على مبروك: النظام الحاكم أدرك عجز الأزهر عن القيام بهذه المهمة عبد الباسط هيكل: فجوة زمنية ومعرفية تفصل المؤسسة الدينية عن حاضرنا أحمد كريمة: لا يوجد لدينا خطاب ديني حتى يتم تجديده في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين شهدت الدولة المصرية محاولات لتجديد الفكر والخطاب الديني، كان أبرزها تجربة الإمام محمد عبده، الذي أدرك خطورة المنهج التقليدي الذي تتبناه المؤسسة الأزهرية ومشايخها، بعد قفل باب الاجتهاد، وتغليب النقل على العقل، وكان هذا حجر عثرة في وجه أي مشروع للتجديد، لذا حرص الإمام على نبذ الجمود وفتح باب الاجتهاد مرة أخرى، وإعمال العقل في استنباط الأحكام الشرعية، بالإضافة إلى ذلك تبنى الإمام منهجًا إصلاحيًّا تربويًّا للارتقاء بالمجتمعات الإسلامية، ينهل من نبع العلوم الغربية مع الحفاظ على الخصوصية . وفيما يخص الجانب السياسي كان محمد عبده من أنصار النهج الإصلاحي التدريجي، إلَّا أن موقفه هذا لم يمنعه من دعم الثورة، الأمر الذي ترتب عليه نفيه للخارج، وأثناء فترة النفي، اطلع على الثقافة الغربية، واستشعر الفجوة الكبيرة بين مصر والمجتمعات الأوروبية،خاصة بالنسبة لوضع المرأة العربية؛ لذا نادى عقب عودته لمصر بإصلاح وضع المرأة وإصلاح التعليم والقضاء والأزهر، لكنه تعرض لهجوم شديد من رجال المؤسسة الدينية، ومن غيرهم، وعقب وفاة محمد عبده تجددت المحاولات الإصلاحية، لكن المؤسسة الأزهرية والأنظمة الحاكمة كانت تقف في طريقها رغم ما تدعيه الدولة ومؤسستها الرسمية من حرصٍ على التجديد. جريدة البديل تفتح ملف تجديد الخطاب الديني، وترصد سياقه التاريخي، وأسباب فشل وتراجع محاولات التجديد الفكر الديني خلال القرن الماضي، لتتساءل: هل يمكن أن يجدد الأزهر الخطاب الديني أم أن الأزهر ذاته هو أحد العقبات الرئيسة التي تقف في وجه كل المشاريع التنويرية الهادفة لتجديد الفهم والخطاب الإسلامي؟ الدكتور على مبروك، أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة، وهو واحد من الشخصيات المشغولة بقضية تجديد الفكر والخطاب الديني، يشير إلى أن هذه القضية ليست بالجديدة، فهي مطروحة منذ القرن التاسع عشر، وتحديدًا في فترة حكم الخديوي إسماعيل، حيث قام بدعوة الأزهر إلى تجديد الفكر والخطاب الديني ليتماشى مع منظومة التحديث، التي كان يشهدها المجتمع حينها،لكن الأزهر تقاعس عن القيام بهذا الدور، وقد تحدث الإمام محمد عبده عن هذه القضية، وأشار إلى أن الخديوي إسماعيل اضطر إلى استجلاب القوانين الفرنسية بسبب تقاعس الأزهر عن تقنين الفقه على النهج الحديث، وأصبح عندنا لأول مرة محاكم شرعية ومحاكم أهلية. ويؤكد مبروك خطورة نمط الزمن الدائري الذي تعيشه المجتمعات العربية، "وهو ما يجعلنا أسرى للماضي دائمًا، فالدعوة التي قام بها الخديوي إسماعيل، منذ أكثر من قرن، تتكرر الآن، فالدولة تدرك جيدًا أن الخطاب الديني في أزمة حقيقية، وقد خرج رئيس الدولة ليقول إننا في حاجة لثورة دينية، وقد وكلت هذه المهمة للمؤسسة الأزهرية مرة أخرى، وللأسف ما صدر عن الأزهر خلال الأشهر الماضية منذ دعوة الرئيس، يؤكد أن الأزهر لا يمتلك أدوات الخطاب الديني، ويتم اختزال الأمر في الخطابة، وهناك فرق كبير الخطابة الدينية والخطاب الديني، فالخطاب الديني هو خطاب معرفي بالأساس يحتاج إلى أدوات وعلوم حديثة كعلم التأويل واللسانيات ومناهج دراسية معاصرة". ويرى مبروك أن النظام الحاكم في مصر الآن أدرك عجز الأزهر عن القيام بهذه المهمة؛ لذلك تحدث الرئيس السيسي منذ أسابيع عن ضرورة مشاركة المفكرين والمثقفين للمؤسسة الأزهرية في مهمة تجديد الخطاب الديني، وهذه نقطة مهمة؛ لأنها تفتح الباب لمزيد من الاجتهاد والتنوع في الرؤى والأطروحات وعلينا جميعًا أن نشارك في هذا التجديد؛ لأن الأمر لا يتعلق بالأزهر فقط ولا بالنظام الحاكم قدر ما يتعلق بمستقبل هذا الوطن، فتجديد الخطاب الديني خطوة مهمة في مواجهة الإرهاب والتطرف، وهزيمة الإسلام السياسي الذي يعوق كل خطوات التنمية والتطوير الديني والمجتمعي على الجانب الآخر وداخل المؤسسة الأزهرية، هناك مُساءلة وتشكك أيضًا في جدية الأزهر في تجديد الخطاب التديني، وفي هذا السياق يقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية "قبل الدعوة لتجديد الخطاب الدين، يجب أن نسأل أنفسنا، هل يوجد لدى الأزهر خطاب ديني من الأساس حتى يتم تجديده"، ويشير كريمة إلى أن المؤسسة الأزهرية تشهد جمودًا منذ عقود، ويسيطر عليها الإخوان والسلفيون، لذلك فبداية أي تطوير للخطاب الديني يجب أن تكون بتطهير الأزهر من أصحاب الأفكار المتشددة . من جانبه يشير الدكتور عبد الباسط هيكل، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، إلى أن المؤسسة الأزهرية والأوقاف تتحملان مسؤولية خطاب الإرهاب والإلحاد المنتشر في المجتمع؛ بسبب الفجوة الزمنية والمعرفية الكبيرة التي تفصلهم عن حاضرنا. ويتساءل هيكل: هل يؤمن الأزهر فعلًا أنه يقدم خطابًا دينيًّا قابلًا للمناقشة والحوار والتساؤل حوله والتشكيك فيه؟ أم أن الأزهر يؤمن أنه يمثل الإسلام الحق، وما دونه باطل. ويجيب هيكل: المؤسسة الأزهرية تؤمن أنها الممثل الحق للإسلام، وهذا في حقيقة الأمر جوهر الفكر الأصولي والسلفي المتشدد الذي يتعامل مع فهمه للنصوص باعتباره الإسلام الحق وغيره باطلًا، وهناك فرق كبير بين الدين والخطاب الديني، فالخطاب الديني هو فهم للدين يقبل الصواب والخطأ والنقاش والتساؤل، وهذا للأسف لا تدركه المؤسسة الأزهرية. ويطرح هيكل مجموعة من المحاور والنقاط التي يرى أنها ضرورية لإعادة هيكلة الأزهر، بحيث يكون قادرًا على المشاركة بفعالية في تجديد الفكر والخطاب الديني، أولًا أن يقر بأنه يقدم خطابًا دينيًّا وفهمًا للدين، أي ليس ممثلًا الدين أوحد له، ثانيًا العملية البحثية والفقهية تقوم دائمًا على أهل الكفاءة وليس أهل الثقة، وما يحدث بالأزهر هو تهميش لأهل الكفاءة لحساب أهل الثقة، الذين يعيدون إنتاج الخطاب السلفي الأحادي، ثالثًا على الأزهر استخدام الأدوات المعرفية والعلمية وقراءة النصوص بمفاهيم حديثة وتطوير المناهج الأزهرية، رابعًا طرح التراث للنقاش والتعامل معه بوصفه ابن سياقه التاريخي، خامسًا مراعاة عدم الاختزال، فخطاب الأزهر للأسف يتصف بالاختزالية بين ثنائية مقبول وغير مقبول، وتجاهل منطقة الجائز والمتاح، سادسًا على الأزهر الانفتاح على جميع الأفكار والاتجاهات، وفتح الباب لمشاركة الباحثين والعلماء والمفكرين من خارج المؤسسة الأزهرية، سابعًا على الأزهر أن يدرك أن قضية تجديد الخطاب الديني مسؤولية وطنية وتاريخية كبرى، يجب أن تنجز؛ من أجل حماية هذا الوطن من الغرق في مستنقع الإرهاب والتطرف.