قبل ما يربوا عن عامين وبالتحديد في يوليو2012، حددت دراسة موجهة إلى صناع القرار في إسرائيل أعدها باحثون في مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي خمسة سيناريوهات للأزمة السورية هي كالتالي: "أ-سقوط نظام الأسد والنظام الحكومي وتتفكك بنية الدولة لكانتونات مستقلة، وحرب أهلية لا هوادة فيها بين الأثنيات وتطهير عرقي ونزوح السكان لمناطق تجمعاتهم العرقية.ب-سيطرة جزئية لنظام بشار على محور طولي يشمل حلب ودمشق وحمص وكذلك القطاع الساحلي وفقدان السيطرة على باقي سوريا التي حينها ستظل تعمل كدولة بشكل جزئي. ج-بروز نظام دولة مختلفة داخل سوريا. حكومة مختلفة تقودها قوى المعارضة متحدة قي عملها لتحقيق الاستقرار وخلق توازن بين مختلف المجموعات الأثنية. د- الفوضى وسقوط نظام الأسد وعدم وجود حكومة مركزية فاعلة لتصبح سوريا ساحة معركة لقوى التطرف بدعم من الأطراف الفاعلة في الخارج الذين يتنافسون مع بعضهم البعض:إيران والسعودية ودول الخليج وتركيا والأكراد وروسيا والولايات المتحدة ..إلخ وتصير سوريا مركزاً لجذب القوى المتطرفة من الخارج وتتطور الحرب بالوكالة.ه -تحول دراماتيكي في مسار الأحداث يعقبه عمليه عسكرية خارجية تطيح بالأسد وتبدأ عملية طويلة بعدها لإنشاء نظام جديد وعملية مصالحة وإصلاحات ديمقراطية". وفيما يبدو بعد عامين أنه لا سيناريو مما سبق قد تحقق في واقع الأزمة السورية، بل مزيج لا يشمل عملياً سقوط النظام أو استعادته السيطرة على كامل الأراضي السورية، بالإضافة لمتغير رئيسي في مسار الأزمة أرجئ امكانية تنفذ إسرائيل بالضلوع بدور رئيسي في رسم مستقبل سوريا خلال العاميين الماضيين، فخطوات داعش الواسعة في سوريا أو العراق الخارجة عن تصور الجميع بما فيها الدول التي دعمتها اخذت مسار الأحداث السورية إلى منحى يبتعد عن كافة السيناريوهات التي توقعتها تل أبيب، وذلك مع حساب أن السيناريوهات سالفة الذكر كانت تضع إسرائيل أمام تحديات استراتيجية وتهديدات أمنية ولكن مع منطلق امكانية التعامل معها وتوظيفها أو مواجهتها كالنزوح الجماعي للسوريين لهضبة الجولان وتحولها لمنطقة تحتوي عناصر مناوئه لإسرائيل، وتسرب أسلحة إستراتيجية أو كيميائية إلى حزب الله أو جهات أخرى، وتحويل الانتباه عن إيران للاستمرار في برنامجها النووي، ولكن في نفس الوقت يتاح لإسرائيل فرص ممكن الاستفادة منها لإضعاف المحور الراديكالي (محور المقاومة)، فبتغيير التوازنات في لبنان وإمكانية دفع القوى اللبنانية إلى المطالبة من جديد بنزع وتفكيك قدرات حزب الله الإستراتيجية بتأييد ودفع من قبل واشنطن وتل أبيب والمجتمع الدولي. انطلاقاً من عدم حسم توقعات سيناريوهات الأزمة السورية لما طرأ عليها من تغيرات أهمها عدم سقوط النظام وسيطرة داعش الميدانية وتمددها على حساب إخفاق المجموعات المسلحة الأخرى سواء في مواجهتها بعضها البعض أو مواجهتها مع القوات السورية، تجددت المخاوف الإسرائيلية من تعقد المشهد في سوريا،وعلى مستوى الباحثين والمحللين المعنيين بمستقبل المنطقة واستراتيجيات التعامل حيالها في إسرائيل، برزت آراء مفادها أن مساعي إسرائيل خلال الأعوام الثلاثة الماضية لخلق محيط استراتيجي لها في العمق السوري بدعم وتوطيد علاقتها مع المعارضة المسلحة فشلت، وأنه حالياً تواجه إسرائيل معضلة كيفية التعامل مع الوضع الراهن وتجنيبها خسائر التمدد في اتجاه فلسطينالمحتلة. في هذا السياق يرى "جاي باخور" الباحث والمحاضر بمركز هرتسليا متعدد المجالات الذي ينظم مؤتمر هرتسليا الاستراتيجي السنوي، أن تل أبيب بنت سياستها تجاه سوريا على فرضية أن الأسد لن يتمكن من عبور هذه الأزمة، وأن سقوطه سيؤدي لإضعاف محور إيران وحزب الله، وهو ما لم يحدث حتى الأن، بل ان فرصة استمرار نظام الأسد صارت أقوى من قبل، لتوفر دعم إقليمي من حلفاءه في لبنانوإيران، وكذلك تغير موقف الدول الأوربية تجاهه بسبب تبينها خطر التنظيمات المتطرفة مثل داعش والنُصرة عليها، وأخيراً بسبب التغيرات التي حدثت في دول الثورات العربية، حيث أصبحت الجماهير والحكومات أقل حماساً من حدوث تغيير عنيف مثلما حدث في ليبيا. ولذلك فأنه على تل أبيب أن تعمل في المستقبل القريب على إعادة تدوير المتغيرات وتوظيفها لمصلحتها بشكل مرحلي في إطار استراتيجية أمنية وسياسية أولوياتها كالتالي: منع وصول أسلحة متطورة إلى حزب الله عن طريق سوريا، تحديد أي من الفصائل المسلحة في سوريا ستتعامل معها إسرائيل وتوطد علاقتها وتدعمه طبقاً لموقفة منها كدولة واستغلال التحالف الدولي ضد داعش في تثبيت وضمان ذلك بالإضافة إلى ضمان أن لا تنقلب هذه الفصائل ضد إسرائيل بعد دعمها ومساعدتها كما حدث في حالة داعش مع داعميها في الخليج، وأخيراً ابعاد المعارك عن الشريط الحدودي قدر المستطاع والتمهيد لاتساع المنطقة العازلة بين سورياوفلسطينالمحتلة. واتساقاً مع توصيات "باخور"، يرى الباحث والمحلل الإسرائيلي "إهود يعاري" أن "الحدود الجنوبيةلسوريا مع فلسطينالمحتلة تمثل حالياً معضلة كبيرة قد تشكل خطراً على إسرائيل ولكنه قد يفتح أيضاً أبواب فرصٍ مهمة للمساعدة في رسم مستقبل المنطقة. فمازال العديد من المراقبين يعتبرون جنوبسوريا جبهة ثانوية في الحرب الأهلية المستمرة، إلا أن هذا الرأي يتجاهل إمكانية حدوث تغيير جذري في تلك المنطقة في غضون بضعة أشهر. وعلى وجه الخصوص، قد تصبح محافظتَي القنيطرة ودرعا الجنوبيتَين أحدث الأراضي التي تحتلها القوات المتطرفة، لا سيما داعش و جبهة النصرة، أو قد تصبح ملاذاً آمناً لجماعات الثوار غير الإسلاميين، البعض منهم يحافظ على اتصالات مع إسرائيل(..) والسؤال الرئيسي هو فيما إذا كان من المستحسن ملازمة مسار التدخل المحدود في القتال على الحدود أو اتخاذ دور أكثر نشاطاً في التأثير على نتيجة الحرب (..) على جبهة الجولان والحدود الجنوبية تم الاشتباك عدة مرات مع الجيش السوري إلا أنه لم يحدث حتى الآن أي تبادل لإطلاق النار بين القوات الإسرائيلية ووحدات المتمردين من أي فصيل". وعن تواجد جبهة النُصرة في القنيطرة والشريط الحدودي الفاصل في الجولان يتابع"يعاري" قائلاً "من ناحيتها، تجنبت جبهة النصرة أي محاولة للانخراط في عمليات إرهابية ضد إسرائيل، ويبدو أن الجماعة قد قررت عدم التورط في مواجهات مع قوات "جيش الدفاع الإسرائيلي" في الوقت الراهن، إذ يفضل قادتها التعاون غير المقيد والمتغير حسب الظروف مع جماعات أخرى من الثوار، بمن فيهم أولئك الذين لهم علاقات مع إسرائيل. (..) وبغض النظر عن الوضع الحالي لجبهة النصرة، لا يمكن لإسرائيل أن تتجاهل التهديد المحتمل على المدى البعيد الذي تشكله هذه الجماعة، كما ولا يمكنها أن تغض الطرف عن إمكانية تسلل مقاتلي تنظيم داعش إلى المنطقة من معاقلهم في "وادي الفرات" تلك الأراضي التي أُطلق عليها اسم الدولة الإسلامية. وحتى الآن، قررت الحكومة الإسرائيلية عدم اتخاذ إجراءات وقائية عبر الحدود لصد منتسبي تنظيم القاعدة أو إضعاف قوتهم العسكرية". إذن عدلت إسرائيل من رؤيتها للأزمة السورية انطلاقاً من احترافيتها في تدوير زوايا الأزمات التي تتعرض لها وتوظيفها في صالحها، فالآن أجلت إسرائيل طموحها الخاص بالضلوع بدور رئيسي في إسقاط النظام السوري وضمان حليف يحل محله، فذلك لم يتحقق خلال السنوات الماضية، ومن الممكن أن يجلب على إسرائيل حرب إقليمية هي في غنى عنها حالياً، بالإضافة إلى أن الجماعات المسلحة التي كان من المفترض أن تكون ذراع يحقق أهداف إسرائيل أتضح أن الفاعل والمؤثر في هذه الجماعات غير مأمون الجانب، ويمكن القول أن المعضلة الأمنية الحالية التي تواجهها إسرائيل في سوريا يمكن تحييدها من بوابة "المعارضة المعتدلة"، حيث يوصي الخبراء والمحللين الإسرائيليين بأن تتدخل تل أبيب وبقوة في مسألة دعم وتسليح وتدريب المعارضة المعتدلة، سواء بشكل منفرد أو مع دول إقليمية وازنة مثل تركيا والسعودية والأردن، بسبب أهدافهم ومصالحهم المشتركة في سوريا، التي تتمثل في إقامة نظام مركزي مستقر في، التقليل من تأثير التنظيمات المتطرفة، منع انتقال الأزمة إلى دول الجوار، منع انتشار أسلحة الدمار الشامل.