لم أفاجأ بأن يدخل في الإسلام أكثر من خمسين دانماركياً خلال هذه الأيام القريبة الماضية التي تنبه فيها عامة الدانماركيين إلي أن محمداً نبي الإسلام صلي الله عليه وسلم شخصية فذة فريدة يلتف حولها ويقدسها مليار ونصف المليار من المسلمين في العالم. وقد سمعت بعض المسئولين في دول إسكندنافية يقولون إنهم لم يكونوا يقدرون أن صوراً كاريكاتورية تنشرها صحيفة غربية يمكن أن تحدث ما حدث من ردة فعل قوية مستنكرة. ولقد كتب الكثير عن حملة معاداة الإسلام، ونوقشت بعمق آراء برنارد لويس في صراع الثقافات التي ورثها هنتينجتون في تنبئه المبرمج بصراع الحضارات، ونادي المسلمون بحوار الحضارات بديلاً عن الصراع وقد استجاب لهم كثير من المفكرين الغربيين المعتدلين وشخصيات ذات مكانة من رجال الدين المسيحي واليهودي وتحققت مناظرات مهمة في حوار الأديان أو التقارب بينها، لكن الاستجابة السياسية الرسمية للحوار كانت ضعيفة جداً، حيث لا يزال فريق من المتطرفين يحلمون بأن يفيقوا يوماً فلا يرون مسلماً علي وجه الأرض. وكما أن وهم إسرائيل الكبري تبدد وصار من أساطير الحالمين، يتبدد يوماً بعد يوم حلم الواهمين بأن يفيقوا يوماً فلا يرون مئذنة يرتفع منها صوت مؤذن يكبر باسم الله، أو أن يسمعوا قرآناً يتلي، وهم قلقون لأن الإسلام يزداد حضوراً في أوروبا، وقد بدأوا يحاصرونه بتهمة الإرهاب، ولكن فاجعتهم أن الإسلام يزداد انتشاراً رغم كل التشويه الذي يلحقه به أعداؤه. والمؤسف أن فريقاً كبيراً من أعداء الإسلام هم ممن يدعون بأنهم مسلمون، فمع أنني مازلت غير متأكد من أن عرباً أو مسلمين هم الذين ارتكبوا جريمة 11 سبتمبر (وسأبقي مُصراً علي براءتهم حتي تظهر الأدلة القاطعة) إلا أنني أعتقد أن الفكر المتطرف الذي يروج له من يسمحون لأنفسهم باحتكار الدين أو بتكفير الناس وهدر دمائهم لأنهم يخالفونهم الفكر أو المعتقد هم أخطر علي الإسلام من أعدائه الصريحين، ومع أنني كذلك غير متأكد من صحة اتهام عرب أو مسلمين بتفجيرات لندن أو مدريد أو سواها من التفجيرات لكن احتمال تورط مسلمين متطرفين بذلك وارد، وهذا يشوه الإسلام ويقدم الأدلة لمن يبحث عنها علي أن الإسلام دين يقدس العنف، ويمهد لقبول بعض الأوروبيين بمثل هذه الإساءات لنبي الإسلام، كما أن الجرائم المريعة التي تحدث في العراق من خطف وقتل للأبرياء، أو تلك التي حدثت في فنادق عمان تسيء إلي الإسلام إن كان حقاً قد قام بها مسلمون، وأنا لا أستبعد ذلك، ولكنني لا أبرئ أعداء الإسلام من احتمال كونهم يرتكبون الجرائم ويرمون بها الإسلام بهدف تبرير الحملة ضده. إن الحملة ضد "حماس" و"حزب الله" هي الحلقة الأبرز في حملة معاداة الإسلام، ونحن نؤكد أن حرصنا علي قيم ومفاهيم الإسلام السمح تعزز رفضنا للتطرف الذي لا ينحصر في دين أو ثقافة أو عرق أو جنسية، ونحن ندعو إلي انفتاح وتفاعل عالمي مع كل الأفكار والثقافات واحترام العقائد والأديان والخصوصيات، ولكننا نكره أن يستمر المجتمع الدولي في حالة من اختلال الموازين، فكيف يمكن تبرير حرص الرئيس بوش علي وضع قانون يلزم وزارة الخارجية الأمريكية بتقديم تقرير سنوي عن معاداة السامية في العالم كله بينما يصمت العالم علي معاداة الإسلام؟ وكيف نفهم موقف فرنسا التي أكد وزير خارجيتها أنه لن يتسامح مع معاداة السامية في الوقت الذي تتم فيه يومياً معاداة الإسلام دون أن ينزعج لذلك قادة الغرب، بل يقال إنها ديمقراطية وحرية تعبير، فلمَ إذن قامت قيامة العالم ضد مهاتير محمد لمجرد أنه أشار إلي تنامي نفوذ اليهود في العالم؟ وكيف يمكن تفسير إصرار قادة المجتمع الغربي تحديداً، علي أن أي انتقاد سياسي لدولة إسرائيل هو معاداة للسامية؟ إننا ندرك أن في أوروبا والغرب عامة علمانيين ملحدين لا يؤمنون بالأديان كلها، ولكن هل يجرؤ أحد منهم علي أن يقلل من عدد ضحايا "الهولوكست" أو أن ينتقد إسرائيل لكونها دولة دينية تحمل اسم نبي؟ ألم تقم قيامة زعامات الغرب حين كشف استطلاع للرأي أن غالبية الأوروبيين يعتقدون أن إسرائيل تهدد السلام العالمي؟ إننا ندعو قادة العالم إلي الإنصاف، وإلي سن قوانين دولية تعاقب من يعتدي علي المقدسات الدينية عامة، ومشكلتنا التي نعتز بها أننا لا نستطيع أن نرد علي الإساءة بمثلها حين يشتم نبينا أو يذم، فنحن وحدنا نتفرد بين أتباع الديانات السماوية بأننا نؤمن بالرسل جميعاً، ولا يكتمل إيمان أحدنا حتي يؤمن بكل الأنبياء كإيمانه بنبينا العظيم محمد، ونحن نغضب ذات الغضب الذي نغضبه لمحمد عليه الصلاة والسلام، حين يساء إلي مريم أو يسوع أو موسي عليهم السلام فهم أنبياؤنا جميعاً لأن نبينا جاء مصدقاً لما بين يديه من كتب ورسالات سماوية. لقد قال هنتينجتون في كتابه "من نحن؟" إن العداء للإسلام وللحضارة الإسلامية ضروريان لأنهما يساعدان علي تحقيق التفاف الأمريكيين حول هويتهم الأمريكية، وإنه يحقق صحوة مسيحية جديدة في أمريكا، ويسانده عدد كبير من المثقفين الأوروبيين الذين باتوا يخشون تنامي حضور الإسلام في أوروبا، ولكنهم يتجاهلون أن عداء الإسلام وكراهيته ومحاربته بالعنف والإرهاب الفكري ستولد عنفاً مضاداً، كما أن دعوتهم إلي محاربة الإسلام وعدائه، تكشف زيف ادعائهم بأنهم يبشرون بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، فمن أبسط حقوق الإنسان حرية معتقده واحترام الآخرين لهذا المعتقد، وهذا ما حققه الإسلام العظيم حين أعلن حرية الاعتقاد حتي إنه سمي الكفر به ديناً واعترف به (لكم دينكم ولي دين).