يفترض أن يكون التعامل مع أزمة سد النهضة علي قدر من الوعي الاستراتيجي لندرك أن تلك الأزمة إذا لم يتم التعامل معها بتفهم كامل لضوابط الجغرافيا سنجد أنفسنا أمام قرار المنبع وإن كان بعد تفاوض دول المصب. ومن هنا يجب أن نطرح بدائل استراتيجية لإدارة الأزمة حال الوقوف علي حل أو التحرك نحو صدام، وعلي كل الاحوال لا ينبغي أن نتسرع أو نبالغ في المفاضلة أو الاختيار بين تلك البدائل بمنطق الواقع لا المتوقع، بل يجب صياغة تلك البدائل لتكون واقعية بقدر ما هو متوقع وليس بقدر ما هو متاح، تبعد أكثر مما ينبغي لتطرح كل سيناريوهات المستقبل، ثم تقترب لما هو كائن وتترقب ما سيكون، وبهذا نكون في أحسن الأحوال أو أسوأها نمتلك البديل. واجعلونا نطرح تساؤلا: إذا كان سد النهضة في إثيوبيا قد أنشئ علي المنبع فلم لا نقيم سدا عند المصب؟، بمعنى أدق: لماذا لا نوظف كل مفردات وإمكانيات حصة مصر من المياه لسد فجوة الهدر عند المصب أو الحجز عند المنبع؟. وسواء كنا مصيبين في الطرح أو مخطئين، فيظل الخروج من الأزمة رهن ضرورة التفكير في مشروعات ري قومية تخرج من حيز المسار التقليدي للنيل ريا ومجرى، بل وتخرج عن حدودنا وتقترب من المنبع كما هي علي المصب. ويمكننا طرح هذا كفكرة مجردة لا مشروع مدروس كالتالي: على المستوى القومي: 1- مشروع مصر الدلتا: ويكون من خلال إنشاء سدود تحويلية لفرعي النيل وذلك بإيقاف نزيف النيل في البحر المتوسط، حيث إن الفاقد يساوي ثلث الحصة، وبتلك السدود المقترحة يغذي فرع دمياط بكامل طاقته ترعة السلام لاستكمال المرحلة الرابعة منها به بالوصول إلى منطقة السير والقوارير بوادي العريش بسيناء، ويمكن فعل نفس الأمر عند مصب فرع رشيد ليغذي الساحل الشمالي، لتكون تلك المسارات التحويلية مغطاة للتقليل من البخر، وبهذا يمكن الحفاظ علي معدلات متقاربة من حصة مصر الحالية، وتتحول الخريطة الزراعية من دلتا مصر إلي مصر الدلتا. 2- رسم خريطة صحيحة للمياه الجوفية في مصر: على المستوي الإقليمي: 1- إحياء مشروع قناة جونجلي وتجفيف مستنقعات الجنوب لتحصل مصر والسودان على حوالي 8-10 مليارات متر مكعب إضافية من مياه النيل، حيث فعليا كان قد تم تنفيذ نحو 70% منها بطول 265 كيلومترا من إجمالي طول القناة البالغ 360 كيلومترا حتي عام 1978، إلا أن المشروع توقف عام 1984، أي بعد عام من اندلاع الحرب في الجنوب السوداني لينتهي المشروع عمليا بعد أن ضرب المتمردون موقع العمل، وهذا المشروع يكاد يكون مكتمل الدراسات ولا ينتظر سوى إعادة إحياء، واستكمال العمل علي المشروع قد يحقق خطوة استباقية واحترازية لأزمة المياه المحتملة. وكفكرة مجردة لا دراسة متكاملة الأركان، فلا يمكننا الفصل في مدى جدوى الطرح من عدمه، فتلك مهمة دولة لا مهمتنا، وننتظر عقل الدولة لعله يسعى لاستيعاب ضرورة المستقبل. [email protected]