لم يكن مجرد شاعرًا عاديًا يرسم حروفًا وكلمات تأخذ وقتها وترحل، فهو حراجي القط العامل في السد العالي، المعتقل في سجن القلعة الرافض للظلم والمهانة، الابن البار الذي حمل مصر على كتفيه حتى آخر لحظات عمره، أنه الخال عبد الرحمن الأبنودي، الذي رحل عن عالمنا منذ ساعات قليلة عن عمر يناهز ال76 عامًا. لسنا بحاجة إلى تعريف الخال، فهو من أشهر شعراء العامية في مصر، ولد يوم 11 أبريل عام 1938م في قرية أبنود بمحافظة قنا، حصل على ليسانس اللغة العربية من كلية الآداب بجامعة القاهرة؛ حيث توسعت معارفه الأدبية وقرأ لكبار الشعراء كالمتنبي وأبي العلاء المعري، وبدأت كتاباته الشعرية باللهجة العامية منذ صغره ونظم عدد من القصائد الوطنية؛ حيث استطاع ببراعة فائقة أن يلتقط في شعره الخواص التعبيرية البسيطة للسان أهل بيئته البسطاء في صعيد مصر, وأن يجسد أحلامهم وأمانيهم ووحدة مجتمعهم الصعيدي الذي كان المجال الحيوي الملهم لمعظم قصائده. شهدت القصيدة العامية على يد «الأبنودي» مرحلة انتقالية هامة؛ حيث نجحت في فرض وجودها على الساحة الشعرية والثقافية، وهو يُعد أول شاعر عامية مصري يفوز بجائزة الدولة التقديرية عام 2001م، وقد عاصر «الأبنودي» جيل الحداثة في مصر، وشهد تحولات سياسية واجتماعية مختلفة في عهد عبد الناصر وأنور السادات، وعلي الرغم من انتقاده لكلا النظامين من خلال قصائده الساخرة، إلا أنه ما زال متحمساً وموالياً للرئيس الراحل جمال عبد الناصر. تعرض «الأبنودي» للاعتقال أكثر من مرة وتم إلقاء القبض عليه عام 1966 ضمن تنظيم وحدة الشيوعية، واعتقل لمدة أربع شهور في سجن القلعة حتى تم الإفراج عنه، هذا وقد قدم العديد من الأعمال الأدبية والشعرية، ومن أشهر أعماله: السيرة الهلالية التي جمعها من شعراء الصعيد، وكتاب بعنوان «أيامي الحلوة»الذي نشر في حلقات منفصلة بملحق أيامنا الحلوة في جريدة الأهرام، ثم تم جمعها في كتاب واحد يحكي قصصاً وأحداثاً مختلفة من حياته في صعيد مصر. كما كتب العديد من الأغاني لعدد من المطربين الكبار منهم، واستطاع من خلال أغانية الوطنية مع الفنان عبد الحليم حافظ أن يصبح أحد علامات النضال والكفاح الوطني حيث خلق حاله من الوحدة التي جمعت بين قلوب المصريين والعرب.