تصحيح المسار.. عبارة ترددت في الفترة الأخيرة داخل أروقة عدد من النقابات، على رأسها «الصحفيين والأطباء», مستخدمة فيما يشبه تكتلات يقودها أشخاص محسوبين على النظام، يطالبون بسحب الثقة من المجلسين، ويبدو أن السلطة تستخدمهم كفزاعة أو جبهة مناهضة لأي أصوات معارضه. الجبهات المزعومة تحركها جهات أمنية داخل الدولة؛ لشق صفوف المنتفضين والمدافعين عن حقوقهم في مواجهة بطش الدولة، كما حدث مع أزمة اقتحام مقر نقابة الصحفيين وإلقاء القبض على اثنين الزملاء، بالمخالفة لكل الأعراف والقوانين المحلية والدولية، لتتردد العبارة مرة أخرى بين الأطباء، الذين انتفضوا ضد الانتهاكات المتكررة لهم من قبل أفراد الشرطة. الصحفيين.. أبواق النظام وعواجيزه أداة لشق الصف منذ انتفاضة الصحفيين لرفضهم اقتحام مقر نقابتهم من قبل قوات الشرطة وإلقاء القبض علي الزميلين عمرو بدر ومحمود السقا، استخدمت السلطة رجالها داخل النقابة، لينقسم مجلس «الصحفيين» وينشق عنه ما يسمى «جبهة تصحيح المسار»، التي دعت إلى سحب الثقة من المجلس، واختيار وقت مناسب لإجراء انتخابات لتنصيب مجلس نقابة جديد. الجبهة التي لم يتجاوز أعداد المشاركين فيها العشرات، ظهرت من خلال مؤسسة صحفية قومية، طالما اتخذت من تلميع النظام منهجا، يقودها عدد من «عواجيز» المهنة، ممن عاشوا في كنف السلطة عقودا، وكانوا أبواقا للحاكم. ادعت الجبهة المزعومة أنها تريد الحفاظ على وحدة الكيان النقابي وتطوير العمل المهني والخدمي بما يحقق طموحات شباب الصحفيين وشيوخهم، وهى أدوار تراجعت تماما أمام إصرار عدد من أعضاء المجلس على الانحراف به عن مساره المنوط به، زاعمة إصلاح النقابة وتصحيح المسار الخاطئ، بحسب بيان أصدرته، الأمر الذي أثار غصب جموع الصحفيين ووصفوا أعضاءها ب«خونة» يريدون شق الصف الصحفي في مواجهة انتهاكات وزارة الداخلية. الأطباء.. جبهة موازية لإخماد انتفاضة رفض الانتهاكات واتجهت دفة تأميم النقابات إلى «الأطباء»، فظهر مؤخرًا ما يسمى أيضا «جبهة تصحيح المسار» على غرار نظيرتها ب«الصحفيين»، يقودها عدد من وزراء الصحة السابقين وبعض عمداء كلية الطب المحسوبين على السلطة، داعين إلى سحب الثقة من الدكتور حسين خيري، نقيب الأطباء، والدكتورة منى مينا، وكيل النقابة. الجبهة التي تضم عددا من الوزراء السابقين، ادعت من خلال بيان أصدرته مؤخرا أن النقابة العامة دخلت في صراعات مع الدولة، واتخذت قرارات غير قانونية، فضلًا عن عدم قدرتهم على مناقشة موضوعات في غاية الأهمية تتعلق بالأطباء مثل تدريب الأطباء ومشكلة التأمين الصحي، وأن تيار اليسار يسيطر على النقابة، بجانب محاولات الإخوان السيطرة مرة أخرى، بحسب زعمها. ووصف عدد من أعضاء مجلس نقابة الأطباء الجبهة المزعومة ب«مسيسة»، وهدفها شق صفوف الأطباء بعد انتفاضتهم خلال فبراير الماضي، في مواجهة التعدي على طبيب مستشفى المطرية من قبل عدد من أمناء الشرطة، لتعقد النقابة جمعية عمومية طارئة، واتخذت خلالها عدة قرارات، أبرزها إقالة الدكتور أحمد عماد الدين، وزير الصحة، وتطبيق العلاج المجاني بجميع المستشفيات الحكومية. وقال الدكتور أحمد شوشة، عضو مجلس نقابة الأطباء، إن القائمين على ما يسمى «جبهة تصحيح المسار» داخل نقابة الأطباء، مجموعة من الأشخاص يعدون أنفسهم للانتخابات المقبلة، تحت مظلة العمل النقابي، مضيفا أن الجبهة بقيادة الدكتور خالد سمير، عضو المجلس، وعدد غير معلن عن أسمائهم حتي الآن من وزراء الصحة السابقين وعمداء كليات الطب، هدفها تكوين تكتل في مواجهة أي تكتل آخر داخل نقابة الأطباء. وأوضح الدكتور رشوان شعبان، عضو مجلس نقابة الأطباء، أن ظهور بعض المعارضين أمر وارد في أي عمل نقابي، فمن الطبيعي وجود أفكار مختلفة من قبل بعض الأطباء أو حتى بين أعضاء المجلس، لكن سحب الثقة من نقيب الأطباء أو وكيل النقابة، يجب أن تأتي في إطار قانوني، ولا يحق لكل من خرج مطالبا بسحب الثقة من المجلس يتم سحبها. وأضاف رشوان ل«البديل» أن ما يسمى بجبهة تصحيح المسار «مسيسة»؛ لأنها تضم وزراء صحة سابقين، والهدف منها شق صف الأطباء بعد الانتفاضة الكبيرة ضد الاعتداء على الأطباء من قبل أفراد الشرطة. سمير: التيار اليساري يهيمن على النقابة ويجب التخلص منه وعلى الجانب الآخر، قال الدكتور خالد سمير، عضو مجلس نقابة الأطباء، إن جبهة تصحيح المسار تجمع عددا كبيرا من الأطباء، وتهدف إلى تكوين تكتل نقابي ضد المجموعة المتواجدة الآن، وأن النقابات لا تصلح أن تكون مكونة من فكر واحد، متابعا أن التيار الموجود حاليا يسيطر عليه فكرة المجانية، وحق المريض أكثر من حق الأطباء أنفسهم. وأضاف سمير ل«البديل» أن أصوات أعضاء نقابة الأطباء تعالت مرارًا وتكرارًا للتوافق علي مبادئ لإصلاح النقابة، لكن ممارسات المجلس الحالي أصبحت شبيهة بالتي كانت تطرح أثناء سيطرة الإخوان علي النقابة، مستطردا أن وضع النقابة الحالي يعد الأسوأ، وأن الدكتور حسين خيري لا يتحدث باسم الأطباء، والخطابات التي تصدر عن النقابة لا يتم عرضها على المجلس. وتابع عضو المجلس: «ما يتردد أن جبهة تصحيح المسار ذريعة أمنية لوأد انتفاضة الأطباء، مجرد أسطوانة من مجموعة اليساريين داخل نقابة الأطباء، ممن لديهم ضلالات تسمى الأمن»، مضيفا: «عندما ترشحت قيل إنني مندوب الحكومة، والدكتورة مني مينا رددت أنني أنتمي إلى جماعة الإخوان، وللأسف هذه طريقة للاغتيال المعنوي، وجبهة تصحيح المسار تضم أشخاصا من جميع التيارات»، مختتما: «التيار الموجود الآن يتعامل مع النقابة كأنها حزب سياسي». سياسيون: النقابات تمثل خطرًا علي الدولة والقضاء عليها وشيك وأوضح عدد من الخبراء السياسيين النقابات أصبحت تمثل خطرا علي الدولة؛ كونها نجحت الفترة الماضية في حشد عدد كبير من أعضائها ومن المواطنين أيضا، بدلا من الأحزاب السياسية، ما دعا الدولة إلى محاولة تفتيت هذه الأصوات؛ من خلال تشكيل تكتل موازٍ من رجالها تحت ما يسمي ب«جبهة تصحيح المسار»؛ لإحداث انقسام داخل النقابات. ويرى آخرون أن النقابات ليست أحزابا سياسية، وانتفاضاتها «موسمية»، كما يؤكد الدكتور عمرو هاشم ربيع، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، موضحا أن تحرك النقابات له طابع موسمي؛ أي مرتبط بقضية وقتية، على عكس القضايا التي تطرحها الأحزاب وتكون بلا قيمة أو اعتبار. ويضيف ربيع ل«البديل» أنه حتى في حالة اتحاد النقابات، فالأمر لا يمثل خطورة بالغة على النظام كما يلفت عدد من السياسيين، مختتما: «المجتمع المدني لا يمثل خطورة علي الدولة، فتحرك النقابات وقتي؛ في حالة حدوث أزمات». ويقول الدكتور أحمد المليجي، خبير سياسي، إن النقابات تمثل خطورة بالغة علي الدولة، خاصة أنها أصبحت بمثابة منبر إعلامي للعامة، مؤكدا أن بعض الجهات تحاول القضاء على ظاهرة «هبة النقابات»؛ عن طريق تفتيت أصوات أعضائها، وجعلهم أكثر انقسامًا، مختتما: «الأمر يزداد سوءًا، ويجعل من انتفاضة النقابات أمرا وقتيا، لذا يجب أن يدرك أعضاؤها ذلك، ويتمسكوا بموقفهم بصورة أكثر جدية، خاصة أن القضاء عليها بات وشيكا».