الإنسان أول ما بدأ الحياة ومن ثم التفكير بدأ في هندسة مداه، إذ بحث عن مأوى يؤويه، وتأثير ذلك أننا نولد ونعيش ونتعلم ونتعبد ونمرض ونموت داخل بيئة عمرانية، تم تصميمها بواسطة المهندس المعماري، ووضعت أسسها اعتمادًا على مبادئ هذا العلم. في مثل هذا اليوم اعتاد المعماريون والمهندسون، الاحتفال باليوم العالمي للهندسة المعمارية، الذي يصادف الأول من يوليو، في تقليد سنوي دأبوا عليه منذ سنوات بغرض التعريف بالمجال.. «البديل» لن تفوت اليوم، وتأخذ في جولة نتنقل فيها من طابق لآخر، بالأحرى من عصر لآخر، لن نهتم بالترتيب التاريخي، لن نهتم بعدم نسيان عصر ما أو دولة ما، كأنك تمر من شارع واحد فحسب فاصطدمت عيناك بتلك المباني، كأننا اتفقنا جميعًا أن نتناسى ما حولنا، دع العشوائية للعشوائيين، ودعنا نحكي عنها.. الهندسة المعمارية.. المعماري في اللغة العربية المعماري في اللغة العربية هو مهندسٌ يمارس مهنة العمارة، والدقة في ممارسة مهنة العمارة هي معيار لقياس الدقة في مجالات مهنية أخرى، فالمعماري إذًا، هو رئيس الحرفيين البنّائين، أو هو أولهم، والعمارة هي أولى الحِرَف أو رأسها، يعود ذلك إلى الأزمنة التاريخية الأولى، وقبل نشوء الأكاديميات المتخصصة بالعمارة وبالفنون في القرن السادس عشر في فرنسا خاصة، وفي الغرب عامة.. هكذا تعرف المعاجم هذا المصطلح. المعماري.. مفهوم وفلسفة يعتبر المعماري فنانًا وفيلسوفًا بالدرجة الأولى، فهو من المفترض أن يعتمد في أي تصميم على مفاهيم وعناصر تتعلق بهدف وفكرة المشروع المطلوب، وهذا يتطلب ثقافة واسعة وخيالًا أوسع، لهذا نجد العمارة بحد ذاتها تتسع لتشمل عدة مجالات مختلفة من نواحي المعرفة والعلوم الإنسانية، مثل الرياضيات والعلوم والتكنولوجيا والتاريخ وعلم النفس والسياسة والفلسفة والعلوم الاجتماعية وبالطبع الفن بصيغته الشاملة، ويجب عليه أيضا الإلمام بنواح ثقافية ومعارف أخرى تبدو بعيدة عن المجال مثل الموسيقى والفلك، هذا بالنسبة لمتطلبات ومفهوم العمارة، أما مجالات العمل المتاحة فهي مفتوحة بصورة واسعة للغاية، وتبدأ من تصميم المدن والتخطيط العمراني بها وتصل حتى تصميم أصغر منضدة بالمنازل وقطع الديكور والأثاث. عمارة الفراعنة انبثقت الهندسة المعمارية في مصر القديمة من خاصية ذات أهمية كبيرة، وهي الخلود بعد الموت، لأن المصري القديم كان يؤمن بالبعث والعودة بعد الموت، فاهتم ببناء المقابر والمعابد الجنائزية على مر العصور الفرعونية، وبسبب قلة الأخشاب، كانت مواد البناء المستخدمة في مصر القديمة الطوب اللبن والحجر والحجر الجيري والحجر الرملي والجرانيت بكميات كبيرة. فكانت الأحجار تخصص بشكل عام لبناء للمقابر والمعابد، في حين تم استخدام الطوب في القصور الملكية والحصون، بنيت المنازل في مصر القديمة من الطين الذي جمع من النيل ووضع في قوالب، وترك ليجف تحت أشعة الشمس الحارقة حتي تقسي لأستخدامها في البناء. العديد من المدن المصرية اختفت بسبب قربها من المساحة المزروعة من وادي النيل وغمرت بالمياة وارتفعت ببطء خلال آلاف السنين، والبعض الآخر يتعذر الوصول إليه، المناخ الجاف الحار في مصر حافظ علي بنيات الطوب اللبن. نجت العديد من المعابد والمقابر لأنها بنيت على أرض مرتفعة حتي لا تتأثر بفيضانات النيل وشيدت من الحجر، وهكذا، يستند فهمنا للعمارة المصرية القديمة بشكل رئيسي على المعالم الدينية والبنايات الضخمة التي تتميز بجدرانها السميكة، المنحدرة مع فتحات قليلة، مكررًا ربما الطريقة التي تم استخدامها للحصول على الاستقرار في الجدران الطينية. عمارة الدولة العثمانية ظهر هذا الطراز في مدينتي بورصة وأدرنة في القرنين الرابع عشر والخامس عشر، طورت من العمارة السلجوقية السابقةِ وتأثرت بالعمارة الإيرانية، وإلى أكبر مدى تأثرت بالهندسة العمارة البيزنطية، بالإضافة إلى تقاليد المماليك الإسلامية بعد غزو العثمانيين لتقريبًا 500 سنة، الأعمال البيزنطيةِ المعمارية. أتقن العثمانيون تقنيةَ فراغاتِ البناء الواسعةِ الداخليةِ التي انحصرت بالقبب الهائلةِ لحد الآن عديمة الوزنِ على ما يبدو والتي تنجز انسجام مثالي بين الفراغات الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى الضوء والظلِّ الموضوع، الهندسة المعمارية الدينية الإسلامية التي حتى ذلك الحين شملت البنايات البسيطة بالزينة الشاملة، حوّلت من قبل العثمانيين من خلال مفردات معمارية ديناميكية، مثل المدافن والقبب. عمارة الدولة العباسية اهتم العباسيون خلال عهود قوتهم بالناحية العمرانية عناية واضحة، فأنشؤوا عددًا من المدن الجديدة برمتها، ولعل أشهرها عاصمة الدولة بغداد، ومن المدن الأخرى التي شيدها العباسيون سامراء والمتوكلية والرحبة في الجزيرة السورية وغيرها. كما أنشأ العباسيون شبكة واسعة من الطرق والجسور خصوصًا في العراق حاضرة الخلافة، وشيدوا المدارس والجامعات والمستشفيات والحمامات العامة في المدن الكبرى، وذكر المؤرخ ابن جبير أن في مدينة دمشق وحدها أكثر من مائة حمام، إضافة إلى التكايا التي تستضيف الفقراء والفنادق المخصصة باستقبال الغرباء عن المدينة. زود العباسيون الطرق العامة سواءً في المدن أو خارجها بصنابير المياه بحيث يستطيع عابر السبيل أن يرتوي من الطريق مباشرة. وتأثر فن العمارة العباسية بالعمارة العراقية القديمة خصوصًا الأشورية وكذلك العمارة الفارسية، ولعل تصميم بغداد بشكل دائري له أربع أبواب هو أحد أبرز أوجه التأثر بالعمارة الآشورية، إذ إن المدن التي بناها المسلمون سابقًا، إما مربعة كالقاهرة أو مستطيلة كالفسطاط، ومن العراق انتقل هذا النمط المعماري عن طريق الولاة والسلاطين إلى مصر وبلاد الشام. في حين يشكل استعمال الآجر والطين لبناء القصور، بدلاً من الحجارة، أبرز تأثرات العمارة العباسية بالعمارة الفارسية خصوصًا خلال العهد الساساني. عمارة الدولة الفاطمية ترك الفاطميُّون آثارًا معماريَّة كبيرة في المناطق التي حكموها، خصوصًا في عاصمتيهم بمصر وتونس، ظهرت العديد من الأنماط والأفكار المعماريَّة للمرَّة الأولى أثناء العصر الفاطمي، منها على سبيل المثال بناء واجهات المساجد بالحجر المنحوت والمزخرف عوضًا عن الطوب، كما هي الحال في مسجد الحاكم بأمر الله. تجمعُ العمارة الفاطميَّة، وفقًا للپروفسور إيرا لاپيديوس، الأستاذ في جامعة كاليفورنيا، بين عناصر شرقيَّة وغربيَّة، من أوائل عُصور الخِلافة الإسلاميَّة وحتّى العصر العبَّاسي، الأمر الذي يجعل من الصعب على أيِّ باحثٍ تصنيفها ضمن فئةٍ مُحددة، ومن أبرز المؤثرات في العمارة الفاطميَّة: العمارة العبَّاسيَّة في سامرَّاء، والعمارة القِبطيَّة في مصر، والعِمارة الروميَّة في الشَّام وبيزنطة. وكانت أغلبُ المباني الفاطميَّة تُشيَّدُ بواسطة الطوب في بادئ الأمر، ثُمَّ تحوَّل المُهندسون إلى استعمال الحجر النافر، وعنى الفاطميّون بإنشاء وتشييد المشاهد والمزارات المُقدَّسة لآل البيت، فزيّنوا عاصمتهم القاهرة بعددٍ منها، استُعمل بعضُها لدفن الخُلفاء أنفسهم، وما زال عددٌ من هذه المزارات قائمٌ في مصر حتّى الزمن الحالي فيما زال بعضُها الآخر. عمارة الدولة الأموية اتخذ بنو أمية مدينة دمشق عاصمة للعالم الإسلامي ، وكانت السيادة الفنية في عصرهم للبيزنطيين والسوريين وغيرهم من رجال الفن والصناعة الذين أخذ عنهم العرب الفاتحون، وقام على أكتاف الجميع الطراز الأموي في الفن الإسلامي، وبذلك فهو طراز انتقال من الفنون المسيحية في الشرق الأدنى إلى الطراز العباسي، على أن هذا الطراز كان متأثراً إلى حد ما بالأساليب الفنية الساسانية التي كانت مزدهرة في الشرق الأدنى عند ظهور الإسلام. هكذا كانت العناصر الزخرفية لهذا الطراز مزيجاً من جملة عناصر ورثها عن الفنون التي سبقته، فبينما تظهر فيه الدقة في رسم الزخارف النباتية والحيوانية، ومحاولة تمثيل الطبيعة وغير ذلك مما امتازت به الفنون البيزنطية، نجد تأثير الفن الساساني في الأشكال الدائرية الهندسية وبعض الموضوعات الزخرفية الأخرى كرسم الحيوانين المتقابلين أو المتدابرين تفصلهما شجرة الحياة المقدسة أو شجرة الخلد.