رغم الأوضاع الملتهبة داخل الدولة الليبية، والأحداث الدامية التي تطال المصريين العاملين هناك، لا يزال السفر إليها أمرًا واقعًا، وحلمًا يراود شريحة كبيرة من الشباب المنياوي؛ هربًا من فقر الحال. وسهلت الطبيعة الجغرافية للمنيا واتصال قبائلها بنظيراتها الليبية عملية السفر غير المشروع. ويختار الشباب ليبيا دون غيرها؛ نظرًا لتسهيل عملية السفر غير المشروع بأقل التكاليف، إضافة لعدم وجود اشتراطات مجحفة كالتي تفرضها الدول الأخرى، كما أن المحافظة بوصفها الأكثرفقرًا وراء عدم التفات الشباب لعواقب السفر وسط النزاعات المسلحة. سائقون وعربان وسماسرة بداية يقول الدكتور محمد البدري، أستاذ الجغرافيا بآداب المنيا، ل«البديل» إن هناك ممرات حدودية بين مصر وليبيا، تنتشر في عرب مركز سمالوط، وتربط قبائلها بقبائل ليبية علاقات مصاهرة قديمة، مؤكدًا أنه شاهد سيارات «ميكروباص» في سمالوط يعلو أصوات سائقيها «بني غازي- بني غازي»، تمر من الصحراء الغربية، وهناك أثر لمدقاتتسير عليها سيارات الدفع الرباعي. ولفت البدري إلى أن ال 70 كيلو الشمالية من الصحراء الغربية في حدودنا مع ليبيا تنتهي عند البحر المتوسط، وتمثل عنق الزجاجة؛ لأن المناطق الأخرى تمثل مربعًا للرمال المتحركة، يستحيل العبور من خلالها. واتفق معه شيخ العرب حمد المهاجر، قائلًا إن الهجرة غير الشرعية عن طريق الصحراء الغربيةبالمنيا تتمركز في مناطق عرب عزاقة وأبو عقيلة وعربان صليبة والربايا بمركز سمالوط، مضيفًا أن الهجرة تتم بواسطة سائقين وسماسرة معروفين بالاسم لدى الأهالي، وهم على دراية بطبيعة الأرض، ونقاط تمركز الجيش الحدودية، وكذلك موعد خروج طائرات الاستطلاع الحربية. وأكد جمال حشمت، من عرب مركز المنيا، أن المحافظة وحتى وقت قريب كانت محطة استقبال راغبي التسلل إلى ليبيا من مختلف المحافظات، إذ يتم الاتفاق بين عربان المنيا وليبيا، مقابل أجور يأخذونها بنسب متفق عليها، ويعملون على توفير الحماية للمسافرين، غير أن الكثيرين قد تعرضوا للموت، والدخول مع عصابات السلاح والمخدرات، وبعضهم عاد بخفي حنين. وبحسب هاشم الوكيل(شيخ عرب)، فإن جميع المدقات الصحراوية المصرية تنتهي إلى واحة جغبوب الليبية، حيث معقل تنظيم داعش والجماعات المتطرفة المنتشرة بليبيا. معاناة العائدين التقينا عددًا من الشباب العائد مؤخرًا من ليبيا، والذين أجمعوا على أن الخيط والطرف الأول في الطريق إلى ليبيا بعض سائقي السيارات «الميكروباص» المعروفين، وأن مهمة السائق تتلخص في إيصال 14 شابًّا (سعة الميكروباص) إلى حدود السلوم، وهناك تتسلمهم قبائل ليبية معروفة، أشهرها قبيلة «أولاد علي»، ويتفق السائق مع الشباب بشأن المبالغ المالية المطلوبة وكيفية التسلل إلى داخل ليبيا، وهي غالبًا من 3 إلى 5 آلاف جنيه. أسلاك شائكة حسين ربيع حسين (32 سنة عامل)، مقيم بالشيخ مسعود بالعدوة، قال: بدأت رحلتنا من خلال سائق بالقرية، أوصلنا إلى السلوم، وبعدها سرنا على الأقدام في الصحراء 8 ساعات كاملة، وتخطينا حاجز السلك الشائك، ثم اصطحبنا الليبيون خلال سيارات ربع نقل تسمى «التعلبة»، كانت تحمل قرابة 30 شخصًا، في حين أنها لا تسع سوى 12 شخصًا، بعدها ذهبنا إلى منطقة «إجدابيا» الليبية، وقضينا ليلة في غرفة بداخلها 40 شخصًا؛ لذا لم نستطع النوم. ومن «إجدابيا» توجهنا إلى طرابلس على أرجلنا لمدة يوم كامل وسط الصحراء، وهناك ألقت الشرطة الليبية القبض علينا. ألغام وجوع وعطش وعن خطورة الطريق قالحسين: تخطينا السلك الشائك من خلال فتحة قصَّها «أولاد علي» بمقدار متر طولًا وعرضًا، وهي القبيلة التي تسلمتنا من السلوم لتوصيلنا إلى ليبيا. بعدها قادتنا إلى منطقة الألغام؛ لكونها المعبر الوحيد للوصول. وكنا نمضي في طابور وسط تحذيرات شديدة من الانحراف والميل بخطوات الأقدام يمينًا أو يسارًا؛ حتى لا تتفجر الألغام. وقال عزمي محمود: قضينا يومين بالطريق بدون طعام أو شراب، وسرنا 8 ساعات في صحراء مصر ويومًا كاملًا في صحراء ليبيا.