أدبه زاخر بالمسرحيات التي تفيض فكرًا وإبداعًا، وصف النقاد كل مسرحية من مسرحياته بالقنبلة الموقوتة، فكل منها تفجر قضية ما وتثير ردود فعل عنيفة، فقد اختار "تمزيق الأقنعة" كلها وكشف الزيف الاجتماعي، داعيًا إلى الاعتدال والوسطية بعيدًا عن التطرف. النرويجي هنريك إبسن، أبو المسرح الحديث، له 26 مسرحية، شهرته تأتي بعد شكسبير، وتمر اليوم ذكرى وفاته ال108. انتهج المنعطف الواقعي في أعماله، فقد تطرق إلى قضايا واقعيه وخطيرة يعانى منها المجتمع الأوروبي، كما تناول قضايا إنسانيه خالدة تشغل الإنسان عبر العصور، مثل قضية ماهية الحقيقة والفارق بين الحقيقة والواقع أو الصراع بين الواقع والمثال وقضية النفاق الاجتماعي، وغيرها من القضايا التي تثيرها أعماله المسرحية، والتي ليس بالضرورة أن تضع لها حلولاً. وهكذا نجد أن دعوة إبسن الاجتماعية في معظم أعماله دعوة إلى الاعتدال والوسطية ورفض للتطرف في كل شيء، كما أنها دعوة للكشف عن أقنعة الزيف الاجتماعي ونبذ النفاق على حساب المبادئ الأساسية التي تضر بالفرد والمجتمع. وعلى عكس مسرحيتي بيت الدمية والأشباح التي لاقى عرضهما غضب شديد من الجمهور والصحف، فقد لاقت مسرحية عدو الشعب ترحيبا كبيرا وحماسة من الجمهور لدى عرضها، والتي ألهب فيها الصحافة والأحزاب والرأي العام باحتقاره، معلناً أن الرأي القائل إن الأكثرية دوماً على حق هو أبرز الأكاذيب الاجتماعية التي ينبغي للرجل المستقل مناوءتها. وفي دراسة للناقد محمد سيف، تناولت مسرحية «البطة البرية»، قال: يغرقنا هنريك ابسن في هذه المسرحية، منذ الوهلة الأولى، في عالم عائلتين يربطهما ماض قديم مضطرب، حيث لا شيء بسيط كما يبدو. إن هذه الدراما الأبسنية الصعبة جدا، قد وجدت لها صدى معاصرا في إخراج ستيفان براونشفايغ، على الرغم من توجه السينوغرافيا والاعداد نحو النغمات النفسية. حيث اقترح المخرج براونشفايغ لهذا النص المسرحي رؤية فرويدية، كانت واضحة منذ البداية، وذلك عندما قرر أن لا يستحضر شخصية الأب ‘هاكون فرنيه' على خشية المسرح، وعندما اختصر وجوده، بصورة عملاقة من خلال شريط الفيديو، وهي تخاطب "جرجيرز" الابن الجالس على الخشبة، بحيث بدا هذا الأخير، صغيرا جدا أمام قامة أبيه الساحقة. انطلاقا من صورة الأب العملاقة بإمكاننا قراءة أحداث المسرحية كلها. الأب على رأس شركة غابات كبيرة في النرويج، وقد اشتبه به فيما مضى، بعملية اختلاس استطاع أن يفلت منها بقدرة قادر، على عكس العجوز ‘ اكدال'، الذي يعيش مع أبنه ‘هيلمر' وزوجته ‘جينا' وابنتهما ‘هدفيج'. تربط ‘اكدال' العجوز علاقة غريبة مع صاحب عمله السابق ‘هاكون فرنيه'، الذي استمر بدفع بعض الاموال القليلة له. فهل يشعر هذا الاخير بدين قديم اتجاه ‘اكدال' العجوز ؟!. إن هذا السؤال يصبح مدعاة للقلق أكثر، عندما يكتشف المقربون منه ، بأن الأب ‘هاكون فرنيه'، يلتزم أيضا بدفع منحة سخية إلى ‘هدفيج' حفيدة العجوز ‘اكدال' مدى الحياة. هذا بالإضافة، إلى مساعدته ‘لهيلمر' في بناء استديو التصوير الذي تساعده فيه زوجته ‘جينا'، في عمل الرتوش. إن الخطوط الرئيسية للدوافع النفسية، ستكشف لنا بشكل تدريجي،خاصة عندما نعلم، أن الدعم المالي، في بعض الأحيان، هو تسديد لبعض الأخطاء الفاحشة التي نرتكبها في الماضي، لاسيما أن المشاعر تكلف المرء الكثير، وان بعض الحب يترك وراءه، في الكثير من الاحيان، بعض الديون والالتزامات، وان الشخص المانح غالبا ما يحاول شراء بعض الذنوب. خلف جميع هذه الترتيبات، تأخذ شخصية ‘هدفيج' المراهقة، مكانة درامية كبيرة، لأنه، وبكل بساطة، هناك شك، في هوية والدها الأصلي.ولكن، حتى لو كانت جميع هذه المميزات واضحة، فهي ليست كافية اليوم لطرح تحد للحياة المسرحية على المدى الطويل. كما يرى إبراهيم العريس أن هنريك ابسن في مسرحيته الحادية عشرة «براند»، حاول فيها بعض الشيء أن يخرج عن الإطار الواقعي، بل «الطبيعي» الذي كان ميّز مسرحه منذ بداياته. وهو في هذا السبيل قدم شخصية «براند» الشاعرية، شخصية المناضل الذي يتنطح لأن يكون مثالياً يحارب التردد والاستنكاف عن الفعل، وروحية التسوية ومبدأ النفعية. ابسن من بعد كتابته «براند» مباشرة، ورغم أنه حمّل هذه الشخصية كل ما يتطلع إليه من قدرة المرء على معرفة ذاته وتحقيق هذه الذات بنفسه، انطلاقاً من أن هذا التحقيق هو ما كان يهمه منذ بدأ الكتابة أصلاً، وجد نفسه يقع فجأة تحت تأثير فلسفة كيركغارد، أحد كبار الفلاسفة الاسكندينافيين في تلك الأزمان… وهكذا منذ المسرحية التالية «بير جنت»، صارت مسرحياته مطبوعة بتلك الفلسفة، بحيث ان الشخصيات الرئيسة لديه إنما تمثل صورة مصغّرة للمجتمعات التي جعلها التاريخ خاضعة في شكل كلي الى الضغوطات المحيطة والمحبطة. وهذه الشخصيات تناضل وسط هذا المجتمع وقد ألمّت بها أزمة الاختيار كاشفة ضعف الذات ومعضلات التاريخ الشخصي. وهذه الأزمة التي تشكل في الأصل جوهر حياة الفرد لدى كيركغارد، نحا ابسن الى أن يعبّر عنها، ولكن في مسرحيات آثر فيها ألا يجعل الأحداث الحقيقية والحاسمة تدور خارج المسرح، ويصار الى التعبير عنها بالحوارات والكلام، بل مباشرة أمام أعين المتفرجين على الخشبة مباشرة. وبهذا يكون إبسن فصل مسرحه نهائياً عن مسرح شكسبير أو راسين أو غيرهما من المؤلفين الذين آثروا دائماً أن تعبّر الكلمات عن الأحداث.