بين الحين والآخر يظهر من يزعم أنه المهدي المنتظر الذي سينقذ العالم من الفتن، والادعاء بظهور المهدي المنتظر ظاهرة متكررة تحدث عادة نتيجة لزيادة الضغوط الاجتماعية بسبب انتشار القهر والاستبداد والفساد. لقد تم الترويج لفكرة المهدي المنتظر الذي سوف يملأ الأرض عدلاً بعد أن امتلأت ظلماً، ليعيش الناس في الحلم بتحقيق العدل بدون أي مجهود منهم في التغيير، وجعلها في يد شخص خارق يحقق العدل في الأرض دون مشاركة من الناس. وعن أهمية مشاركة الناس الفعلية في تحقيق العدل، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ..) النحل 90، وفي القضاء: (..وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ..) النساء 58، وفى الشهادة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ..) النساء 135.
وفي الدعوة إلى إقامة العدل قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) آل عمران 21، فالذين يتم قتلهم لأنهم يأمرون بالعدل هم على طريق الأنبياء ويكون قتلهم فى سبيل الله تعالى، ومن هنا تم تغييب إرادة ووعي الناس حتى يستمر الاستبداد مع ضمان عدم سعي الناس إلي تحقيق العدل بإرادتهم دون انتظار لمجيء المنتظر. ويتفق السنة والشيعة على ظهور المهدي في آخر الزمان، لكن مع اختلاف فى التفاصيل، وقد بدأ نشر هذه الفكرة ضمن أفكار جماعة عبد الله بن سبأ في نهاية عهد الخلفاء الراشدين، ثم أعيد نشرها فى نهاية الدولة الأموية، تمهيداً لقيام الدولة العباسية، وقد بذل الخليفة أبو جعفر المنصور جهده من أجل دعم هذه الفكرة، حتى أنه جعل اسم ابنه المهدي، وقد تمسك رواة الأحاديث التابعين للعباسيين بروايات المهدي المنتظر. وأصل هذه الظاهرة أسطورة "ايزيس وأوزوريس" وما تحمله من فكرة عودة المنتظر الذي سينشر العدل، وقد ساعد على استمرارها أنها تعطى أملاً للناس فى البطل الذي سيأتى لينقذهم من الظلم ولو فى آخر الزمان، يؤكد ذلك أن فكرة المُخلّص موجودة في الأساطير الشعبية منذ زمن الفراعنة، حتى عند أتباع الأديان من يهودية ومسيحية وإسلام. إن الكثير من الأفكار التي صارت من المسلمات الثقافية الدينية لا تقوم على أساس ديني، لكنها بالتراكم الزمني تحولت إلى ثوابت ومنها موضوع المهدي المنتظر الذي آمن به الكثير من المسلمين على أنه من علامات الساعة وهو غير موجود في القرآن الكريم، واذا كان الموضوع حقيقي وبهذه الأهمية، فلماذا لم يرد ذكر المهدي المنتظر بشكل واضح في القرآن الكريم؟، مع الوضع في الاعتبار أن علامات الساعة من الغيبيات التي لا يعلمها إلا الله تعالى وحده وهو عالم الغيب والشهادة. قال تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ..) الاسراء 9، لكن المسلمين لما هجروا القرآن الكريم قاموا بالأخذ من الأساطير، ومن بعض العقائد من ملل أخرى للتعويض عن عدم أخذهم بالقرآن الكريم، ومن ضمن ما أخذوه أن يعيشوا في الأحلام في انتظار المُخلّص في يوم من الأيام.