا الهدف اشرف دنج على تحول اساسى للصين ذاتها بما يعنى طبيعة علاقتها مع العالم الخارجى، ونظام الحكم فيها ومجتمعها.وتحت مبادرة دنج التحقت الصين بحق بالمجتمع الدولى واصبحت جزءا نشطا فى المنظمات الدولية ونظام التجارة العالمى والمالى وعلاقات مع مواطنين من كل مناحى الحياة، واصبحت الصين عضوا فى البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، وبدأت الصين تلعب دورا نشطا فى نشاطات منظمة الصحة العالمية وركزت جهودها فى جميع المنظمات الدولية فى كل مجال، ورغم ان الامر قد احتاج إلى حقبة بعد ترك دنج السلطة لكى تلتحق بمنظمة التجارة العالمية فان الاستعدادات لالتحاق الصين قد بدأت فى عهد دنج الذى ترك لخلفائه ان يدركوا فوائد النظام الدولى للصين وان يبدأوا فى تفكير عما يمكن للصين ان تفعله كشريك stakeholder فى النظام الدولى والمؤسسات العالمية لدعم هذه المؤسسات. وقبل التحاق الصين بمؤسسات مثل البنك الدولى، وصندوق النقد، كان البعض قليقين ان اشتراك الصين يمكن ان يكون ممزقا بشكل يجعل عملها صعبا، وفى الحقيقة فان اشتراك الصين قد دعم هذه المنظمات حتى وهى تقدم مصالحها الخاصة، فقد التزمت بقواعد هذه المنظمات.
وحين تولى دنج الزعامة عام 1978 كانت تجارة الصين مع العالم تبلغ اقل من 10 بلايين دولار، وخلال ثلاثة عقود تضاعف هذا الحجم مائة مرة، وفى نفس الوقت كانت الصين تشجع الولايات المتحدة على قبول عدة مئات من الطلاب الصينيين، وبعد حقبة من وفاة دنج كان 1.4 مليون طالب قد درسوا فى الخارج، ومن بين هؤلاء عاد 390.000 إلى الصين، ومع عام 1992 كانت الصين قد قطعت شوطا بعيدا نحو دور نشط فى النقاشات الثقافة العالمية وكذلك فى النظام التجارى العالمى، وكان الاختراق الاساسى قد حدث خلال عهد دنج وفى الوقت الذى تخلى فيه دنج عن السلطة، كان على الشباب فى الحزب ان يثبتوا قدرتهم من خلال النجاح فى امتحانات فى افضل المدارس العليا والجامعات.
فقد ركز دنج على الجدارة meritocracy والتى لها جذور عميقة فى الصين والتى كانت البلد الاول فى العالم التى تختار الرسميين على أساس من ادائهم فى الامتحانات.
بالاضافة إلى مستويات النمو العادية التى بدأت تتحقق فى ظل مبادرة دنج، فان من اهم الظواهر الاجتماعية التى تميز بها حكمه انه مع الوقت الذى ترك فيه السلطة كان 90% من العائلات الصينية قد امتلكت اجهزة تليفزيون والتى ادخلت الثقافة فى المناطق الريفية، وكان الشباب الذين عادوا من المناطق الساحلية لزيارة عائلاتهم فى القرى قد احضروا معهم اخر صيحات الموضة، والأجهزة الكهربائية والطعام الذى عرفوه فى المدن وباختصار فان المناطق الريفية قد أصبحت مدنية فى الثقافة. وبانفتاح المناطق الحضرية المغلقة واختلاط السكان من مناطق مختلفة تراجعت الاختلافات المحلية واستبدلت بثقافة مشتركة بشكل اكثر.
ان مستوى ونطاق والمدى غير المسبوق الذى وضع دنج تشاوبنج أساسه، انما يقدم تحديات غير سهلة لخلفائه، من أهم هذه التحديات تقديم خدمات شاملة لأمن وصحة بليون صينى، وإعادة تحديد وإدارة حدود الإصلاح، واحتواء الفساد، وحماية البيئة والحفاظ على شرعية الحكم.
وبدأ عهد دينج شياو بينج بإرسال البعثات إلى البلاد الغربية لتعلم الهندسة و الاقتصاد و طرق الإدارة الحديثة بغرض التطوير الاقتصادي في البلاد . واعتمد على هؤلاء الذين يسمون "تقنوقراطيون " في حل مشاكل الصين الشعبية والتطور بها وتشغيل الصينيين ، فكان التقنقراطيون خير نخبة يعتمد عليها في حل المشاكل في الصناعة والتطوير العملي والانتقال من مجتمع زراعي بحت إلى مجتمع صناعي وساروا على هذا السبيل حتى يومنا هذا . فالمجموعة الحاكمة في الصين هم حاليا من أكثر السياسيين على مستوى العالم النابغون في في العلوم الهندسية والاقتصادية والإدارة ، وتعليمهم كان بصفة رئيسية في العالم الغربي ، ولا يزالون يرسلون البعثات إلى أحسن كليات الاقتصاد والعلوم والهندسة في بريطانيا ,و الولايات المتحدة الأمريكية لاكتساب المعرفة وإدخالها إلى الصين . يشير البروفيسور إزرا فوجل فى كتابه إلي أن سنوات المنفي الإجباري التي عاني منها بنج قد جعلته يعيد التفكير فيما يحدث في الصين. وفطن إلي أن النظام القائم يتورط في أخطاء جسيمة. ولابد من إصلاح اقتصادي ينتشل البلاد من التخلف الذي تعاني منه.
وكان هذا تحديدا ما اضطلع به عندما تولي السلطة وتمكن من تحقيق نجاح مذهل. فقد بلغ معدل النمو الاقتصادي أرقاما غير مسبوقة، وصلت إلي نحو 12% سنويا. واقترن ذلك بتحسين العلاقات السياسية مع أمريكا وأوروبا وآسيا ومعظم دول العالم.
وحتي تتضح أبعاد شخصية هسياو بنج ودوره المحوري في تحول الصين والنهوض بها، يشير البروفيسور فوجل إلي أطياف من حياته وسيرته. ويكشف عن انحداره من أسرة لصغار ملاك الأراضي.
غير أنه انخرط مبكرا في غمار جماعة ماوتسي تونج والحزب الشيوعي. وهو ما أفسح أمامه المجال لدراسة عقائدية لمدة عام في جامعة بالاتحاد السوفيتي عام 1962. وكان آنذاك في نحو الرابعة والعشرين من عمره.
وكان قد أمضي قبل ذلك نحو خمس سنوات للدراسة في فرنسا. وما أن عاد إلي الصين حتي تولي قيادة فرقة عسكرية صغيرة كانت مهمتها كبح جماح ملاك الأراضي الذين يسيمون الفلاحين ذلا وهوانا.
غير أن قواته تعرضت للهزيمة. وهرب معظم أفرادها وعندئذ انضم إلي جماعة ماو، وشارك في المسيرة الطويلة التي قادها عام 1934 لتأسيس قاعدة جديدة للشيوعيين في شمال الصين.
وعندما انتصر ماو وجماعته في نهاية المطاف وسيطروا علي بكين عام 1949، أصبح هسياو بنج مسئولا سياسيا عن القوات الصينية المرابطة في التبت.
لكن أبرز المهام التي اضطلع بها هسياو بنج بعد انتصار الشيوعيين، كانت توليه مسئولية تنفيذ برنامج الإصلاح الزراعي في جنوب غرب الصين في الفترة من 1949 حتي 1951. وقد تمكن من تصفية طبقة ملاك الأراضي. وحظي بتقدير ماو.ولعل هذا ما حدا بماو إلي أن يعهد إليه بالإشراف علي حملة لمناهضة القوي المرجعية عام 1957. ويوضح البروفيسير فوجل إلي أنها كانت حملة شريرة وأدت مجموعة كبيرة من أفضل الشخصيات العلمية والثقافية في البلاد.
وأعقب هذه الحملة المدمرة، تنفيذ ما سماه ماو القفزة الكبري إلي الأمام في الفترة من 1958 وحتي 1961. ولم تكن قفزة إلي الأمام، وإنما كانت قفزة كارثية. فقد أسفرت عن موت الملايين جوعا.
ولم تكد الصين تشيع ضحايا هذه القفزة الحمقاء إلي مثواهم الأخير في مقابر جماعية، حتي هوت البلاد في المصيدة الدامية لفوضي الثورة الثقافية.
وصمد هسياو بنج إبان الثورة الثقافية رغم ما لحق به من اتهامات وعنت ونفي إجباري. وتمكن من تبوؤ قمة السلطة ونهض بالصين نهضة اقتصادية كبري. وطبق دون تردد "سياسة السوق الاشتراكي". وهي السياسة التي تؤهل الصين لإمكان التفوق علي الاقتصاد الأمريكي بحلول عام 2040 إذا لم تعترض طريقها صعوبات عاتية.
وهذه هي المعركة الكونية الكبري المرجح أن يشهدها القرن الحادي والعشرون وتؤثر تأثيرا عميقا في مساره ومصيره. ذلك أن الصين لو استطاعت، طبقا لتقديرات الخبراء، من التفوق علي الاقتصاد الأمريكي، فإن ذلك من شأنه تغيير التوازنات الدولية والمعادلات العالمية.
ويبقي حتي تكتمل ملامح مسيرة هسياو بنج الإشارة إلي الأزمة الخانقة التي واجهها عام 1989 عندما احتشد الطلبة الغاضبون والمطالبون بالديمقراطية في ميدان تيان آن مين (ميدان السلام السماوي). وقد اعتبر هسياو بنج مظاهرات الطلبة تلك تهديدا للنظام القائم. ولذلك أصدر الأوامر لقوات الجيش بالتصدي للمتظاهرين مما أسفر عن مذبحة مروعة.
وكان نفر من زملاء هسياو بنج قد حذروه من أن استخدام القوة ضد المتظاهرين سوف يثير استياء الأجانب. لكنه لم يحفل بتحذيرهم. وقال لهم إن الغربيين سوف ينسون ما حدث، علي حد رواية البروفيسير فوجل.
لكن ما حدث أثار غضبا عارما في الغرب وتقلصت إلي حد كبير الاستثمارات الأمريكية والأوروبية في الصين.
غير أن هسياو بنج استطاع إلي حد ما تجاوز أزمة تقلص الاستثمارات، عن طريق تشجيع الصينيين الذين يعيشون ويعملون في الخارج من استثمار أموالهم في بلدهم.
وقد استقال هسياو بنج من منصبه وتخلي بمحض إرادته عن زعامته في 9 نوفمبر 1989 بسبب اعتلال صحته. ولكنه ظل فاعلا ومؤثرا في الشئون الصينية حتي موته عام 1997.
لقد أنهي دينج هسياو بنج إبان فترة زعامته للصين أيديولوجية الكتاب الأحمر. واستهل زمن مناهج "السوبر ماركت.
لقد حققت التجربة الاقتصادية في الصين تحولات كبيرة في الاقتصاد الصيني، ولنا ان نستدل على نجاح هذه التجربة من خلال معدلات النمو الاقتصادي العالية المتحققة والتي انعكس بشكل ايجابي في ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي في الصين، مما أدى بالنتيجة إلى تحسن ملحوظ في مستوى دخل الفرد في الصين. ومن نتائج هذه التجربة ارتفاع معدل الاستثمارات الأجنبية في الصين، وكذلك زيادة مساهمة الصين في حجم التجارة العالمية.
فقد أرتفع متوسط دخل الفرد ليصل عام 1984 إلى (72) دولاراً، وإلى (241) دولاراً عام 1992. وارتفع عام 1996 إلى (528) دولاراً ليصل عام 1998 الى (610) دولاراً، و(1090) عام 2003. كما أن الصين حققت متوسط نمو للفترة 1981 – 1988 بلغ (9.9) وفي عام 1992 حققت نمواً قدره (13.2%)، ووصل إلى (15%) عام 1996، وسجل في عام 2000 نمواً قدره (7.1%)، و (9.1%) في عام 2003، وهو معدل غير متحقق في أي دولة أخرى. وقد حقق الناتج المحلي الاجمالي ارتفاعاً ملحوظاً، فبينما كان في عام1983(253) مليار دولار، أصبح في عام 1993 (658) مليار دولار ووصل الناتج المحلي الأجمالي الصيني عام 1997 إلى (754) مليار دولار وفي عام 2003 وصل إلى (1090) مليار دولار. وفي مجال الاستثمار، فالصين تحتل المرتبة الثانية، فقد أرتفع حجم الاستثمارالاجنبي في الصين من (1258) مليون دولار عام 1984 إلى (3487) مليون دولار عام 1990، ووصل عام 1992 إلى (18.8) مليار دولار، و(36.8) مليار دولار عام 1995.و(43) مليار دولار عامي 1997و1998، والى (53) مليار في العام 2003. علماً إن الاستثمار الاجنبي في الصين لم يكن له وجود قبل عام 1979. وفيما يتعلق بالاحتياطي من العملات الاجنبية، تمتلك الصين ما يقارب (154.7) مليار دولار (عام 1999)، ليصل الى (403,3) مليار دولار في العام 2003.
إن مدى اسهام الدولة في حركة التجارة العالمية يدل على مدى تأثير هذه الدولة في السياسة الدولية، أي مدى تأثيرها في النظام الدولي. في عام 1992 بلغ حجم التجارة الخارجية للصين (163) مليار دولار وفي عام 1999 بلغت (360.7) مليار دولار منها (194.9) مليار دولار صادرات صينية، ليصل إلى (474) مليار دولار في عام 2000.
دخلت الصين بعد عام 1978 مرحلة جديدة في مسيرتها والتي قطعت من خلالها شوطاً غير قليل في المجال الاقتصادي الذي مكنها فيما بعد من ترسيخ مكانتها الإقليمية والدولية.
كان وصول دينج شياو بينج إلى السلطة في الصين عام 1978 وتطبيقه سياسة الإصلاح الاقتصادي والانفتاح على العالم بداية مرحلة جديدة في مسيرة الصين الشعبية والتي حققت لها فيما بعد نتائج مرضية، بل أصبحت نموذجاً يشار إليه من قبل بقية دول العالم. هذه السياسة انتقلت بالمستوى المعاشي للمواطن الصيني إلى مستويات أفضل قياساً مع الفترة السابقة على تطبيق هذه السياسة.
وترى الكاتبة الصينية" تشانج مونان"أن على مدى ثلاثة عقود من الزمان، كانت المكاسب التي تحققت نتيجة للقرار الأولي الذي اتخذه دنج شياو بينج بفتح اقتصاد الصين على قوى السوق والعالم سبباً في تغذية النمو السريع. وحتى وقت قريب كان المفتاح يكمن في المدد الهائل من القوى العاملة المنخفضة التكاليف الذي قدمته الصين للعالم، والذي وفر الأساس للنموذج الصيني القائم على التصدير.
وبتركزه في المدن الساحلية، أنتج هذا النموذج توزيعاً غير متكافئ للناتج وعمل على ترسيخ نمط فريد من المدخرات المرتفعة والاستهلاك المنخفض. بل إن معدل الادخار في الصين ارتفع بشكل مضطرد بعد بداية إصلاحات السوق، من 38 % من الناتج المحلي الإجمالي في العام 1978 إلى 51 % في العام 2007.
إن النمو الاقتصادي لا تحدده عوامل الإنتاج مثل القوى العاملة ورأس المال والتكنولوجيا فحسب، بل وأيضاً الترتيبات المؤسسية. فعبر ثلاثين عاماً من الإصلاح، نجحت الصين في استكمال الانتقال المؤسسي من اقتصاد مخطط بالغ المركزية إلى نظام ديناميكي يقوم على السوق. وبداية من الإدارة المنظمة في المناطق الريفية استناداً إلى نظام التعاقد الأسري، عملت الإصلاحات الصينية على تكميل الملكية العامة بأشكال أخرى متعددة من الملكية، مع اضطلاع السوق على نحو متزايد بدوره الجوهري في تخصيص الموارد في ظل سيطرة الدولة على الاقتصاد الكلي.
وتزامن الإصلاح مع تزايد العولمة، الأمر الذي أطلق العنان للقوى التي أعادت هيكلة ليس فقط الصناعة الصينية، بل وأيضاً عملية الإنتاج في مختلف أنحاء العالم، مع تحدي الصين لأباطرة الصناعة الراسخين وتحولها إلى جزء من سلاسل الإمداد العالمية. وكان لجوء الاقتصادات المتقدمة إلى نقل الصناعات التقليدية، والصناعات المتطورة، بل وحتى بعض الخدمات إلى الخارج بأحجام هائلة، سبباً في توفير فرص كبيرة للأسواق الناشئة، التي تتمتع مثل الصين بميزات تتصل بالموارد والتكاليف، وإمكانات السوق الهائلة، وقدرات الدعم الصناعي.
ولكن اليوم تضاءلت القوة المحفزة التي أطلقتها التغييرات الأولية التي أقرها دنج، مع ارتفاع الأجور، وضعف الطلب الخارجي، وزيادة المنافسة من جانب اقتصادات ناشئة أخرى، على نحو يشير إلى إنهاك نموذج النمو القائم على الصادرات والاستثمار. وبشكل خاص، كانت الأزمة المالية العالمية في العام 2008 وما تلاها من أزمة الديون في منطقة اليورو سبباً في اضطرار المسؤولين الصينيين إلى صياغة مسار جديد للنمو في المستقبل.
والأمر الأكثر أهمية هو أن النمو القائم على التصدير لابد أن يفسح المجال أمام محركات الاقتصاد المحلية. وهذا يعني ضمناً ضرورة ترقية البنية الصناعية للصين، والتعجيل بعملية تشكيل رأس المال البشري، وتسهيل التقدم التكنولوجي، وإجراء المزيد من الاصلاحات المؤسسية.
وإذا تم تنفيذ هذه الأجندة بنجاح فمن المرجح أن تعمل على قلب أنماط الادخار والاستهلاك العالمية التي عززت اختلالات التوازن الضخمة في الأعوام الأخيرة. فكانت الصين مسؤولة عن جانب المدخرات، في حين مثلت الولايات المتحدة بشكل غير متناسب جانب الاستهلاك، حتى تحول الصينيين في نهاية المطاف إلى دائنين لأمريكا.
لا شك أن أنماط الادخار والاستهلاك العالمية خضعت لتغيرات كبيرة منذ الأزمة المالية، حيث يحاول الغرب وتحاول الصين استعادة التوازن الداخلي. ومن المرجح أن تؤدي مضاعفة متوسط دخل الأسرة في الصين بحلول العام 2020 وهو الهدف الذي حدده مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني الثامن عشر في نوفمبر إلى إطلاق 64 تريليون رنمينبي (10,3 تريليون دولار أمريكي) كقوة شرائية إضافية، مع تحول السوق الداخلية الضخمة في الصين تدريجياً إلى محرك جديد طويل الأمد للنمو المحلي والدولي.
ويفترض هذا النموذج أن الصين ستعمل على تنمية رأس المال المحلي، بدلاً من الاعتماد ببساطة على الاستثمار الأجنبي. ومن المؤكد أن القدرة على اجتذاب واستيعاب التمويل الخارجي كانت من الأسباب المهمة وراء التصنيع المتسارع، والتحول إلى السوق، واندماج اقتصاد الصين في الاقتصاد العالمي. وقبل ثلاثين عاما، كان ذلك بمثابة الاختيار الاستراتيجي الأكثر كفاءة وعملية بالنسبة للصين، نظراً لافتقارها إلى رأس المال والتكنولوجيا المتقدمة.
ولكن التنمية الاقتصادية لأي بلد تعتمد في نهاية المطاف على قدرتها على جمع رأس المال وتخصيصه بكفاءة. وفي ظل وجود نحو تسعين تريليون دولار في هيئة أصول مصرفية ونحو 3,2 تريليون دولار في هيئة احتياطيات من النقد الأجنبي، فإن الصين الآن تلعب دوراً بالغ الأهمية في التمويل العالمي. ورغم هذا، فإن الحجم الضخم والنوعية الرديئة لهذه الأصول فرضت أيضاً تحديات فيما يتصل بقدرة البلاد على اتمام التحول من قوة تجارية إلى قوة مالية، وبالتالي استغلال الميزات التنافسية التي يتمتع بها رأس المال الصيني.
بعد ثلاثة عقود من النمو على نطاق غير مسبوق في تاريخ البشرية، فإن قادة الصين الجدد يواجهون نقطة تحول تاريخية. ونجاح الصين في تغيير نموذجها الاقتصادي في نهاية المطاف سوف يحدد آفاقها، ليس فقط فيما يتصل بتحقيق المزيد من النمو، بل وأيضاً فيما يتصل بدوام الاستقرار.
.أ ن الازدهار الاقتصادي الذي نجح في توجيه تمرد الشباب إلى قنوات المشاريع التجارية والنجاح المهني، لم يكن ممكناً إلا بفعل نجاح دنج في منع قيادة الحزب من التفتت أثناء احتجاجات الطلبة في أواخر ثمانينيات القرن الماضي ووسط ردود الفعل المحافظة في أوائل التسعينيات. ومع بداية اندلاع الاحتجاجات كان زهاو زيانج، وهو الخليفة الذي اختاره دنج، يميل إلى استخدام الحركة الجماهيرية كقوة دافعة للمزيد من الضغط في اتجاه إصلاح السوق، بل وربما الإصلاح السياسي. ولو كانت الصين لتحظى برجل مثل ميخائيل جورباتشوف لكان ذلك الرجل هو زهاو.
كان دنج يؤيد حملة زهاو لتحرير الاقتصاد، وذلك على الرغم من النتائج المختلطة التي أدت إليها هذه الحملة في العامين 1988 و1989، مع ارتفاع التضخم إلى مستويات غير مسبوقة وتفشي المخاوف الاقتصادية. ولكن دنج الذي كان متأثراً بعقود من الماوية، وخاصة الفوضى التي أطلقتها الثورة الثقافية، لم يكن ليتسامح كثيراً مع عدم الاستقرار السياسي. وكان تسامح زهاو مع المتظاهرين سبباً في انقسام المكتب السياسي إلى فصائل. وعلى هذا فقد قرر دنج إلقاء زهاو إلى سِباع الحزب الأشد تحفظاً.
خرج المتشددون ظافرين في أعقاب حملة فرض النظام. وفي نظرهم فإن الاضطرابات التي شهدها عام 1989 أثبتت أن "الإصلاح والانفتاح" كانا يقودان البلاد إلى الفوضى والانهيار. ثم انسحب دنج مؤقتاً، مفسحاً المجال أمام المخططين المركزيين الملتفين حول كبير الحزب تشن يون لإبطاء التحول نحو نظام السوق ومواجهة العزلة الدولية في أعقاب أحداث ميدان السلام السماوي.
ولكن مع جولته الجنوبية الشهيرة في مطلع عام 1992، بدأ دنج في قيادة عملية التخلص من الفصيل المحافظ المناهض للسوق. وفي مدينة تشنجين المزدهرة رفع دنج إصبعه في الهواء أمام كاميرات التلفزيون محذراً حزبه: "إذا تقاعست الصين عن ممارسة الاشتراكية، ولم تواصل خطوات الإصلاح والانفتاح والتنمية الاقتصادية، ولم تعمل على تحسين المستويات المعيشية للناس، فلسوف ننتهي إلى طريق مسدود أياً كان الاتجاه الذي سنسلكه".
بعد أن عمل دنج على تطهير الإصلاحيين في عام 1989، عاد في عام 1992 إلى انتهاز الفرصة لتهميش المخططين المركزيين، والاستعانة ببطل الليبراليين الجدد تشو رونجي الذي عمل على إعادة تشغيل محركات الاقتصاد. لقد حكم دنج على مزاج الأمة بقدر عظيم من الفطنة: إذ كان الشعب الصيني على استعداد في ذلك الوقت للاقتناع بأن إصابة الثراء أمر مجيد. ولم تتراجع قيادة الحزب الجديدة أثناء تسعينيات القرن العشرين وسنوات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عن الخط الذي سار عليه دنج: التوسعة المضطردة لإصلاحات السوق، والمشاركة الفعّالة في التجارة الدولية، والتوسع في التنمية الحضرية، والإخلاص التام لوحدة الحزب.
إن يوم الرابع من يونيو/حزيران، وهو اليوم الذي أخرجت فيه قوات جيش التحرير الشعبي الطلاب وأنصارهم من ميدان السلام السماوي، يتذكره الغرب باعتباره مثالاً مأساوياً لعنف الدولة ضد المواطنين العزل، ودليلاً على تطلع الشعب الصيني المكبوت إلى الحرية والديمقراطية. ولكن في نظرة التاريخ الباردة إلى الأمور فإن حركة 1989 وما أعقبها من أحداث ربما تُعَد بمثابة "اللحظة المكيافيللية" بالنسبة للحزب الشيوعي الصيني، حين صمد دنج في وجه شبح فناء جمهوريته، وأدرك متطلبات النجاة: التي تمحورت حول وحدة الحزب واستندت إلى النمو الحضري.
وبإعادة توحيد قيادة الحزب وإعادة ترسيخ التضامن بين الحزب وسكان المناطق الحضرية، نجحت الأزمة في تعزيز حكم الحزب الشيوعي الصيني، وعملت على التعجيل باندفاعة الصين على مسارها الحالي من النمو الاقتصادي السريع. في الدراسة التقليدية التي أجرتها هانا أرينت تحت عنوان "عن الثورة"، ذكرت على نحو لا يخلو من الحزن: "إن أي قدر من التضامن الأخوي بين البشر كان منبعه الأصلي قتل الأخ لأخيه، وأي قدر من التنظيم السياسي تمكن البشر من إنجازه فإن أصوله راجعة إلى الجريمة". وتبعاً لهذا المنظور فربما كان ميدان السلام السماوي الملطخ بالدماء في صباح الرابع من يونيو 1989 محل ميلاد الصين الجديدة في مرحلة ما بعد الثور...والسؤال الملح الان ..هل يمكن الاستفادة من التجربة الصينية في التنمية الاقتصادية في الوطن العربي وان هذه الدول مازالت تحاول بناء عملية تنمية شاملة تتطلب أن يرتكز اقتصادها على قاعدة اقتصادية متنوعة تحقق الثبات والاستقرار للاقتصاد، وتمكنه من التخطيط السليم لمستقبلة، خاصة في ظل وجود العديد، كما يرى عبد الرزاق خشبه، من العقبات التي تحول دون تحقيق التنمية التي من أبرزها قيام اقتصاد دول الخليج على أحادية الدخل والإنتاج، بمعنى أنها تعتمد على سلعة واحدة في تكوين الناتج المحلي وتغذية النشاط الإنتاجي، إلا وهي النفط فعلى سبيل المثال تمثل العائدات النفطية لدول المجلس حوالي 151 مليار دولار، وهي النسبة العالية من الناتج المحلي الإجمالي الذي تجاوز 280 مليار دولار خلال العام 2000، وحيث أن أسعار النفط العالمية تشهد تذبذباً نتيجة للتفاعل المستمر بين عوامل العرض والطلب، فإن اقتصاديات هذه الدول تعتمد على عوامل خارج نطاق سيطرتها إلى حد بعيد في الوقت الذي تتسم القاعدة الإنتاجية في الصين بالتنوع الكبير ، حيث تلعب جميع القطاعات الاقتصادية دوراً مهماَ في الدخل القومي وبصفة خاصة قطاع الصناعة التحويلية والتكنولوجية، كما أن استمرار اعتماد اقتصاديات دول المجلس على اليد العاملة الأجنبية في عملية النمو الاقتصادي والتنمية في الوقت الذي يرتفع فيه معدلات الباحثين عن عمل بين مواطني دول المجلس باستمرار نتيجة للارتفاع في معدلات النمو السكاني وزيادة الداخلين الجدد إلى سوق العمل ، وبالتالي انخفاض اليد العاملة الوطنية ومن ثم الاعتماد على اليد العاملة الوافدة والتي تمثل هاجساً أمنياً وسياسياً واقتصادياً مستمراً لدول المنطقة ، وتقف عائقا قويا أمام تحقيق تنمية ثابتة وراسخة، في الوقت الذي تتميز فيه الصين بوجود فائض ضخم من اليد العاملة الوطنية في ضوء حجم السكان الضخم والبالغ 1.5مليار نسمة وهو الأمر الذي يمثل ميزة للصين تساعدها على تخفيض تكلفة منتجاتها وبالتالي رفع القدرة التنافسية في الأسواق العالمية ومن ثم زيادة الصادرات الصينية ، وفي الوقت الذي لا تزال هيمنة القطاع الحكومي على مجمل النشاط الاقتصادي لدول المجلس وتراجع دور القطاع الخاص، بالرغم من الخطوات الجادة التي اتخذتها هذه الدول بشأن تشجيع القطاع الخاص ، نجد أن هناك توجهاً متزايداً في الصين لإحلال القطاع الخاص محل الدولة في إدارة الأنشطة الاقتصادية المعولمه لأجل التخفيف من الأعباء الملقاة على كاهل الدولة وجعل القطاع الخاص شريكاً أساسياً في عملية التنمية فمنذ عام 1980م حقق القطاع الخاص الصناعي نمواً كبيرا في اقتصاد الصين بلغ 11.5% سنوياً.
ومن أهم عوامل نجاح تجربة التنمية في الصين ارتفاع نسبة الاستثمار الأجنبي إضافة إلى ارتفاع معدل الاستثمار المحلي الصيني الذي بلغ 39 % من الناتج المحلي الصيني الإجمالي عام 1998، إلا أننا نجد أن دول الخليج مازالت بطيئة في السماح لرؤوس الأموال الأجنبية بالرغم من أهمية هذه الاستثمارات في رفع القدر الإنتاجية للدولة وترشيح قواعد اقتصادها إذا لم ما تم التعامل معها وفق شروط وقواعد محددة مثلما يحدث في الصين، لقد انفتحت الصين على العالم من خلال أجندة وطنية، فالاستثمارات الأجنبية تأتيها من كل حدب وصوب فتستحوذ على نصيب الأسد من بين الدول النامية، تدفقات سنوية من الاستثمار الأجنبي المباشر، وفي الوقت نفسه تمتلك قاعدة إنتاجية قوية مكنتها من الاستفادة من هذه الاستثمارات، فالمنتجات الصينية تصل إلى كل أصقاع الأرض، فهي تهدد بعض الدول النامية، منذ أن عملت على استخدام الاستثمار الأجنبي كمبدأ استراتيجي حيث وصل الاستثمار الأجنبي المباشر إلى أكثر من ألف مليار دولار، وكذلك تستخدم الصين القروض الأجنبية في مشروعات بناء كبيرة ومتوسطة وقد وافقت الصين عام 1999 على 315 ألف مشروع استثماري أجنبي بقيمة تعاقدية قدرها 600 مليار دولار وبذلك أصبحت الصين ثاني اكبر مستقبل للاستثمارات في العالم بعد الولايات المتحدة، علما أن نصيب العرب من الاستثمار العالمي هو 1% فقط، وتعتبر هذه التجربة تجربة فريدة بين الدول النامية ونحن يمكن أن نستفيد من هذه التجربة ونأخذ الدروس والعبر.
حظيت تجربة الصين الاقتصادية خلال السنوات الثلاثين الماضية باهتمام أكاديمي وإعلامي كبير، ولا يكاد المرء يحصي عدد البحوث والمقالات والكتب التي تناولت "التجربة الصينية". و كثيرا ما يعمد البعض من المحللين والكتاب، في الدول النامية ومنها الدول العربية، إلى إشهار سيف " التجربة الصينية" في وجه حكام وقادة دولهم، ومعايرتهم بما وصلت إليه الصين، ودعوتهم إلى التعلم من "التجربة الصينية"، ولكن هل نحن على دراية تامة بأبعاد التجربة حتى نتحدث عن الأستفادة منها من منطلق وأعتبروا يا الو الألباب، أن غالبية دعاة الاقتداء بالصين قرءوا النتائج ولم ينتبهوا الى التضحيات والمآسي التي تعرض لها الصينيون من أجل أن يصلوا الى ما وصلوا اليه اليوم. أن التجربة، أية تجربة، لا تعني النتائج فقط، والتجربة الصينية لا تعني فقط وصول إجمالي الناتج المحلي للصين إلى 3,5 تريليون دولار أميركي سنة 2007، وارتقاء الصين إلى ثالث أكبر اقتصاد في العالم، وتجاوز دخل الفرد الصيني ألفين وخمسمائة دولار أميركي، وبلوغ احتياطي الصين من النقد الأجنبي تريليوني دولار أميركي، إلى أخر قائمة الإنجازات الصينية "المدهشة". تقتصر رؤيتهم لهذه التجربة على المنتجات الصينية التي تصلهم في بيوتهم بأسعار رخيصة و "الغزو" التجاري الصيني للأقطار الأخرى. لكن أحدا لم يفكر في العوامل والتضحيات التي جعلت الصين تصل إلى ما وصلت إليه، كما أن أحدا من دعاة التعلم من التجربة الصينية لم يتعرض لمسألة إمكانية استنساخ التجربة بكل تفاصيلها بما في ذلك آلام مخاضها وولادتها، وما إذا كان ثمة شعب يستطيع تحمل التضحيات التي قدمها ومازال يقدمها الصينيون البسطاء؟
من المهم للغاية أن نقرأ على سبيل المثال عن تجربة العمال الفلاحين، ويقصد بهم أبناء الريف الذين هجروا مواطنهم وسعوا إلى المدن بحثا عن حياة أفضل أو رزق أوسع، ولم تكن الرياح في كل الأحوال تأتي بما تشتهي سفنهم. العمال الفلاحون الذين كان عددهم في بدايات فترة الإصلاح أقل من خمسين مليونا، ووصل في 2008 الى مائتين وعشرة ملايين، يضمرون في قلوبهم وأكياس أمتعتهم وكفوف أيديهم المتشققة جانبا آخر من التجربة الصينية؛ الجانب الذي يتجلى في أكثر مشاهده تأثيرا أمام محطات القطارات والباصات في المدن الصينية قبيل حلول عيد الربيع، عندما يتكدس أبناء الريف، رجالا ونساء، شبابا وشابات، عائدين إلى ديارهم بعد سنة كاملة من الشقاء والحنين، حاملين على ظهورهم حقائبهم التي تحوي لباسهم وأوعية طعامهم، ولكن الأهم من بين كل هذا "صرة" محكمة الربط مخفية بين جلد ولحم الواحد منهم، فيها حصيلة عرق شهور عديدة. هؤلاء العمال الفلاحون كانوا أول ضحايا الأزمة المالية العالمية في الصين، حيث فقد عشرون مليونا منهم أعمالهم بحلول عيد الربيع في فبراير 2009، وفقا لما أعلنه تشن شي ون، رئيس الفرقة القيادية لمصلحة العمل الريفي المركزي بالصين .
لقد بدأت حملة الإصلاح والانفتاح من الريف الصيني بتطبيق نظام تتعهد بموجبه الأسر الريفية، منفردة، بزراعة الأرض المملوكة جماعيا عن طريق المقاولة، مما أدى إلى تحرير نحو مائة مليون ريفي من العمل الزراعي، وبمعنى آخر أصبحوا بلا عمل. ولكن معظم الفلاحين ظلوا أسرى للريف بسبب نظام كوبونات الدعم (بطاقات التموين) المرتبطة بمحل الإقامة والتي بها يتم الحصول على كل شيء تقريبا، حتى الطعام. وقد استطاع ثلاثة وستون مليونا من هؤلاء المائة مليون الحصول على وظائف في المشروعات الريفية التي تديرها القرى والتي انتشرت في تلك الحقبة. في سنة 1984 تغيرت السياسة، وصار مسموحا للفلاحين بالعمل في المدن، ومع ذلك لم تشهد الصين هجرة هائلة للعمالة الريفية المتعطلة، بيد أن تدفق الاستثمار، بفضل سياسة الإصلاح والانفتاح، أدى إلى خلق أعمال كثيرة في مواقع البناء وفي المناجم والمصانع، وهي أعمال يعتبرها أهل مدن الصين مرهقة وقذرة، فلم يكن من بد غير الاستعانة بأهل الريف. في سنة 1992، كان عدد العمال الفلاحين ستين مليونا، ارتفع إلى مائة وعشرين مليونا سنة 2003، ثم إلى مائتين وعشرة ملايين السنة الماضية، وفقا للأرقام الحكومية . و حسب الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، ساهمت العمالة المهاجرة المتنقلة في الصين بواحد وعشرين في المائة من إجمالي الناتج المحلي للصين خلال الثلاثين سنة الماضية. ومع ذلك، كما يقول تقرير وكالة شينخوا، عدد قليل من العمال الريفيين يشعرون فعليا بالتقدير أو الاحترام، ولا يستمتع كثير منهم بحياة المدن، وبالأحرى لا يعيشها، فالغالبية العظمى منهم يضطرون للعمل أوقاتا إضافية وبعضهم يعمل سبعة أيام في الأسبوع. وحسب دراسة أجرتها سنة 2006 المصلحة الصينية للإحصاء، 40% من العمال الفلاحين لا يمكنهم أن يجدوا الوقت أو المال لزيارة الطبيب عندما يمرضون، ويمضي أكثر من نصفهم وقت فراغهم إما في النوم أو مشاهدة التلفزيون، فكيف يصبحون جزءا من عالم المدن؟ حسب تقرير شينخوا، ظل معظم العمال المهاجرين في المدن، حتى سنة 2005، بدون حماية، حيث لا وجود لاتحادات تمثلهم، ومعظمهم يعمل ساعات طويلة دون حماية ملائمة من الأمراض والحوادث الصناعية. أكبر مشكلة يواجهها العمال الفلاحون قبل العودة إلى مواطنهم في عيد الربيع كل سنة هي الحصول على أجورهم، وقد أطلقت الصين حملة سنة 2003 لضمان أن يحصل العمال الفلاحون على أجورهم كاملة وفي مواعيدها . وقد تأسس أول اتحاد للعمال المهاجرين في مقاطعة لياونينغ سنة 2005. ومع ذلك مازالت مشكلة تأخير دفع أجور العمال الريفيين أو الانتقاص منها تتكرر، وأبناء العمال الفلاحين في المدن لا يقبلون إلا في مدارس مخصصة لهم بمصاريف ورسوم كاملة، وليس في المدارس التي تقبل أبناء المدن بمصاريف ورسوم مخفضة، والسبب أن هؤلاء العمال الفلاحين ليس لديهم تصريح الإقامة في المدينة، وقد غيرت الحكومة الصينية هذه السياسة مؤخرا. يمضى العامل الفلاح سنة كاملة بعيدا عن موطنه، وكأنه مسافر إلى دولة أخرى، ليعود في عيد الربيع إلى داره ببعض المال، قد يدخره لبناء بيت جديد أو تدبير رسوم الدراسة لأبنائه أو لعلاج أم مريضة أو سداد دين قديم، إلى آخر قائمة أوجه إنفاق دخل العامل الفلاح الصيني. برغم كل هذه المعاناة لم يتجاوز تذمر العمال الريفيين، في أغلب الأحوال، الحدود القانونية ولم يخرجوا على شرعية المجتمع سواء في شكل اعتصامات أو مظاهرات أو أي شكل من أشكال العصيان. والغالبية العظمى من هؤلاء العمال الريفيين يعترفون أنهم يعيشون حياة أفضل حالا من آبائهم وأنهم استفادوا من ثمار التنمية، حتى ولو كانت استفادة ضئيلة.
السؤال الآن هل نحن مستعدون و لدينا القدرة على تحمل وقبول مثل هذا الثمن؟
مستقبل الطاقة ، وإعادة تشكيل العالم الحديث
(The Quest: Energy, Security, and the Remaking of the Modern World)
"دانيال يرجين" في كتابه "-مستقبل الطاقة ، وإعادة تشكيل العالم الحديث "، يسعى للإجابة عن مجموعة من الأسئلة المرتبطة بالطاقة وعلاقتها بالسياسةمؤكدا أن جميع التوقعات بنهاية النفط أثبتت خطأها،وينتقد الكاتب الذين ينفون أي تأثير لمصادر الطاقة التقليدية على التغير المناخي في ظل المعطيات العلمية التي تثبت ضرر انبعاث ثاني أكسيد الكربون على البيئة، و يدعو إلى تدخل الدول في هذا الصعيد، لكنه في الوقت نفسه لا يعفي الحكومات ، من تحمل مسؤولياتها والقيام بأدوارها، لاسيما وأن الأمر مرتبط بالصحة العامة وبالتلوث. وفي هذا السياق يطرح الكاتب نقطتين أساسيتين يرى أنه على الحكومات التفكير فيهما: فإما جعل انبعاث ثاني أكسيد الكربون الناجم عن حرق الوقود باهظاً من الناحية الاقتصادية بفرض ضريبة على الكربون، أو تقديم الدعم المالي الضروري للأبحاث العلمية في مجال الطاقات النظيفة، علّ ذلك يفضي إلى قفزة نوعية
والجدير بالذكر ان هذا الكتاب جاء فى المركز العاشر بقائمة أفضل عشر كتب عالمية حسب تصنيف المجلة الامريكية " فورن بوليسي " . في الكتاب الذي طال انتظاره والمكمل لكتاب «الجائزة» الفائز بجائزة بوليتزر، يقدم دانييل يرغين رواية متكاملة للماضي ومستقبل العوامل الجيوسياسية للطاقة. (نصيحة: انتظر قصة المفكرين العالميين رقم 26 لجورج ميتشل).
«إذا كان ذلك سيصبح عصر تحولات الطاقة، فإن سوق الطاقة العالمية الذي يقدر بستة تريليونات دولار (محل نزاع). أي أنه مؤهل للنزاع بين المتنافسين – البترول، والغاز، وشركات الفحم التي تقدم معظم إنتاج الطاقة في الوقت الراهن – والموارد الجديدة – مثل الرياح والطاقة الشمسية والوقود الحيوي – والتي ترغب في الحصول على حصة كبرى من هذه الدولارات.
وإذا ما حدث ذلك التحول، سيكون له أهمية كبرى بالنسبة للانبعاثات، وعلى الاقتصاد بشكل عام، وعلى العوامل الجيوسياسية، بالإضافة إلى موقع الأمم ذاته»
تنبع أهمية هذا الكتاب من ثلاثة اعتبارات رئيسية‮. ‬يتمثل الاعتبار الأول في خبرة الكاتب،‮ ‬كونه باحثا اقتصاديا،‮ ‬وعضوا مؤسسا ومشاركا في شركة كامبردج الاستشارية في أبحاث الطاقة‮. ‬والاعتبار الثاني يكمن في أن هذا الكتاب يعد استكمالا لمجهود بحثي سابق للكاتب متمثل في كتاب‮ "‬الجائزة‮: ‬في ملحمة السعي من أجل النفط والمال والسلطة‮" ‬الصادر عام‮ ‬1991، والذي تناول فيه تطور مصادر الطاقة،‮ ‬خاصة النفط منذ اكتشافه في أواخر القرن التاسع عشر،‮ ‬وحتي عام‮ ‬1990 قبيل الغزو العراقي للكويت،‮ ‬بحيث يعرض الكتاب الجديد للتغيرات التي لحقت بسياسات الطاقة،‮ ‬نتيجة للأحداث المهمة التي شهدها واقع الطاقة خلال الأعوام العشرين التالية‮ ‬1991-2011، خاصة في الأعوام الثلاثة الأخيرة،‮ ‬مثل الانهيارات التي تعرض لها مفاعل فوكوشيما الياباني،‮ ‬وتأثير ثورات الربيع العربي في إمدادات النفط‮.‬
ويتعلق الاعتبار الثالث بأسلوب الكتاب لتناول قضية الطاقة،‮ ‬حيث يتسم بالطابع الموسوعي الذي يقدم رؤية شاملة لاحتياجات وأزمات الطاقة العالمية بمختلف جوانبها الفنية والاقتصادية وأيضا السياسية،‮ ‬فلا يقتصر على النفط فقط،‮ ‬وإنما يتناول مصادر الطاقة البديلة والمتجددة،‮ ‬وقضية التغير المناخي،‮ ‬وعلاقة‮ ‬ذلك بأمن الطاقة وندرتها بطريقة ناقدة للسياسات القائمة،‮ ‬دون أن يطرح على القارئ موقفا محددا،‮ ‬بل يمده بالمعايير الأساسية اللازمة لتكوين رؤيته حول واقع الطاقة العالمي
يربط المؤلف في هذا الكتاب بين الأبعاد المتفاعلة ما بين النفط كمصدر أساسي للطاقة وبين سائر المحاور السياسية والاقتصادية، فضلا عن البعد الاستراتيجي في هذا الميدان، وقد حرص مؤلف الكتاب، وهو في طليعة المصادر المرجعية في هذا المضمار، على أن يتبع منهجا يجمع بين العرض الموضوعي للقضايا الشاملة المطروحة في هذا الخصوص.
وفي مقدمتها قضية توافر المورد النفطي بحيث تسانده وتعززه المصادر البديلة الأخرى المبشرة مستقبلا بعدم النضوب أو عدم القابلية للنفاد، ومنها مثلا طاقة الشمس أو الطاقة الكهربائية- وبين أن يشمل المنهج نفسه إطلالة على السير الذاتية واللمحات الشخصية من العلماء والمفكرين الذين يشغلون موقع الريادة في مجالات الطاقة واستخداماتها مع ما يتصل بذلك من قضايا موازية، منها مثلا قضية البيئة وتغير المناخ ويبدأ الكاتب بالتذكير أولاً بمدى أهمية الطاقة في حياتنا المعاصرة، فلمدة طويلة من تاريخ البشرية ظل المجهود العضلي للبشر والحيوانات المصدر الأول والأساسي لتوليد الطاقة، وهو بالطبع ما حد من قدرة الإنسان على الإنجاز بالنظر إلى مصادر الطاقة البسيطة وغير المنتجة، غير أن الوضع بدأ في التغير انطلاقاً من أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر عندما سخر الإنسان طاقة البخار والفحم الحجري لتشغيل الآلات وإدارة المحركات المكتشفة حديثاً، فكانت النتيجة تفجراً حقيقياً للإمكانات البشرية والقدرة على إنتاج المواد والبضائع المصنعة. وبحلول عام 1957 كان الأدميرال "هيمان ريكوفر"، وهو أب الأسطول النووي الأميركي، قد اعتبر بأن 94 في المئة من الطاقة المنتجة في العالم خلال السنوات الأولى من الثورة الصناعية، مستمدة من المجهود العضلي للبشر والحيوانات، لكن بعد خمسينيات القرن الماضي انقلبت الإحصاءات رأساً على عقب ليشكل الفحم الحجري والغاز الطبيعي 93 في المئة من طاقة العالم
ويرى الكاتب أن هذه الأرقام المرتفعة لإنتاج الطاقة والطلب المستمر على مصادرها مرشحة للتنامي أكثر على مدى العقود المقبلة، فحتى لو تبنى الغرب سياسات العقلنة والترشيد في استهلاك الطاقة، سيضمن الصعود الواضح لقوى جديدة في العالم، توسعاً دائماً للطلب على الطاقة. وفي الوقت الذي يصل فيه الناتج الإجمالي المحلي للعالم إلى 65 تريليون دولار ترجح التوقعات ارتفاعه خلال العقدين المقبلين إلى أكثر من 130 تريليون دولار ما يعني استهلاكاً أكبر للطاقة وطلباً متزايداً عليها ليرتفع الاستهلاك العالمي بنحو 40 في المئة، هذا فيما ستقفز أعداد السيارات من مليار سيارة في العالم إلى ملياري سيارة في السنوات المقبلة. فمن أين ستأتي الطاقة لتشغيل كل تلك السيارات ولإمداد الاقتصاد العالمي بالقدرة على الإنتاج؟ يتناول الكاتب في الجزء الأول من كتابه أهم الدول المنتجة للنفط مثل العراق وإيران،‮ ‬وأهم الدول المستهلكة مثل الصين والهند اللتين تتزايد احتياجاتهما للطاقة بصورة مطردة،‮ ‬حيث تضاعف استهلاك الأولي للكهرباء بين عامي‮ ‬2006 و‮.‬2010 ومن المتوقع أن يزيد استهلاك الثانية للوقود خمس مرات بحلول عام‮ ‬2030، وهو الأمر الذي يدحض الكاتب من خلاله نظرية ذروة النفط القائلة بوصول إنتاج النفط إلى قمته بصورة تدفع نحو الانخفاض والتراجع في استهلاكه بشكل حاد‮. ‬ويشير الكتاب إلى أن إنتاج الوقود الحفري تضاعف خمس مرات منذ عام‮ ‬1957، حين ظهر أول التقديرات باحتمالات نضوب النفط بحلول عام‮ ‬2000. ويرجع التزايد في الاستهلاك إلى استخدام التكنولوجيا المتقدمة في التنقيب عن النفط،‮ ‬وازدياد الاحتياطيات المتوقعة سنويا‮.‬
ويضيف‮ "‬يرجين‮" ‬في كتابه أن الوقود الحفري يمول‮ ‬80 % من استخدام الطاقة العالمي،‮ ‬مع توقع ازدياد الطلب في المستقبل،‮ ‬نتيجة صعود العديد من القوي الجديدة التي ستؤدي إلى زيادة الاستهلاك بنسبة تصل إلى ‮ ‬40 % خلال العقدين القادمين،‮ ‬بالنظر إلى الارتفاع المتوقع في الناتج الإجمالي العالمي من‮ ‬65 تريليون دولار إلى ‮ ‬130 تريليونا في الفترة ذاتها،‮ ‬فضلا عن تعرض العالم للعديد من الأزمات النفطية التي لم توقف الإنتاج،‮ ‬كما حدث في الحربين العالميتين،‮ ‬وفي سبعينيات القرن العشرين،‮ ‬وكذلك عام‮ ‬2008، حين ارتفعت الأسعار بصورة كبيرة،‮ ‬ولكن سرعان ما كانت تعاود الانخفاض‮.‬
ولذا،‮ ‬يري أن الوقود الحفري سيبقي المصدر الأساسي للطاقة لعقود قادمة،‮ ‬مع التأكيد في الوقت ذاته على أن استخدام الوقود الحفري تحيطه العديد من المحاذير من جهة،‮ ‬وعدم قدرة مصادر الطاقة الأخري على سد احتياجات الطاقة العالمية من جهة أخري،‮ ‬في حال تم التوجه نحو الاستغناء عن الوقود الحفري
يطرح الكتاب للعلاقة الوثيقة بين السعي للحصول على الطاقة وتأمينها،‮ ‬وتشكيل النظام الدولي،‮ ‬وطريقة التفاعلات بين وحداته‮. ‬فقد كان تأمين مصادر الطاقة واستقلالية الطاقة محور اهتمام الإدارات الأمريكية المتعاقبة،‮ ‬وأحد محددات سياستها الخارجية‮. ‬وفي هذا الصدد،‮ ‬يتهم الكاتب واضعي سياسات الطاقة في الدول المتقدمة والنامية،‮ ‬على حد سواء،‮ ‬بعدم الدقة ومجافاة الأسس العلمية عند صياغة تلك السياسات‮. ‬ويضرب مثالا على ذلك‮ ‬بحرب العراق،‮ ‬التي قامت من أجل تأمين النفط‮. ‬إلا أن سياسات ما بعد الحرب خلفت عواقب كارثية على العراق،‮ ‬وكذا الولايات المتحدة‮. ‬ويضرب مثالا آخر بقرار الحكومة الأمريكية تقديم الدعم لإنتاج وقود الإيثانول الحيوي،‮ ‬الذي أدي إلى أضرار فاقت الفوائد المرجوة منه،‮ ‬فإنتاجه كان أحد أسباب أزمة ارتفاع أسعار الغذاء العالمية عام‮ ‬2007
وفيما ينتقد الكاتب بعض المتطرفين الذين ينفون أي تأثير لمصادر الطاقة التقليدية على التغير المناخي في ظل المعطيات العلمية التي تثبت ضرر انبعاث ثاني أكسيد الكربون على البيئة، فإنه يدعو إلى تدخل الدول في هذا الصعيد، لكنه في الوقت نفسه يعيب على بعض المفرطين في تفاؤلهم رسم صورة مشرقة حول قدرة التكنولوجيا على تطوير المصادر الجديدة للطاقة، فالتكنولوجيا الجديدة المتوفرة حالياً تظل عاجزة عن توفير إمدادات كافية من الطاقة الرخيصة لتعويض الوقود الأحفوري.
لكن رغم العجز التكنولوجي في الوقت الحالي عن استبدال مصادر الطاقة التقليدية واستمرار الحاجة إلى الفحم والنفط الرخيصين، فإن ذلك لا يعفي الحكومات، كما يقول الكاتب، من تحمل مسؤولياتها والقيام بأدوارها، لاسيما وأن الأمر مرتبط بالصحة العامة وبالتلوث. وفي هذا السياق يطرح الكاتب نقطتين أساسيتين يرى أنه على الحكومات التفكير فيهما: فإما جعل انبعاث ثاني أكسيد الكربون الناجم عن حرق الوقود باهظاً من الناحية الاقتصادية بفرض ضريبة على الكربون، أو تقديم الدعم المالي الضروري للأبحاث العلمية في مجال الطاقات النظيفة، علّ ذلك يفضي إلى قفزة نوعية.
غير أن الكاتب لا يعول كثيراً على الدور السياسي للحكومات ما دام صناع القرار غالباً ما يراعون الحسابات السياسية الضيقة ولا يأبهون بالمعطيات العلمية والتأثيرات المستقبلية، ليخلص في النهاية إلى استمرار أهمية الوقود الأحفوري في رسم سياسات الدول في مجال الطاقة، ومعه استمرار المشاكل المرتبطة بالتلوث والتغير المناخي على الرغم من أن الكاتب ينتقد نظرية ذروة النفط،‮ ‬ويستبعد إمكانية الاستغناء عن الوقود الحفري،‮ ‬فإنه يشير في الوقت ذاته إلى العواقب المترتبة على التوسع في الاعتماد عليه،‮ ‬والتي تتمثل بشكل أساسي في الاحتباس الحراري وما يؤدي إليه من تغيرات مناخية تؤثر سلبا في حياة البشر،‮ ‬بحيث بلغت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مستويات خطرة،‮ ‬وصلت إلى ‮ ‬30 مليار طن‮.‬
ويذكر الكتاب أن التوجهات السياسية تلعب دورا محوريا‮ ‬يتجلي في اعتبار الجمهوريين الأمريكيين أنها مجرد احتمال‮ ‬غير مؤكد‮. ‬ولذا،‮ ‬رفض الرئيس‮ "‬جورج دبليو بوش‮" حين ذاك ‬توقيع بروتوكول كيوتو،‮ ‬وكذلك عدد من القوي الصاعدة مثل الصين الرافضة لتحديد حجم الانبعاثات الكربونية من أراضيها‮. ‬وبالتالي،‮ ‬فإنه حتي مع وجود بعض التوجه نحو تقليل الانبعاثات لدي الدول المتقدمة،‮ ‬ستقف الدول الصاعدة حائلا دون إتمامه‮.‬
يتطلب الاعتماد المتزايد على مصادر الطاقة،‮ ‬والعواقب البيئية المترتبة على استخدام الوقود الحفري،‮ ‬البحث عن مصادر طاقة بديلة نظيفة،‮ ‬مثل الطاقة الشمسية،‮ ‬وطاقة الرياح،‮ ‬والطاقة النووية‮. ‬إلا أن هذا البحث لم يفض إلى القول بإمكان الاستغناء عن الوقود الحفري،‮ ‬نظرا لأن تلك المصادر البديلة لا تتمتع بالوفرة وانخفاض التكلفة اللذين يتميز بهما الوقود الحفري
يقترح يرجين مجموعة من السياسات قوامها هو أخذ مختلف مصادر الطاقة في الحسبان،‮ ‬بحيث يكون الأمان في استخدام النفط معتمدا على التنوع والتكامل مع مصادر الطاقة الأخري‮. ‬داعيا في هذا السياق لتوجيه جانب كبير من الاستثمارات البحثية إلى مصادر الطاقة البديلة كالمياه،‮ ‬والرياح،‮ ‬والطاقة الشمسية،‮ ‬وكيفية تقليل المخاطر البيئية للوقود الحيوي،‮ ‬والمعروفة بالتكنولوجيا الخضراء،‮ ‬مع الاهتمام بتطوير وسائل التنقيب عن النفط على أعماق كبيرة،‮ ‬والتوسع في تقنيات الغاز الصخري،‮ ‬وضرورة فرض ضرائب مرتفعة على الانبعاثات الكربونية،‮ ‬معتبرا أن الفعالية في استغلال مصادر الطاقة هي العامل الأهم ومن يقرأ بإمعان دراسة كبير الخبراء العالميين في صناعة النفط ومعانيها الجغراسية (الجيوبوليتيكية) دانيال يرجين في مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، ، يقع بسهولة على الحقيقة.
لنلقِ، بادئ الأمر، نظرة سريعة على أرقام إستهلاك النفط. يقول يرجين، وهو رئيس مؤسسة "كامبريدج انررجي ريسيررتش اسوشيتس" الذائعة الصيت، ومؤلف كتاب "الجائزة: البحث الأسطوري عن النفط والمال والسطوة"، ان السنوات العشر الماضية تميزت بإزدياد كبير في الطلب على النفط لسبب رئيس هو النمو الإقتصادي الدراماتيكي في الدول النامية، خصوصاً في الصين والهند.
حتى العام 1993 كانت الصين مكتفية ذاتياً في النفط. منذ ذلك التاريخ تعاظم ناتجها المحلي القائم ثلاثة أضعاف وازداد طلبها على النفط بمقدار الضعفين. اليوم تستورد الصين 3 ملايين برميل من النفط يوميا، ما يشكّل سنوياًَ نصف إستهلاكها الإجمالي منه. علماً ان حصة الصين من السوق النفطية العالمية هي نحو 8 في المئة، في حين أن حصتها في النمو الإجمالي على الطلب منذ العام 2000 هو 30 في المئة. وبينما ينمو الطلب العالمي على النفط 7 ملايين برميل يومياً منذ العام 2000، فإن 2 مليون برميل من هذا النمو اليومي ذهب الى الصين.
إن إستهلاك الهند من النفط هو حاليا اقل من إستهلاك الصين بنحو 40 في المئة. لكن بسبب سلوك الهند الذي اطلق عليه العالم الاقتصادي فيجاي كلكر مصطلح "طريق النمو الرئيسية"، فإن طلبها على النفط سوف يتسارع.
إن مقارنةً سريعة بين الأمس واليوم تكشف وتُفصح. ففي سبعينات القرن الماضي، إستهلكت أمريكا الشمالية من النفط ضعفي ما استهلكته قارة آسيا كلها. لكن السنة الماضية، ولأول مرة بالمطلق، تجاوز إستهلاك آسيا النفطي نظيره في أمريكا الشمالية. لقد ارتفع طلب الصين على النفط في العام 2004 بنسبة إستثنائية بلغت 16 في المئة بالمقارنة مع العام 2003 وذلك بسبب أعطال واسعة في أجهزة توليد الكهرباء ما أدى إلى قفزة هائلة في إستعمال النفط لتوليد الطاقة. كما ان إستهلاك الولايات المتحدة وغيرها من الدول ازداد أيضا في تلك الفترة. كل ذلك حدث في وقت بالكاد جرى تشغيل آبار جديدة لإستخراج النفط من اجل سد الحاجات المتزايدة اليه. حتى لو توفّرت كميات إضافية من النفط، فإنها لم تكن كافية وجيدة لتلبي حاجات مصافي النفط المتوافرة في العالم.
عوامل أخرى أسهمت بدورها في ازدياد الطلب على النفط، أبرزها محدودية القدرة على تكريره بسبب عدم نمو معدل مصافي التكرير على نحوٍ متكافئ مع نمو الطلب على النفط. رافق هذا القصور في تأمين العرض مع نمو الطلب على النفط، بروزُ ظاهرةٍ مقلقة (للولايات المتحدة على الأقل) هي نزوع كل من روسيا، بقيادة فلاديمير بوتين، وفنزويلا، بقيادة هوغو شافيز، إلى تشديد قبضة الدولة على صناعة النفط لإستخدامها أداةً في الصراع السياسي. كذلك فقد تراجع إنتاج النفط بسبب الحرب على العراق وإحتلاله من قبل الولايات المتحدة، وبسبب اضطرابات عصفت بدلتا نهر النيجر ما تسبب بتدهور إنتاج النفط في نيجيريا، كما بسبب الأعاصير (كاترينا وريتا الخ...) التي ضربت آبار النفط الأمريكية في خليج المكسيك.
بإختصار، الطلب على النفط عالميا في نمو متصاعد بالمقارنة مع العرض. الاستهلاك اكبر بكثير من الإنتاج الآخذ بالتراجع. الصين الآخذ اقتصادها بالنمو بمعدلات كبيرة تبدو شرهة ومضطرة إلى منافسة الولايات المتحدة عليه، لاسيما على نفط منطقة الخليج. في العام 2020، ستستورد أمريكا 70 في المئة من نفطها، وكذلك الصين، ما يعني ازدياد اعتمادها على مصادر النفط الخارجية وتعرّض مستورداتها الى مخاطر النقل البحري في النقاط الساخنة.
أمن النفط، اذاً، في خطر. هو في خطر أينما كان، لكن الخطر الأكبر يترصّده في منطقة الوسط الإسلامية الممتدة من ماليزيا واندونيسيا في الشرق الى الجزائر والمغرب في الغرب، ومن جمهوريات آسيا الوسطى في الشمال إلى السودان والصومال في الجنوب. الخطر يترصّد امن النفط في العالم الإسلامي، في بلاد المسلمين، حيث بات نحو 1300 مليون مسلم بناصبون أمريكا العداء يل يشتبكون معها، بشكل او بآخر، بأعمال عنف متصاعدة تتأثر بها دول منتجة للنفط كالعراق، إيران، السعودية، اندونيسيا، السودان، الجزائر... والحبل على الجرار.
امن النفط في خطر حتى قبل ان يتأكد سعي إيران الحثيث إلى امتلاك قدرات نووية، فكيف بعده؟ إن الإمساك بنواصي القدرة، التقليدية أو النووية، سينعكس سلبا ليس على أمن أمريكا النفطي فحسب بل على أمن إسرائيل الكياني ايضا. وهل يعقل ان تفوّت إسرائيل هذه الفرصة لتضغط على أمريكا من اجل حملها على تدمير دولة إسلامية أخرى، بعد العراق، يهدد قائد حرسها الثوري محمد إبراهيم دهقاني بأنه " إذا ارتكبت الولايات المتحدة أي عملٍ شرير فستكون إسرائيل أول هدف نضربه "؟
يزداد الأمر خطورة مع عِلم واشنطن، كما تل أبيب، ان قادة إيران طرازٌ من المسؤولين يمتلك إرادة الفعل والتنفيذ، شأن - يا للمفارقة- صدام حسين، ولهم سوابق في هذا المجال. كل ذلك يحمل الولايات المتحدة، لاسيما جورج بوش، على محاولة إجهاض قدرات إيران قبل إكتمالها.
صحيح ان إيران لم تمتلك بعد أسلحة نووية مدمّرة، لكن قدراتها التقليدية الحالية، بوجود ادارة قتالية وتصميم إيديولوجي على استخدامها، يغلّب رأي الفريق المتصلب الداعي الى استخدام المزيد من العنف ضد قوى "الإسلام الراديكالي"، كما يسميّها بوش. كل ذلك لأن بوش وفريقه يعتقد ان إيران، بالتواطؤ مع الصين او من دون التواطؤ معها، لا تتورع عن تهديد أمن النفط لدوافع سياسية او اقتصادية وحتى إيديولوجية.
غير ان إيران تدرك المأزق الذي تجد إدارة بوش نفسها فيه. فهي غير قادرة على فتح جبهة جديدة بالإضافة الى العراق حيث تتعثر وتتلّوى، وغير مستعدة للمغامرة بحرب جديدة من شأنها ضرب صناعة النفط وإمداداته من منطقة الخليج فترتفع أسعاره إلى مستويات خيالية، وغير مهيأة لتحمل تكلفة حرب باهظة، وغير راغبة عشية الانتخابات النصفية في التسبب بحالة إرباك سياسية للحزب الجمهوري الحاكم قد تؤدي الى خسارة أكثريته في الكونغرس. إيران تدرك كل هذه الصعوبات والتحديات التي تشكّل لأمريكا مأزقاً ضاغطاً هذه الأيام، فتراها تُمعن - برضى الصين وحتى روسيا- في الضغط عليها لإستدرار المزيد من المكاسب
ففي مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية، كتب رئيس مجلس إدارة مؤسسة كمبريدج لبحوث الطاقة دانيال يرجين يقول إن محور الطاقة الجديد يمتد من مقاطعة ألبرتا بكندا مرورا بولاية داكوتا الشمالية وجنوب تكساس، ومن اكتشاف نفطي ضخم قبالة ساحل غويانا الفرنسية إلى مخزونات نفطية بحرية هائلة بالقرب من البرازيل.
وينطوي هذا التحول على أهمية كبيرة بالنسبة للعرض والسياسة النفطية العالمية ذلك أنه يحدث من قبيل المصادفة تقريبا وليس في سياق خطة كلية أو سياسة رئيسية.
وقد ظلت خريطة العالم النفطية طوال خمسة عقود تتمحور حول منطقة الشرق الأوسط. وكانت كل التكهنات تقريبا تشير إلى أن اعتماد الولايات المتحدة على الإمدادات النفطية من الشرق الأوسط مرشح للازدياد على الرغم من اكتشاف مصادر جديدة للطاقة في مناطق أخرى.
ولطالما ظل السعي لتبني "سياسة نصف كروية للطاقة" للولايات المتحدة مثار نقاش منذ أزمة الإمدادات النفطية في سبعينيات القرن الماضي.
وقد استند مفهوم "الطاقة النصف الكروية" في السبعينيات والثمانينيات على دعامتين هما: فنزويلا، التي كانت مصدرا معتمدا للنفط منذ الحرب العالمية الثانية، والمكسيك التي عاشت طفرة نفطية هائلة حوّلتها من دولة مستوردة للنفط إلى مصدر رئيسي له.
ومنذ وصول هوجو شافيز إلى كرسي السلطة لم تعد فنزويلا على ما يبدو تلك الدعامة التي يمكن الاعتماد عليها بالنسبة للولايات المتحدة.
أما المكسيك، التي يشكل النفط فيها 35% من عائدات الحكومة، فتعاني من تدني الإنتاج، وقد تصبح مستوردة له في وقت لاحق من العقد الحالي ما لم تطرأ إصلاحات على قطاع النفط والاستثمار الأجنبي وتستند السياسة النفطية الجديدة على مصادر لم يكن لها دور كبير في السنوات الأخيرة، لكن ذلك الدور بدا ممكنا الآن بفضل الفتوحات والتقدم في مجال التكنولوجيا.
سيتدفق ذلك النفط الذي كان يتجه يوما من الأيام غربا، نحو الشرق إلى حيث الأسواق الآسيوية الصاعدة. وهو ما قد يؤشر إلى تحول جيوسياسي كبير وبما يعنيه ذلك من تزايد رهان الاقتصادات الآسيوية على استقرار الإمدادات النفطية من الشرق الأوسط
"فخلال أكثر من عشر سنوات بقليل تحولت رمال كندا النفطية من مصدر هامشي إلى مورد رئيسي للنفط، إذ يبلغ إنتاجها اليوم من تلك الرمال 1.5 مليون برميل يوميا أي أكثر مما كانت تصدره ليبيا قبل ثورتها ضد القذافي.
ويمكن لرمال كندا النفطية أن تضاعف إنتاجها إلى ثلاثة ملايين برميل في اليوم بحلول العقد المقبل. وستجعل هذه الزيادة من كندا منتجا نفطيا أكبر من إيران، وخامس أكبر منتج في العالم بعد روسيا والسعودية والولايات المتحدة والصين.
وهناك في الطرف الآخر من محور النفط بنصف الكرة الأرضية الغربي تقع البرازيل التي تملك مخزونات كبيرة من النفط.
أما التطور الرئيسي الثالث في مجال الإمدادات النفطية فقد حدث في الولايات المتحدة بفضل تكنولوجيا غاز الطُفال أو الصلصال في ولاية داكوتا الشمالية.
وحدث تطور مماثل في أجزاء أخرى من الولايات المتحدة وتحديدا في جنوب وغرب تكساس.
ومن شأن هذه التطورات الثلاثة أن تُحدث تغييرا جوهريا في انسياب النفط عالميا. ومع ذلك سيظل نصف الكرة الغربي بحاجة لإمدادات نفطية من باقي أرجاء العالم.
غير أن تلك الحاجة قد تتراجع إلى ما دون النصف بحلول العام 2020، مما يعني تراجع الواردات من الشرق الأوسط وغرب أفريقيا.
وسيتدفق ذلك النفط الذي كان يتجه يوما من الأيام غربا، نحو الشرق إلى حيث الأسواق الآسيوية الصاعدة. وهو ما قد يؤشر إلى تحول جيوسياسي كبير وبما يعنيه ذلك من تزايد رهان الاقتصادات الآسيوية على استقرار الإمدادات النفطية من الشرق الأوسط.
وسيثير ذلك تساؤلا كبيرا في السنوات العديدة القادمة هو: كيف سيتسنى للقوى الكبرى أن تتشاطر في ما بينها مسؤولية استقرار الخليج العربي؟بالنسبة لنصف الكرة الغربي فإن التحول يعني تدفق مزيد من النفط من الشمال إلى الجنوب ومن الجنوب إلى الشمال بدلا من تدفقه من الشرق إلى الغرب.
كل ذلك يعكس كيف أن الأفكار والاختراعات الجديدة تعيد رسم خريطة العالم النفطية، وتعيد صياغة مستقبل الطاقة
ذروة النفط "ليست في الأفق حتى الآن"، هكذا يستخلص صاحب المقال . دانيال يرغين، رئيس كمبريدج لأبحاث الطاقة رجلٌ يعتبره البعض واحدا من أفضل الأخصائيين في قطاع الطاقة. فالسيد يرغين، الذي نشر للتو "السعي: الطاقة، والأمن وإعادة تشكيل العالم الحديث" شخصية متفائلة عنيدة، ومؤمنه بأنه بالإمكان أن نؤخّر لوقت طويل إغلاق آخر بئر نفطي.
لا شك أن تاريخ "ذروة الإنتاج النفطي" قديم قدم البترول. هكذا يقول كاتب المقال. فبعد مرور بضع سنوات على الاكتشافات الأولى في بنسلفانيا على يد إدوين دراك (1859)، اعتقد البعض أن البترول لن يتوفر أبعد من المسيسيبي. ثم جاء عهد الذهب الأسود في تكساس وكاليفورنيا.
وقد تكرر التنبؤ الخاطئ خلال القرن العشرين، بعد الحربين العالميتين. السيد يرغين يستند إلى هذه الأخطاء لكي يهدم أطروحة دعاة "ذروة النفط". فالذريعة ضعيفة بالنظر إلى نضوب حقول النفط – حقيقية كانت أو مفتعلة- العملاقة، السعودية والعراقية، والمكسيكية.
حوالي 1000 مليار برميل تم ضخها منذ بداية عهد البترول، قبل حوالي مائة وخمسين عاما. وحسب السيد يرغين لقد بقي 5000 مليار برميل أخرى، منها 1400 مليار برميل قابلة للاستغلال ضمن الظروف الاقتصلادية والتقنية الحالية. وبلا شك، سيكون الحجم أكبر مستقبلا. ولذلك يؤكد هذا الأخير بأن الإنتاج سوف يرتفع في العقود القادمة، قبل أن يصل إلى "الذروة" خلال منتصف القرن، لينخفض بعد ذلك تدريجيا.
مثل هذا التفاؤل يستند إلى عوامل كثيرة: تحسينُ فعالية الطاقة التي تسمح بإنتاج المزيد من الخدمات بأقل طاقة ممكنة، والبحث عن مناجم بعيدة عن الشواطئ تقع في أعماق كبيرة تسمح تقنيات الاستكشاف الزلزالي بالتعرف عليها تحت طبقات الملح ( البرازيل، إفريقيا الغربية)، والوعود التي يوفرها العراق الذي لم يُستكشف على مدى ثلاثين عاما من الحرب، ومصادر القطب الشمالي، إذا عرّضنا نظامه البيئي الهش إلى الخطر.
يضاف إلى هذا الاحتياطي المصادر النفطية "غير التقليدي" الهائلة (الرمال النفطية، الصخر الزيتي، النفط الثقيل، الخ.). لكن ثمة حدث حديث العهد لم ينتبه إليه أحد وهو أن منظمة الدول المصدرة للبترول رصدت النفط الثقيل في حوض "أورينوك" في فنيزويلا التي "سلبت" المركز الأول من العربية السعودية.
بعض دعاة "ذروة الإنتاج النفطي" يعترفون أن إضافة هذه المصادر يمكن أن تؤجل الأمد الحتمي لنضوب النفط. "لا ينقصنا البترول"، هكذا يقول جون لارس مولر، مدير شركة "أسبو يو.أس أي"، ردا على السيد يرغين. لكن، لا توجد بالتأكيد "عربية سعودية" نفطية جديدة، وسوف تقوم الشركات الكبرى بإلقاء قواها الأخيرة في المعركة. "عصر البترول، عالي الجودة، ورخيص الثمن، وسهل الاستخراج، انتهى"، يقول السيد مولر. لا بد من مزيد من الاستثمارات، ومزيد من الطاقة لاستخراج المواد الأولية للطاقة التي تباع دائما بسعر أعلى. وعليه، يتعين على القائمين على النفط أن يرفعوا التحديات التقنية، وأن يجازفوا أكثر، سياسيا وماليا. ولا شك أن هذا التأجيل الذي يمنحونه لأنفسهم سوف يجعل تسوية المعادلة المناخية أكثر صعوبة وتعقيد
ففي مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية، كتب رئيس مجلس إدارة مؤسسة كمبريدج لبحوث الطاقة دانيال يرجين يقول إن محور الطاقة الجديد يمتد من مقاطعة ألبرتا بكندا مرورا بولاية داكوتا الشمالية وجنوب تكساس، ومن اكتشاف نفطي ضخم قبالة ساحل غويانا الفرنسية إلى مخزونات نفطية بحرية هائلة بالقرب من البرازيل.
وينطوي هذا التحول على أهمية كبيرة بالنسبة للعرض والسياسة النفطية العالمية ذلك أنه يحدث من قبيل المصادفة تقريبا وليس في سياق خطة كلية أو سياسة رئيسية.
وقد ظلت خريطة العالم النفطية طوال خمسة عقود ونيف تتمحور حول منطقة الشرق الأوسط. وكانت كل التكهنات تقريبا تشير إلى أن اعتماد الولايات المتحدة على الإمدادات النفطية من الشرق الأوسط مرشح للازدياد على الرغم من اكتشاف مصادر جديدة للطاقة في مناطق أخرى.
ولطالما ظل السعي لتبني "سياسة نصف كروية للطاقة" للولايات المتحدة مثار نقاش منذ أزمة الإمدادات النفطية في سبعينيات القرن الماضي.
وقد استند مفهوم "الطاقة النصف الكروية" في السبعينيات والثمانينيات على دعامتين هما: فنزويلا، التي كانت مصدرا معتمدا للنفط منذ الحرب العالمية الثانية، والمكسيك التي عاشت طفرة نفطية هائلة حوّلتها من دولة مستوردة للنفط إلى مصدر رئيسي له.
ومنذ وصول هوغو شافيز إلى كرسي السلطة لم تعد فنزويلا على ما يبدو تلك الدعامة التي يمكن الاعتماد عليها بالنسبة للولايات المتحدة.
أما المكسيك، التي يشكل النفط فيها 35% من عائدات الحكومة، فتعاني من تدني الإنتاج، وقد تصبح مستوردة له في وقت لاحق من العقد الحالي ما لم تطرأ إصلاحات على قطاع النفط والاستثمار الأجنبي.
الاكتشافات العلمية
وتستند السياسة النفطية الجديدة على مصادر لم يكن لها دور كبير في السنوات الأخيرة، لكن ذلك الدور بدا ممكنا الآن بفضل الفتوحات والتقدم في مجال التكنولوجيا.
"
سيتدفق ذلك النفط الذي كان يتجه يوما من الأيام غربا، نحو الشرق إلى حيث الأسواق الآسيوية الصاعدة. وهو ما قد يؤشر إلى تحول جيوسياسي كبير وبما يعنيه ذلك من تزايد رهان الاقتصادات الآسيوية على استقرار الإمدادات النفطية من الشرق الأوسط
"فخلال أكثر من عشر سنوات بقليل تحولت رمال كندا النفطية من مصدر هامشي إلى مورد رئيسي للنفط، إذ يبلغ إنتاجها اليوم من تلك الرمال 1.5 مليون برميل يوميا أي أكثر مما كانت تصدره ليبيا قبل ثورتها ضد القذافي.
ويمكن لرمال كندا النفطية أن تضاعف إنتاجها إلى ثلاثة ملايين برميل في اليوم بحلول العقد المقبل. وستجعل هذه الزيادة من كندا منتجا نفطيا أكبر من إيران، وخامس أكبر منتج في العالم بعد روسيا والسعودية والولايات المتحدة والصين.
وهناك في الطرف الآخر من محور النفط بنصف الكرة الأرضية الغربي تقع البرازيل التي تملك مخزونات كبيرة من النفط.
أما التطور الرئيسي الثالث في مجال الإمدادات النفطية فقد حدث في الولايات المتحدة بفضل تكنولوجيا غاز الطُفال أو الصلصال في ولاية داكوتا الشمالية.
وحدث تطور مماثل في أجزاء أخرى من الولايات المتحدة وتحديدا في جنوب وغرب تكساس.
ومن شأن هذه التطورات الثلاثة أن تُحدث تغييرا جوهريا في انسياب النفط عالميا. ومع ذلك سيظل نصف الكرة الغربي بحاجة لإمدادات نفطية من باقي أرجاء العالم.
غير أن تلك الحاجة قد تتراجع إلى ما دون النصف بحلول العام 2020، مما يعني تراجع الواردات من الشرق الأوسط وغرب أفريقيا.
وسيتدفق ذلك النفط الذي كان يتجه يوما من الأيام غربا، نحو الشرق إلى حيث الأسواق الآسيوية الصاعدة. وهو ما قد يؤشر إلى تحول جيوسياسي كبير وبما يعنيه ذلك من تزايد رهان الاقتصادات الآسيوية على استقرار الإمدادات النفطية من الشرق الأوسط.
وسيثير ذلك تساؤلا كبيرا في السنوات العديدة القادمة هو: كيف سيتسنى للقوى الكبرى أن تتشاطر في ما بينها مسؤولية استقرار الخليج العربي؟
بالنسبة لنصف الكرة الغربي فإن التحول يعني تدفق مزيد من النفط من الشمال إلى الجنوب ومن الجنوب إلى الشمال بدلا من تدفقه من الشرق إلى الغرب.
كل ذلك يعكس كيف أن الأفكار والاختراعات الجديدة تعيد رسم خريطة العالم النفطية، وتعيد صياغة مستقبل الطاق
إذا كان الإسلام ، ومن ضمنه إيران ، العدو الإستراتيجي والثقافي لأمريكا فإن الصين ، بالتأكيد، هي العدو الإقتصادي على المدى الطويل .
لأمريكا أسباب عدة لإستعداء إيران ، ليس أقلها تطورها إلى قوة إقليمية مركزية تهدد مصالح العم سام النفطية في المنطقة . لكن هل من سبب لإستعداء الصين ؟
نعم ، يجيب خبراء الطاقة الدوليون . فالصين تنافس الولايات المتحدة على مصادر الطاقة في كل مكان . كبير الخبراء الأمريكيين الدوليين في صناعة النفط دانيال يرجين أكد انه حتى العام 1993 كانت الصين مكتفية ذاتياً في النفط . منذ ذلك التاريخ تعاظم ناتجها المحلي القائم ثلاثة أضعاف وازداد طلبها على النفط بمقدار الضعفين . في العام 2005 استوردت الصين نحو 3 ملايين برميل من النفط يومياً ، ما يشكّل سنويا نحو نصف استهلاكها الإجمالي منه . وبينما ينمو الطلب العالمي على النفط نحو 7 ملايين برميل يوميا منذ العام 2000 ، فإن أكثر من 2 مليون برميل من هذا النمو اليومي ذهب إلى الصين .
بإختصار ، يقول يرجين إن الطلب على النفط عالميا في نموٍ متصاعد بالمقارنة مع العرض . فالإستهلاك اكبر بكثير من الإنتاج الآخذ بالتراجع . إن إقتصاد الصين المتزايد النمو بمعدلات كبيرة يبدو شرها للغاية ما يضطرها الى منافسة الولايات المتحدة على النفط ، لاسيما على نفط منطقة الخليج . ففي العام 2020 ، ستستورد أمريكا 70 في المئة من نفطها . كذلك ستفعل الصين ، ما يعني إزدياد إعتمادها على مصادر النفط الخارجية وتعرّض مستورداتها إلى مخاطر النقل البحري في المواقع الساخنة .
لطالما بدت الولايات المتحدة بنظر العالم بلدا مسرفا في استخدام الطاقة لأنها تستهلك اكثر مما تنتج منها، لكنها باتت الآن بفضل تكنولوجيا المياه العميقة والتكسير الهايدروليكي تنتج نفطا اكثر من أي وقت مضى من قبل بل وهي تفاجئ العالم اليوم بمكانتها المتزايدة قوة كبلد منتج للنفط الخام.
هذه المكانة يتناولها دانييل يرجين ابرز مؤرخي احداث وتطورات صناعة النفط بالعالم خلال لقاء مع صحيفة «وول ستريت جورنال» يتحدث فيه حول ما يصفه ب«نهضة النفط الامريكي» ومصافيها العميقة بالنسبة للولايات المتحدة في هذا العالم المتغير.
ويقول يرجين انه في آخر انتخابات رئاسية قبل اربع سنوات كانت الولايات المتحدة تقترب من مرحلة نضوب النفط لكن انتاج النفط الامريكي نما منذ ذلك الحين وحتى الآن بنسبة %25 تقريبا.
وسبب هذا هو ان التكنولوجيا الحديثة فتحت ابوابا ما كان احد يعتقد ان بالامكان فتحها.
ويتوقع الآن نموا كبيرا في انتاج النفط خلال بقية هذا العقد.
ولو اخذت بعين الاعتبار ما يحدث في الولايات المتحدة، وما يحدث في البرازيل وكندا لرأيت ان هناك اعادة للتوازن في سريان النفط اذ سوف يتمكن النصف الغربي للكرة الارضية مع نهاية هذا العقد من استيراد كميات ضئيلة جدا من النفط من نصف الكرة الشرقي.
ولا شك ان هذا التطور سيبدل المنظور الجيوبوليتيكي للطاقة اذ سوف تصبح الولايات المتحدة اكثر اكتفاء نسبيا واقل اعتمادا على الطاقة الاجنبية وهذا ما سيوفر للامريكيين احساسا اكبر بالاستقرار.
واوضح ان انتاج الولايات المتحدة من الغاز المستخرج من الصخر الصلصالي كانت %2 في بداية القرن، لكن نسبة انتاجها من هذا الغاز تصل الآن الى %40 تقريبا، والحقيقة ان استعمال التكنولوجيا الحديثة في مناطق جديدة وبناء حقول نفطية انعشا انتاج النفط في الولايات المتحدة.
وخلال القرن الاول من صناعة النفط كانت الولايات المتحدة المنتج المهيمن في العالم، فقد كان كل ستة من اصل سبعة براميل تستخدمها قوات الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية تأتي من الولايات المتحدة، غير انها ما لبثت ان اصبحت بعد انتهاء الحرب مستوردا رئيسا للنفط لتصبح خلال عقد سبعينيات القرن الماضي مستوردا كبيرا له.
غير ان الانعطاف بدأ قبل بضع سنوات فبينما كانت تستورد %60 من الخام من الخارج عام 2005، تراجعت هذه النسبة اليوم الى %42، وهذا تحول كبير بل وسوف يستمر هذا الانخفاض مع زيادة الانتاج الداخلي ومع استخدام السيارات على نحو اكفأ.
صحيح اننا لن نعود الى مكانتنا السابقة كمصدر رئيسي للنفط في العالم لكن انتاجنا سيواصل النمو، وهذا تحول عظيم.
والسبب الاول في هذه الزيادة هو القدرة الجديدة على استخدام تكنولوجيا معينة لحقول النفط تم تطويرها لاستخراج الغاز من الحقول الصلصالية، انها المبادرة، التكنولوجيا والافكار المختلفة واستعداد المعنيين بها على تطبيقه
التفكير والتأمل حول المستقبل يبدآن إلى حد كبير من خلال إعادة النظر في الماضي، أي ماضي المجتمع والثقافة، لتعرف القوى والعوامل التي تساعد على استمرار وجود ذلك المجتمع وتلك الثقافة، والتي تلعب دوراً أساسياً في نموهما وتطورهما، وتهيئ الأرضية التي ترتكز عليها الأوضاع الجديدة الناجمة عن تلك التطورات.
كانت الطاقة دائماً إحدى هذه القوى والعناصر التي انتبه إليها كثير من المفكرين والعلماء فرصدوا أشكال الطاقة المتغيرة على مر العصور وعلاقتها بدرجة التقدم أو التخلف وأسلوب الحياة المرتبط بتلك الأشكال، وذلك على اعتبار أن موضوع الطاقة هو في آخر الأمر موضوع اجتماعي وثقافي لارتباطه بحياة الفرد والمجتمع.
ولقد انتبه علماء الأنثروبولوجيا في أواخر القرن التاسع عشر إلى هذه الحقيقة، وأدركوا عمق العلاقة بين توفير الطاقة واستهلاكها من ناحية، والمستوى التكنولوجي من ناحية ثانية ودرجة التقدم الحضارى من الناحية الثالثة. فالطاقة والتكنولوجيا تتداخلان معاً في علاقة ترابط وتفاعل قوية على اعتبار أن التكنولوجيا تعتمد كلية على الطاقة، وأن عدم السيطرة على الطاقة وتوجيهها لمصلحة المجتمع قد تكون لها آثار سيئة، ويكفي أن نتذكر كيف أن ارتفاع درجة الحرارة في الموجة التي اجتاحت أوربا عام 2003 أدت إلى وفاة حوالي 52000 نسمة نتيجة الإخفاق في التحكم في الطاقة بالشكل المناسب وفي الوقت المناسب.
ولقد كان عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي الكبير ليزلي وايت Leslie White من أوائل العلماء الذين كتبوا في الموضوع مميزاً بين مراحل التطور البشري عبر التاريخ على أساس نوع الطاقة المبذولة وبالتالي تبيين العلاقة بين درجة التقدم ونوع الطاقة وطبيعة التكنولوجيا الناجمة عن تلك الطاقة. وليس من شك في أن ليزلي وايت كان متأثراً في ذلك بالمفكر الأمريكي لويس هنري مورجان، وكتابه الذي أحدث ضجة هائلة وقت صدوره وهو كتاب المجتمع القديم Ancient Society الذي اعتبره الكثيرون بأنه المسئول عن توجه كارل ماركس الأيديولوجي، وكان ذلك سبباً في وضع القيود على تدريس الكتاب في الجامعات الأمريكية لعقود طويلة، وقد انعكس ذلك على حياة ليزلي وايت لبعض الوقت على اعتبار أنه من أشد أنصار التطورية الجديدة.
ولقد ميز ليزلي وايت في هذا الصدد بين خمس مراحل على أساس التفاوت في استخدام الطاقة أو على الأصح الاختلاف في نوع الطاقة المبذولة والمصادر التي تستمد منها تلك الطاقة ومدى فاعليتها في إشباع احتياجات المجتمع. ففي البداية كان الإنسان يستخدم قواه الفيزيقية والعضلية في العمل، ثم أعقب ذلك مرحلة كان يستعين فيها بطاقة الحيوانات المستأنسة قبل أن يعرف في المرحلة الثالثة طاقة النبات المرتبطة بظهور الثورة الزراعية الأولى، التي انتقل منها إلى الاستعانة بالطاقة المتولدة من بعض المصادر الطبيعية التي تحتاج منه إلى بذل كثير من الجهود لاستخراجها من باطن الأرض، والمتمثلة في الفحم وقيام الثورة الصناعية ثم العثور على البترول، وذلك قبل أن تجيء المرحلة الخامسة والأخيرة، والتي يعيش فيها الإنسان المعاصر، وهي مرحلة الطاقة النووية، التي لم تستخدم حتى الآن على الوجه الأمثل، والتي يبدو أنها تهيئ الطريق لظهور مرحلة جديدة لم يتكلم عنها كثيراً، ولكنها تثير خواطر المفكرين الآن، لأنها هي التي سوف تحدد صورة مجتمع وثقافة وإنسان الغد.
قياس التطور الثقافي
وقد أفلح ليزلي وايت في دفع نظرية التطور الثقافي خطوات إلى الأمام، على الرغم من ميل معظم أنثروبولوجي القرن العشرين إغفالها أو حتى التنكر لها بعد ظهور النزعة الوظيفية في كتاباتهم وانتهاء النزعة التطورية، التي سيطرت على فكر القرن التاسع عشر. وأفلح وايت في ترجمة نظريته إلى معادلة يقيس بها درجة التطور الثقافي والاجتماعي، حسب نوع وكمية الطاقة المستخدمة، وبالتالي نوع التكنولوجيا المرتبطة بذلك. وتظهر هذه المعادلة على النحو التالي:
E X T = C على اعتبار أن (energy (E- الطاقة - أو مقدار الطاقة التي ينتجها الفرد ويتحكم فيها ويستنفدها خلال العام أو على مدار السنة الواحدة - مضروبة في (technology (T التكنولوجيا أي مدى كفاءة الآلات المستخدمة في تسخير تلك الطاقة والتحكم فيها واستغلالها في سد احتياجات المجتمع، بينما ترمز (culture (C إلى الثقافة، وبالتالي إلى درجة تقدم المجتمع وأسلوب الحياة ونوع الأنشطة السائدة فيه والتى تعبر عن ذلك التقدم. والنتيجة التي يخلص إليها ليزلي وايت هي أن تحكم الإنسان في الطاقة هو الذي يحدد درجة تقدمه. فالتكنولوجيا إذن هي محاولة لحل مشكلات الوجود واستمرار الحياة، ومن هذه الناحية وفي حدود هذا الفهم فإن هذه المحاولة تعني في آخر الأمر ضرورة الحصول على قدر كاف من الطاقة وتسخيرها لسد احتياجات البشر، وأنه كلما ارتفع وزاد مقدار الطاقة التي يحصل عليها المجتمع مع ارتفاع مستوى كفاءة استخدامها، أفلح المجتمع في تحقيق مستوى أعلى من التقدم والتميزعلى غيره من المجتمعات، وأن هذا هو المعيار الحقيقى الذي يجب أن يقوم عليه تصنيف المجتمعات الإنسانية خلال كل مراحل التاريخ من ناحية، وتصنيف المجتمعات الحالية من الناحية الثانية. ويلخص وايت نظريته بقوله «إن القانون الأساسي للتطور الثقافي هو أن الثقافة تتطور وتتقدم تبعا لزيادة حجم الطاقة الذي يتم التحكم فيه بالنسبة للفرد في السنة، وتبعا لكفاءة الوسائل الآلية التي تؤدي إلى تفعيل تلك الطاقة»، ولذا فإن التقدم والتطور يتأثران بمستوى ونوعية وكفاءة ودقة الأساليب الآلية التي يتم عن طريقها التحكم في الطاقة وفي تفعيلها، وتبعاً لازدياد حجم الطاقة المستخدمة .. فالنظرية تعتبرالعامل التكنولوجي أهم عنصر في عملية التطور الاجتماعي المعقدة.
ماذا بعد نضوب الطاقة؟
وقد استغرق التطور البشري مئات بل آلاف القرون منذ ظهور الإنسان الأول، إلى أن وصلت الحضارة إلى ماهي عليه الآن بفضل الجهود المتواصلة التي بذل فيها البشر كثيراً من الطاقة بأشكالها المختلفة، حتى وإن لم يدركوا كنه وطبيعة تلك الطاقة. ولذا فالسؤال الذي يشغل بال الكثيرين الآن هو؛ ماذا سيحدث لهذه الحضارة، بل وللجنس البشرى بوجه عام إذا مانضبت المصادر المعروفة للطاقة ؟ وليس من شك في أن هذا الهاجس يثير القلق الآن على المستوى العالمى وإن كان بعض المفكرين يتكلمون عما يسمونه «أسطورة» نضوب مصادر الطاقة، وأن الدول الكبرى هي التي تشيع هذه الأسطورة لأسباب سياسية في المحل الأول، وأن أمريكا بالذات تقف وراء هذه الأسطورة، لأن معدل استهلاك الفرد الأمريكي من الطاقة على مدار السنة يفوق معدل الاستهلاك العالمي بخمس مرات ونصف المرة. بل إن هناك مَن يتساءل وهو تساؤل مشروع عما سيكون عليه الوضع بعد عقود قليلة إزاء التزايد السكانى الرهيب، وبخاصة إذا ما ارتفعت معدلات استهلاك الطاقة على المستوى العالمى بحيث تقترب من المعدل في أمريكا.
بيد أن هذه النظرة (المتشائمة) التي تسيطر على تفكير الكثيرين من علماء الفيزياء والبيولوجيا، بل والمهندسين تجد في مقابلها من يبشر بأن عالماً جديداً تماماً وبديلاً إلى حد كبير عن عالمنا الراهن آخذ الآن في التشكّل، وأن ثمة خططاً كثيرة مدروسة دراسة وافية، ترتكز إلى أفكار ورؤى عميقة حول إمكان التوصل إلى مصادر لأنواع عدة من الطاقة البديلة، بحيث يمكن الاستغناء عن الاقتصاد القائم على مصادر الطاقة التقليدية كالفحم والبترول، وأن ذلك سوف يتحقق خلال العقود القليلة المقبلة، كما أن أساطين تكنولوجيا الطاقة يشعرون بالتفاؤل حول المستقبل ويرون أن التغيرات -التي يصعب تصوّر مداها الآن - سوف تؤدي إلى قيام ذلك العالم الجديد والفريد، نتيجة التوصل إلى مصادر للطاقة المتجددة أو المستدامة التي سوف تحل محل المصادر التقليدية الحالية المهددة بالنضوب والاستنزاف، وإن كان الواقع العياني يقول إنه لايوجد حتى الآن بديل حقيقى يمكن الاعتماد عليه في تحقيق استمرار الحياة بالمستويات والمعايير الحالية، وأن مقولة احتمال اختفاء الحضارة الحالية باختفاء مصادر الطاقة التقليدية التي يقوم عليها الاقتصاد العالمي الآن مقولة فيها قدر كبير من الصدق والواقعية وأن قانون وايت يجب أن يؤخذ بالجدية الكافية بالرغم من صدوره من عالم أنثروبولوجي مفروض فيه أنه بعيد بحكم تخصصه عن الحديث في المجالات العلمية الدقيقة، وهم في ذلك ينسون نقطة الانطلاق في تفكير وايت وأمثاله من الأنثروبولوجيين، الذين يعتبرون مشكلة الطاقة مشكلة اجتماعية وثقافية في المحل الأول. وليس من شك في أن وايت هو أول عالم أنثروبولوجي تكلم بوضوح وثقة عن قوانين «الديناميكا الحرارية» Thermodynamics في الدراسات الأنثروبولوجية لدرجة أن هناك من يصفه بأنه «رسول القانون الثاني إلى الأنثروبولوجيا». وكتابه المهم الذي يعتبر من كلاسيكيات النظرية الأنثروبولوجية في التطورية الجديدة، وهو كتاب علم الثقافة The Science of Culture، يستدل من عنوانه على اتجاهه في دراسة الثقافة والمجتمع، حيث يصف الثقافة صراحة بأنها علم، وأنها يجب أن تدرس على أساس قياس استهلاك الطاقة الذي يشير إلى درجة التقدم. وهذا هو أساس ماأصبح معروفا في الأوساط الأنثروبولوجية باسم «قانون وايتWhite s Law ». وإن كان تجاوز حد معين من ذلك التقدم التكنولوجي قد تكون له نتائج عكسية على نمط الحياة والعلاقات بين البشر وأنماط القيم المتوارثة.
تحديات البيئة والمناخ
والسؤال الذي يلح على أذهان الكثيرين من العلماء والمفكرين ورجال السياسة بوجه عام هو كيف يمكن توفيرالطاقة اللازمة لجميع سكان كوكب الأرض الآن وفى المستقبل بحيث تغطي كل احتياجاتهم المتزايدة، مع عدم إلحاق الأذى والدمار بالبيئة، وبخاصة في الوقت الذي يواجه فيه العالم كثيراً من التحديات الناجمة عن التغيرات المناخية والمخاوف من تلوث البيئة. وليس من شك في أن العجز عن التغلب على هذه الأوضاع الصعبة والتوصل إلى مصادر جديدة للطاقة النظيفة أيا مايكون معنى هذه الكلمة سوف تنجم عنه آثار اجتماعية واقتصادية وسياسية خطيرة على المستوى الدولي وقيام اضطرابات وقلاقل داخلية في كثير من مناطق العالم وتغيرات في أساليب الحياة قد تؤدي في آخر الأمر إلى الصراع المسلح والحروب على مصادر الطاقة المتناقصة.
وعلى أي حال فالظاهر أنه ليس ثمة مفر أمام المجتمع الإنساني من أن يتحول إلى مصادر أخرى للطاقة، أو أن يعمل على تخفيض المعدلات الحالية لاستهلاك الطاقة بشكل درامي محسوس وأن يتحمل المصاعب والمتاعب التي تترتب على ذلك، أو أن يفلح في العثور على مصادر جديدة لاتنضب بمرور الزمن، ويمكن ضمان الاعتماد عليها حتى في المستقبل غير المنظور كما هو الحال بالنسبة لاستخدام الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح أو طاقة أمواج البحار والمحيطات، وكلها احتمالات تراود الخيال البشري الإبداعي في محاولاته المستميتة للخروج من الخطر الذي يحيط بالحضارة الإنسانية إذا نضبت مصادر الطاقة الحالية قبل الحصول على البديل الأكثر كفاءة ونظافة والأقل تكلفة، خاصة بعد التردد في الاعتماد على الطاقة النووية في كثير من الأوساط لارتفاع تكليفها وعدم الوثوق تماما من درجة الأمان الذي يتحقق مع استخدامها.
مزارع الرياح
وقد تكون هناك بدائل جاهزة أو يمكن بقليل من الجهد تذليلها واستخدامها بفاعلية وأمان، ولكن تقف دون ذاك اعتبارات أخلاقية وإنسانية كما هو الوضع بالنسبة للتحول إلى الوقود الحيوي Biofuel الذي قد يؤدي إلى حدوث اضطرابات في موارد الغذاء العالمي، أو كما هو الشأن بالنسبة لاستغلال طاقة الرياح عن طريق إنشاء مايعرف باسم «مزارع الرياح Wind Farms» وبخاصة بالقرب من شواطئ البحار الواسعة المفتوحة والمحيطات، ولكن حتى هذه الوسيلة بالرغم من قلة تكاليفها ليست مضمونة كل الأوقات إذ من الصعب التحكم في هبوب الرياح بالقوة الكافية طيلة الوقت، أو كما هو الحال بالنسبة لإمكان توليد الطاقة من أمواج البحار والمحيطات، فبالرغم من وجاهة الفكرة من الناحية النظرية فإن هناك من يصفها بأنها مجرد أسطورة خيالية. ولم يبق بعد ذلك غير الاعتماد على الشمس كمصدر مأمون ودائم وفعال لتوفير الطاقة اللازمة لآلاف القرون، وإن كانت المسألة لاتزال في حاجة إلى كثير من البحوث.
بل إن هناك من يتساءل حول إذا ماكانت كل تلك المصادر البديلة تستطيع أن توفر من الطاقة مايعوض معدلات الاستهلاك المتزايدة نتيجة للتقدم التكنولوجي وازدياد احتياجات البشر في المستقبل. فالمشاهد الآن وفي ضوء التجربة الحالية أن الصناعة مثلا تستهلك من الطاقة والبترول أكثر مما يتم كشفه وضخه، بحيث قد يأتي اليوم الذي لا تكفي فيه كل الطاقة المتولدة من المصادر التقليدية والحديثة المألوفة مواجهة تلك الاحتياجات. والأمر لايخلو في النهاية من بعض المفارقات التي تثير الأسى وتحتاج إلى كثير من التفكير والتأمل حول مستقبل الحضارة الإنسانية إن استمر الوضع على ماهو عليه. ومبعث المفارقة هو أنه في الوقت الذي يعتبر فيه تناقص إمدادات مصادر الطاقة في الدول المتقدمة تهديداً لوجود الحضارة والمحافظة على أساليب الحياة المتقدمة في تلك الشعوب يوجد حوالي بليوني نسمة، محرومين تماماً من كل أشكال الطاقة الحديثة، ويعتمدون على الطاقة العضلية والحيوانية، التي سادت في عصور ماقبل التاريح وفى الحقبة الأولى المبكرة من المراحل الخمس التي تكلم عنها ليزلي وايت. وهذه مشكلة أخلاقية في المحل الأول. ولكن بالرغم من كل هذه الصعوبات وفي وسط هذه المخاوف تبزغ نظرة متفائلة ترى أن اكتشاف واستخدام أنواع الطاقة البديلة أيا ما يكون مصدرها- سوف يحقق للإنسانية من الرخاء والرواج والازدهار أكثر مما تحققه الآن تكنولوجيا المعلومات. ولكن مجلة الإيكونوميست The Economist البريطانية تتساءل في عددها الصادر بتاريخ 19 يونيو 2008 في مقال بعنوانThe Future of Energyعن متى يتحقق ذلك؟ وبالرغم من نبرة الشك التي يحملها هذا التساؤل فإنها تنهي المقال بقولها : «دعونا نأمل خيرا بالنسبة للطاقة وبالنسبة لكوكب الأرض
*كتاب النزهة على القمر مع اينشتاين
(Moonwalking with Einstein)
ترجع أهمية كتاب جوشوا فوير، «المشي على القمر مع اينشتاين»، الى أن كل أنسان يتمنى الحصول على ذاكرة فوتوجرافية تمكنه من تذكركل شئ...البعض يرى ذلك مستحيلا ولكن الكتاب الذى أعجب بيل جيتس بل وتجاوز الاعجاب الى حد المساعدة على أصداره يؤكد لنا أن هذا فى متناول الجميع .. ولكنه يحتاج الى أصرار وأستمرار لتدريب الذاكرة ..يقول فوير «أصبحت مهووساً بتدريب ذاكرتي»، ويشرح الطريقة التي يتبعها في ذلك فيقول ان دماغ الإنسان مجهز لحفظ ذكريات الأشياء المادية. وهكذا عن طريق ربط الأفكار المجردة بصور حية. وتلك هي الطريقة التي فضلها مفكرون من العصور القديمة والوسطى أمثال شيشرو، والقديس توما الأكويني، واستخدموها لتطوير ملكات الخطابة و هناك أشخاص يستطيعون حفظ قوائم مكونة من آلاف الارقام، وترتيب جميع البطاقات بأعداد مهولة كل هذا يطرحه جوشوا فوير بوصفه تقنية تدعي قصر الذاكرة، ويظهر أهم خصائصها وهي ان الجميع يستطيع تطبيقها ولقد طبقها هو على نفسه...و الكاتب جوشوا فويرمثل كل الناس كان يقضي حوالي 40 يوماً كل عام ليقوم فيها بأشياء للتعويض عن أمور نسى أن يفعلها قبل ذلك وهو لم يكن استثناء عن هذه القاعدة التي تنطبق على غالبية الناس، ولكن بعد أن خضع لمدة عام لتدريبات خاصة بتقوية الذاكرة، وجد نفسه يخوض مسابقات نهائيات بطولة الولايات المتحدة في قوة الذاكرة. وأكتشف حقيقة كثيراً ما تغيب علينا جميعاً، وهي أننا نحن البشر، بشكل ما، خلاصة الذكريات التي نحتفظ بها. ويعتمد جوشوا فوير في كتابه (النزهة على القمر مع أنشتاين) على أحدث الأبحاث التي تتعلق بالذاكرة، ليقدم مجموعة من الخدع التي تساعد على تغيير فهمنا لكيفية تشكل الذاكرة لدى الإنسان. بإشراف مجموعة من أفضل مدربي الذاكرة. لنتعلم مع جوشوا فوير تقنيات وأساليب قديمة كانت تستخدم في العصور الوسطى للمساعدة على حفظ وتذكر كتب كاملة تتألف من مئات الصفحات. من خلال استخدام أساليب تكاد تكون منسية حالياً، ليكشف الكاتب لنا ،أننا جميعاً نستطيع تحسين ذاكرتنا بشكل كبير.
ومن خلال تجربة جوشوا فوير مع مجموعة من المتنافسين في مجال الذاكرة تعلم كيف يطبق تقنيات تستدعي الخيال والإرادة، مثل نظام (PAO) الذي يحول الأرقام إلى صور متوهجة،وينقلها إلى قصر الذكريات الذي يحتفظ بالذكريات في غرف لها بنية وتركيبة خيالية. وتظهر تجربة جوشوا فوير أن مسابقات بطولة العالم في الذاكرة تتعلق بالتحمل والإبداع أكثر منها بمجرد اختبار بسيط للذاكرة. وعامة الربط الصوري، هي أفضل الطرق للتذكر، رغم أن عقلنا لا يتصرف ككاميرا ديجيتال أو يحفظ الصور على شريحة ذاكرة، إلا أن ربط الأحداث بالصور أو المكان الذي حدث فيه يساعد كثيراً على عملية التذكر، فعندما تزور مكاناً ما ويحصل فيه اجتماع مهم، تذكر المزهرية الموضوعة على الطاولة، أو اللوحات المعلقة على جدار المكان.ومن أجل البحث في موضوع الذاكرة يذهب جوشوافوير الى كافة أرجاء الولايات المتحدة. في سان دييجو فيقابل رجلاً متقدماً في السن.، يعاني حالة متقدمة من فقدان الذاكرة هي الأكثر حدة من بين جميع حالات فقدان الذاكرة المسجلة، ويتعلم جوشوا من لقائه بهذا الرجل أن الذاكرة أكثر غموضاً وقابلية للثقة مما كنا نعتقد سابقاً. وفي مدينة سولت ليك، يتبادل الكاتب بعض الأسرار مع عالم يدعي أنه حفظ عن ظهر قلب أكثر من تسعة آلاف كتاب. وفي المدرسة الثانوية في برونكس، يلتقي الكاتب مع أستاذ تاريخ يستخدم تقنيات قديمة جداً لتقوية الذاكرة ويعلمها لطلابه حتى يتمكنوا من التفوق في الاختبارات.و يحاول جوشوا فويرمن خلال تلك اللقاءات بعث وإنقاذ فن الذاكرة المنسي بسبب الأجهزة الإلكترونية الحديثة التى حلت محل ذاكرتنا وجعلتها تبدو مجرد أداة عفا عليها الزمان ويعيد تقديمه كحاجة ملحة في هذا العصر.
الطريف أن جوشوا فوير، ألف أول كتاب له «المشي على القمر مع اينشتاين»، لتفسير «فن وعلم الذاكرة»، الذى بدأت الضجة بسببه منذ عام 2006 عندما كان جوشوا في 23 سنة، حيث تلقى مبلغ 1.2 مليون دولار سلفاً لنشر نظريته في فيلم. فقد يكون سبباً بسيطاً في تغيير العالم، مع أن اختبار فوير لمقدرتنا على تذكر التجارب والأفكار المجردة ستطرح أسئلة مهمة حول طبيعة عمل ذاكرة الإنسان ودورها في المجتمع الانترنتي الحديث. وهذا الكتاب بدأ كمقالة صغيرة حول المباريات عن الذاكرة في أميركا، وهي مناسبة يتسابق فيها المشاركون من «الرياضات العقلية» فيما بينهم لتذكر أرقاماً من 300 مفردة digit، وترتيب للبطاقات المختلطة ببعضها. ويصفها فوير بأنها «مواجهة صغرى بين العمالقة».ولكن لدى مشاهدة الحدث أصبح متعلقاً بإصرار المتنافسين على أنهم ليسوا موهوبين بالفطرة، لكنهم استخدموا تقنيات معينة لتنشيط وتعويد ذاكرتهم على الحفظ والتذكر. وهذا ما دفعه للاشتراك بالمسابقة «كوسيلة لممارسة الصحافة التشاركية»، والغريب أنه ربح المركز الأول في أميركا. ، ويشرح الطريقة التي تبعها لتحقيق ذلك فيقول :ان دماغ الإنسان مجهز لحفظ ذكريات الأشياء المادية. وهكذا عن طريق ربط الأفكار المجردة بصور حية مكانية أصبح ممكناً حفظ مقادير كبيرة منها. وهذه هي الطريقة التي فضلها مفكرون من العصور القديمة والوسطى أمثال شيشرو، القديس توما الأكويني، واستخدموها لتطوير ملكات الخطابة والدين.والآن يحول فوير موهبته الاستثنائية لأهداف أنفع. فكتابه يتوسع ليكون بحثاً تاريخياً وعلمياً عن موضوعه. وهو يشارك شقيقه فرانكلين في ذاكرته القوية، للبحث في مجال البيولوجيا المتعلقة بالتطور.وإحدى الطرق الشهيرة لتنشيط الذاكرة هي ما يسمى ب"'Method Acting" وهو ما يسمى بتقمص الطريقة، وهي الطريقة التي يعتمد عليها الممثلين الشهيرين روبرت دي نيرو وآل باتشينو لأداء أدوراهما، وهي تعتمد على كشف الحوافز التي تدفع لعمل ما ،ومن ثم ربطها بالعواطف المشاركة معها، وهذا أيضاً ينفع مع الذاكرة، فعندما تربط ما تفعله بما دفعك أن تفعله فسيكون سهلاً جداً أن تتذكره.
وفى الواقع أن التقسيم، إحدى الطرق النمطية لحفظ الأرقام بالذات، وهو عندما يكون عندك مجموعة كبيرة من الأرقام تعمد إلى تقسيمها إلى مجموعات أصغر ومن ثم حفظها بعمل روابط بينها. والربط الرقمي هو أيضاً طريقة مبتكرة لحفظ الأشخاص، فمثلاً ممكن أن تعطي الرجل بالشوارب رقم "7′′، أو تعطي المرأة بالشعر الأصفر رقم "9′′ بهذه الطريقة سيسهل عليك كثيراً تذكر الأشخاص عندما تشير إليهم برقم ما.
وهناك أيضا وسيلة ربط الأشياء القديمة بالحديثة، وهي ما يستخدم عند تعلم طرق حديثة لعمل أشياء اعتدت أن تفعلها بطرق أخرى، أو عندما تبدأ بعمل أشياء جديدة تكون مشابهة لأشياء أخرى، فتربطهما معاً للوصول إلى طريقة لتذكرهما الاثنين.
هذا إلى جانب الكثير من الطرق الأخرى التي بات يعتمدها كثيرين لتنشيط ذاكرتهم، ولكن يبقى الشيء الأهم، هو التدريب المستمر للذاكرة، بمقابلة أصدقاء قدامى، متابعة أفلام كلاسيكية، أو قراءة نسخ قديمة من الصحف والمجلات
ويحكى جوشوا فوير كيف إنتهى به الأمر الى الوصول الى نهائيات بطولة الولايات المتحدة الأميركية للذاكرة، وكيف كان ، قبل عامٍ في نفس القاعة، في الطابق التاسع عشر من مبنى كون أديسون بالقرب من ميدان الإتحاد في مانهاتن. ليكتب مقالةً قصيرةً عن ما كان يتصوره أن يُشبه مباراة نهائي بطولة دوري كرة القدم الأميركية تُقام هذه المرة بين جهابذة القوم وحكماؤهم.ولكنّ المشهد كان أقل من أن يكون صراع جبابرة: مجموعةٌ من الشباب (وبضعة نسوة)، يتفاوتون كثيراً في أعمارهم وعاداتهم الشخصية، يُحدّقون في صفحاتٍ من الأرقام العشوائية وقوائم طويلةٍ من الكلمات. كانوا يُشيرون لأنفسهم بأنهم رياضيون ذهنيون. فأفضلهم يمكنه أن يحفظ أسماء عشرات الغرباء من أولهم الى آخرهم في غضون بضع دقائق فقط وأن يحفظ آلاف الأرقام العشوائية في غضون أقل من ساعة و أن يحفظ أي شعرٍ تُعطيه أياه –ويحكى جوشوافرير عن تجربته فيقول :سألت إيد كوك، متنافسٌ من إنجلترا – وكان عمره 24 عاماً في حينها وكان يحضر الحدث الأميركي ليتمرن للبطولة العالمية للذاكرة لذلك الصيف – عندما أدرك للمرة الأولى بأنه كان جهبذاً عبقرياً.
"آه، أنا لستُ بجهبذ"، قال بضحكةٍ خافته.
"ذاكرةٌ فوتوجرافية؟"، سألته.
ضحك مرةً ثانية. "الذاكرة الفوتوجرافية اسطورةٌ بغيضة، لا وجود لها. في حقيقة الأمر، ذاكرتي عاديةٌ تماماً. وجميعنا هنا نملك ذاكراتٍ عادية".
بدا ذلك صعب التصديق في ظل حقيقة أنه كان يعرف مقاطع ضخمةً من الشعر الملحمي "الفردوس المفقود" عن ظهر قلب. وقد شاهدته قبلها وهو يذكر قائمةً تضم 252 رقماً عشوائياً بمثل السهولة التي يذكر فيها رقم هاتفه.
"ما عليك أن تفهمه هو أنّ الذاكرات العادية حتى هي ذاكراتٌ قويةٌ على نحوٍ رائعٍ إذا ما أُحسن استخدامها"، يقول كوك. وأوضح لي بأنّ المتنافسين في مسابقات الذاكرة يرون أنفسهم ك"مشتركين في برنامجٍ بحثيٍ للهواة" هدفه هو إنقاذ تقليدٍ فقدناه منذ وقتٍ طويلٍ ألا وهو تدريب الذاكرة.
ويقول "جوشوا فوير":اليوم نحن لدينا الكتب والصور والحواسيب والأجهزة الخارجية الأخرى لتساعدنا في حفظ ذاكراتنا خارج أدمغتنا، لكنّ الأمر لم يكُن مِن بعيد عندما كانت الثقافة تعتمد الذاكرات الفردية. فالذاكرة المُدرّبة لم تكن مُجرد أداةٍ في المتناول بل وأيضاً جانبٌ أساسيٌ في أي ذهنٍ في هذه الحياة. وكان يُعتبر شكلاً من أشكال بناء الشخصية، طريقةً لتطوير فضيلة الحكمة الجوهرية ، الأخلاق. فمن خلال الحفظ فقط، يقول المنطق، يمكن للأفكار أن تندمج في روحك وعقلك وللقيم أن تستوعبها نفسك.
كوك وجميع الرياضيين الذهنيين (mental athletes) الآخرين الذين التقيتهم ظلوا يُصرّون على أنّ أي أحدٍ يمكنه أن يقوم بما هم يقومون به. المسألة ببساطة كانت مسألة تعلُّم أن "تُفكّر بطرقٍ أكثر استحضاراً في الذاكرة"، باستخدام مجموعةٍ من التقنيات المُساعدة للذاكرة التي اختُرِعت كُلها تقريباً في اليونان القديمة.في ذلك الوقت، لم أُصدّق تماماً مزاعم كوك الجريئة حول الطاقة الكامنة الذاكرية الدفينة في كل واحدٍ مِنّا. لكنّ المزاعم بدت تستحق البحث فيها. وعرض عليّ كوك أن يكون مُعلّمي ومُدرّبي. حيث أصبح الاستذكار من روتين حياتي اليومية، مثل تنظيف الأسنان بخيوط التنظيف، عدا أنني سأتذكر في الواقع أن أقوم بالأمر.في عام 2003، تحدثت مجلة "الطبيعة" (Nature) عن ثمانية أشخاصٍ وصلوا المراحل النهائية في بطولات العالم الذاكرية. حيث نظرت الدراسة في مسألة ما إذا كانت أدمغة الحُفّاظ مختلفةً تركيبياً عن أدمغتنا نحن الباقون أم أنّهم كانوا فقط يُحسنون استخدام القدرات الاستذكارية التي نملكها جميعاً بالطريقة المُثلى.
حيث وضع الباحثون الرياضيين الذهنيين ومجموعةً من العيّنات المُسيطَر عليها في أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي وطلبوا منهم أن يتذكروا أعداداً تتألف من أرقامٍ ثلاثة وصوراً بالأبيض والأسود لأوجه أُناسٍ وصوراً مُكبّرةً لندفات الثلج في الوقت الذي كانت فيه أدمغتهم تُمسَح ضوئياً. وكان ما توصّلوا إليه مُفاجأةً لهم: فأدمغة الرياضيين الذهنيين لم تظهر فقط مُتعذّرة التمييز تشريحياً عن تلك العائدة للعينات المُسيطر عليها بل إنّ مجموع النقاط التي أحرزها الرياضيون الذهنيون في كل اختبارٍ من اختبارات المقدرة الذهنية العامة جاءت متأخرةً كثيراً لتكون ضمن المدى العادي. فعندما أخبرني كوك بأنه رجلٌ عاديٌ بذاكرةٍ عاديةٍ، لم يقُل ذلك ببساطة بقصد التواضع.
لكنّ الباحثين وجدوا أيضاً أنّ الرياضيين الذهنيين كانوا يعتمدون بشكلٍ أكبر على مناطق تُعرَف بأنها ترتبط بالذاكرة المكانية. لماذا؟الجواب يكمن في اكتشافٍ يُقال بأنّ الشاعر سيمونيدس من سيوس توصل إليه في القرن الخامس قبل الميلاد. فبعد إنهيارٍ تراجيديٍ لقاعةٍ كانت تقام فيها مأدبةٌ، كان هو الناجي الوحيد منها، سُئل سيمونيدس أن يُعطي صورةً عن الوضع ويتكلم عن مَن دُفِن تحت الأنقاض. وكان مُدرّبي وكذلك جميع الرياضيين الذهنيين الآخرين الذين قابلتهم يُصرّون على أنّه بإمكان أي أحدٍ أن يفعل ما هُم يفعلون. كانت المسألة ببساطة مسألة تعلُّم 'التفكير بطرقٍ أكثر رسوخاً في الذاكرة‘. فعندما أغلق الشاعر عيناه وأعاد تشكيل المبنى المُحطّم في خياله، توصّل الى إدراك أمرٍ رائع: تذكّر الموقع الذي كان يجلس فيه كل ضيفٍ من ضيوف مأدبة العشاء المنكوبة. فعلى الرغم من أنه لم يبذل جهداً كبيراً في تذكّر تصميم الغرفة، إلا أنّ الأمر ترك مع ذلك إنطباعاً مُلازماً. ومِن تلك الملاحظة البسيطة، يُقال بأنّ سيمونيدس اخترع تقنيةً أخذت تُشكل أساس ما أصبح يُعرف بفن الذاكرة. حيث أدرك أنه إن لم يكُن هناك ضيوفٌ يجلسون الى مأدبة العشاء بل، مثلاً، كل الكُتّاب المسرحيين الإغريق العظام يجلسون حسب تواريخ ميلادهم – أو كل كلمةٍ من كلمات إحدى قصائده الشعرية أو كل أمرٍ من الأمور التي كان بحاجةٍ لأن يُنجزها في ذلك اليوم – فإنه سيتذكّر ذلك أيضاً. واستنتج بأنّ كل شيءٍ تقريباً يمكن أن يُطبَع في ذاكراتنا، وأن يُحفَظ بترتيبٍ سليمٍ، بمجرد نصب مبنىً في الخيال وملئه بصورٍ لما نحتاج أن نتذكّره. ويُمكن فيما بعد السير في جنبات الصرح هذا في أي وقتٍ في المستقبل. ومثل هذا المبنى سيُطلق عليه فيما بعد 'قصرُ الذاكرة‘.
جميع التفاصيل التي نعرفها عن عملية التدريب الكلاسيكية للذاكرة – في الحقيقة، كُل خُدع الذاكرة الموجودة في ترسانة أبطال الذاكرة المُتنافسون تقريباً – يُمكننا تعقّبُها رجوعاً الى كتابٍ لاتينيٍ قصيرٍ في الخطابة اسمه "Rhetorica ad Herennium"، والذي كُتِب في زمنٍ ما يعود للفترة ما بين عام 86 و 82 قبل الميلاد. والكتاب هذا هو البحث الشامل الوحيد لتقنيات الذاكرة التي تُنسَب لسيمونيدس الذي ظل حتى العصور الوسطى. وكانت التقنيات المذكورة في الكتاب هذا تُمارَس على نطاقٍ واسعٍ في العالمين القديم والقروسطي.
والإنتباه، طبعاً، مطلبٌ أوليٌ مِن أجل التذكُّر. فجانبٌ من السبب الذي يجعل تقنياتٍ مثل التخيلات الصورية وقصر الذاكرة تنجح نجاحاً كبيراً هو أنها تفرض درجةً من الانتباه غير موجودةٍ في العادة. فإن أردت أن تستخدم قصر ذاكرةٍ للتخزن الدائم، عليك أن تقوم بنُزهاتٍ دوريةٍ تستغرق فيها وقتاً طويلاً خلاله مِن أجل الحفاظ على صورك من الزوال. في أغلب الأحيان، لا يعبأ أحدٌ بذلك. وفي الحقيقة، يعمد أبطال الذاكرة الى إفراغ قصورهم عن قصدٍ بعد المنافسات مِن أجل أن يُعيدوا استخدامها مرةً بعد مرة.
كتاب "Rhetorica ad Herennium" يؤكد على أهمية الإنتباه الهادف المقصود من خلال التمييز بين الذاكرة الطبيعية والذاكرة الصناعية: "الذاكرة الطبيعية هي تلك الذاكرة المغروسة في أذهاننا، وهي التي تولَد بالتزامن مع الفكر. أما الذاكرة الصناعية فهي تلك الذاكرة التي تُقوّى بما يُشبه التدريب وفرض نظامٍ إنضباطي".
إن المبدأ الذي تقوم عليه معظم تقنيات الذاكرة هو أنّ أدمغتنا لا تتذكر كل نوعٍ من أنواع المعلومات بنفس الجودة. فحالها حال كل قدراتنا البيولوجية الأخرى، نشأت ذاكراتنا وارتقت عبر عملية إنتخابٍ طبيعيٍ في بيئةٍ كانت مختلفةً تماماً عن البيئة التي نعيش فيها اليوم. ذاكراتنا ليست ملائمةً تماماً لعصرنا هذا عصر المعلومات. فأسلافنا الذين كانوا يعتمدون على الصيد والقطف لم يحتاجوا أن يتذكّروا أرقام الهواتف أو التعليمات الصادرة من مسؤوليهم في العمل كلمةً كلمة أو أسماء عشرات الغرباء المتواجدين في حفلةٍ إجتماعية. ما كانوا بحاجةٍ لتذكّره هو المكان الذي يجدون فيه الطعام والموارد وطريق العودة الى البيت وأي النباتات صالحةٌ للأكل وأيها سامّة. تلك هي المهارات الضرورية للذاكرة التي كانوا يعتمدون عليها، وهو ما قد يُساعد ربما في تفسير السبب الذي يجعلنا ماهرين نسبياً في تذكّر الأمور صورياً ومكانياً. ولكي تنجح هذه الطريقة معك كما حدث مع "جوشوا فوير" الكاتب العلمي الذي ذهب لكي يغطي مسابقة الولايات المتحدة للذاكرة فتحول خلال سنة إلى بطل من أبطالها، يجب أن تمسح من قاموس كلماتك أنا أنسى أو مخي لا يستطيع استيعاب معلومات جديدة (فلو غذيت مخك بعشر معلومات كل ثانية لمدة 100 سنة متواصلة لن تشغل نص مساحة ذاكرتك)، وتزيد انتباهك (التركيز) وتبعد عن كل ما يشتت ذهنك،وأن نعرف أن أدمغتنا تحتوي على 150 مليار خلية عقلية في كل واحدة منها مليون وصلة "سنابس" كل منها يحتوي على مليون خلية ذاكرة! وتنتقل المعلومات بين هذه الخلايا بسرعة 300 كيلومتر في الثانية!! فسبحان الخالق المبدع الذي صورنا فأحسن صورنا.
في تجربةٍ مشهورةٍ أجريت في السبعينات، طلب باحثون من عيّنة أفرادٍ أن ينظروا الى 10.000 صورةٍ مرةً واحدةً فقط ولخمس ثوانٍ فقط للصورة الواحدة. (واستغرق إجراء الاختبار هذا خمس أيامٍ كاملة). وبعدها، وعندما أظهروا لعيّنة الأفراد أزواجاً من الصور – إحداها كانوا قد نظروا إليها سابقاً والأخرى لم ينظروا إليها – وجدوا بأنّ الناس كانوا قادرين على تذكّر ما يزيد على 80 بالمائة ممّا كانوا قد رأوه. ونحن الان نضيع الكثير من الوقت لتذكر المفاتيح أين وضعناها، والأسم الذي نسيناه، والكلمة العالقة على طرف اللسان – فقد يكون فشلنا الأكبر هو أننا ننسى كم من النادر أن ننسى. فالجزء المهم في تقنيات الذاكرة التي يتحدث عنها كتاب "Rhetorica ad Herennium" هو أن نأخذ أشكال الذاكريات التي لا تُحسِن أدمغتنا الاحتفاظ بها ونحوّلها الى أشكال الذاكريات التي بُنيَت أدمغتنا من أجلها. حيث ينصحنا الكتاب بإيجاد صورٍ لقصورنا يُمكننا تذكّرها: كُلما كانت مُضحكةً وفاجرةً وغريبةً كلما كان ذلك أفضل. "عندما نرى في حياتنا اليومية أشياء تافهةً وعاديةً ومُبتذلة، فإننا لا نتذكرها بصورةٍ عامة...لكنّنا إن رأينا أو سمعنا شيئاً حقيراً أو شائناً أو استثتائياً أو عظيماً أو لا يمكن تصديقه أو مُثيراً للضحك فإننا من المحتمل أن نتذكّره لوقتٍ طويل".
ما يُميّز رياضيي الذاكرة العُظماء، هي المقدرة على خلق صورٍ عديدة من لا شيء، والقدرة على استعمال الذهن في رسم مشهدٍ لا يُشبه أي مشهدٍ آخر فيصبح من المستحيل نسيانه، والجميل أنه يفعلوا ذلك بسرعة. والعديد من أبطال الذاكرة المُتبارون يُحاججون بأنّ مهاراتهم أكثر اعتماداً على جانب الإبداع من اعتمادها على عمل الذاكرة. فباستخدام التقنية هذه علم كوك "فوير" كيف يمكن أن تتحول مجموعةٌ كاملةٌ من أوراق اللعب وبسرعةٍ الى قصر ذاكرةٍ سرياليٍ كوميديٍ لا يُمكن أن يُنسى.
لكنّ رياضيي الذاكرة لا يتبنّون فقط ما قام به القدماء. فرياضة مباراة الآخرين بالذاكرة يُسيّرها سباقُ تسلحٍ يتخذ أشكالاً مختلفة. وكل عامٍ يخرج شخصٌ ما بتقنيةٍ أكثر إتقاناً لتذكُّر المزيد من الأمور بمزيدٍ من السرعة، ما يُجبر الباقين في السباق على الدخول في عملية لحاقٍ به. فمِن أجل تذكُّر أرقامٍ، على سبيل المثال، اخترع كوك مؤخراً شفرةً تسمح له بأن يُحوّل أي رقمٍ من 0 الى 999,999,999 الى صورةٍ فريدةٍ يمكنه بعد ذلك أن يودعها في قصرٍ من قصور الذاكرة.
وقصور الذاكرة هذه لا يُشترط فيها أن تكون فخمة – أو حتى أبنيةً حقيقة. فهي قد تكون مساراتٍ خلال بلدةٍ أو علاماتٍ من علامات الأبراج أو حتى مخلوقاتٍ اسطورية. وقد تكون كبيرةً أو صغيرة، داخليةً أو في الهواء الطلق، حقيقيةً أو مِن نسج الخيال، طالما كانت مألوفةً وقريبة. فبطل الولايات المتحدة أربع مراتٍ في سباق الذاكرة سكوت هاجوود يستخدم المنازل الفارهة التي تظهر صورها في مجلات فن العمارة في تخزين المعلومات في ذاكرته. هذه التقنية عبارة عن تحويل مانريد تذكره إلى صورة ذهنية و الهدف من التحويل إلى صورة هو أن بقاء الصورة يدوم أكثر و يسهل تذكره.فعلى سبيل المثال تصور أنه يجب عليك حفظ الأسئلة التالية :- أين تسكن ؟ كم عدد أولادك ؟ماذا تعمل ؟- ماهي رياضتك المفضلة .؟- ماهي الدول التي تحب السفر إليها ؟حفظ هذه الأسئلة قد يكون لكن الاحتفاظ بها لفترة طويلة قد لا يكون كذلك , لذلك لو استخدمنا ذاكرتنا البصرية و حولنا هذه الأسئلة إلى صورة بصرية فإن الاحتفاظ بها لفترات طويلة جدا ممكن بل سهل.و لتحويل هذه الأسئلة إلى صورة يجب على كل واحد منا رسم الشكل المناسب له فمثلا تخيل أنك تدخل غرفة جميلة و فيها ثلاثة أولاد و يوجد مكتب جميل جدا و على هذا المكتب طائرة صغيرة و يوجد قريب من الطائرة كرة تنس.في الصورة السابقة اربط الغرفة بمكان الإقامة و المكتب
بالعمل و الأولاد بعدد أولادك و الطائرة بالأماكن التي تحب السفر إليها و كرة التنس برياضتك المفضلة.تخيل الصورة و فكر بالربط و لن تنسى هذه الأسئلة أبد. يقول سكوت هاجوود فى كتابه «قوة الذاكرة» إن التواصل البصري لا يساعدنا على الاستمرار في التركيز فحسب وإنما يساعدنا أيضاً على إدراك الحالة المزاجية للمتحدث مما يساعد المخ أيضاً على الاحتفاظ بما يقوله الشخص المتحدث. وعليه فإن التواصل البصري ليس مجرد ضرب من الكياسة ودماثة الخلق وإنما يؤدي في واقع الأمر إلى توجيه دماغك وحفزه للمزيد من التذكر والاحتفاظ والاستعادة. ففي الحقيقة إذا سمعت شيئاً قيل في غرفة أخرى سوف تتذكر منه ما نسبته 20٪ فقط بيد أن ما تسمعه من قائله وجهاً لوجه سوف تتذكره بنسبة 50٪.إجلس في غرفة وفكر بما تراه عيناك . لاحظ كيف أن تركيزك ينتقل من نقطةٍ الى اخرى ، فتدرك مقدار التفاصيل المدهشة التي تلتقطها عيناك . وللغرفة عمق ، ولون ، وشكل ، وهي تحتوي على عددٍ من الاشياء ، لكل منها فعقلنا يلتقط بشكل طبيعي صوراً مفصلة عن البيئة المحيطة بنا ، وقد يكون أحد الغرائز البدائية التي ولدت معنا لأن طبيعة البيئة في عصر الانسان الاول كانت أساسية للبقاء .
وأفلام كن بيرنز الوثائقية الممتازة التي بث العديد منها على ال بي . بي إس جديرة بالذكرلأنه يستخدم آلة التصوير بأستمرار .
وهو لا يركز على الصورة بحد ذاتها ، بالرغم من اتكاله على صور فوتورغرافية قديمة ورسوم ولوحات ٍ تتناول أحداثاً تأريخية ، فيحرك الكاميرا في عملية مسح بصري للوحة بديلة عن العين المادية والهدف من ذلك مساعدة المشاهد على أعادة خلق البيئة المرتبطة بحدثٍ تاريخي جرى منذ زمن بعيد وطريقته جذابة لدرجة أننا قد نشعر وكأننا جزء من هذا الحدث في الواقع ، فنختبر مشهد الجاموس من مسافة أبعد من المجال الطبيعي للبصر . أو مشهد معركة المقاومة الاخيرة لكاستر .
ولايمكن للتاريخ أن يكون مادتي المفضلة ما لم يكن كن بيرنز المدرس .
وقدرة العقل على خلق وتذكر بيئة ٍ ما من خلال تطوير صور ٍ لما شاهدنا ، وللأمكنة التي زرنا ، هو أمر حاسم لفهم كيفية البدء بتنظيم المعلومات التي نرغب بتذكرها . والجيد في الامر سهولة القيام به لأننا نفكر بالصور بالرغم من عدم إدراكك للأمر .
فما الذي تراه بعين ذهنك عندما أسال : "ماذا ستتناول على الفطور اليوم ؟" قد تتخيل ربما وعاء الحبوب ، أو البيض المقلي المخفوق المقدم على طبق . وإذا فكرت بالأمر – لانفعل ذلك عادة – فأن الصورة الذهنية التي قمت برسمها ستحتوي على مقدار ٍ مفاجئ من التفاصيل ، بما فيها الالوان والمواد التي تتألف منها الاشياء الموجودة في الصورة ، فالبيض الاصفر المتلألئ يحتضنه طبق أبيض موضوع بدوره على طاولة ٍ خشبية بنية اللون قائمة على أرضية من الآجر الازرق الفاتح ، والكل محاط بورق جدران ٍ يحمل نقوشاً ويؤدي الى سقف ٍ أبيض ضارب ٍ الى الصفرة . وتلتقط الطبيعة البصرية لذاكرتنا تلقائياً أشكال الطبق ، والوعاء والطاولة ، وتميز أيضاً النماذج المنقوشة لورق الجدران .
والجدير بالذكر أن كل شئ مرتبط بمحيطه . فالبيض غير قائم في فراغ ، بل هو موجود على طبق موضوع على الطاولة ، وهكذا دواليك . فالأمر كله رهن بعملية الترابط . وتعكس الصورة الموجودة في عينك الذهنية ،وبشكل موضوعي ، طريقة تفكيرك دماغك . فكل ما يشكل مضمون الصورة الذهنية مرتبط ببعضه البعض ، ويقوم عقلك بتطوير الصور على الدوام وأما الدكتور ياب سوي تشوي، بطل الذاكرة الماليزي النشط، استخدم أجزاء جسمه لتساعده في استذكار قاموس أوكسفورد الإنكليزي-الصيني ذي ال57,000 كلمةٍ بالكامل. وفي القرن الخامس عشر، قيل بأنّ فقيهاً قانونياً إيطالياً اسمه بيتر الرافيني كان يستخدم آلافاً من قصور الذاكرة لحفظ الاستشهادات التي ترتبط بكل موضوعٍ مهمٍ، مُصنّفةً أبجدياً. وعندما كان يريد أن يُوضّح موضوعاً مُعيناً، كان يدخل ببساطةٍ الى الغرفة ذات العلاقة فيسحب منها المصدر.ويقول: "عندما غادرتُ بلدي لأزور مدن إيطاليا كرحّالةٍ، يمكنني أن أقول بحق بأنني حملتُ معي كل ما أملكه"، كتب الفقيه القانوني.
ويبدأ "جوشو فوير"فى شرح خطوات أتقانه لتقنية الذاكرة الفوتغراقية بقوله :عندما شرعتُ للمرة الأولى بتدريب ذاكرتي، كانت إحتمالية تعلُّم التقنيات المُتقنة هذه تبدو ضعيفةً مُثبّطةً للهمّة لا يحملها عقلي. وكانت إحدى خطواتي الأولى التي خطوتها في المجال هذا هي أن أغوص باحثاً في الأدبيات المنشورة العلمية طالباً العون. وظل اسمٌ واحدٌ يتكرر: كَي. أنديرس إريكسون، وهو استاذٌ في علم النفس في جامعة ولاية فلوريدا وكاتب مقالةٍ بعنوان "أبطال الذاكرة الاستثنائيون: يُصنَعون، ولا يولَدون".
وعندما اتّصلتُ بإريكسون وأخبرته بأنني كُنتُ أحاول أن أُدرّب ذاكرتي، قال لي بأنه يريد أن يجعلني موضوعاً لبحثه، واتفقنا. أُعطيه سجلات تدريبي، التي قد تعود بالفائدة على بحثه. ويقوم هو وطلبته في الدراسات العُليا بالمُقابل بتحليل البيانات بحثاً عن الكيفية التي يُمكنني أن أُحسّن أدائي بها. وشجّعني إريكسون على التفكير بتعزيز ذاكرتي بنفس الطريقة التي كُنتُ سأفكّر بها بتحسين أية مهارةٍ أخرى، مثل تعلُّم العزف على آلةٍ من الآلات الموسيقية. وكان واجبي الأول هو البدء بجمعِ عددٍ من المباني المعمارية. فقبل أن يكون باستطاعتي أن أعكف على تدريب الذاكرة بأي درجةٍ مِن درجات الجِدّية، كُنتُ بحاجةٍ في البداية لمخزونٍ من القصور تحت تصرّفي. زُرتُ منازل أصدقاء قُدماء وتجوّلتُ سيراً في أروقة متاحف شهيرةٍ، كما شيّدتُ في خيالي هياكل وهميةً جديدةً بالكامل. وقُمتُ بعدها بنحت كُل مبنىً من المباني ونقشتُهُ في خِزانةٍ مُغلقةٍ مِن خزانات ذاكرتي.
وسبق أن قام كوك بتدريبى على نظام تدريبٍ حازم. ففي كل صباح، وبعد شُرب فنجان القهوة وقبل قراءة الصحيفة أو الاستحمام أو تغيير ملابسي، كُنتُ أجلس الى مكتبي ما بين عشر دقائق الى خمسة عشر مِن أجل العمل على قصيدةٍ شعريةٍ أو حفظ الأسماء الموجودة في كتابٍ من الكُتب القديمة. وبدلاً من أن آخُذ معي مجلةً أو كتاباً في طريقي في نفق المترو، كُنتُ أحمل صفحةً عليها أرقاماً عشوائيةً أو أحمل مجموعةً من أوراق اللعب وأحاول إيداعها في الذاكرة. وأصبحت جولاتٌ أقوم بها في الحيّ عُذراً لي لحفظ لوحات أرقام السيارات عن ظهر قلب. وبدأتُ أولي قدراً مُخيفاً من الاهتمام ببطاقات الأسماء. وحفظتُ قوائم التسوّق الذي كُنتُ أقوم به عن ظهر قلب. وكُلما أعطاني أحدٌ رقم هاتفٍ كُنتُ أُركّبهُ في قصر ذاكرةٍ خاص. وطوال جُملة الأشهر اللاحقة، وفي الوقت الذي كُنتُ أبني فيه عاصمةً حقيقيةً من قصور الذاكرة وأحفظها بمعية صورٍ غريبةٍ وغنيةً بالألوان، كان إريكسون يُراقب التطور الذي كُنتُ أُحرزه عن كثب. وعندما كُنتُ أعلق في أمرٍ ما، كُنتُ أتصل به قاصداً النُصح والإرشاد، فكان لا محالة يبعث إليّ من فوره مقالةً من المقالات التي كان يعدُني بأنها ستُساعدني في فهم مواطن الضعف التي كُنتُ أُعاني منها. ففي إحدى المراحل، وليس ببعيدٍ عن بدايتي بالتدريب، توقفت ذاكرتي عن التحسُّن. فمهما كُنتُ أتمرّن لم يكُن باستطاعتي أن أستذكر أوراق اللعب بسرعةٍ تفوق مُعدّل ورقةٍ واحدةٍ كُل 10 ثوان. لقد عَلَقتُ في روتينٍ مُمِلٍ ولم أستطع أن أعرف السبب.
"أوصيك بأن تنظر في الأدبيات المنشورة عن مهارة الطباعة السريعة"، أجابني إريكسون.
عندما يتعلم الناس استخدام لوح مفاتيح الكومبيوتر لأول مرةٍ، فإنهم يتحسّنون بسرعةٍ كبيرةٍ منتقلين من النقر البطيء بإصبعٍ واحدٍ الى الطباعة المُنتبهة التي يستخدمون فيها كلتا اليدين، حتى تتحرك الأصابع في النهاية بلا جُهدٍ وتُصبح العملية برُمّتها تسير بلا وعي. في هذه المرحلة، تتوقف مهارات معظم الناس في الطباعة عن التحسُّن. يصِلون الى مرحلةٍ من مراحل الاستقرار. وإن فكّرت في الأمر فهو غريب. فقد أُخبِرنا دائماً بأنّ الممارسة توصل الى الكمال، ومع ذلك فإننا نجد العديد من الناس يجلسون الى لوح مفاتيح ساعاتٍ في اليوم. فلماذا لا يواصلون التحسُّن أكثرفأكثر؟
في الستينات، حاول عالما النفس بول فيتس ومايكل بوزنير أن يُجيبا على هذا السؤال بوصف المراحل الثلاثة لاكتساب مهارةٍ جديدة. فخلال المرحلة الأولى، التي تُعرَف ب'المرحلة الإدراكية‘ فإننا نُحلل المُهمة عقلياً ونكتشف استراتيجياتٍ جديدةٍ لإتمامها ببراعةٍ أكبر. وخلال المرحلة الثانية، 'المرحلة الترابطية‘، فإننا نُركّز بشكلٍ أقل، ونرتكب عدداً أقل من الأخطاء الكبيرة، ونُصبح أكبر كفاءةً. وأخيراً، فإننا نصل الى ما يُسميه فيتس وبوزنير 'مرحلة الاستقلالية الذاتية‘، عندما نكون على قدر ما نحتاج من الجودة في أداء المُهمة فنؤدي ما علينا وكأننا طائرةٌ تطير بطيارٍ آليٍ. ويكون هذا الأمر في معظم الأوقات أمراً جيداً. فكلما كان أقل لزاماً علينا أن نُركّز على المهام المُتكررة في حياتنا اليومية، كلما كانت قدرتنا أكبر على التركيز على الأمور ذات الشأن حقاً. ويُمكنكم في الواقع أن تروا هذا التحوّل في المراحل وهو يحدث من خلال مسح أدمغة الأفراد بأجهزة الرنين المغناطيسي أثناء تعلُّمهم مهاراتٍ جديدةٍ: فأجزاء الدماغ المُشترِكة في عملية التفكير الواعي تُصبح أقل نشاطاً، فتُكمل المُهمة أجزاءٌ أخرى من الدماغ. وبإمكانك أن تُسمّي هذه 'هضبة O.K.‘.
كان علماء النفس يعتقدون بأنّ هضاب O.K. كانت علامةً على الحدود العُليا للقُدرة الفطرية. ففي كتابه "عبقريٌ بالوراثة" (Hereditary Genius) الذي نُشِر في عام 1869،أكد السير فرانسيس جالتون بأنّ المرء يُمكنه أن يُحسّن أداءه في الفعاليات الذهنية والبدنية حتى يصطدم بجدارٍ "لا يستطيع أن يتخطّاه بأي تعليمٍ أو إجتهاد". بكلماتٍ أخرى، أفضل ما يُمكننا فعلُهُ هو ببساطةٍ أفضل ما يمكننا فعله. لكنّ إريكسون وزملاءه وجدوا مرةً بعد مرةٍ أنه بممارسة النوع المناسب من الجُهد فإن الأمر نادراً ما يكون على الشاكلة التي وصفها السير جالتون. فهُم يعتقدون بأنّ الجدار الذي تكلّم عنه جالتون غالباً ما يرتبط بما نعتبره نحن مستوىً مقبولاً من الأداء أكثر مِن ارتباطه بحدود قدراتنا الداخلية. فقد وجدوا بأنّ أفضل المُنجِزِين يتّبعون نموذجياً نفس النمط العام. فهُم يُطوّرون استراتيجياتٍ للبقاء خارج مرحلة الاستقلال الذاتي بالقيام بثلاثة أمور: التركيز على تقنيتهم التي يستخدمون وإبقاء التركيز على الهدف والحصول على التلقيم الاسترجاعي الفوري على أدائهم. فالموسيقيون الهواة، على سبيل المثال، يميلون الى قضاء وقت تمرينهم في عزف الموسيقى، بينما يميل المحترفون الى العمل من خلال تمارين مُتعبةٍ أو التركيز على أجزاءٍ صعبةٍ من المقطوعات الموسيقية. وبالمثل، فإن أفضل المُتزلجين على الجليد يقضون المزيد من وقت تمرينهم في محاولة القيام بقفزاتٍ لا يقومون بها غالباً، بينما يعمل المتزلجون الأقل مستوىً بشكلٍ أكبر على قفزاتٍ كانوا قد أتقنوها سلفاً. بكلماتٍ أخرى، التمرين العادي لا يكفي ببساطةٍ. ولكي نُحسّن أداءنا علينا أن ندفع أنفسنا بشكلٍ دائمٍ الى ما وراء ما نعتقدها بأنها حدود قدراتنا ثم نُولي اهتمامنا بمعرفة الكيفية والسبب الذي يجعلنا نفشل. وذلك ما احتجتُ أن أفعله إذا ما كُنتُ أريد أن أُحسّن مِن أداء ذاكرتي.
بالنسبة للطباعة، من السهل نسبياً تجاوز هضبة الO.K.. فقد اكتشف علماء النفس أنّ أكثر الطرق كفاءةً هي أن تُجبر نفسك على الطباعة أسرع بنسبة 10 الى 20 بالمائة من سرعتك المريحة وأن تسمح لنفسك بارتكاب الأخطاء. فبمشاهدة نفسك وأنت تُخطئ في الطباعة بتلك السرعة الأكبر فقط يمكنك أن تتوصل الى العراقيل التي تتسبب في إبطائك وتتغلب عليها. واقترح إريكسون أن أحاول الشيء نفسه مع أوراق اللعب. حيث أخبرني أن أجد بندول إيقاعٍ وأن أحاول استذكار ورقة لعبٍ في كل مرةٍ طقطق فيها البندول. وحالما أتوصل الى معرفة حدود قدراتي، أوعز إليّ بأن أجعل البندول أسرع بنسبة 10 الى 20 بالمائة وأن أواصل محاولة القيام بذلك بالسرعة الأكبر حتى أتوقف عن ارتكاب الأخطاء. وكلما وجدتُ نفسي أمام ورقة لعبٍ كانت مُزعجةً على وجه الخصوص، كان يُفترض بي أن أكتب ملاحظةً عنها وأن أرى فيما إذا كان باستطاعتي أن أتوصل الى السبب الذي كان يجعلها تتسبُب لي بحازوقاتٍ ذهنيةٍ. ونجحت التقنية، وفي غضون بضعة أيامٍ كُنتُ قد خرجت من هضبة الO.K.، وبدأت الفترات التي أقضيها في استذكار أوراق اللعب بالتناقص مرةً ثانيةً وبصورةٍ ثابتة. وقبل أن يمضي وقتٌ طويلٌ، كُنتُ أودِع مجاميع كاملةً من أوراق اللعب في ذاكرتي خلال بضع دقائق فقط.
ما يُميّز أبرع أبطال الذاكرة عن الطبقة التي تليهم أكثر من أي شيءٍ آخر هو أنهم يتعاملون مع مسألة الاستذكار كأنها عِلمٌ من العلوم. فتراهم يضعون فرضياتٍ حول حدود قدراتهم؛ يُجرون تجارب ويتعقّبون البيانات. "الأمر وكأنك تُطوّر مجالاً من المجالات التكنولوجية أو تعمل على نظريةٍ علميةٍ"، حسب ما أخبرني بطل العالم ثلاث مراتٍ أندي بيل في إحدى المرات. "عليك أن تُحلل ما أنت فاعله".
ومن أجل أن أحظى بفرصة أن أضع نفسي بين أفراد الطبقة الُعليا للمُتبارين في الاستذكار، يجب أن يكون تدريبي مُركّزاً ومدروساً. و ذلك كان يعني أنني كُنتُ بحاجةٍ لأن أجمع البيانات وأُحللها مِن أجل التوصّل الى طرقٍ لتعليق الصور في قصور ذاكرتي وأجعلها أكثر التصاقاً بها.
كوك، الذي اعتاد أن يُناديني ب"بُنيَّ" و "أيها شاب" و "أيها السيد" أصرّ على أنني إذا ما أردتُ أن أرفع من مستوى تدريبي، فإنني سأحتاج الى تحديثٍ في مُعدّاتي. فجميع الماهرين في مجال الاستذكار يضعون غطاء الأُذنين للوقاية من الضوضاء. وبعضٌ من أكثر المتبارين جدّيةً يضعون على أعيُنهم عصابةً لتقليص مجال رؤيتهم وإبعاد مصادر التشتيت الخارجية.
"أجِدُهم سُخفاء، لكن في حالتك أنت قد يُمثّلون استثماراً سليماً"، قال كوك في إحدى مكالماتنا التفقُّدية التي كُنّا نُجريها مرتان في الاسبوع. وفي تلك العصرية، ذهبتُ الى دكان الأدوات واشتريتُ زوجاً من غطاء الأُذنين من النوع الذي يُستخدَم للأغراض الصناعية وزوجاً من نظارات الوقاية المُختبرية البلاستيكية. وصبغتُهما بالرشاش باللون الأسود وصنعتُ ثُقباً صغيراً للعين خلال كُل عدسة. ومن بعدها أصبحتُ أرتديهما دائماً للتمرين.
وأصبح ما بدأ كتمرينٍ في الصحافة التشاركية هَوساً فكرياً. صحيحٌ أنّ ما كُنتُ آمل أن أُحققه قبل أن أبدأ لم أجدهُ بعد: فهذه التقنيات لم تُحسّن ذاكرتي الأساسية. ما زلتُ أُضيع مفاتيح سيارتي، وبالكاد كُنتُ مَصدراً للشعر. وحتى عندما أصبحتُ قادراً على إدّخار ما يزيد على 30 رقمٍ في الدقيقة الواحدة في قصور الذاكرة، فإنني نادراً ما حفظتُ أرقام هواتف الأشخاص الذين كُنتُ أريد أن أتصل بهم بالفعل. كان الأسهل أن أحفظ الأرقام في هاتفي الخلوي. التقنيات نجحت؛ لكّنني ببساطة لم استخدمها دائماً. لماذا أُزعج نفسي عندما يكون هناك ورقٌ أو حاسوبٌ أو هاتفٌ خلويٌ يتذكّر عنك؟
ومع ذلك، ومع اقتراب البطولة الأميركية القادمة للذاكرة، بدأتُ أشُك في أنني قد تكون لديّ فرصة تقديم أداءٍ جيدٍ في البطولة هذه. ففي كل فعاليةٍ عدا الشِّعر وأرقام السرعة (وهما اختباران لمعرفة عدد الأرقام العشوائية التي يُمكنك أن تحفظها خلال خمس دقائق) كانت أفضل أرقامي في التمارين تقترب من الأرقام العُليا لأبطالٍ أميركيين سابقين. فأخبرني كوك أن لا أُعوّل كثيراً على تلك الحقيقة. "أداؤك سيكون دائماً أسوأ تحت الأضواء بنسبة 20 بالمائة على الأقل"، قال لي، وحذّرني بخصوص "الطبيعة الواهية الكليلة" لتدريبي.
لم يكُن وصف "واهيةٍ كليلةٍ" هو الوصف الذي كُنتُ سأختاره. فالآن وقد وضَعتُ هضبة الO.K. وراء ظهري، كانت أرقامي تتحسّن بشكلٍ يوميٍ تقريباً. وكانت أوراق الأرقام العشوائية التي كُنتُ أحفظها تتراكم في دُرج مكتبي. وكانت الصفحات المطوية الزوايا للشِّعر الذي حفظتُه عن ظهر قلبٍ تتراكم في كتاب "مقتطفات نورتون للشعر الحديث" الذي كان بحوزتي. ولكي يُبقي على معنوياتي عاليةً، بعث إليّ كوك باقتباسٍ يعود لفنان الفنون القتالية المُبجّل بروس لي: "ليس هناك مِن حدود. هناك هضاب، وعليك أن لا تظل هناك؛ عليك أن تعبر الى ما ورائها. فإن تسبب ذلك في مقتلك، فأنت مقتول". فنسختُ ذلك القول وكتبتُه على ورقة ملاحظةٍ علّقتُها على حائطي. ثُم مزقتُ الورقة بعد ذلك وحفظتها عن ظهر قلب.
معظم منافسات الذاكرة الوطنية التي تُنظّم في أماكن مثل بانكوك وميلبورن وهامبورج تُنظّم برنامجها على أساس أنها مبارياتٌ عشاريةٌ ذهنية. حيث تضع عشرُ فعالياتٍ قاسيةٍ ذاكرات المتبارين تحت الإختبار، كُلٌ منها بطريقةٍ مختلفةٍ قليلاً عن الأخرى. حيث يتوجّب على المتبارين أن يحفظوا قصيدةً شِعريةً لم تُنشَر مِن قبل بطول صفحاتٍ عِدّة، وصفحاتٍ بكلماتٍ عشوائيةٍ (الرقم القياسي: 280 كلمة في 15 دقيقة) و قوائم بأرقامٍ ثُنائيةٍ (الرقم القياسي: 4,140 رقم في 30 دقيقة) ومجاميع مُلخبطةٍ من أوراق اللعب وقائمةٍ بتواريخ تاريخيةٍ وأسماء ووجوه أكبر عددٍ ممكنٍ من الغرباء. وبعض الفعاليات، تُسمى فعاليات السرعة، تضع مدى قدرة المتبارين على الاستذكار في خمس دقائق تحت الاختبار (الرقم القياسي: 480 رقم). وتختبر فعاليتان ماراثونيتان عدد مجاميع أوراق اللعب والأرقام العشوائية التي يمكن للمتبارين أن يستذكروها في ساعة (الرقمين القياسيين: 2.080 رقم و 28 مجموعة ورق لعب). وفي الفعالية الأكثر إثارةً في المنافسة، أوراق اللعب السريعة، يتسابق المتبارون لإيداع رزمةٍ واحدةٍ من أوراق اللعب في ذاكرتهم بأسرع ما يُمكن.
عندما شاركتُ في البطولة الأميركية للذاكرة العام التالي، جلبتُ معي نظارتي التي طليتها بالأسود لفعالية أوراق اللعب السريعة. وحتى اللحظة التي وضعوا فيها على المنضدة التي أمامي مجموعة أوراق لعبٍ خُلِطَت حديثاً، كُنتُ ما زلتُ أُقلّب الرأي فيما إذا كُنتُ سأضعها على عيني. فأنا لم أكُن قد تمرّنتُ بدون نظارتي طوال أسابيع مضت، وقاعة كون أديسون كانت تغصّ بمصادر التشتيت. لكن كانت هناك أيضاً ثلاثة كاميراتٍ تلفزيونيةٍ تدور في الغرفة. وبينما كانت إحداها تأخذ لقطةً مُقربةً لوجهي، فكّرتُ في كل اللذين كُنتُ أعرفهم والذين قد ينتهي بهم الأمر وهُم يُشاهدون البرنامج: رفاق صف الإعدادية الذين لم أرهم منذ سنوات، وأصدقاءٌ لم تكن عندهم فكرةٌ عن هوسي الجديد بالذاكرة، وأهل صديقتي كذلك. ما الذي سيخطر ببالهم إن شغّلوا أجهزة تلفزيوناتهم ورأوني أضع نظارة سلامةٍ سوداء ضخمةٍ وواقي أذنين، أُقلّب مجموعةً من مجاميع أوراق اللعب؟ في نهاية الأمر، تغلّب خوفي من الإحراج أمام الناس على غرائزي التنافسية.
ومن الجزء الأمامي في الغرفة، صاح الحَكَم الرئيسي، رقيب التدريب السابق في الجيش: "إبدأ!" وضغطت قاضيةٌ تجلس أمامي على ساعة التوقيت التي كانت تضعها في يدها، وبدأتُ أنا أُقلّب بين مجموعة الأوراق بأسرع ما يمكنني، فكُنتُ أرفع ثلاثة أوراقٍ في كل مرةٍ مِن على الجزء العلوي لمجموعة الأوراق وأضعها في يدي اليُمنى. وكُنتُ أخزن الصور في قصر الذاكرة الذي كُنتُ أعرفه أكثر من أي قصرٍ آخر، القصر الذي كان يستند الى بيتٍ في واشنطون كُنتُ قد ترعرعت فيه. وعلى عتبة باب غرفة نوم والدَي، رأيت نفسي أمشي على القمر مع إينشتاين (أربعة بستوني، ملِك القلوب، ثلاثة ماسات(
إنّ فن أوراق اللعب السريعة يكمُن في إيجاد توازنٍ جيدٍ بين التحرُّك بسرعةٍ وتشكيل صورٍ مُفصّلة. فأنت تريد لمحةً عن صورك كبيرةً بما يكفي لتكون قادراً على إعادة تشكيلها فيما بعد، دون إضاعة وقتٍ ثمينٍ في استحضار أي لونٍ إضافيٍ أكثر من الضروري. وعندما أخفض راحتا يدي ثانيةً وأضعهما على المنضدة لإيقاف الساعة، علِمتُ بأنني كُنتُ قد وصلتُ نُقطةً جيدةً في التوازن ذاك. لكنني لم أكُن أعلم بعد مدى جودتها.
أرتني القاضية التي كانت تجلس أمامي الوقت الذي ظهر على ساعة التوقيت لديها: 1 دقيقة و 40 ثانية. وأدركتُ على الفور بأنّ ذلك لم يكن فقط أفضل من أي إنجازٍ حققته في التمرين على الإطلاق بل أنه كان أيضاً سيُحطم الرقم المُسجل في الولايات المتحدة والذي كان 1 دقيقة و 55 ثانية. أغلقتُ عيني ووضعت رأسي على المنضدة، وهمستُ بتمتمةٍ لنفسي وقضيتُ ثانيةً من الوقت أتأمل في حقيقة أنني ربما كُنتُ قد فعلتُ لتويّ شيئاً – مهما كان سخيفاً ومهما كان تافهاً – بطريقةٍ هي أفضل مِن أي طريقةٍ فعل بها أحدٌ ذلك الشيء على الإطلاق في البلاد كلها. (أفضل وقتٍ في دائرة الذاكرة الكهربائية الدولية هو 21.9 ثانية(.
ومع انتشار الخبر عن التوقيت الذي سجّلته في أرجاء الغرفة، بدأت الكاميرات والمُتفرّجون بالتجمهر حول منضدتي. وسحبت القاضية مجموعة أوراق لعبٍ ثانيةٍ غير مُلخبطةٍ ودفعتها على المنضدة. كانت مُهمتي الآن أن أُعيد ترتيب المجموعة هذه لتُماثل المجموعة التي حفظتها لتوي.
فذَرَيتُ الأوراق ونشرتها، وأخذتُ نَفَساً عميقاً ومشيت خلال قصري ثانيةً. كان بإمكاني أن أرى جميع الصور قابعةً تماماً حيث تركتها، إلا واحدة. كان يجب أن تكون في الحمّام، مُبللةً يقطُر منها الماء، لكن كُل ما كان باستطاعتي أن أراه هو بلاطٌ بيجيٌ فارغ. "لا أستطيع أن أراها"، همستُ في نفسي مذعوراً. "لا أستطيع أن أراها".
وبدأتُ أُقلّب الأوراق هنا وهناك على المنضدة بسبابتي. وعلى مقربةٍ مِن أعلى المنضدة، وضعتُ شخصية "هولك" السينمائية على دراجته. وبجانب هذه، وضعتُ تيري برادشو على كُرسيّ المُقعَدين خاصته. ومع اقتراب التوقيت في الساعة من إنهاء دقائقي الخمسة اللازمة للاستذكار، بقيت أمامي ثلاثة أوراق. كانت تلك هي الأوراق الثلاثة التي اختفت من الحمّام: ملك الماسات، وأربع قلوب، وسبعة أسباتي. كان بيل كلينتون يُجامِع كُرة سلةٍ. كيف كان بالإمكان أن يفوتني ذلك؟
ورتّبتُ مجموعة الأوراق سريعاً على شكل كومةٍ تربيعيةٍ ودفعتُ بها الى الجانب المقابل من المنضدة الى القاضية، ونزعتُ غطاء الأذنين.
ودارت إحدى الكاميرات التلفزيونية حول المكان للحصول على زاويةٍ أفضل. وبدأت القاضية تُقلّب أوراق اللعب واحدةً واحدةً، بينما كُنتُ أنا، ولإضافة الإثارة، أفعل الشيء نفسه بمجموعة الأوراق التي حفظتها.إثنان من القلوب، إثنان من القلوب. إثنتان من الماسات، إثنتان من الماسات. ثلاثةٌ من القلوب، ثلاثةٌ من القلوب. ورقةً ورقة، وكل ورقةٍ كانت تطابق الأخرى. وعندما وصلنا الى نهاية مجموعتي الأوراق، رميتُ آخر ورقة لعبٍ على المنضدة وضممتُ قبضتي بنشوة المنتصر. لقد أصبحتُ صاحب الرقم الأميركي الجديد في أوراق اللعب السريعة. وتقدّم صبيٌ في الثانية عشر من عُمره فأعطاني قلماً وطلب منّي توقيعاً.وبعد ذلك اعلن أننى الاول.
كتاب ما وراء الجمال: الحياة والموت والأمل في مومباي
(Behind the Beautiful Forevers: Life, Death, and Hope in a Mumbai Undercity)
قبل تناولى لهذا الكتاب عليك أن تعرف أن والد روبينا، الفتاة الهندية البالغة التاسعة من العمر التي أصبحت نجمة بعد أن أدت دوراً في فيلم "مليونير العشوائيات"، حاول بيعها للتبني لكي لا تعيش في مدن الصفيح في مومباي، حسب أسبوعية "نيوز اوف ذي وورلد" البريطانية الاحد 19-4-2009.
وقالت الصحيفة إن والد الفتاة رفيق قرشي طلب 20 مليون روبية (310 آلاف يورو) لبيعها، بعد أن أدت دور لاتيكا في فيلم داني بويل الذي نال 8 جوائز أوسكار. وأضافت أنها علمت من مصدر في مومباي ان والد روبينا يحاول "ضمان مستقبل ابنته"، وأن أسرة من الشرق الاوسط اتصلت به لتبنيها.
وقدم مراسل ل"نيوز اوف ذي وورلد" نفسه بأنه ثري خليجي وأعرب عن رغبته في تبني الفتاة بعد أن أعجبه الفيلم. ونشرت الصحيفة صوراً للممثلة الصغيرة ووالدها وخالها التقطت مع الصحفي ومقتطفات من فيديو اللقاء الذي عقد الاسبوع الماضي في فندق في مومباي، وتم خلاله التفاوض بشأن التبني.
وقال الوالد للصحفي "نعم نفكر في مستقبل روبينا"، طالباً التفاوض مع شقيق زوجته راغان مور الذي يتكلم الإنكليزية بشكل أفضل. وقال مور "إذا كان التبني يهمكم فسندرس المسألة، لكن الوالدين يريدان تعويضات حقيقية".
من جهته، قال الوالد "اذا اتفقتم مع راغان على مبلغ سأقبل به"، من دون أن يطلب تفاصيل عن الأسرة التي ستتبنى ابنته في الخليج العربي. وخلال لقاء في فندق في مومباي تمت فيه المفاوضات من دون علم الفتاة طلب مور 20 مليون روبية.
وشكا والد الفتاة مراراً من انه لم يستفد مالياً من شهرة ابنته. ووضع المخرج داني بويل اموالاً في صندوق لضمان تعليم الفتاة ومسكنها
كاترين بو المشهورة بمقالاتها في صحيفتي واشنطن بوست ونيويوركر، اختارت أن تصف في كتابها الأول، حياة سكان أناوادي، مدينة الصفيح المجاورة لمطار مدينة بومباي الدولي وفنادقها الفخمة. على خلفيّة انتشار الفساد على نطاقٍ واسع في المؤسّسات العامة، هي تحكي عن بؤسهم وأحلامهم وعملهم وتسلياتهم وشجاراتهم، وتبيّن كيف أن تحسّناً بسيطاً في وضعهم الاقتصادي، العابر أساساً في معظم الأحيان، يزرع وهم الحركيّة الاجتماعية في نظر الذين ما يزالون الأكثر حرماناً، ويحرّك حالات الحسد. تجعل قوّة السرد في الكتاب الشخصيات لا تُنتَسى، مثل هؤلاء الأولاد الذين يعيشون من فضلات العالم الآخر، وذاك البائع الصغير المتخصّص بالنفايات الصالحة لإعادة التدوير، وتلك المرأة التي تبيع جسدها وروحها لرجال السياسة و الشرطة، و ابنتها هي "الطالبة الجامعيّة" الوحيدة في مدينة الصفيح هذه...ومن هذ المنطلق تطرح المؤلفة الاسئلة ما هي إمكانيات الترقّي الاجتماعي التي توفّرها السياسات الرسميّة في الهند؟ ولماذا في عصر العولمة، لا يتجمّع الفقراء، ولماذا يتركون، فيما هم يتناتشون الحدائد الصغيرة، "حواضر العالم المجحفة" تعيش نسبيّاً بسلام؟ قامت الكاتبة بتحقيقها، لكي تجد أجوبة عن هذه الأسئلة. وإذا كان ما توصّلت إليه من أنّ نخبة صغيرة قد صادرت المقدّرات الاقتصادية أمراً معروفاً، فإنّ الجانب "الإيجابي" الذي تخلعه على الفساد، "الذي يوفّر الفرص الفعلية لحركيّة اجتماعية متبقّية للفقراء" هو أمر قابل تماماً للجدل... ومرفوض في الهند نفسها حيث تنمو حركة مكافحة الفساد. فالكاتبة بو لا تتّهم لا النظام الاقتصاديّ ولا نظام العولمة الحالي، بل إدارة الحكم السيّئة والفساد داخل جهاز الدولة والاختلاس الفاضح للمال العام المخصّص للخطط الغذائية والتعليميّة والصحية، يدفعها حتّى إلى تفهّم لماذا هناك قسم من النخبة الهندية يعتبر أنّ الدولة التي لا تتدخّل هي أفضل أشكال الحكم وتكتشف كاثرين بو في كتابها ما وراء الجمال: الحياة والموت والأمل في مومباي الهند معتمدة على منهج التحقيق الميداني لفترات طويلة فى أفقر المناطق العشوائية في مدينة بومباي وأقامت في منطقة البحث وتعايشت وأقامة صدقات مع سكانها، مما أكسبها قدرا كبيرا من التميز والمصداقية.بتحليلها لواقع ومستقبل المسيرة الديمقراطية والأوضاع الرأسمالية في الهند، وهي مسيرة تجمع بين نجاحات مشهودة وبين آفات وسلبيات عاينتها بنفسها في عشوائية "اناوادي" قرب مطار بومباي.من أنتشارالفساد الإداري أو الحكومي وهو ما أصبحت تواجهه دعوات سلمية على طريقة غاندي وأيضا حركات عنيفة على طريقة ماوتسي تونج، إضافة إلى ظهور فئات جديدة من محدثي النعمة ممن باتوا يرفضون أي دور للدولة. وهو الكتاب الأول لكاترين, , وكانت قد فازت بجائزة بوليتزر الرفيعة عام2000 عندما كانت تعمل في صحيفة واشنطن بوست. وهكذا تمكنت من الاقتراب الشديد, إلي حد المعاينة نسبة اليومية, مع نماذج بشرية تعيش في هذا الحي العشوائي, خاصة جامع قمامة وأفراد عائلته وأصدقائه ومعارفه.
واختيار كاترين لعنوان كتابها ينم عن مفارقة بالغة الدلالة فقد استهلمته من لافتة ضخمة مكتوب عليها وراء الجميل الي الأبد, وتحجب هذه اللافتة عن الانظار هذا الحي العشوائي.
غير ان اللافتة الجميلة لاتحجب الحقيقة المروعة, والحياة البائسة لسكان أنا وادي وكل قاطني العشوائيات في الهند وغيرها
"كاثرين بو" تحكي حكايات الفقراء ومأسيهم، قى بومباي، بكل صخبها وبكل و شهرتها، التى تجعلها تحت الأضواء بعد عرض الفيلم الشهير الذي تناول حياة شاب من قاع تلك المدينة، شاءقدره الانتقال من حياة الحرمان إلى عالم المليونيرات.( المتشرد المليونير (Slumdog Millionaire) هو فيلم بريطاني من إنتاج عام 2008 م، ومن إخراج داني بويل والنص مقتبس عن رواية للكاتب والدبلوماسي الهندي فيكاس سوارب والتي تحمل العنوان "سؤال وجواب" وذلك بعد إجراء بعض التعديلات على تفاصيل الرواية. يحكي الفيلم قصة جمال مالك، الشاب الفقير الغير متعلم الذي نشأ في الأحياء العشوائية (الأحياء المشاع) في الهند، وتحديدا في بومباي، حيث يشارك جمال في النسخة الهندية من برنامج من سيربح المليون ليدهش الجميع بإجابته على الأسئلة سؤالًا بعد سؤال. وليثير أيضًا شك مقدم البرنامج الذي لا يقف صامتًا أمام الفوز المتكرر لجمال والفيلم يستعرض الحياة الفقيرة والمعدمة والمهمشين فى بومباى وهو نفس الشئ للصحفية الأميركية مؤلفة كتابنا، مستخدمة صحافة الاستقصاء البحثية و مصطلح (UNDER CITY) المرادف لمعان شتى، وإن جمع بينها معنى قاع المدينة أو الحي العشوائي أو مكمن الفقر ومثوى التعاسة ومحور الحرمان، والغريب أن المؤلفة بدت وكأنها ذابت خلال إقامتها في تلك العشوائيات إنها كادت تنكر ذاتها، وهي تعكف على تصوير حياة أفقر عشوائية تحمل اسم "اناوادي" وتقع على مقربة من مطار بومباي بكل ما يتمتع به من ازدهار وما يتسم به من طابع الحداثة والثراء.الكاتبة الزائرة تأتي من العاصمة الأميركية واشنطن حيث تقيم وتفارق حياتها المرتبة الوادعة، وزوجها الأستاذ في جامعة جونز هوبكنز، حيث يحدق فيها سكان الحي البائس فوق أرض الهند.
ودراسة نشرها معهد بانوس البريطاني عام2000 عن ظاهرة العشوائيات ذكر فيها أن مايطلق عليه المنطقة المضيئة واللامعة من المدن لاتتعدي مساحتها عشرين في المائة, وهي تضم كل ماهو جميل ورائع من مبان حكومية وشوارع نظيفة, وحرس خاص, ودور الفن والمتاحف والمطاعم.أما بقية المساحة أي نحو ثمانين في المائة فهي مناطق معتمة وعشوائية وينطبق هذا المعني تمام الانطباق علي مدن مثل سان باولو بالبرازيل وممباي بالهند.وعند هذا الحد, قد يكون من المفيد, وحتي نقترب من تفهم الأبعاد الكارثية لظاهرة العشوائيات ان نشير إلي ان ناقوس الخطر بدأ يدق بعنف للفت الانتباه العالمي والإقليمي الي مخاطر هذه الظاهرة في المؤتمر الأول للمستوطنات البشرية الذي انعقد في مدينة فانكوفر بكندا عام.1976
وكانت أزمة المدن انذاك لم تبلغ بعد مابلغته من حدة في الوقت الحاضر.ففي ذلك الحين كان الخبراء ينظرون الي أوضاع المدن باعتبارها مشكلة يمكن مواجهتها, والتصدي لها بإقامة مناطق جذب مضادة في المناطق الريفية, بحيث يمكن احتواء الهجرة من الريف الي المدينة غير ان الجهود التي بذلت في هذا الصدد قد منيت بالفشل.ويعلل الخبراء هذا الفشل بأن المدن تتميز عادة باقتصاديات أكثر حيوية من اقتصاديات المناطق الريفية ولذلك فإن عقد التسعينيات من القرن العشرين شهد تحولا في الابحاث والسياسات التي اتسع نطاق تركيزها علي قضية الإدارة الرشيدة للمدن. أهالي العشوائية الهندية بدأوا يتساءلون عما تريده تلك "المرأة البيضاء لكنهم ما لبثوا أن اعتادوا على زيارتها وعلى تواصلها الجاد مع ما يعيشونه ومع ما يعانون، من هنا أمكن لها أن تحدثنا عن هؤلاء الفقراء الذين تصفهم بأنهم "النفوس التاعسة" كيف لا وقد بلغ بهم الحرمان الرهيب الحد الذي "باتوا يطاردون فيه الجرذان والضفادع كي يصطادون.
ولا يتورعون عن طبخها وتقديمها على مائدة طعام،"، فإن لم يجدوا كما تقول المؤلفة أيضا فدونهم كذلك الحشائش الطفيلية التي تنمو على حواف بحيرات المجاري، حين لا يجدون بديلا لسد الرمق واستمرار، مجرد استمرار الحياة.
وما لنا أيضا بالوافدين من أرياف الهند، هم النازحون الأكثر تعاسة الذين يحاولون الفرار أو النجاة من قطاع زراعي تصفه المؤلفة بدوره بأنه يعاني من الأزمات، وعندما يأتون إلى المدينة فهم يشكلون فائضا شديد الغزارة من العمالة الرخيصة في بومباي، ويبلغ بهم يأس البحث عن أي فرصة عمل الحد الذي يشهد حادثة الآلة التي يمكن أن تؤدي إلى قطع يد الصبي العامل، فإذا بالصبي يتوجه إلى صاحب العمل، مؤكدا لسيادته أنه لن يبلغ السلطات عن الحادثة المريعة فيما تظل ذراعه المهيضة تقطر بالدماء.
في العشوائية تموت البنات أيضا، يلقين مصارعهن وسط ظروف ملتبسة وتبعث على الارتياب في بعض الأحيان، وهنا أيضا يستشري فساد الإدارات والمؤسسات الحاكمة وفي مقدمتها الشرطة القادرة على تكييف الأمور حتى ولو لجأوا إلى شهود الزور المجلوبين والمكلفين لقاء أجر معلوم.
تقول كلمات نشرتها "نيويورك تايمز" في معرض النقد التحليلي لهذا الكتاب، بقلم يحمل إيقاعا هنديا: إن الأمر يبدو أقرب إلى نوع من الصراع الدارويني (بمعنى صراع البشر من أجل البقاء على قيد الحياة) وقد صورته فصول هذا الكتاب الذي لم يأت، على النسق التقليدي بقلم زائر من العالم الأول إلى العالم الرابع ولا طبعا من خلال نظرة سياحية أو حتى نظرة الدارس الذي يطل على الظاهرة المدروسة بقدر لا يخفى أحيانا من التباعد (تحت ستار الموضوعية) دعك من الاستعلاء.
إن مؤلفة الكتاب لا تعيش دور المفسر الخارجي ولا الكاتب الباحث عن مغامرة أو عن جديد ومثير وغريب أو طريف ينقله إلى قارئيه، بدلا من هذا كله يشعر قارئ هذا الكتاب بمدى الحساسية التي تصدر عنها المؤلفة إزاء ما عايشته من مكابدة البشر، لدرجة أن جاءت كل صفحة من صفحاته، على نحو ما تقول كلمات "بانكاج ميشرا" وكأنها تنضح بمدى التفهم والتعاطف والتشارك مع تجارب الحرمان والمعاناة، فضلا عن تصميم هذه الجموع غير المحظوظة على مواجهة ما ينجم عن حظوظهم الضيقة من مشكلات، بعضها يصل إلى حافة الكوارث في بعض الأحيان،
في هذا السياق بالذات تتطرق الكاتبة الأميركية وقد كانت محررة يعتد بها في صحيفة"واشنطن بوست" بكل وزنها السياسي إلى قضية الديمقراطية الهندية التي ما برحت مثار الاهتمام وربما الإعجاب على مستوى العالم.
صحيح أنها تسلم بأن هذا العالم يشيد بديمقراطية الهند، من منظور المقارنة التي لا فرار منها مع شمولية الصين، لكن المؤلفة تصارح قراءها أيضا بأن الأمر لا يزال بحاجة إلى بذل جهود أكثر من مضنية، ولكي تتحول هذه الديمقراطية من "لعبة قومية"، إلى حيث تصبح أداة فعالة للتصدي للمشاكل المزمنة للهند ما بين الفقر والمرض والأمية إلى عمالة الأطفال، وبحيث يتمثل الهدف، على نحو ما يضيف هذا الكتاب، في القضاء على "استغلال المستضعفين بواسطة الأقل استضعافا وهو استغلال لا يلقى سوى الحد الأدنى من التدخل بغية إنهائه،".
على الطرف الآخر من المعادلة نفسها تطرق مؤلفة كتابنا تخوما نراها بالغة الأهمية حين لا تتورع عن الإشارة إلى فئات مستجدة في مجتمع الأثرياء أو الأقوياء بالهند المعاصرة وتصفها بأنها عناصر من محدثي النعمة كما قد نصفهم ممن أصبحوا لا يطيقون أو لا يكادون يطيقون أعراف الديمقراطية الهندية بل وصلوا حتى إلى النيل منها أو ازدرائها(!).
وباتوا كما تضيف المؤلفة شأن غيرهم في مواقع أخرى من عالمنا، يريدون إلغاء التزامات الحكومة إزاء العدل الاجتماعي والعمل على رفاه جماهير البسطاء، بدلا من تعزيز تلك الالتزامات، وفي هذا السياق بالذات توضح "كاثرين بو" هذا العنصر المستجد على الهند فتمضي قائلة:بالنسبة لهذه الفئات من الهنود (المحظوظين) تم استئجار واستخدام عناصر للأمن الخاص (بودي جارد) واستخدموا وسائل لتنقية مياه الشرب وأرسلوا أبناءهم إلى مدارس التعليم المخصوص، ثم توالت هذه الممارسات التي اتبعوها إلى حيث تبلورت لتصبح مبدأً يقول بالتالي: أفضل الحكومات هي تلك التي تخلي الطريق بغير تدخل على الإطلاق
وكان محور هذا التركيز الجديد يتمثل في العلاقة بين الحكومة والمواطنين, وخاصة المهمشين منهم وساد انذاك اجماع عالمي يؤكد ان الإدارة رشيدة للمدن يستهدف القضاء علي الفقر عبر تحقيق التنمية المستدامة.غير ان المؤشرات العالمية والإقليمية تفصح عن أن هذا المفهوم الجديد للإدارة الرشيدة للمدن قد تعثر في اجواء العولمة التي داهمت العالم, والتي اقترنت بإطلاق الرأسمالية وجموحها الشديد.. وهو ما أسفر عن اتساع الفجوة بين الاغنياء والفقراء.وهو ما أدي في ذات الوقت إلي تهميش قطاعات كبيرة من السكان في جميع انحاء العالم, ومن ثم تزايدت مشكلة العشوائيات واتسع نطاقها, وتفاقمت مخاطرها.
وتشير دراسة معهد بانوس البريطاني الي ملاحظة جديرة بالاهتمام وهي أن ثمة شعورا مريرا ينتاب سكان العشوائيات ويتلخص في أن السلطات قد غضت الطرف عمن يعيشون في هذه العشوائيات وانهم قد سقطوا من حسابتها وخططها, ولذلك فإن لسان حالهم يقول: اننا لانعيش في هذه الاحياء العشوائية انما نحاول البقاء علي قيد الحياة.وأزمة العشوائيات في ممباس قد استفحلت منذ شرعت الحكومة المركزية في الهند عام1991 في تنفيذ سياسة السوق الحرة والاصلاح1991 في تنفيذ سياسة السوق الحرة والاصلاح الاقتصادي, فيما يعد انقلابا علي سياسات ومبادئ الأباء المؤسسين للهند الحديثة وهما لمهاتما غاندي وجواهر لال نهرو أول رئيس وزراء الهند بعد استقلالها عن الاستعمار البريطاني.فقد أدت هذه السياسات الرأسمالية الجديدة الي ارتفاع حاد في أسعار العقارات منذ منتصف التسعينيات من القرن العشرين, وتجاوزت أسعارها في ممباي مثلا الأسعار في طوكيو ونيويورك وهو ما أدي إلي تفاقم مشكلة المشردين وسكان العشوائيات.وتشير كاترين الي أن الهجرة المستمرة من المناطق الريفية الي المدن تمثل عبئا هائلا علي الاحياء العشوائية في الهند, وفي غيرها من البلاد.ولذلك, فإن الخبراء المعنيين بمشكلة المدن وإدارتها قد عقدوا في العاصمة الألمانية برلين المؤتمر الدولي لبحث مستقبل المدن في يوليو.2000 واشترك فيه نحو أربعة آلاف من خبراء التخطيط والمهندسين وكبار المسئولين وانصار البيئة ورجال السياسة.
وكان الهدف وضع رؤية جديدة للمدن بحيث تتوافر فيها ظروف بيئية واجتماعية واقتصادية جيدة أصدر المؤتمر تقريرا يتسم بالتفاؤل ويشير إلي ان الديمقراطية وحسن إدارة المدن والنمو الاقتصادي والتقدم التكنولوجي, فضلا عن تزايد التشابك والترابط لوسائل الإعلام والمعرفة علي الصعيد العالمي.. يمكن توظيفها لتحقيق تنمية المدن وتقليص مخاطر الاحياء العشوائية
*كتاب مليار جائع... هل نستطيع إطعام العالم
(One Billion Hungry: Can we Feed the World?)
هذا الكتاب يفسر لماذا ما يقرب من مليار شخص في العالم لا يزالون يعانون من الجوع المزمن، وكيف أن الرقم سيرتفع خلال العقود القليلة القادمة ما لم نعمل على زيادة الإمدادات الغذائية العالمية و يرى الكاتب أن الفقر، والتغيرات المناخية، والزيادة السكانية، وارتفاع أسعار الطعام؛ هي معوقات تقف في وجه الأمن الغذائي العالمي، وكأنها جبال الهيمالايا. وفي هذا الكتاب، يدعو عالم البيئة الزراعية جوردون كونواي إلى (ثورة خضراء مضاعفة)، تتسم بالتكثيف المستديم للإنتاج، والبحث والتطوير، وخلق الأسواق. ويسعى كونواي لبحث كافة الوجوه المتعلقة بالأزمة، ومناقشة المنهجيات الخاصة بحلّها، والبحث العميق في الدور المنوط بالمزارعين كمبتكرين ومبدعين، ومواجهة التحديات البيئية. والمهم فى هذا الكتاب الجمع بين الترتيب للعديد من الدراسات والأبحاث الجديدة، والخبرة الطويلة لأحد الخبراء في هذا المجال.
وهو خارطة طريق واضحة لما يتعين علينا القيام به لزيادة الإنتاجية الزراعية والقضاء على الجوع في العالم
كونواي جوردون، واحد من أبرز الخبراء في مجال التنمية الزراعية المستدامة. بالنسبة للأشخاص الذين يرغبون في معرفة المزيد عن العلاقة بين الزراعة والجوع في العالم، وهذا قد يكون أفضل الكتاب عامة عن كيفية ربط لدينا إنتاج الأغذية نظام حديث للممارسات الزراعية. كما انها قابلة للقراءة جدا
محاصيل الوقود الحيوي تتنافس مع المحاصيل الغذائية لتوفير إمدادات تناقص الأراضي الصالحة للزراعة. ارتفاع مستويات الدخل في البلدان النامية في رفع الطلب على منتجات اللحوم كثيفة الاستخدام للموارد (بقرة تستهلك ثمانية أرطال من الحبوب عن كل رطل من اللحوم المنتجة). هذه وغيرها من العوامل التي تدفع أسعار المواد الغذائية أعلى ارتفاع الأسعار وخلق التي تشكل عبئا كبيرا على الأسر الفقيرة تنفق بالفعل أكثر من دخلها على الغذاء
بالإضافة إلى ذلك، التلوث والتملح، وعدم كفاءة استخدام إمدادات المياه الموجودة تسبب جفاف الأنهار ومستويات المياه الجوفية تنخفض إلى. معدل النمو في العائدات من اثنين من المواد الغذائية الرئيسية الغذائية للأرز والقمح آخذ في الانخفاض. بحلول عام 2050، من المتوقع أن عدد سكان العالم إلى زيادة -معظمهم في البلدان النامية. والآثار المترتبة على تغير المناخ درجات الحرارة والجفاف أعلى تواترا والفيضانات، بدأت تؤثر الإنتاجية الزراعيةككل، ويمكن أن يبدو وكأنه سيناريو مخيف جدا. ، رغم ذلك، هناك تفاؤل بأننا نستطيع حل هذه المشاكل إذا بدأنا الآن. ومن المفارقات، واحدة من التحديات التي نواجهها والتغلب على الشعور بالرضا الذي وضع في بعد نجاح الثورة الخضراء نصف قرن من الزمان
واحدة من النقاط المثيرة للاهتمام لكونواي في كتابه هو أن نجاح الثورة الخضراء الأولى كانت الكثير عن خلق "البيئة التمكينية" كما كان عن التقدم العلمي. "صنع الحكومات استثمارات كبيرة في مجال البحوث الزراعية، في ضمان المزارعين من الوصول إلى القروض والمدخلات، و في الحصول على أسواق العمل بكفاءة دول استفادت من رعاية الحكومات الراغبة والقادرة على تقديم وتوجيه الاستثمارات اللازمة
ليقول كونواي أننا بحاجة مرة أخرى لجعل الزراعة أكثر كفاءة وإنتاجية، وأقل عرضة للتغيرات في الطقس والأسواق أكثر إنصافا، ومستدامة بيئيا. كما يقول، والاتفاق الأول، أن هذا يتطلب تجديد القيادة السياسية، وزيادة الاستثمارات العامة والخاصة في مجال البحث والإرشاد الزراعي المستدام، وتحسين الوصول إلى الأسواق للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة، والسياسات الحكومية التي تركز على المزارع والاستراتيجيات التي تضمن ان النساء والأطفال يحصلون على كافيتهم على وجه الخصوص، ونحن بحاجة إلى اهتمام وثيق لأفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، و لمجموعة متنوعة من الأسباب كان من تجاوز الثورة الخضراء الأولى. اليوم، أكثر من واحد من كل أربعة أشخاص في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء يعانون من سوء التغذية المزمن بنسبة أعلى بكثير من أي مكان آخر. (مئات الملايين من الناس أيضا لا تزال جوعى في جنوب وشرق آسيا
والخبر السار هو أن مجتمع التنمية العالمية هو أكثر ذكاءا اليوم بالتأكد على التكنولوجيات المتقدمة والبذور في البلدان الغنية والمتوسطة الدخل ويشقون طريقهم للمزارعين في البلدان الفقيرة. بمزيد من المعلومات حول أفضل الممارسات للحصول لهم.على أدوات التكنولوجيا الرقمية لتعمل لصالحهم. ونحن نشاهد تقدما في ربط أصحاب الحيازات الصغيرة إلى الأسواق الإقليمية والعالمية حتى يتمكنوا من زراعة وبيع مجموعة متنوعة من المحاصيل، ، و العلم يمكن أن يحركها لتعزيز أمننا الغذائي. علم الزراعة هو في الواقع في مرحلة مثيرة جدا. أدوات الثورة البيولوجية التي اخترعت لفهم صحة الإنسان تنطبق مباشرة لفهم النباتات وكذلك يمكن أن تحدث فرقا إيجابيا عميقا في السنوات المقبلة
و أن البديل في زيادة الإنتاجية الزراعية على أساس مستدام هو تغير المناخ. على الرغم من طردهم تغير المناخ أساسا من أنشطة البلدان الصناعية، وسوف يكون التأثير السلبي أكبر في البلدان النامية. فمن المرجح أن يؤدي إلى أقصر مواسم النمو، وارتفاع درجات الحرارة، والأحداث المناخية المتطرفة مثل الفيضانات وفترات الجفاف. فى العديد من المناطق في العالم النامي التى تعاني بالفعل من نقص المياه. الكثير من المحاصيل يمكن ان تتسامح حتى ارتفاع طفيف في درجات الحرارة
كونواي يشير أيضا إلى أن الزراعة تساهم في تغير المناخ من خلال تطهير الغابات وانبعاثات أكسيد النيتروز والميثان. ويعتقد الزراعة يمكن أن تصبح جزءا من الحل من خلال تطوير تكنولوجيات جديدة وأنظمة المزارعين للتخفيف من حدة انبعاثات الغازات وأبعد من ذلك، يجب على المجتمع ككل معالجة الأسباب الكامنة وراء تغير المناخ لضمان توفير إمدادات غذائية مستقرة للعالم.
*كتاب هذه المرة مختلفة: ثمانية قرون من الحماقة المالية(This Time is Different: Eight Centuries of Financial Folly)
على مر التاريخ، كانت البلدان الغنية والفقيرة على حد سواء تقرض وتقترض وتنهار وتتعافى وتمر في طريقها بمجموعة غير عادية من الأزمات المالية. في كل مرة، يدعي الخبراء أن «الأمر مختلف هذه المرة» مدعين أن القواعد القديمة للتقييم لم تعد قابلة للتطبيق وأن الوضع الجديد لا يتشابه إلا قليلا مع الكوارث السابقة. ويثبت كينيث روجوف و. ماري واتكنز وروبن ويجلسويرث عدم صحة تلك المقولة، مسترشدا بما حدث فى 66 بلدا في القارات الخمس، عبر ثمانية قرون من الأخطاء الحكومية، وحالات الفزع المصرفي، وارتفاع معدلات التضخم، من عملات العصور الوسطى إلى كارثة الرهن العقاري الراهنةو ويرى الكتاب أن ارتفاع معدلات التضخم، انهيار العملات، وانخفاض قيمتها غالبا ما تسير جنبا إلى جنب مع التعثر. ويؤكد الكتاب على الفكرة الشائعة بأن الأسواق الناشئة اليوم تفتح آفاقا جديدة في الاعتماد بدرجة كبيرة على أسواق الدين المحلية وان أخطر أربع كلمات في عالم المال هي «الوضع مختلف هذه المرة». بفضل التحفة الرائعة من تأليف كارمن راينهارت (الأستاذة في جامعة ميريلاند) وكينيث روجوف (الأستاذ في جامعة هارفارد)، لن يستطيع أي شخص أن يشكك في ذلك مرة أخرى. ويلاحظ المؤلفان ما يلي: «إذا كانت هناك سمة مشتركة بين النطاق الهائل من الأزمات التي ندرسها في هذا الكتاب، فإن هذه السمة هي أن الإفراط في تكويم الديون، سواء كان ذلك من قبل الحكومة أو الشركات أو المستهلكين، يشكل في الغالب مخاطر شاملة على النظام بأسره تفوق ما يبدو أنه يقوم به أثناء فترة الطفرة».
و يؤكد المؤلفان أنه نتيجة لذلك فإن «جزءاً كبيراً من الكتابات الأكاديمية والكتابات حول السياسة الاقتصادية التي تتناول مواضيع الدين والتعثر تستند إلى البيانات التي جُمِعت منذ عام 1980، ويعود ذلك بصورة كبيرة إلى أن هذه البيانات متوفرة بمنتهى السهولة.» أقل ما يقال في ذلك أنه أمر مضحك ومثير للسخرية. . ووضع المؤلفان قاعدة بيانات ممتازة تضم البيانات حول الدين المحلي والتجارة والدخل القومي والتضخم وأسعار صرف العملات وأسعار الفائدة وأسعار السلع في 66 بلداً من مختلف أنحاء العالم. في بعض الحالات تعود البيانات إلى أكثر من 800 عام، إلى يوم استقلال معظم البلدان وإلى الفترة التي كانت فيها بعض البلدان واقعة تحت الاحتلال. وأكبر درس نتعلمه منها هو أننا مررنا بذلك من قبل. ربما تتغير التفاصيل، لكن الحكاية تظل هي نفسها. دورات الثقة والهلع أمر لا مفر منه في عالم الدَّين الذي نعيش فيه، سواء كان دينا على القطاع العام أو القطاع الخاص، وسواءً كان ديناً أجنبياً أو محلياً. تعطى القروض بِحُرية ثم تُسحب بصورة وحشية.
الدرس الثاني المستفاد هو تكرار أزمات الدين في القطاع العام. من السمات الرئيسة للكتاب وهو الضوء الذي يلقيه على دور الدين العام المحلي، الذي لا توجد بشأنه بيانات تذكر حتى الآن. تبين لنا قاعدة البيانات المذكورة المدى الكبير الذي تعمل فيه المستويات العالية من الدين العام المحلي على تفسير الاندفاع المفاجئ والمتزامن للتضخم والتعثر في سداد الديون الأجنبية، حتى وإن كان يبدو على هذه الديون أنها عند مستويات متدنية. كذلك تتكرر الأزمات بخصوص الدين الأجنبي خلال العصور، من التعثرللملك إدوارد الثالث في بريطانيا وعجزه عن سداد ديون بنوك فلورنسا في القرن الرابع عشر، إلى تعثرالأرجنتين أمام دائنيها الأجانب في عام 2001. في جميع هذه الحالات كان يتبين أن تعثر الدولة شامل في معظم الحالات، باستثناء حالات قليلة، مع الانتشار الكبير التعثر المتكرر في سداد الديون المحلية أو الأجنبية، أو الديون المحلية والأجنبية. ولا يقل شمولاً عن ذلك، خصوصاً بالنسبة للبلدان ذات الأسواق الناشئة، فترات هبوط قيمة العملة، أو ما نسميه التضخم بلغة اليوم.
الدرس الثالث هو أنه في حين أنه يبدو على البلدان المتقدمة أنها تترك أيام تعثر الدولة وراء ظهرها إلا أن هذا لا ينطبق على الأزمات البنكية. وكما يذكر المؤلفان، فإن «وقوع الأزمات البنكية يثبت أنه مشابه تماماً لما يحدث في البلدان ذات الدخل العالي والبلدان ذات الدخل المتوسط إلى المنخفض». من بين البلدان ال 66 في العينة، نجد أن النمسا وبلجيكا والبرتغال وهولندا هي فقط البلدان التي تمكنت من النجاة من الأزمات البنكية خلال الفترة من 1945 إلى 2007. أي أن الأنظمة المالية هي حوادث جاهزة للانفجار.
كذلك فإن الأزمات البنكية مكلفة بصورة هائلة ومدمرة، من حيث ما يُفقَد بسببها من الدخل القومي ومقدار الدين العام. يلاحظ المؤلفان أن الدين الحكومي في المتوسط يرتفع بنسبة 86 في المائة أثناء السنوات الثلاث التي تعقب الأزمة البنكية. مستويات العجز والدين التي تصيب حسابات المالية العامة في الولايات المتحدة وبريطانيا حين تضربهما الأزمة هي بالضبط ما تدفعنا التجربة السابقة إلى توقع حدوثه.
الدرس الرابع هو أن الأمور السيئة تأتي معاً. في طور الطفرة تقفز أسعار العقارات، وينفجر العجز في الحساب الجاري، وترتفع المقبوضات المالية العامة وتقترض الحكومة بسهولة. بعد ذلك يأتي التراجع الاقتصادي، وتنهار أسعار العقارات، وينهار النظام المالي، ويتدفق رأس المال إلى الخارج، وتهبط العملة، ويبلغ العجز في المالية العامة عنان السماء، ويقفز التضخم.
الدرس الأخير هو أن التحرير المالي والأزمات المالية يسيران معاً مثل الحصان والعربة. لذلك ليس من قبيل المفاجأة أن السنوات الثلاثين الأخيرة شهدت موجات من الأزمات المالية، كان آخرها مجرد أكبر هذه الأزمات. الأزمة الحالية هي أسوأ أزمة منذ الكساد العظيم. لكن يجادل المؤلفان بأن هذا الناتج يجدر به ألا يكون مفاجأة لأحد. أظهرت الولايات المتحدة الأعراض التقليدية لبلد يتجه نحو الأزمة، وهي عجز هائل في الحساب الجاري، وارتفاع كبير في أسعار العقارات، ونمو مباشر سريع في الائتمان، وأخيراً دعنا لا ننسى الأجهزة التنظيمية التي فرطت في مسؤوليتها وأفرطت في تهاونها.
إذا أرادت الحكومات المساعدة في تعزيز الاستقرار المالي، فإن من المفيد أن توسع هذا الجهد الرائد. لكن البيانات التي جُمِعت وحُلِّلت في هذا الكتاب ينبغي أن تعمل من فورها على تغيير الطريقة التي ننظر بها إلى العالم المالي. ستظل الأزمات معنا دائماً. لكن لعل إدراك هذه الحقيقة بالذات سيعمل على تقليص معدل حدوثها. ما يدعو للأسف أنه ليس هناك أي شيء آخر عمل على ذلك
*كتاب المدينة التى اصبحت أمنة (The City that Became Safe)
"المدينة التي أصبحت أكثر أمناً" للكاتب فرانك زيمرينج. ينافش الكتاب قضية السلاح من زاوية أن ولاية نيويورك هي المثال المحتذى، في العالم، بأن نسبة الجريمة فيها الناتجة من استخدام الأسلحة النارية قلت، في العقدين الأخيرين، على نحو يفوق التصور. و يرى الكاتب، نتيجة اختبارات ميدانية مدعومة بتقارير موثّقة لأجهزة الشرطة في نيويورك، ان السبب هي مضاعفة أعداد الشرطة في عملية المراقبة والتقصّي والمحاسبة، ووضع الأماكن الساخنة التي تنشأ فيها الجريمة وتنتقل منها إلى غيرها بالعدوى، تحت المجهر ليل نهار.وهو يطلق عليه "سياسة النوافذ المخلّعةفالشرطة هناك تدهم أوكاراً للسود والبيض بها تجارة الماريوانا ليس لإلقاء القبض على المتعاطين أو التجّار. ولكن لهدف آخر يبدو أهم وأخطر، لاحتجاز مسبق للشباب ذو الاستعداد النفسي المسبق لارتكاب حماقات قد تصل إلى حدالجريمة ويوضع هؤلاء في خانة المشبوهين المحتملين .
على مدى العشرين سنة الفائتة، كان سكان نيويورك أكبر المستفيدين من الانخفاض الكبير المطرد في معدل الجريمة بشوارع المدينة الذي لم يسبق أن شهدت مثيله أي مدينة كبيرة أخرى في العالم المتقدم. ففي أقل من جيل، انخفضت معدلات عدد من الجرائم الشائعة التي كانت تدبُّ الرعب في صفوف الجماهير مثل جرائم القتل والسطو والسرقة، بنسبة تفوق 80%. فمع حلول عام 2009 انخفض معدل جرائم القتل إلى درجة أقل مما كان عليه في عام 1961. كما أن خطر تعرض المرء للسرقة انخفض إلى سُدس معدله في عام 1990، كما تراجع خطر سرقة السيارات بنسبة 1/16.
فقبل عشرين عاما كان معظم علماء الجريمة وعلماء الاجتماع يشكّون في إمكانية المدن الكبيرة على خفض هذا النوع من الجريمة بمثل هذا القدر. وعلى الرغم من أن مستوى النجاح الذي حققته مدينة نيويورك باتَ معروفا وموَّثقا تماما الآن، ربّما لا يدرك معظم الناس أن تجربة المدينة أظهرت عدم صواب العديد من الفرضيات السائدة في أمريكا الحديثة بخصوص الجريمة، بما في ذلك الفرضية القائلة إن تخفيض معدل الجريمة يقتضي أولا معالجة الفقر والبطالة وتعاطي المخدرات، وأنه يتطلب أيضا إلقاء القبض على العديد من الناس وإيداعهم في السجن، أو ترحيل الأقليات بعيدا عن مراكز المدن. فبدلا من ذلك قامت مدينة نيويورك بقطع أشواط كبيرة نحو حل مشكلة الجريمة فيها من دون إجراء تغييرات جذرية في تركيبتها العرقية والإثنية؛ وقد فعلت هذا من دون أن تخفض مستوى الفقر والبطالة بأكثر مما خفضته المدن الأخرى؛ لا بل إنها قامت بذلك من دون أن تنتصر في حربها على المخدرات أو من دون أن تشارك في عمليات الحبس الجماعي(2) التي حدثت عبر بقية الولايات الأمريكية.
ومن المؤكد أن المدينة ستكون في وضع أفضل وأكثر أمانا إن تمكنت من حلّ مشكلاتها الاجتماعية الأعمق: تحسين مدارسها، وتقليل عدم المساواة في الدخل، وتحسين الظروف المعيشية في أسوأ الأحياء. بيد أن تجربة مدينة نيويورك تقدم رسالة واعدة مفادها أن معظم الجرائم ما هي في جُلِّها إلا نتيجة ظروف يمكن تغييرها من دون إحداث تغييرات بنيوية واجتماعية مُكلِفة. فليس مُقدَّرا على البشر ارتكاب الجرائم، والمجتمعات البشرية ليست مجبولة بحكم طبيعتها الإثنية أو الجينية أو الاجتماعية - الاقتصادية على احتمال أن تكون أكثر عرضة لذلك الخطر. إضافة إلى ذلك، فإن التغييرات المنهجية التي أحدثتها المدينة في سياق جهودها للتقليل من الجرائم لم تكن باهظة التكاليف ويمكن مواءمتها مع ظروف المدن الكبرى الأخرى.لقد كانت السنوات التسع الأولى التي انخفضت فيها معدلات الجريمة في مدينة نيويورك جزءا من توجه وطني أكثر شمولية، وهو انخفاض عام بنسبة 40% تقريبا كان قد بدأ في أوائل تسعينات القرن العشرين وانتهى في عام 2000. لقد كان هذا الهبوط هو الأطول والأوسع نطاقا في التاريخ الحديث في جميع أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية. وما يميز مدينة نيويورك عن المنحى العام هو أن الانخفاض بلغ ضعف المنحى الوطني ودام فترة أطول تصل إلى الضعف.
ويمكن مشاهدة هذا الفارق الهائل بين هبوط مقداره 40% وآخر مقداره 80% من خلال مقارنة معدلات القتل في الفترة الواقعة بين عامي 1990 و 2009 في أكبر خمس مدن في الولايات المتحدة، هي: نيويورك وهيوستون وفيلادلفيا وشيكاغو ولوس أنجلوس. فالتراجع الكبير في معدل الجريمة في تسعينات القرن العشرين قلل من جرائم القتل في جميع هذه المدن الخمس، وكان مقداره كبيرا في أربع مدن منها. ولكن أرقام نيويورك تحولت من المتوسط في معدلات جرائم القتل في عام 1990 إلى الأقل معدلا بين المدن الخمس - فهي أقل بنسبة 30% من معدل المدينة التي تليها في الأفضلية، وأقل بنسبة 40% فقط من المعدل المتوسط للمدن الأربع الأخرى.
وبالطبع فإن من يقوم بإعداد إحصائيات الجرائم الرسمية وتدقيقها هو دوائر الشرطة ذاتها التي يعلو رصيدها عندما تهبط معدلات الجريمة وتتلقى اللوم عندما ترتفع. وبالفعل فإن الاتهامات التي تُوجَّه إلى مديرية شرطة مدينة نيويورك (NYPD) بأنها تتلاعب في البيانات لجعل أرقام الإحصائيات تبدو حسنة لقيت الكثير من اهتمام وسائل الإعلام. ولكن هناك أيضا ثمة شواهد غير مؤكدة عن سوء سلوك الشرطة في أماكن أخرى، تشمل عدة مدن أمريكية حيث الأرقام الرسمية لا تدعو إلى التفاؤل كثيرا. ومع ذلك، كيف يمكن لنا أن نكون على ثقة من أن الأخبار الجيدة على نحو لافت تعكس الواقع الفعلي لجرائم الشارع؟
لعل أفضل الطرق للتحقق من اتجاهات معدلات الجريمة هي مقارنتها ببيانات مستقلة. ومن حسن الحظ أن هناك وكالات مستقلة عن الشرطة تحتفظ بسجلات لمؤشرين رئيسين من مؤشرات الجريمة، وقد أيدت نتائجها بيانات مديرية شرطة مدينة نيويورك NYPD. بالنسبة إلى المؤشر الأول، تحتفظ مديريات الصحة في المقاطعات بسجلات دقيقة عن جميع الوفيات وتقدم تقارير خاصة عن الحالات التي تصنفها الشرطة بأنها جرائم قتل متعمد وقتل غير متعمد «غير ناتج من الإهمال. وعبر السنوات التسع عشرة التي كانت فيها تقارير الشرطة تشير إلى تراجع كبير في معظم أنواع الجرائم، كان التوافق بين تقارير الشرطة وتقارير الصحة في كل سنة من هذه السنوات تاما من الناحية العملية. وبالنسبة إلى المؤشر الثاني فيما يخص سرقة السيارات (التي انخفضت على نحو مذهل بنسبة 94%)، تسجل شركات التأمين مطالبات التأمين التي يتقدم بها ضحايا هذه السرقات. وقد استطعتُ الحصول على تقارير سنوية عن حالات السرقة والفقدان من شركتي تأمين منفصلتين. أشارت الإحصائية الأشمل من مطالبات دعاوى التأمين إلى تراجع معدلات السرقة بنسبة تفوق بقليل 90%
كما عثرتُ أيضا على دليل مستقل عن الانخفاض الكبير في عمليات السطو. فبينما تُسجَّل تقارير عن عمليات السطو البسيطة في مركز الشرطة التابع للمنطقة يتم تسجيل تقارير حوادث القتل التي تنجم عن عمليات السطو بشكل مستقل في دائرة الشرطة التابعة للمدينة التي تقوم بدورها أيضا بتزويد مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) بهذه المعلومات وهي معلومات يصعب حجبها. وقد انخفضت حوادث القتل الناجمة عن عمليات السطو بنسبة تفوق 84% في جميع هذه العمليات. وقد أكدت الاستطلاعات التي أجريت مع الضحايا انخفاض كل من عمليات السطو وعمليات السرقة في مدينة نيويورك (وهي جرائم اقتحام للمنازل أو المحال التجارية يتم ارتكابها في غياب أصحابها، بينما في عمليات السطو تحصل مواجهة مباشرة بين اللص والضحية).
وفقا للمعايير الأمريكية أصبحت مدينة نيويورك تتمتع بأجواء حضرية آمنة وذات معدل جريمة منخفض. فكيف حصل ذلك؟لا يبدو أن هناك أسبابا محلية مختلفة تكمن وراء الانخفاض في معدل الجريمة الذي شهدته نيويورك، والذي كان يوازي الهبوط الأشمل على المستوى الوطني في تسعينات القرن العشرين. ولم يكن من السهل ربط هذا الانخفاض بأسباب محددة سواء على المستوى الوطني أو على مستوى المدينة، ولكن يُرجَّح أن يكون المسؤول في هاتين الحالتين هو المزيج ذاته المؤلف من عمليات الاحتجاز المتزايدة، وارتفاع مستوى الرفاهية، وتقدم السكان في السن، والتأثيرات الدورية الغامضة. ، لعله من الأسهل تمييز أسباب نصف عدد هذا الانخفاض تقريبا في مدينة نيويورك والذي هو ظاهرة محلية بامتياز، ومع ذلك، قد تكون الإجابات غير متوقعة بالنسبة إلى العديد من الناس.
فعلى سبيل المثال، لم تشهد المدينة طوال العشرين سنة التي أعقبت عام 1990 سوى القليل جدا من التغيرات الجذرية التي حدثت في التركيبة الإثنية للسكان، وفي الاقتصاد والمدارس أو الإسكان. وقد هبطت نسبة فئة السكان الأكثر عرضة للتوقيف، ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و 29 سنة، بمعدل يساوي تقريبا معدل هبوطها على المستوى الوطني، بينما لم يُسهم النمو الاقتصادي في تخفيض معدل الفقر أو البطالة في مدينة نيويورك - بشكل ملموس - إلى ما دون معدليهما الوطنيين.
أحد الافتراضات الشائعة هو أن المدن الداخلية في الولايات المتحدة صارت أكثر أمنا لأنه قد تم «تنظيفها» أو تطويرها. وهو ما يحصل عندما تبدأ أحياء كانت موبوءة سابقا باستقطاب سكان من ذوي الدخل الأعلى، فيما يتم دفع السكان من ذوي الدخل المحدود تدريجيا لمغادرتها بسبب ارتفاع معدلات الإيجارات والضرائب المفروضة على العقارات. ويسود اعتقادٌ بأنه خلال هذا التطوير، يرحل جميع الفقراء عن هذه الأحياء مما يؤدي بالتالي إلى انخفاض معدلات الجريمة. وبالفعل انخفضت معدلات الجريمة في جزيرة مانهاتن Manhattan، أغنى بلدات مدينة نيويورك، بالتزامن مع انخفاض التنوع الإثني والاقتصادي. أما في البلدات الثلاث الأخرى (كوينز وبروكلين وبْرونْكس) ذات الكثافة السكانية العالية فلم ينخفض التنوع الإثني والاقتصادي بل على العكس استمر بالارتفاع. وعلى الرغم من ذلك، فإن الجرائم قد انخفضت جدا وبمعدلات مشابهة في جميع هذه البلدات الأربع.
هذا الانخفاض الضخم في جرائم الشارع، لا سيما في بعض أنواعها، يعتبر انخفاضا مدهشا من جانب آخر. فقد كانت نيويورك على مدى سبعة عقود من الزمن على الأقل عاصمة شمال أمريكا في مجال استعمال المخدرات غير المشروعة. وبكل المعايير، فإن نيويورك لا تزال تحتل هذا الموقع. ففي ثمانينات القرن العشرين اقترن ظهور مخدر الكوكايين وانتشاره على نطاق واسع بارتفاع حاد في معدلات جرائم القتل. وكان الاعتقاد بوجود صلة وثيقة بين المخدرات والعنف إحدى النظريات المحفزّة في الحرب على المخدرات التي أعلنت في العقد الذي تلا عام 1985، فحدوث انخفاض ملموس في معدل العنف في أواخر ثمانينات القرن الماضي، من دون حصول تراجع كبير في بيع واستخدام المخدرات غير المشروعة كان حلما مستحيلا. ولكن يبدو أن ذلك هو ما حصل بالفعل في نيويورك.فقد انخفضت جرائم القتل المرتبطة بالمخدرات ( كأن يطلق تجار المخدرات النار على بعضهم بعضا) بنسبة 90% من معدلات الذروة. وفي غضون ذلك يبدو أن معدل استخدام المخدرات بقي ثابتا نسبيا في المدينة، سواء كان المؤشر على ذلك الوفيات الناجمة عن تناول جرعات زائدة، أو المصروفين من المستشفيات بعد المعالجة من الإدمان، أو فحوصات البول للمجرمين المشتبه في تعاطيهم المخدرات. ويبدو أن نيويورك تنتصر في حربها على الجريمة من دون الفوز في حربها على المخدرات وأخيرا، وما هو لافت على الأرجح، معارضة سياسات المدينة الناجحة في مكافحة الجريمة للتوجه الوطني الرامي إلى زج أعداد متزايدة من المواطنين في السجون. إذ يفترض النهج التكتيكي الذي هيمن على سياسة مكافحة الجريمة في الولايات المتحدة أن الشباب الذين يشكلون مصدر خطر عالٍ سيصبحون بالفعل مرتكبي جرائم مهما فعلنا، وأن المجرمين سيستمرون بارتكاب الجرائم ما لم يتم إيداعهم السجن. ففي منتصف تسعينات القرن العشرين كان مؤيدو نظرية العرض supply side theory في الجريمة يحذرون من أن مدنا مثل مدينة نيويورك ذات الأعداد الكبيرة من شباب الأقليات الناشئين في كنف أُسَر وحيدة المعيل تتطلب استثمارات جديدة هائلة لتأهيل السجون ومرافق الأحداث الخاصة. ومنذ عام 1972 كانت هذه النظريات المؤيدة للعرض هي المبرر الرئيس للتوسع في عمليات الزج في السجون الذي زاد بمعدل سبعة أضعاف في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي ثمانينات القرن العشرين شاركت مدينة نيويورك في هذا التوجه. ولكنها في تسعينات ذلك القرن اتخذت لنفسها مسارا مختلفا، فيما كانت أعداد نزلاء السجون والنَظارات jail في الولايات المتحدة الأمريكية تزداد بنحو 50%. وفي السنوات السبع الأولى من ذاك العقد لم يرتفع معدل الحبس في نيويورك إلا بنسبة 15% ومن ثم بدأ بالانخفاض. ومع حلول عام 2008 انخفض بنسبة 28% ما دون معدله في عام 1990؛ في حين كان معدل السجن على المستوى الوطني قد ارتفع بنسبة 65%.
يبدو أن العديد المجرمين قد توقف عن مخالفة القانون. خلال السنوات التي تلت عام 1990 انخفض معدل إعادة سجن المجرمين الذين ارتكبوا مجددا جنايات(9) في نيويورك بعد ثلاث سنوات من إطلاق سراحهم إلى 64%، فيما كان هذا المعدل مرتفعا خلال أواخر ثمانينات القرن العشرين. ولا تزال مديرية شرطة نيويورك تلقي القبض على المجرمين، كما لا يزال المدّعون العامون والقضاة يرسلونهم إلى السجون. ولكن المدينة قد خفضت معظم جرائمها الخطيرة بنسبة 80% من دون حدوث أي زيادة صافية في أعداد نزلاء السجون. وتدحض هذه الأرقام المعتقدات الأساسية لنظرية العرض في مكافحة الجريمة
ولم تقتصر جهود مديرية شرطة نيويورك على زيادة أعداد إضافية من رجال الشرطة في الشارع فحسب، وإنما قامت أيضا بتنفيذ عدد من الاستراتيجيات الجديدة. ومن الصعب تحديد مقدار إسهام كل تغيير من هذه التغييرات الأمنية على حدة، فيما لو وجد مثل هذا الإسهام، ولكن هناك بعض المؤشرات الواضحة التي ظهرت علنا.
ومرة أخرى، فإن التفسيرات البسيطة لا تبدو مفيدة كثيرا. فلم تكن في الواقع بعض أبرز الحملات التي شنتها السلطات إلا مجرد شعارات، بما في ذلك الحملة التي جاءت تحت شعار «لا تسامح على الإطلاق»واستراتيجية النوافذ المكسورة broken windows، وهي نظرية ترى أن اتخاذ إجراءات مثل إصلاح النوافذ المكسورة وتنظيف الجدران من الرسوم والنقوش وقمع الجرائم البسيطة يحول دون دخول الحي السكني في دوامة الخراب، ويؤدي في نهاية المطاف إلى وقوع عدد أقل من الجرائم الخطيرة. فعلى سبيل المثال، لم تقم مديرية شرطة نيويورك بزيادة عمليات الاعتقال بجرم الدعارة كما أنها لم تكن ملتزمة طوال الوقت في إنفاذ القوانين الخاصة بالمقامرة أو الجرائم المُنكرة الأخرى.
ولكن يبدو أن حملات أخرى كان لها تأثير مهم في الجريمة. فلو أن المدينة تابعت إجراءاتها الأمنية حسب استراتيجية النوافذ المكسورة لكانت وظّفت موارد ثمينة في الأحياء الهامشية بدلا من تركيزها على الأحياء ذات المعدلات العالية للجريمة. وحقيقة فإن الشرطة قد فعلت العكس: لقد شددت على استراتيجية «النقاط الساخنة» التي أثبتت فاعليتها في مدن أخرى والتي من شبه المؤكد أنها أدت دورا كبيرا في مدينة نيويورك.
وبدءا من عام 1994 تبنت المدينة أيضا نظاما لإدارة وتنظيم البيانات يُدعى كومپسات CompStat. ففي مكتب مركزي يقع في وسط مانهاتن، يقوم المحللون بتجميع البيانات حول الجرائم الخطرة، بما في ذلك المواقع التي حدثت فيها على وجه التحديد، ورسمها بالتفصيل لتحديد المواقع المهمة لتمركز الجريمة. ومن ثم يتم فرز الدوريات الأمنية بكامل قوتها إلى الموقع - سواء كان هذا الموقع رصيف شارع أو إحدى الحانات أو أي مكان عام آخر - بمهمة تمتد أسابيع في بعض الأحيان، حيث يقومون بشكل منَّظم بإيقاف وتفتيش كل من يتم الاشتباه فيه، مع مراقبة الآخرين بشكل دقيق. ومع أن المرء يتوقع أن يحوِّل المجرمون نشاطهم الإجرامي إلى شارع آخر يعاودون مزاولته كالمعتاد، إلا أن هذا الأمر لم يحصل في نيويورك. ومن ثَمّ، فإن الجرائم التي مُنع ارتكابها في موقع معين في أحد الأيام لا تستوجب بالضرورة ارتكابها في مكان آخر في اليوم التالي.
ولعل التغيير الأكبر والأكثر تكلفة في الأسلوب التكتيكي الذي اتبعته الشرطة يكمن في البرنامج الحازم الذي انتهجته في عمليات التوقيف في الشوارع واعتقال مرتكبي الجُنَح التي تعمد لها الشرطة في كل دورية تقريبا. ففي عام 2009 قام ضباط الغرامات في نيويورك بإيقاف ما يزيد على نصف مليون من المارَّة في الشارع واعتقال نحو ربع مليون من مرتكبي الجُنَح. وتعتقد الشرطة أن هذه الأساليب التكتيكية تساعد على منع ارتكاب الجريمة. ومع أن هذه الدوريات النشيطة والحازمة لها تاريخ طويل مماثل لتاريخ عمليات فرض الأمن في الشارع، إلا أن مدى تأثيرها لم يكن واضحا على الدوام. كما قد تكون هذه الدوريات مبدئيا أقوى تأثيرا في نيويورك عن سائر الأماكن الأخرى، إلا أن الدليل بأنها تضيف قيمة متميزة إلى استراتيجيتي النقاط الساخنة وكومپسات ليس بالدليل القوي.
لعل الدرس الأكثر تفاؤلا الذي يمكن استخلاصه من تجربة مدينة نيويورك هو أن معدلات القتل العالية وعمليات السلب ليست متأصلة في طبيعة سكان المدينة ولا في ثقافاتها أو مؤسساتها. فالهبوط الثابت والكبير والشامل على نحو تراكمي في معدلات الجريمة في مدينة نيويورك ليس إلا برهانا على أن المدن، على النحو الذي نعرفها به، لا تستدعي أن تكون بالضرورة حاضنات لجرائم السطو والاغتصاب وحوادث الأذى المتعمد إضافة إلى ذلك، فإن هذا يبين أن البيئة التي يترعرع فيها الناس لا تحتم عليهم حياة خارجة على القانون، كما لا تقوم جيناتهم بذلك. فالنتيجة مثيرة للدهشة بشكل أساسي للعديد من الطلبة الذين يدرسون في هذه المدينة الأمريكية، وهي الرؤية الأكثر تفاؤلا للعلوم الجنائية خلال قرن من الزمن.
*كتاب التعليم على مستوى عالمي (A World-Class Education)
يرجع بيل جيتس أهتمامه بكتابA World-Class Education الى أن أمريكا كانت لنصف قرن من الزمان الاولى بلا منازع في التعليم وهى بلد التعليم الثانوي وأول من جعل الكلية سهلة المنال. فالامريكان ينفقون ضعف ما كانوا ينفقون على التعليم اليوم ولكن منذ 20 عاما. حتى الآن، وامريكا تأتى فى المرتبة 17th لطلاب العلم، 25 في الرياضيات، و 14th في القراءة في أحدث بيانات من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، والتقييم العالمي الأكثر استخداما لتحصيل الطلاب. وفيفيان ستيوارت في كتابها، ترى أن الخمس دول الاكثر تقدما فى التعليم هى سنغافورة وكندا وفنلندا والصين وأستراليا الطلاب فيهم -أفضل بكثير من التقديرات العالمية للطلاب في الولايات المتحدة على الرغم من الاختلافات في النظم السياسية والسياقات الثقافية من هذه البلدان، وتشير ستيوارت، أنه يمكن للتحسن الطفيف في مهارات القوى العاملة للأمة يكون لها تأثير كبير على اقتصادها. ،وبالتالى ستواجه الولايات المتحدة منافسة أكبر إذا استمر هذا الاتجاه.. وفنلندا هي مثال مثير للاهتمام لأنه في عام 1970،لم يكن سوى 40 في المئة من البالغين الفنلندين حصلوا على دبلوم المدارس الثانوية. وقد ساعد في تحديث نظام التعليم في فنلندا وضعها في مصاف الدول الأكثر ابتكارا ومزدهر. ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في فنلندا هو أعلى مما كانت عليه في المملكة المتحدة، وفرنسا، واليابان. و الطفل في التعليم العام الفنلندي يكون قد أتقن 3 إلى 4 لغات عندما يتم ال 13 من عمره ومفتاح النجاح فى فنلندا قرار في عام 1979 بالحصول على درجة الماجستير لمدة سنتين لجميع المعلمين، حتى فى المدرسة الابتدائية والمعلمين في المرحلة الابتدائية (80% إناث) يختارون من بين أفضل الحاصلين على الدرجات في الثانوية العامة لالتحاق بكلية المعلمين. أول الخيارات للحاصلين على الثانوية العامة الطب والتعليم والمحاماة. المتقدمون للالتحاق بكلية المعلمين من الحاصلين على الثانوية العامة لا يفوز بالالتحاق منهم بالكلية إلا 10% والباقون لا يجدون سبيلا إليها. ومعلم الابتدائية لا يستطيع الحفاظ على وظيفته إلا إذا حصل على درجة الماجستير في التعليم. المعلم يحظى بأعلى تقدير مادي وأدبي في المجتمع معلمة الابتدائية في فنلندا لها حرية الحركة في تطبيق ما تراه ملائما من أساليب التعليم داخل الإطار العام للمنهج.
فإذا تراءى لها مثلا أن تغلق كتاب الأحياء وأن تأخذ تلاميذها إلى الحقل أو النهر لتتحدث معهم عن الأسماك أو الحشرات فلها أن تفعل. أما المحاضرات التقليدية فقد عادت إلى الظل وبرز بدلا منها إلى النور حلقات النقاش، والبحث عن طريق الانترنت، والتعليم التفاعلي الذي يتحدث فيه الطالب أكثر من المدرس. لعل ما يميز التجربة الفنلندية أنها جعلت المعلمين من أول أولوياتها قولا وفعلا. ولعل ما و أنها انتقلت من النظام المركزي إلى غير المركزي في إدارة شؤون التعليم. إن تمكين المدارس وتمكين المعلمين هما مفتاح التطوير كما يبدو جليا في النموذج الفنلندي. كما قامت فنلندا بالتقليل من الاختبارات المقننة والخارجية واعتمدت بدل ذلك الإبداعات الذاتية والمحلية في كل مدرسة.
وفي غرفة الصف الفنلندية لم نعد نرى ذلك المعلم أو تلك المعلمة واقفا أمام الطلبة وهو يشرح معلومات باهتة لا تفيد أحدا. فالطلبة يحددون أهدافهم بدقة بمساعدة معلميهم ويعملون عليها حسب استعداداتهم. ويتجول التلاميذ في غرفهم ، يجمعون المعلومات ولا يحفظونها غيبا، ويعملون في ورش ناشطة، يسالون معلميهم، ويحلون المشكلات.يعمل الطلبة في مشاريع مفيدة وذات معنى، ويستمتعون بوقتهم، ويستثمرونذكائهم ، ويتعاون المعلمون فيما بينهم، ويجتمعون في جمعيات لتطوير مناهجهم، ويشعرون على ما يبدو بمهنيتهم غير منقوص
وفى سنغافورة لديها سياسة تسمى "تعليم أقل، وتعلم أكثر" التي تهدف إلى تشجيع المناهج المبتكرة واستخدام أكثر من وقت للتدريس.تعدّ التجربة السنغافورية في التربية و التعليم من التجارب الرائدة التي تستحق الوقوف عليها و التوقف عندها من أجل الاستفادة منها. و تكمن مهمة التربية و التعليم في تكوين و بناء الإنسان السنغافوري، لتجعل منه عنصرا قادرا على المساهمة في تطوير مستقبل بلده. حيث تسعى وزارة التربية و التعليم إلى مساعدة الطلبة على اكتشاف مواهبهم، و استغلال طاقاتهم بأفضل شكل ممكن، و التعلم أكثر، و تحقيق نتائج جيدة. كما توفر سنغافورة نظام تعليمي متقدم، يعطى لجميع الطلاب فرصا عديدة و متنوعة لتنمية قدراتهم و مواهبهم. كما أنه يتميز بالمرونة الكافية التي تمكن الطلبة من توظيف كامل إمكانياتهم. ، و خصصت له خمس ميزانية الدولة. ففي سنة 2006، بلغت نفقات الحكومة السنغافورية على التعليم 7 ملايير دولار سنغافوري. و في سنة 2007، وصلت إلى أكثر من 7.5 مليار دولار سنغافوري، أي حوالي 15.2% من ميزانية الحكومة. و قد لفت النظام التعليمي السنغافوري الأنظارَ، حين نجح الطلاب السنغافوريون في بلوغ مراكز جد متقدمة في مسابقات الرياضيات العالمية، خاصة أنهم فازوا بمسابقة(TIMSS) العالمية للرياضيات و العلوم للأعوام 1995، 1999 و 2003. وتهدف برامج التعليم إلى إعطاء المتعلمين فرصة تطوير قدراتهم و كفاءاتهم و شخصيتهم و قيمهم، كي يساهموا في تقدم سنغافورة. و خلال السنوات الأخيرة، عملت سنغافورة على جعل نظامها التعليمي أكثر مرونة و استجابة لاختيارات الطلبة. حيث يتمثل الهدف من ذلك في منح الطلبة اختيارات أوسع تتلاءم مع كفاءاتهم و طاقاتهم. فعندما يكونون قادرين على اختيار ماذا و كيف يتعلمون، فإنهم يستطيعون استغلال و توظيف طاقتهم بأفضل شكل ممكن.إن هذا الأسلوبَ في التعليم يساعد على تزويد الطلبة بخبرات متعددة يحتاجون إليها في المستقبل.
و يهدف النظام التعليمي بالأساس إلى مساعدة كل طفل على اكتشاف مواهبه، و على أن يكبر منذ المدرسة واثقا بنفسه و بقدراته. كما يهدف النظام التعليمي إلى مساعدة الناشئة على تطوير قدراتهم و صقل مواهبهم، في مجال العلوم و الفنون و الرياضة، و على تحقيق أحلامهم و النجاح في حياتهم. و يهدف النظام التعليمي كذلك إلى تكوين أجيال من القوى العاملة المدربة و المؤهلة أكاديميا، و تمكين الشباب من الالتحاق بسوق الشغل.و النظام التعليمي السنغافوري متقدم، و لكنه أيضا انتقائي، حيث أن أقل من 25% من الطلبة يستطيعون الوصول إلى الجامعة. و بينما لا يبلغ عدد السكان في سنغافورة سوى 4,6 مليون نسمة (2007)، فإن أكثر من 20000 طالب سنغافوري يغادرون سنغافورة في كل سنة من أجل متابعة دراساتهم العليا في دول أخرى. و من جهة أخرى، تطمح سنغافورة إلى استقبال 150000 متعلم من مختلف المستويات، من دول أخرى، في أفق سنة 2015.
يعود اهتمام سنغافورة بهذا الاسلوب من التعليم إلى عام 1997، وهو العام الذي عقد فيه المؤتمر الدولي السابع للتفكير في سنغافورة وحضره 2400 ممثل لحوالي 42 دولة من مختلف بقاع العالم.
في هذا المؤتمر طرح رئيس الوزراء السنغافوري جوه شوك تونج مبادرته لتطوير التعليم في سنغافورة تحت شعار "مدرسة تفكر... وطن يتعلم" وطالب من خلال كلمته في هذا المؤتمر المسئولين عن التربية في بلاده أن يعيدوا النظر في دور المؤسسات التربوية ودور المعلمين إزاء الطلبة المتعلمين، وأن ينتقلوا بمفهوم التربية من التلقين المعتمد على قدرات التذكر والحفظ إلى تعليم الطلبة مهارات التفكير والاتجاه نحو التعلم والتقصي الذاتي، مبيناً أن تقدم الوطن إنما هو مرهون بتقدم المواطن، وتقدم المواطن لا يتحدد بمدى ما حصله من معارف أو نجح فيه، وإنما بمدى تمسكه بمواصلته التعلم وقدرته على التفكير لاتخاذ القرارات المناسبة في التعامل مع ما يواجهه من عوائق ومشكلات في حياته اليومية، والمواطن ليس مطالباً فقط بالتكيف مع الأحداث المحيطة به، بل عليه صنع وتشكيل و صياغة مستقبل بلاد أيضاً بما يتواكب مع التطورات العلمية والاقتصادية العالمية ، ولكي يعد المواطن لذلك، لابد أن يتعلم مهارات التفكير لكي تساعده وتعضده في تحقيق هذا الهدف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.