وصل الإهمال بالتراث المعماري الأصيل والمعالم التاريخية والأثرية بمدينة المنيا، إلي حد الهدم والإزالة الكلية ومحو تلك المعالم من ذاكرة الواقع والتاريخ، غير أن للتأريخ شمس تسطع لتوثق مدي العبث والإهمال وتواطؤ الجهات المعنية مع سماسرة ولصوص محو الهوية والأثر، وهو ما رصدته "البديل" بموقع قصر"حياة النفوس" بمدينة ملويبالمنيا والذي تحول إلي موقف سيارات ومجموعة من المحال التجارية حلت محل القصر بعد مروره بعدة نكبات انتهت بهدمه تماما. انتقلت "البديل" لموقع القصر وتبين أنه تحول لموقف سيارات وعدد من المحال التجارية من الناحية الجنوبية، تجاورها أكوام القمامة من الناحية الشرقية، وحصلت الجريدة علي كتاب بعنوان "آثار وقصور مصر الوسطي" الذي يحوي صورا نادرة للقصر تعكس مدي براعة تصميمه وتحفته المعمارية النادرة، التي انتهت بأن تكون إحدى صفحات الكتاب. بدأت خطوات السيطرة وهدم القصر بعد وفاة صاحبته بأن باع الورثة وهم بناتها اللائي يعيشن حاليا بفرنسا، حديقة القصر لرجل الأعمال محمود خليفة، والذي أهمل القصر بتواطؤ من الدولة ووزراء الآثار والثقافة، ثم بعن له القصر كاملا بمبلغ مالي 5 ملايين جنيه، وخلال هذه الفترة قام أحد قاطني المنطقة بالتعاون مع رجل الأعمال بتشييد عقار 12 طابقا ملاصقا للقصر، في حين أن رخصته 4 طوابق فقط، ما أدي لانهيار العقار وانهيار جزء من القصر، بدأ المشتري بعدها بحسب تأكيدات مصادر حكومية وشهود عيان بهدم باقي أجزاء القصر عقب اندلاع ثورة يناير. وكان قد تقدم عدد من أهالي ملوي ببلاغات للشرطة والنائب العام ومجلس المدينة كان آخرها البلاغ رقم "10681″ والمقدم ضد مالك القصر والذي طالب بضرورة إنقاذ القصر من الهدم وتضمنت فحوي البلاغ انتواء وإقدام مالك القصر بهدمه وبناء مشروعات استثمارية محله، في حين أن أهالي المنطقة كانوا قد استأجروا العديد من المحال حول سور القصر من صاحبته، ومن ثم بات الخطر يلاحقهم بمجرد شروع مالكه فى هدمه، وهو الأمر الذى ينذر بقطع عيشهم. وبناء علي شكاية الأهالي أرسل رئيس مدينة ملوي خطابا أكد خلاله أن الإدارة الهندسية فى حدود اختصاصها قامت باتخاذ الإجراءات اللازمة ضد مالك القصر، عن طريق إبلاغ الشرطة لاستدعائه وأخذ التعهد عليه بعدم الاستمرار فى هذا الطريق، حفاظًا على القصر كونه ضمن القصور التى شملها قرار الحصر الخاص بذلك، بالإضافة إلى وضعه تحت الحراسة المشددة لضمان سلامته. وبعد انهيار العقار وهدم جزء من القصر طلب محافظ المنيا الأسبق اللواء أحمد ضياء الدين رفع المخططات المعمارية لإعادة بناء القصر علي نفقة صاحب العقار الذي تسبب في انهيار جزء منه، وهو ما لم يتم وظلت الطلبات حبيسة الأدراج. يعد قصر"حياة النفوس" من أبرز معالم ملوى، ودرة القصور المتميزة بالمدينة، بني عام 1907 على التراث الأندلسي بالحمرة والجير والخشب، علي مساحة 700 متر، بشكل منحرف، يطل علي 4 شوارع منها 2 جانبي وشارعين رئيسيين وهو مسجل في قائمة التراث المعماري "معمار مميز" ممنوع من الهدم، ولم يتم تسجيله كأثر لعدم انضمامه للآثار، لأن إجراءات التسجيل تتطلب أن يعوض المالك الدولة بأموال بدل الأثر وهو ما لم يحدث، وذلك بحسب تأكيدات الدكتور رجب محمد عبد السلام مدير آثار مصر الوسطى الإسلامية بمحافظة المنيا، ويؤكد كل من: أسامة وديع مدير إدارة السياحة بديوان عام محافظة المنيا وحمادة زيدان بصالون ملوي الثقافي القصر، بأنه طراز معماري فريد لم يكن موجودا سوي في مدينة ملوي ودولة المغرب وتميزه القبة الكبيرة التي تعلوها تاج الملكة. ويقول أسامة وديع مدير عام السياحة بمحافظة المنيا، إن القصر كان تحفة معمارية نادرة جدا، وهو مكون من طابقين الأول بأسقف خشبية، ويشمل بابا رئيسيا وسلما خشبيا وصالة كبيرة و6 غرف، والدور الثاني يشمل سلما من الحديد والخشب والرخام و12 غرفة نوم، وكان يعلوه سور وشخشيخة كبيرة وأخرى صغيرة، تعلو الأخيرة تاج الملكة، والشخشيختين مكونتين من الخشب البغدادلي. "حياة النفوس" هانم ينتهي نسبها إلي الصحابي الجليل الزبير بن العوام، وهو ما أكده مدير آثار مصر الوسطى الإسلامية بالمنيا، وهي بنت سيف النصر باشا وعمة كل من: الأشقاء عبد المجيد باشا وعرفان باشا وعبد العزيز باشا سيف النصر، وكانت تقيم وأسرتها بقرية "ديروط أم نخلة" بمركز ملويبالمنيا، ولهم بالمدينة مسجد شهير اسمه "العرفاني" وقصر أثري آخر مدرج ضمن الآثار الحديثة وهو قصر عبد المجيد باشا عرفاني، كما أنها كانت تمتلك ضيعة (الروضة) التي هي الآن قرية من قرى مركز ملوي. أمدت شركة السكة الحديد خطا خاصا ل"حياة النفوس هانم" لتسهيل عملية وصولها إلى ضيعتها في الروضة، وذلك بحسب تأكيدات خبراء السياحة والآثار وأهالي ملوي.