تحل اليوم الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد المقدسي "محمد حسين أبو خضير" حرقًا على يد ثلاثة من المستوطنين الذين خططوا ونفذوا جريمتهم لدوافع عنصرية، ويبقى الجناة دون عقاب يُذكر على الرغم من اعترافهم بالجريمة وتمثيلهم لها ووجود الأدلة الكافية التي تثبت تورط المستوطنين الثلاثة في الجريمة، إلا أن سلطات الاحتلال لاتزال تبحث عن مخرج تخفف به العقاب على المستوطنين، وتكتفي حتى الآن باعتقالهم. "محمد أبو خضير" وهو طفل فلسطيني من حي شعفاط بالقدس، يبلغ من العمر 16 عام، وكان عضوًا نشطًا في فرقة دبكة محليّة في قريته شعفاط باسم "فرقة سيدي حسن"، وكانت تقدم عروضها في القرية وخارجها تطوعًا وحبًا في فن الدبكة الشعبي، وقبل أيام من مقتل "أبو خضير" كان مهتمًا بتزيين شوارع شعفاط بالفوانيس الصغيرة استقبالًا لشهر رمضان، حيث كان يدرس الكهرباء في مدرسة اللوثري الصناعية ليستطيع العمل مع والده ومساعدة عائلته. في 2 يوليو عام 2014 وبحدود الساعة الرابعة إلا ربع فجرًا، كان محمد قد غادر المنزل متوجهًا إلى المسجد لأداء صلاة الفجر، حيث توقف عند محل تجاري قرب المسجد منتظرًا أصدقاءه للتوجه إلى المسجد، وعندها توقفت سيارة تقل مستوطنين إسرائييلين قاموا باختطافه وهربت السيارة بصورة خيالية وقطعت إشارة المرور وهي حمراء باتجاه حي "راموت"، وفي صباح اليوم التالي أعلنت شرطة الاحتلال العثور على جثة محروقة عليها آثار تعذيب في أحراش دير ياسين، وسرعان ما تبادر إلى ذهن الأهالي وعائلة أبو خضير أن الضحية هو ابنهم، وبالفعل قد كان. أعقب عملية الخطف والقتل موجة احتجاج واسعة في مناطق عديدة، حيث اندلعت اشتباكات واسعة في حي "شعفاط" أصيب خلالها 55 فلسطينيًا في اليوم الأول لمقتل "أبو خضير"، وقد امتدت الاحتجاجات إلى أحياء القدس وقراها كالرام وجبل المكبر وحي الطور وصور باهر والصوانه والعيزرية ومناطق أخرى كحاجز قلنديا والخضر. من الناحية الدولية، خرجت مظاهرات تنديد بالجريمة الصهيونية في عدة دول عربية وأروبية، وهو ما دفع السلطات الإسرائيلية إلى تقديم الجناة إلى محاكمة صورية لتفادي الإدانات، حيث قامت السلطات الإسرائيلية باعتقال ستة اشخاص لعلاقتهم بمقتل الطفل "أبو خضير"، وهم حاخام يهودي واثنين من أبنائه، وثلاثة آخرين، وقد أعاد قسمًا من المتهمين تمثيل الجريمة بدءًا من عملية الاختطاف ونقل المختطف إلى غابة قريبة ثم التنكيل به وإضرام النار به. في 8 يوليو تصاعدت وتيرة القصف بين قطاع غزة وإسرائيل، فكان "أبو خضير" بمثابة الشرارة التي اندلعت بها الانتفاضة الفلسطينية وارتكب فيها الكيان الصهيوني أبشع جرائمه والتي عرفت فيما بعد ب"حرب غزة 2014″. مع حلول الذكرى الأولي لاستشهاد "أبو خضير" نظم العشرات من نشطاء المقاومة الشعبية تظاهرات لإحياء الذكرى، إلا أن قوات الاحتلال لم تتردد في قمع هذه التظاهرات السلمية، واعتدى جنود الاحتلال بالضرب على المشاركين في التظاهرة ومزقوا لافتات كانت بحوزتهم تندد بجريمة القتل البشعة التي راح ضحيتها الطفل "أبو خضير"، مطالبين بإنزال أقصى العقوبة بحق الجناة. بدورها نظمت القوى الوطنية والإسلامية في القدس مهرجاناً حاشداً في محيط منزل الشهيد في بلدة شعفاط شمالي القدس، إحياء لذكرى استشهاده. من ناحيته منح الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" الشهيد الطفل "أبو خضير" نوط القدس، إحياءً للذكرى الأولى لاستشهاده، حيث استقبل "عباس" بمقر الرئاسة في مدينة رام الله، والدي الشهيد، ومنحهما نوط القدس، تقديرًا ووفاءً لروحه. على الرغم من اعتراف المجرمين بجريمتهم وتمثيلها أمام القضاء الإسرائيلي وهو ما يكفي إلى اتهامهم ب"القتل العمد مع سبق الإصرار" إلا أنهم لا يزالون قيد التحقيق الصوري، ويحاول فريق دفاع المتهمين الطعن في السلامة العقلية للمتهم الرئيسي في الحادث "يوسيف بن دافيد"، كحجة لتجنيبه العقوبة القصوى. أكدت عائلة الشهيد "أبو خضير" إنها لا تثق بالقضاء الصهيوني وبقراراته، وبعد عام من استشهاد "محمد" لم يتم معاقبة المتهمين سوى اعتقالهم، مضيفة أنها بصدد التوجه للمحاكم الدولية في حال لم تحكم هيئة القضاة على المستوطنين بأحكام تعادل الجريمة البشعة التي ارتكبوها.