نشرت مجلة "العلاقات الخارجية" الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية بوزارة الخارجية الأمريكية تقريراً بعنوان "استهلاك مصر" تناول الأفق المتوقعة للدور المصري في غزه، كذلك خلفية عن تاريخ الوساطة المصرية وتطورها في عهد كل من حسني مبارك ومحمد مرسي وحالياً عبد الفتاح السيسي، معتبرة أن الوساطة المصرية بشكلها المعتاد أصبحت مستهلكة وأن العداء بين النظام الحالي وحركة حماس يمثل عقبة في طريق تحقيق تهدئة، ولماذا لا تستطيع القاهرة التوسط في وقف لإطلاق النار بين حماس وإسرائيل. وفيما يلي نص التقرير: أوجه التشابه في الأعمال العدائية بين حماس وإسرائيل هذا الشهر وتلك المواجهة الكبرى التي وقعت في نوفمبر 2012 مذهلة، فمن إطلاق حماس والمجموعات الفلسطينية لصواريخ وصلت لعمق إسرائيل، مروراً بإقصاء نظام القبة الحديدية الدفاعي للمقذوفات،إلى هجوم إسرائيل بضربات جوية على المناطق المكتظة بالسكان في قطاع غزة، التي ترد ميليشياتها بإطلاق الصورايخ على الإسرائيليين. شيء واحد تغير: العلاقة بين حماس ومصر. في نهاية 2012 كان بمقدور حماس الاعتماد على الدعم السياسي من الحكومة المصرية في عهد محمد مرسي زعيم الإخوان المسلمون، فصعود الإخوان في مصر قبل عام مضى (من التاريخ السابق)أعطى لحماس حليف إقليمي جديد وأعطى مفهوم جديد للعلاقة بين مصر والحركة، فانتقلت من الشك العميق المتبادل والتنافر في سنوات حكم مبارك إلى علاقة مبنية على مشاركة نفس المُثل السياسية والاحترام. لكن بعد أن أطيح بمرسي في يوليو 2013، أطلقت الحكومة المصرية الجديدة حملة قمع ضد الإخوان في الداخل، و فرضت موقفا خاصاً تجاه حماس، فوسمت الحركة –التي تعتبر فرع لجماعة الاخوان المسلمون في غزة- بأنها تهدد الأمن القومي. والأكثر أهمية من ذلك فُرضت القيود من جانب مصر على تدفق السلع والأشخاص من وإلى غزة، فحملتها العسكرية لتدمير الأنفاق بين القطاع وسيناء أضرت بشدة بمالية حماس. وعلاوة على ذلك حظرت السلطة القضائية بمصر في مارس الماضي قيام حماس بأي نشاطات سياسية في البلاد. على نحو غير مفاجئ، شعرت حماس بشكل وثيق بخسارة الصداقة السياسية بمصر. الأن تم عزلها إقليمياً، ونشأت انقسامات داخلية (داخل حماس) حول كيفية مواجهة التحديات الجديدة، مع مناقشة دارت حول إحياء العلاقة مع إيران وإيجاد توازن بين الحكم والمقاومة. كذلك أدت مشاكل حماس إلى نشوء تحدي لاحتكارها القوة في غزة، فتنافست الفصائل المسلحة في ذلك، فعلى سبيل المثال عدم التنسيق في الهجمات الصاروخية ضد إسرائيل، الحركة أيضاً واجهت مشكلة تدفق النقد. كل هذه الضغوط دفعت حماس للدخول في صفقة وحدة مع حركة فتح التي تسيطر على الضفة الغربية مقر السلطة الفلسطينية. وذلك في مقابل تخلي حماس عن بعض سيطرتها على غزة لحركة فتح، وعلى ما يبدو أن حماس أملت في الحصول على مساعدة مالية من فتح هي في حاجة ماسة لها لدفع رواتب موظفي القطاع العام (المسجلين) على قوائم رواتبها. في النهاية، يبدو أن الصفقة زعزعت من وضع حماس، سيظل الوضع كذلك في المدى القصير على الأقل. فلسنوات كانت حماس توازن بعناية بين الحاجة إلى مشروع قوي وذو مصداقية ك"المقاومة الإسلامية" وبين الرغبة قي الحفاظ على السيطرة الكاملة على غزة. وفي المقابل وافقت حماس على فرض وقف إطلاق النار (2009، 2012) في غزة عندما كانت قلقة من أن التصعيد قد يهدد مكانتها وضعها باعتبارها حاكم، ويذهب هذا بعيدا إلى الفصائل المسلحة الأخرى. صفقة الوحدة حولت التوازن وأمالت بشكل مؤقت نحو المقاومة. من التبسيط المفرط بالطبع الجدل حول أن الضغط المصري واتفاق الوحدة دفع حماس نحو (التصعيد) ضد إسرائيل؛ فهذه العوامل لم تغير بشكل جوهري حسابات الحركة، فحماس وعلى نحو متزايد تقل تركيزها بشأن السيطرة على غزة، وتدريجيا تعطي اهتماما اكبر لوضع نفسها على الساحة السياسية الوطنية. هذا ربما يساعد في تفسير لماذا قابلت الحركة العملية العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية بالتصعيد السريع. دخول مصر إذا كان طريقة بدء الصراع الحالي بين إسرائيل وحماس يختلف عن المرة السابقة، فستكون نهايته مختلفة. ففي سياق مواجهة نوفمبر 2012 بين حماس وإسرائيل، أخذت مصر دورا مباشرا وعلنيا للدفع نحو تسوية. وإن كانت حكومة مرسي وسيط غير نزيه –سحبه للسفير المصري، إرساله لرئيس وزرائه إلى غزه في مهمة تضامن، وهدد إسرائيل في لغة تخاطبه- لكنها تحملت مسئوليتها، فمثلما ضغطت الولاياتالمتحدة على إسرائيل، استغلت مصر نفوذها السياسي على حماس. وتكفلوا سوياً (القاهرة وواشنطن) بنهاية سريعة نسبياً للصراع. حالياً ونظراً للعلاقة الأكثر عدائية بين حماس والرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي، والإجراءات السياسية والعسكرية التي اتخذتها حكومته ضد حماس في غزة، فيبدو أنه من غير المحتمل أن تكون القاهرة قادرة على التوصل لإيقاف إطلاق النار. فعلياً اعترف المتحدث بأسم الخارجية الأمريكية جين بساكي في 10 يوليو الماضي، بعدم وجود تأثير للقيادة المصرية الحالية في غزة قائلا: "هناك فارق في العلاقة بين توجه الحكومة السابقة نحو حماس وبين توجه الحكومة الحالية نحو حماس". في وقت سابق، فشلت المساعي المصرية لنزع فتيل الأعمال العدائية بين الطرفين، في التاسع من يوليو حاول المتحدث باسم الخارجية المصرية بدر عبد العاطي حفظ ماء الوجه بقوله أن مصر لا تتفاوض من أجل اتفاق ولكن ببساطة محاولة من أجل إنهاء العنف على الجانبين. ولكن في المقام الأول الحد الأدنى من هذه الأهداف مثل في حد ذاته عقبه، فالقاهرة سعت في البداية إلى اتفاق وقف اطلاق نار أقرب لمثيليه في 2008 و2009، مجرد وقف للأعمال العدائية؛ لكن حماس أبدت اهتماماً أقل في اتباع القيادة المصرية هذه المرة، مثبته أنها غير راغبة في التخلي عن مكاسب سياسية تفترض أنها حققتها مع إيقاف إطلاق النار في 2012. حرب غزة 2012 كانت اختبارا مهماً للرئيس المصري السابق، وكذلك الحالية أيضا، فالصراع الحالي اختباراً للسيسي. الرئيس المصري صرح علنا عن رغبته في أن تشارك مصر بشكل مباشر في استعادة الهدوء، ويدرك قادة الاستخبارات والأمن المصري الضرر الناجم عن التوتر على حد مصر، وكذلك تراقب إسرائيل ومعها المجتمع الدولي السيسي لمعرفة إذا ما كان سيصبح شريكاً ذو فاعلية. وعلى مستوى أعمق، إذا تمكن السيسي من التوصل إلى اتفاق مع حماس -على الرغم من التصريحات اللاذعة الموجهة للحركة الفلسطينية من القاهرة- فإنها ستكون إشارة من الرئيس الجديد لاحتمالية التوافق مع معارضيه السياسيين في الداخل. وبالتسليم لمصر مكانتها الإقليمية ودورها التاريخي في التوسط في هذا النوع من الاتفاقات، كان أيضاً ضغوط دولية كبيرة عليها لتلعب دور مثمر في الجولة الأخيرة من ملحمة حماس وإسرائيل. قبل أسبوع حاول مسئولون مصريون مرة أخرى كتابة الاقتراح على الورق وكان حال حدثوه أمراً رائعاً لإسرائيل وجيد لحركة حماس، لأنه لم يتوقف عند وقف الأعمال العدائية، ولكنه شمل فتح تدريجي للمعابر، في صيغة مشابهه لاتفاق 2012. ولكن في حين قبلت إسرائيل بالصفقة، رفضتها حماس حتى قبل تلقيها المخطط بشكل رسمي. بالنسبة لحماس، فإن التدخل المصري يجب أن يذهب لأبعد من مجرد إعادة لإيقاف إطلاق نار على أساس "هدوء مقابل الهدوء" بين الجانبين وترك التطورات السياسية للمناقشات المستقبلية. الاقتراح الأخير مماثل بشكل لافت لاتفاق 2012، وانهار بعد فترة وجيزة وأصبح من الواضح أن إعادة الأمور لطبيعتها في غزة لن يكون وشيكاً. الاستقرار بين حماس وإسرائيل يتطلب مقاربة سياسية طويلة الأمد.. بشكل منطقي من الممكن أن تستنتج حماس هذا -إلا إذا كانت الحركة المتعاطفة مع حكومة مرسي لا يمكنها الوصول لهذه النتيجة- وبالتالي ستكون هناك فرصة ضئيلة في أن تتقبل حكومة السيسي المناهضة لحماس مثل هذه النقلة النوعية، وحتى الأن فإن الواقع يقول أنه ليس واضح أنهم (حكومة السيسي) سوف يتقبلوا هذا التغير.