تعكف مؤسسة الأزهر منذ إنشائها على تجديد الخطاب الديني ونشر صحيح الإسلام الوسطي في العالم أجمع، إلَّا أنه حتى الآن لا زال يصدر العديد من البيانات والقوافل الدعوة والكتب لإنجاح تلك الخطة، ولم يحدث جديد سوى انتشاء الجماعات الإرهابية وازدياد حدة التطرف، حتى وصل إلى أعلى صوره متمثلًا في تنظيم "داعش" الذي يسفك الدماء مستغلًا راية الإسلام، الأمر الذي يطرح سؤالًا مهمًّا عن مفهوم تجديد الخطاب الديني، ولماذ لم تنجح مؤسسات الدولة في تحقيقه حتى الآن، وهل يتم تطبيقه بشكل خاطئ واختزاله في بعض الأمور السطحية التي لا تنزع الأفكار المتطرف من جذورها؟ "الأزهر": نسعى لتديين العصر.. وحذفنا نصوص العنف والتكفير من المناهج قال الدكتور عبد العزيز النجار، مدير عام الدعوة بمجمع البحوث الإسلامية: مشكلة تجديد الخطاب الديني تكمن في أن كل طائفة تنادي به من وجهة نظرها هي لا النظرة الشمولية العامة، فالأزهر يتولى التطوير منذ آلاف السنين، كما حدث في عهد الإمام محمد عبده وممن درسوا في فرنسا وأوروبا مثل الشيخ عبد الحليم محمود. وأضاف أن دول الغرب لم تنتبه إلى أهمية تجديد الخطاب الديني إلَّا بعد أن طالها الإرهاب، ونهدف خلال المرحلة المقبلة إلى تبسيطه بطريقة تتماشى مع الزمن الحالي، فنحن لا نريد عنصرة الدين بل نريد تديين العصر بفهم جديد للنصوص تظهر صورة الإسلام السمحة، لا العنف والكراهية للغير. وكشف أن الأزهر نقح وحذف جميع النصوص المخالفة بالمرحلة الابتدائية والإعدادية، التي كانت تدعو إلى تكفير الآخر والعنف والتصادم، والبقاء على التي يتعلمون منها العفو والصفح والأمن، مشيرًا إلى أنهم بصدد البدء قريبًا في تكرار نفس الأمر مع المرحلة الثانوية، ومع بداية العام المقبل ستكون جميع المناهج الأزهرية وغيرها من كتب تدريس الدين الإسلامي، خالية تمامًا من النصوص المخالفة. وأوضح أن "الازهر" يعمل حاليًا وفق خطة لتدريب الوعاظ على مستوى الجمهورية في الأمور الخاصة بمكافحة الإرهاب، وتقوية لغتهم الأجنبية؛ تمهيدًا لإرسال بعثات خارجية في الدول التي ضربها الإرهاب، بعد الخضوع لاختبارات أيام 3 و4 من مارس المقبل، يشرف عليها الدكتور محيي الدين عفيفي أمين عام مجمع البحوث الاسلامية. وأشار إلى أن هناك مشكلة تكمن في إرسال تلك البعثات، وهي ضعف ميزانية "الأزهر"، مطالبًا الحكومة بصرف ميزانية لتلك البعثات؛ لتغطية نفقات وجولات هؤلاء العلماء في الخارج. "مبروك": اختزال تجديد الخطاب في الحذف واستبدال المفردات من جانب آخر رأى الدكتور علي مبروك، أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية آداب جامعة القاهرة، أن إشكالية تجديد الخطاب الديني في مصر قائمة على سؤال أساس هو: هل نتعامل مع المؤلفات كالفقة باعتبارها دينًا وأحكامًا شرعية واجبة الإلزام، أم إنها فكر ديني وتجربة تاريخية تشريعية، دخلت عليها مصادر متعددة من الأعراف والتقاليد والمصالح؟ وأضاف "مبروك"، أخشى أن ينحصر تجديد الخطاب الديني، في تبسيط اللغة واستبدال مفردات محل أخرى، ووضع بعض العبارات لرفض بعض المعاني المخالفة، وتجديد الخطابة لا الخطاب، مشيرًا إلى أن التجديد يتعلق بالأفكار الكبرى، حيث إن الفقة مليء بالتمييز ضد غير المسلمين كوجود باب للرق الذي تم حذفه مؤخرًا، بالإضافة إلى التمييز ضد المرأة. وطرح عدة تساؤلات: هل سنتعامل مع هذا التمييز باعتباره دينًا أم مواقف تعبر عن خبرات تاريخية في لحظات محددة؟ وهل الأزهر مدرسة لتعليم الدين؟ قائلًا: إذا كان يعتقد نفسه ذلك، فعليه أن يفتح الباب لمستوى أعلى وهو القيام بدراسة مفهوم الدين واكتشاف المبادئ الكبرى التي توجه المنظومات العقائدية المتعددة، لا مبادئه وحده. "كريمة": تطهير الأزهر من الإخوان أولى الخطوت.. والسماح للسلفيين بالخطابة كارثة قال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر: تجديد الفكر الديني يجب أن يبدأ أولًا من تطهير مؤسسات الدولة الدينية؛ كالأزهر والأوقاف من القيادات والأساتذة التابعين لجماعة الإخوان والسلفيين الذين يمارسون في خطابهم الغلو الديني. وأشار إلى أن "الإخوان والسلفيين"، لا يتهاونون في إصدار الفتاوى التكفيرية والمتطرفة ومنهم أساتذة في الأزهر وتحت يده طلاب يتحكم في فكرهم ويدس لهم السموم في عقولهم، مستندين إلى دين موازٍ صنعوه من نتاج أفكارهم الشاذة والمغلوطة عن الإسلام. وأضاف أنه لا يوجد خطاب ديني من الأساس حتى يتم تجديده، فما يحدث على الساحة الآن من قِبَل الأزهر لا يتعدى أسوار المباني والفنادق التي تجرى فيها مؤتمراتها. ورأى "كريمة" أن قرار "الأوقاف" مؤخرًا بالسماح ل300 سلفي على رأسهم ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، ويونس مخيون، رئيس حزب النور، باعتلاء المنابر أولى خطوات القضاء على الخطاب الديني من الأساس وتقلص فرص تجديده. وتابع: عقيدة السلفيين في الأساس ترى أن شيخ الأزهر وعلماءه غير مؤمنين، ومناهجهم وأفكارهم كفر بين وغير صحيحة، فماذا سيحدث بعد أن يتمكنوا من المساجد بصورة رسمية ونشر أفكارهم وخطابهم المتطرف، وتصدير فتاويهم الغنية عن التعريف؟