هل يمكن القضاء على داعش؟ سؤال يجب أن نتوقف عنده طويلا، في هذه اللحظات التاريخية الحاسمة من تاريخ البشرية، وإذا كان البعض لم يدرك بعد أننا نعيش لحظات حاسمة في تاريخ الإنسانية فأنا أطالبه بإعادة النظر والتأمل، وأطالب بوجه خاص كل مسلم يعيش على هذا الكوكب بإعادة النظر والتأمل .. صحيح أن معظم المسلمين في العالم يعلمون جيدا أن داعش لا تمثل الإسلام، وأنها في الغالب وهم مصنوع له مآرب أخرى، ولكن هل يكفي هذا الشعور، والصراخ ليلا ونهارا بسماحة الإسلام، وصناعة الأفلام وتدبيج المقالات لتقديم صورة مغايرة لما رسمه داعش عن ديننا؟! فلنفكر قليلا: ماذا لو استطاعت أي قوة، سواء كانت روسيا أو الدول الغربية القضاء على تنظيم داعش بمحيطه الجغرافي الحالي في الشام والعراق فهل سينتهي الأمر؟ وهل حقا سيبدأ بعده عهدا جديدا بين الإسلام من جهة والغرب من جهة أخرى؟ بكل تأكيد لا .. لأن داعش في حقيقتها ليست دولة أو مجرد كيان ما، وإنما هي تجلي لفكرة ليس لها بعد جغرافي أو عرقي محدد، وكما أن قوات التحالف الدولي استطاعت أن تنهي سيطرة تنظيم القاعدة وطالبان في أفغانستان بعد أحداث 11 سبتمبر، ربما يستطيع التحالف اليوم القيام بنفس الأمر مع داعش في سوريا والعراق، لكن وكما حدث بالأمس سيحدث في الغد: دولة منهارة ومدمرة وشعب مشرد وميلاد جديد للتطرف في مكان جديد .. وكما خرجت داعش من رحم القاعدة سيخرج مولود جديد من رحم داعش .. وهذه المرة سيكون الأمر أعظم خطرا وأشد قسوة؛ لأن داعش وُلدت أكثر تشددا من القاعدة وما سيأتي بعد داعش سيكون أكثر تطرفا منها، ووقتها لن يكون أمام العالم سوى إعلان الحرب على الفكرة بآليات وأدوات مختلفة غير الحرب والتدمير، فربما نسمع عن تشريعات وقوانين دولية واتفاقيات عالمية وتعاون ثقافي ..إلخ. وهنا مربط الفرس، فالحديث اليوم في العالم الغربي متمثلا في تصريحات المسئولين الغربيين عن محاربة الإرهاب لا الإسلام هو مؤشر خطير وجرس إنذار لكل مسلم في العالم؛ لأن زمام المبادرة في يد الغرب لا في يدنا، بمعنى أن مفهوم الإرهاب كما مفهوم الإسلام قد تم تحديده مسبقا بعيدا عن المسلمين "أصحاب الشأن " ودون حتى الأخذ بمشورتهم! إن ما يحدث اليوم بسبب داعش هو صناعة إسلام جديد، يتم تقديمه للمسلمين وفقا لمفاهيم وقيم وفلسفة الحضارة الغربية، ومن سيختلف معه سيكون هو "الإرهابي"، وسيتضح ذلك في المستقبل القريب حين نجد أنفسنا كمسلمين انسقنا انسياقا خلف نموذج "المسلم المتنور" وفقا لما يراه منظرو الغرب دون أن يكون لنا أي تدخل في تحديد معنى المصطلحين.. وهنا وجب التحذير والإنذار، أولا: لمن يسعون جاهدين اليوم مستغلين الظرف التاريخي ووجود داعش وأشباهها لفرض تصور محدد على المسلمين ووضع رؤية جديدة لدينهم؛ لأن ذلك وفي لحظة معينة قد يؤدي لعنف أشد ورفض أكبر من المسلمين في شتى أنحاء العالم، وستكون عواقبه غير حميدة على سلم وأمان كوكب الأرض.. وثانيا: لنا كمسلمين أصحاب حضارة لها فلسفتها وقيمها أن ننساق كالعميان وراء الغرب. لابد أن نمسك زمام المبادرة بأيدينا، ونحدد بأنفسنا ولأنفسنا، وفق مفاهيمنا وحضارتنا العظيمة الضاربة بجذورها في التراث الإنساني؛ مفهوم الإسلام ومفهوم الإرهاب، وإلا سنجد أنفسنا في لحظة تاريخية ما أصحاب دين فارغ من أي مضمون، دين طقسي كأديان هوليوود الملونة والمبهجة، وبدون أي هوية حضارية أو ثقافية .. علينا كمسلمين أن نكون على قدر المسئولية التاريخية، وأن نعيد النظر والتأمل في حالنا وما وصلنا إليه، وأن يتصدر رجال الله الواعين والعارفين المشهد ليلموا الشمل، ويعيدوا القوة للعقل والمعرفة، ويوحدوا الأمة بكافة مدارسها، وإلا فنحن نعلم ونعتقد كمسلمين أن الله لن يعجزه خذلاننا، وسيستبدلنا بمن يُعلي شأن قيم ومفاهيم دينه الأصيل، فنحن من يحتاج لنصر الله وليس هو من يحتاج إلينا، فسيأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه وإذا لم نكن منهم فنحن الخاسرون ..