وقعت الجريمة واعترف المنفذون، لكن القضاء الصهيوني المتلون الممارس للإزدواجية بامتياز رفض الإدانة، لتبدء مرحلة جديدة من الظلم الممنهج ويضيع حق الضحية الفتى الذي لم يتعدى عامه السادس عشر، حيث أطلقت المحكمة الإسرائيلية عمليات التحايل والمراوغه، في سبيل إطلاق سراح المجرمين الصهاينة، وهو ما يكرس فكرة العنصرية الإسرائيلية لدى كبار المسئولين الصهاينة وكبرى مؤسساتهم. حكم المحكمة الإسرائيلية رفضت محكمة في الكيان الإسرائيلي إدانة المسئول عن جريمة خطف وإحراق الطفل "محمد ابو خضير"، حيث أدانت محكمة في القدسالمحتلة إسرائيليين اثنين بتهمة خطف وإحراق الطفل فيما علّقت حكمها على متهم ثالث هو زعيم المجموعة بدعوى انتظار صدور تقييم نفسي، وأعلنت المحكمة أن المتهمين الثلاثة هم بالغ يبلغ من العمر 31 عام ويدعى "يوسيف حايم بن ديفيد"، وقاصران يبلغان من العمر 17 عام، مشيرة إلى أنها تنتظر تقييمًا نفسيًا للبالغ لتبيان ما إذا كان مسئولا جنائيًا عن أفعاله، وبموجب ذلك أجلت المحكمة إدانته إلى 20 ديسمبر الجاري. من جانبه؛ دعا محامي عائلة "ابو خضير" النيابة إلى رفض الحكم وإدانة المتهم الرئيسي بالجريمة، وأكد المحامي أن المتهم رقم واحد نجح في المراوغة والكذب، وقد قدّم محاميه تقريرًا في اللحظات الأخيرة، يدعي فيه أنه مختل عقليًا، فيما قال والد الطفل "أبو خضير" من داخل المحكمة تعقيبًا على القرار إنه اعتزم التوجه بملف قضية مقتل ابنه إلى محكمة الجنايات الدولية، وتابع "أنا ووالدة محمد لا ننام الليل ونأخذ الحبوب، ودائمًا ما نفكر كيف حُرق محمد، وفي النهاية تتم تبرئة القاتل بزعم أنه مجنون، إنها نازية جديدة"، وأكد والد الطفل "أبو خضير"، "لن أرضى بأقل من حكم مدى الحياة على القتلة جميعهم وأطالب بهدم منازلهم". تعليقًا على قرار المحكمة الإسرائيلية أعلن الناطق الرسمي باسم حركة فتح في قطاع غزة "فايز أبو عيطة"، عن اتخاذ اللجنة المركزية قرارًا ينص على وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال وإعادة النظر بكل الاتفاقيات معه، ردًا على تبرئة محكمة الاحتلال لقاتل الطفل "محمد أبو خضير"، واعتبر "أبو عيطة" محاولة التبرئة هذه جريمة رسمية ترتكبها حكومة الاحتلال من خلال الجهاز القضائي، وقال "إن عملية قتل الطفل نفذت مع سبق الإصرار والترصد، وأّن هنالك موافقة اسرائيلية للمجرمين بارتكاب المزيد من الجرائم بحق الفلسطيني في كافة الاراضي"، وأضاف "محاولة تبرئة الاحتلال لمنفذ العملية مرفوضة ولن يقبلها الفلسطيني ولا المجتمع الدولي"، وأوضح أبو عيطة أّن من قتل الطفل هم مجموعة من الأشخاص خططت بشكل مدروس لهذه العملية، وهذا دليل لدحض الرواية الاسرائيلية الكاذبة التي تحاول فيها تبرير قاتله بتهمة الحالة النفسية. خلفية الجريمة في 2 يوليو عام 2014، وبحدود الساعة الرابعة إلا ربع فجرًا، كان "محمد أبو خضير" البالغ من العمر 16 عام، قد غادر المنزل متوجهًا إلى المسجد لأداء صلاة الفجر، حيث توقف عند محل تجاري قرب المسجد منتظرًا أصدقاءه، وعندها توقفت سيارة تقل مستوطنين إسرائييلين قاموا باختطافه وهربت السيارة بصورة خيالية وقطعت إشارة المرور الحمراء باتجاه حي راموت، وأقدم المستوطنين على تعذيب الطفل "أبو خضير" وإحراقه وهو على قيد الحياة، وقد عثر على جثته في أحراش دير ياسين. قبل ثلاثة أيام على اختطاف "أبو خضير" أعلن العثور على جثث ثلاثة مستوطنين إسرائيليين في الخليل، وعقب ذلك تم اطلاق دعوات بالانتقام من العرب والتحريض على قتل وتعذيب وحرق الفلسطينيين، وقد قاد هذا التحريض بعض المسئولين المتطرفين الصهاينة، وفي مقدمتهم عضو الكنيست "أيليت شكد" التي حرضت حينها على قتل أطفال الفلسطينيين، ووصفتهم ب"الثعابين الصغار". أثارت عملية قتل وتعذيب وحرق الطفل "محمد" العيد من ردود الفعل العنيفة، حيث خرجت موجة احتجاج واسعة في مناطق عديدة بمدينة القدس، تبعتها إدانة دولية كبيرة للحادثة، ففي اليوم الأول لمقتل "أبو خضير" اندلعت الاحتجاجات والمواجهات مع قوات الأمن الصهيونية في حي شعفاط، وأصيب خلال هذه المواجهات 55 فلسطينيًا، وقد امتدت الاحتجاجات إلى أحياء القدس وقراها، فكانت القرى والمدن على صفيح ساخن وعلى رأسها جبل المكبر وحي الطور وصور باهر والصوانه والعيزرية ومناطق أخرى كحاجز قلنديا والخضر، وهو ما دفع الكيان الصهيوني لاتخاذ إجراءات أمنية مشددة في محاولة للتضييق على المظاهرات والاحتجاجات، وفي 8 يوليو امتدت الاحتجاجات إلى قطاع غزة، لتكون الأراضي الفلسطينية بأكملها في مواجهة الكيان الصهيوني الغاشم، وحينها تصاعدت وتيرة القصف بين قطاع غزة وإسرائيل، وبدأت عملية عسكرية إسرائلية موسعة على غزة استمرت قرابة شهرين. حاول الكيان الصهيوني تهدئة الغضب الفلسطيني المتصاعد بعد أن فشل في مواجهته، حيث قال باعتقال ستة اشخاص لعلاقتهم بمقتل الطفل "أبو خضير"، وهم حاخام يهودي واثنين من أبنائه، وثلاثة آخرين، وقد أعاد قسمًا من المتهمين تمثيل الجريمة بدءًا من عملية الاختطاف ونقل المختطف إلى غابة قريبة ثم التنكيل به وإضرام النار به، ورغم اعتراف المنفذين بجريمتهم إلا أن قضاء الاحتلال الصهيوني تحايل على الموقف ليبعد عنهم الإدانة. جريمة حرق الطفل "محمد أبو خضير" في 2014 لم تكن المظهر الأول من مظاهر الإرهاب الصهيوني بل هي حلقة في سلسلة الإرهاب الذي يدعي الكيان محاربته وهو بالأصل متجذر في مسئولية ومواطنيه ومؤسساته، فقد تشابهت جريمة "أبو خضير" مع نظيرتها في 2015، عندما أقدم متطرفون أيضًا على حرق عائلة "الدوابشة"، ليكون القضاء الإسرائيلي هو الحامي دائمًا لهؤلاء المتطرفين بدعوى الجنون احيانًا، أو الدفاع عن النفس أحيان أخرى، أو مواجهة الإرهاب في أسوء الأحوال، فهو يتمكن دائمًا من إيجاد المخارج والحجج لإنزال أخف العقوبات، أو حتى التبرئة وتسهيل الإفلات من العقاب ليكرس المزيد من العنصرية، التي يواجهها الفلسطينيون المقاومون بالمزيد من التحدي والإصرار.