تشهد عروض الدورة الثامنة للمهرجان القومي للمسرح (من 4 الي 21 سبتمبر الجاري) اقبالًا شديدًا من الجمهور على العروض، لتتواصل الظاهرة التي شهدها المهرجان منذ الدورة الماضية في زيادة أعداد الجمهور بشكل كبير، أدى أحيانًا إلى تقديم العروض مرتين في الليلة نفسها، كما حدث هذا العام مع عرض "روح" للمخرج باسم قناوي بمسرح الطليعة، الذي يشهد من الأساسا إقبالًا جماهيريًّا كبيرًا قبل المهرجان. الظاهرة تكررت في عروض القاعات؛ لأنها لا تستوعب سوى عدد محدود لا يناسب أعداد جمهور المهرجان، وأيضًا في مسرح أوبرا ملك مع "رجالة وستات"، للمخرج إسلام، كان الجمهور خارج المسرح أكبر من الموجود بالداخل، لكنهم لم يتمكنوا من تقديم عرض ثان؛ بسبب تخوفات الدفاع المدني من طول فترة عمل الأجهزة، ليستمر نجاح العرض الجماهيري، الذي وعد المسرح بتقديمه مرة أخرى بعد العيد. الحال نفسه مع عروض الفرق الحرة التي تنتمي غالبيتها إلى جامعات، ولا تجد فرصًا كثيرة للعرض مثل "ارلكينو والإكليل"، للمخرج عمر الشحات، و"في انتظار جودو" للمخرج أحمد صبحي، رغم اختلاف النوعية ما بين عرض كوميدي غنائي في الأول وعرض عن نص فلسفي في الثاني. غير أن الإقبال على "هانيبال" في مسرح الهناجر لا يجد ما يماثله في العروض الأخرى التي تشهد أيضًا كثافة للجمهور، ففي ليلتي العرض جمهور ضخم غالبيته من الشباب، وهي سمة غالبية المترددين على العروض، وصل الزحام حد التدافع، ولم تفلح محاولات إدارة المسرح في التنظيم، رغم أن الهناجر يحدد أرقامًا للمقاعد لتنظيم الجمهور، لكن الأعداد الكبيرة كانت تفوق حساباتهم، لذا حدث تدافع وشاهدنا كثيرين تأثروا من والزحام واحتاجوا وقتًا لالتقاط الأنفاس قبل العرض، ورغم غضبهم استمروا في المحاولة ليشاهدوا العرض وقوفًا على جنبي صالة المسرح. ورغم أن العرض للثنائي، الكاتب محمود جمال والمخرج محمد جبر، الذين انجزا نجاح تجربة عرض "1980 وانت طالع" وبالتالي يمكن أن يتوقع الجمهور عملًا على المنوال نفسه، إلَّا أن المخرج والمؤلف استطاعا الخروج من أسر نجاح عرضهما الأشهر، ليقدما عرضًا في هجاء الحرب بالعربية الفصحي، وعلى خلاف عرضهما السابق الذي تحرر من قيود الديكور والإضاءة، جاء "هانيبال" معتمدًا على سينوغرافيا ابوبكر الشريف، في رسم صورة مسرحية بالإضاءة، كما قدم معارك بأسلوب الدراما الحركية في لوحات تعرض لشقاء الجنود وقود الحرب، التي يتصارع فيها القادة لمجد شخصي متجاهلين الضحايا. العرض استقبله الجمهور بطريقة مثيرة جدًّا للانتباه، فلم يتذمر لاختلافه عن توقعاته وإنما شهد تفاعلًا ذكيًّا وحساسًا وانفتاحًا مع الرؤية الفكرية والفنية التي يقدمها. جمهور المهرجان، و"هانيبال" بشكل خاص، يدفع للتساؤل عن استسهال كثيرين الحديث عن أزمة المسرح، مع وجود متفرج ذكي قادر على تمييز الأعمال الجيدة، ويواظب على متابعة عدد كبير منها. الدرس المستقاد من المهرجان أن لدينا جمهورًا مخلصًا للمسرح، يحتاج فيه إلى من يعيد إليه الاعتبار في دعاية لائقة وأسعار تذاكر ملائمة وقاعات تحترمه، وتدريب موظفي المسارح على حسن التعامل معه.