أثار تصويت مصر لصالح مشروعي قرار متناقضين أمس، قدمتهما فرنساوروسيا خلال جلسة مجلس الأمن حول الشأن السوري، جدلًا واسعًا في الأوساط الدولية، فعلى الرغم من أن السنوات القليلة الماضية كان اللعب بدبلوماسية المنتصف هو السمة الغائبة على السياسة الخارجية المصرية، حيث وقعت معظم علاقاتها الدولية في الطيف الرمادي، إلا أن هذا التأييد المتناقض رآه خبراء بأنه يقلل من تأثير الموقف المصري حول القضايا الرئيسية الدولي، ويضعه في المنطقة المحيرة. واشتدت المعركة الدبلوماسية بالأمس بين الغريمين روسيا من جهة وأمريكا وحلفائها الغربيين من جهة أخرى، حيث طرحت فرنسا مشروع قرار يطالب بنهاية فورية للضربات الجوية وطلعات الطائرات الحربية فوق مدينة حلب في إشارة إلى الضربات الروسية والسورية، بينما طرحت روسيا مشروعًا يدعو إلى الاسترشاد بالاتفاق الأمريكي الروسي؛ لإيصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة، ويحث الأطراف على وقف الأعمال العدائية فورًا، والتأكيد على التحقق من فصل قوات المعارضة السورية المعتدلة عن "جبهة فتح الشام" (النصرة سابقًا) المصنفة إرهابية كأولوية رئيسية. وبات واضحًا من نص المشروعين والدول المتقدمة بهما أنهما متعارضان شكلًا وموضوعًا بشأن الوضع السوري، إذ تختلف النظرة الروسية عن نظيرتها الأمريكية الفرنسية البريطانية خلال عمر الأزمة التي اقتربت من الستة أعوام، حيث تدعم موسكو الحكومة السورية وعلى رأسها الرئيس السوري بشار الأسد، كما تدعم تحركات الجيش السوري، بينما تدعم العواصم الأخرى المعارضة السورية بكافة أشكالها عسكريًّا وماديًّا وإعلاميًّا. في ضوء ذلك استخدم الروس حق الفيتو ضد المشروع الفرنسي، بينما امتنعت الصين وأنجولا، وانضمت فنزويلا إلى روسيا في التصويت ضده، وجاء الموقف المصري مؤيدًا لهذا القرار في تناقض واضح لتصريحات سابقة تدعم فيها روسيا في محاربتها في سوريا، حيث كان وزير الخارجية المصري سامح شكري قد قال في تصريحات سابقة في أعقاب بدء موسكو شن غارتها على سوريا في أواخر العام الماضي إن مصر تدعم الجهود الروسية في مكافحة الإرهاب في سوريا، مؤكدة تفهمها لهذه الغارات التي تستهدف مواقع التنظيمات الإرهابية في سوريا. وبدون استعراض واسع للتصريحات السابقة، والتي توضح التناقض المصري في التصويت، فإن المشروع الروسي الذي طرح في نفس الوقت حاز هو الآخر على التأييد المصري، وهو ما أعطى غموضًا واسعًا بشأن الموقف المصري الراهن من الأحداث الواقعة في سوريا، وعلى الرغم من استخدام السياسة الرمادية في هذا التصويت، والتي اعتمدت على إرضاء جميع الأطراف دون النظر إلى المصالح، فإن الموقف المصري الأخير لقي انتقادات من الدول العربية ذاتها، أبرزها السعودية وقطر، حيث قال المندوب السعودي لدى الأممالمتحدة عبد الله المعلمي "كان مؤلمًا أن يكون الموقف السنغالي والماليزي أقرب إلى الموقف العربي من موقف المندوب (المصري).. ولكن أعتقد أن السؤال يوجّه إلى مندوب مصر". كما وصفت مندوبة دولة قطر لدى الأممالمتحدة علياء آل ثاني الموقف المصري لجهة التصويت لصالح مشروع القرار الروسي بالمؤسف، وقالت إن المهم الآن هو التركيز على ما يمكن فعله لمواجهة فشل مجلس الأمن في حل الأزمة السورية بعد استخدام روسيا الفيتو للمرة الخامسة. الانتقادات لم تتوقف عند هذا الحد، حيث وجهت انتقادات من المحور الروسي لداعمي القرار الفرنسي حول سوريا، وقال مندوب الصين "إن القرار الفرنسي لا يستجيب بصورة كاملة لمبدأ احترام سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها"، فيما أكدت الخارجية الروسية أن مشروع القرار الفرنسي "يشوه بشكل صارخ الوضع الحقيقي (في حلب)، ويحمل طابعًا مسيسًا وغير متوازن وأحادي الجانب"، مشيرة إلى أن إعداد هذه الوثيقة جاء من أجل التغاضي عن واشنطن، بعد رفضها تطبيق الاتفاق الروسي الأمريكي حول سوريا. من جانبها قالت القاهرة بشأن تصويتها الذي وصف بالمحير في مجلس الأمن، على لسان السفير عمرو أبو العطا مندوب مصر لدي الأممالمتحدة، إن القاهرة تؤيد كل الجهود الهادفة لوقف مأساة الشعب السوري، وإنها صوتت بناءً على محتوي القرارات، وليس من منطلق المزايدات السياسية التي أصبحت تعوق عمل مجلس الأمن. كما ذكر المندوب الدائم المصري أن السبب الرئيسي في فشل المشروعين يعود للخلافات بين الدول دائمة العضوية بالمجلس.