رغم اعتراض البعض على قرارات الرئيس السيسى بترشيد الدعم على الكهرباء والمحروقات الا أن بداية الطريق الصحيح لانقاذ هذا البلد من الغرق فى دوامة الديون والافلاس هى وضع حد لفوضى الدعم التى دمرت الاقتصاد وخلقت أجيال وملايين من "المتسكعين" من سكان العشوائيات ومحافظات الوجهين القبلى والبحرى الذين يعتبرون أن الدولة ودافعى الضرائب مسؤلون عن اطعامهم مجانا وتعليم ابنائهم دون تحمل مليم واحد. وأنا هنا لا أكرر الكلام الساذج عن أن الدعم يذهب للأغنياء وليس للفقراء لأن هذا الكلام غير صحيح بالمرة ..فالأغنياء والطبقة المتوسطة هم دافعى الضرائب التى تمول كل هذا ومع ذلك فأن الأغنياء والشرائح المتوسطة والعليا من الطبقة الوسطى وتشمل المهنيين من أطباء ومهندسين وصحفيين واعلاميين ومحاميين وقضاة وغيرهم لا يستفيدون من مجانية التعليم لانهم لا يلحقون ابناءهم بمدارس حكومية ولا يستفيدون بالعلاج المجانى ولا الحصة التموينية ولا يشترون رغيف الخبز المدعم ولا يركبون اتوبيسات النقل العام المدعمة. ويأتى على رأس فوضى الدعم المطلوب ترشيده من وجهة نظرى دعم التعليم ..فلا توجد دولة فى العالم توفر تعليما جامعيا مجانيا على حساب دافع الضريبة. والعجيب أن الدول المتقدمة التى تعيش رفاهية اقتصادية تلتزم فقط باتاحة التعليم المجانى للمرحلة الالزامية أما مصر الفقيرة والتى تعيش على الاستدانة والتى لديها ملايين العاطلين من خريجى المؤهلات العليا فأنها تستدين لكى توفر تعليما مجانيا واقامة كاملة الخدمات للطلاب المغتربين القادمين من الوجهين القبلى والبحرى للدراسة فى جامعات العاصمة فى حين أن معظم أسر هؤلاء المغتربين من ملاك الأراضى الزراعية الذين يمكنهم تحمل تكاليف تعليم أبناءهم. أن مجانية التعليم من وجهة نظرى أساءت للعلم عندما جعلته مجانا كأنه بلا قيمة فى حين أن "الحذاء" الذى يرتديه الطالب فى قدمه يكلفه أكثر من قيمة المصروفات الدراسية التى يتحملها فى سنوات الدراسة بالكامل منذ التحاقه بالتعليم الابتدائى حتى تخرجه فى الجامعة. كما أن فوضى مجانية التعليم هى المسئول الرئيسى عن تدنى مستوى التعليم وتدنى مستوى الطلاب والخريجين وانخفاض مستوى المدرس وهى مسئولة ايضا عن انتشار الدروس الخصوصية كبديل حقيقى وعادل للتعليم المجانى داخل الفصل بالاضافة لمسئوليتها عن سوء احوال المدارس وقلة عددها وزيادة اعداد التلاميذ فى الفصول. ولكن ما العمل ؟ فى الحقيقة أن مجانية التعليم "الصورية" التى تلتهم 65 مليار جنيه من ميزانية الدولة سنويا تحتاج لقرار شجاع مثل قرار ترشيد دعم الطاقة ..قرار ياخذ فى الاعتبار مصلحة الوطن بعيدا عن الخوف من الصوت العالى وردود فعل سكان العشوائيات الذين ينفقون المليارات على السجائر والشيشة والبرشام والبانجو وكروت المحمول والدروس الخصوصية وغيرها ولكن يرفضون مبدأ تحمل جزء من تكلفة تعليم أبنائهم والاعتماد على "تكية " الدولة. أولا بالنسبة للتعليم الجامعى يجب أن يتحمل كل طالب تكليف تعليمه بالكامل حسب تكلفة تعليم كل كلية على حدا دون أى دعم من الدولة وعلى الدولة الاستفادة من التجارب الدولية فى هذا الشأن ومنها توفير قروض بنكية للتعليم الجامعى لمن يريدها من الطلاب باجراءات بسيطة وضمانات ميسرة وفوائد مدعمة يتم سدادها بعد التخرج والعمل. على أن تذهب ميزانية دعم التعليم الجامعى لانشاء جامعات جديدة تغطى جميع المحافظات مع تطوير وتحديث الجامعات الحالية لتصل للمستوى الدولى والاهتمام بالبحث العلمى ورفع رواتب اساتذة الجامعات والارتقاء بمنظومة التعليم لتنافس المستويات الدولية والتوسع فى البعثات الخارجية واحداث ثورة ونهضة تعليمية شاملة. أما التعليم المدرسى – ما قبل الجامعى – فعلى الدولة الالتزام فقط بدعم التعليم فى المرحلة الالزامية حتى الصف الثالث الاعدادى .. والدعم هنا لا يعنى مجانية التعليم ولكن يكفى أن يتحمل الطالب 25 % من تكلفة تعليمه بحد أدنى 500 جنيه سنويا على أن يستمر هذا الدعم للتعليم الثانوى الفنى فى حين يرفع الدعم تماما على الثانوى العام ويتم التعامل معه مثل التعليم الجامعى. هذا الترشيد للدعم سيوفر ما يقرب من 20 مليار جنيه من الميزانية المخصصة للتعليم سنويا يمكن استخدامها لاحداث ثورة ونهضة تعليمية شاملة خلال 5 سنوات تجعل مصر رائدة فى المنطقة من خلال بناء مئات الالاف من المدارس الحديثة وتطوير المدارس الحالية وتزويدها بالمعامل والملاعب بما يخفض كثافة الطلاب فى الفصول الى 30 طالبا فقط مع الارتقاء بمستوى المعلم ماديا وعلميا وتحديث المناهج وتطوير المنظومة التعليمية بالكامل بما يقضى على الدروس الخصوصية التى تلتهم أكثر من 25 مليار جنيه سنويا من ميزانية الأسروتأسيس منظومة للتعليم الفنى على أحدث النظم العالمية لادخال تخصصات فنية وتكنولوجية عصرية يحتاجها سوق العمل فى مصر واسواق العمل فى الدول الشقيقة وتغيير نظرة المجتمع للتعليم الفنى. هذا التطوير المنشود لنظومة التعليم سوف يضمن وجود آليات لاكتشاف الموهوبين فى جميع المجالات العلمية والفنية والأدبية والرياضية ويتحول الخريج الى ثروة بشرية حقيقية للوطن يستطيع أن يعمل فى مصر أو فى أى دولة فى العالم بدلا من الانضمام لطوابير البطالة التى يفرزها نظام التعليم المجانى الحالى الذى ثبت أن كوارثه أكثر بكثير من حسناته.