بعد كل واقعة عنف جنسي بشعة تحدث في مصر، ستجد نفس العبارات المكررة تتردد، كثير منها حق، وبعضها باطل! وكلها مكرر ولا يتناول جوهر المشكلة! من يطالب بالردع وتشديد العقوبة على حق، ومن يطالب بالعدالة الناجزة على حق، وحديثي هنا عن نفسية المغتصب ليس معناه التماس أي عذر له! فالمشانق والسجون خلقت للسايكوباثيين سواء كانوا قتلة أو لصوص أو مغتصبين! وهناك صنوف من البشر يجب تطهير الأرض منهم لصالح المجموع البشري. أما فكر الدياثة الذي يبرر العنف الجنسي بكبت الشباب، أو بملابس الضحية، فهو فكر قواد! هذا الفكر والقائلون به هم سبب أحداث العنف الجنسي وليس الكبت ولا تأخر سن الزواج ولا الأزياء. هؤلاء الذين غرسوا في المجتمع فكرة "استعمال" المرأة وأصلوها منذ السبعينات، الذين جعلوا من تحقير المرأة فكرا ودينا، الذين خلطوا عمدا بين الرجولة والذكورة، وأقرنوا القوة بالطغيان على المرأة، هؤلاء يا سادة هم من نشروا بيننا تلك الجريمة وليس غيرهم! استقر علم النفس الحديث على أن العنف الجنسي هو نمط من أنماط العنف، وليس نمطا من أنماط الجنس! تقترفه الشخصية السايكوباتية فقط ولا يقترفه المحروم جنسيا! تشير الدكتورة "مريم باكماير" في بحث لها بعنوان "الاغتصاب جريمة كراهية"، إلى كون المغتصب في الأغلب شخصية سايكوباتية تكره المرأة، وتعبر عن هذه الكراهية بالعنف الجنسي ضدها، شخصية تحتقر الأنوثة وتعظم الذكورة! وممارسة العنف الجنسي ضد المرأة تعطي لتلك الشخصية شعورا بالتفوق والقيمة!!وعندما تعرضت الدكتورة "باكمير" لظاهرة الاغتصاب الجماعي، فقد أشارت لبشاعتها المضاعفة، لأن كل مجرم في المجموعة يتصرف ببشاعة وشذوذ أكبر مما كان سيفعل لو كان منفردا، فهذا الرهط الشاذ تصبح القيم فيه معكوسة، والمميز بينهم هو الأكثر سفالة وحقارة ودموية! الانحطاط يجعله عضوا بارزا! هذه هي قواعد اللعبة القذرة في العصبة الفاسدة! لقد قوض علم النفس الحديث الأفكار القديمة التي تبناها "مناحم آمير" في أبحاثه في الستينات، والتي ربطت الاغتصاب بغير المتزوجين والمتدنين اجتماعيا! وبعيدا عما أثبته العلم بالدليل القاطع حول سيكولوجية الاغتصاب، أو بالأدق "سايكو-باثولوجية" الاغتصاب، نطرح على من يرددون أسباب الكبت والإغراء سؤالا منطقيا: لماذا لا يلجأ المغتصب لواحدة من بائعات الهوى؟ وهن متاحات لكل طبقة اقتصادية بمستويات مختلفة؟ فضلا عن الهاويات؟ الإجابة الوحيدة هي؛ إن الهدف ليس الجنس! الهدف هو الذعر والخوف الذي يراه المغتصب على وجه الضحية! فلو كان الرجل السوي تثيره رغبة المرأة فيه، فالرجل المنحرف يثيره نفور المرأة وفزعها منه. منظومة العقاب الرادع القاطع ضرورة، والعدالة الناجزة ضرورة، وكذلك تطهير المجتمع من رواسب الفكر اللا-ديني، واللا-أخلاقي، المتمسح في الدين والأخلاق ضرورة بدورها. وسيقول أحدهم: ولماذا يوجد الاغتصاب في كل مكان، لأقول له: وهل تعتقد أن تلك الجماعات المهووسة ليست موجودة في كل مجتمع وكل دين؟ لكن درجة وجودهم والتمكين لهم هي المسألة .. وهي المشكلة