الحرية والصدق هما الدعائم الحقيقية فى المجتمع وليس القادة البارزون، فنفاق المجتمع والقادة وإسكات صوت الحق، والخيانة للوطن فى مسرحية "دعائم المجتمع" والصدق والزيف فى الزواج واستقلال المرأة ب "بيت الدمية" والزواج التقليدى وأزمته فى "الأشباح" وتسلط الأكثرية وعدم إنصاتها للحقيقة فى "عدو الشعب". فى هذه المسرحيات الأربع استطاع "هنريك إبسن" المؤلف النرويجى تلخيص كل ما يجرى فى مجتمعنا الحالى بأسلوب فلسفى عميق. وقد يرجع هذا إلى حياته الصعبة التى عاشها وتأكيده على أن حريته الفردية والإنسانية أهم عنده من الحرية السياسية. وفى ذكرى وفاته نسلط الضوء على حياته شخصيته وأهم مؤلفاته. ولد هنريك إبسن 1828 لأبوين ميسوري الحال، ولكن والده أعلن إفلاسه بعد ذلك، وعاش إبسن أوضاعًا مزرية ناقمًا على فقره المدقع عازمًا على إيجاد مخرج، وكانت النرويج بلدًا صغيرًا يحكمه موظفو الحكومة وتسوده نظرة دينية واجتماعية تقليدية محافظة مثل مجتمعنا الحالى، وكان إبسن يشعر أنه منبوذ من مجتمعه؛ بسبب فقد عائلته المال والمكانة الاجتماعية، بل حاصرته الشائعات بكونه ابنًا غير شرعى، وكان عَليّة القوم ينظرون إليه نظرة اجتماعية دونية نتيجة لذلك، فكان منبوذًا من الناحيتين العاطفية والثقافية، فأخذت أفكاره العلمانية في الظهور، واعتنق مبادئ سياسية متطرفة، وصمم على الخروج من تقييدات المجتمع المحلي. اتصف إبسن منذ طفولته وشبابه بإحساس مرهف وعقل متمرد وولع بالأدب، فجرب الكتابة في أجناس أدبية متنوعة كالرواية والمسرحية والشعر، مقلدًا كتّابًا في أساليبهم الأدبية المختلفة، ولم يكن شأنه فيما قلد شأن التابع، فمعالم شخصيته واضحة فيما كتب وموقفه من محيطه هو موقف الناقد، وانصب اهتمام إبسن منذ البداية على موضوع سعي الفرد من أجل الحصول على حريته الفردية الإنسانية؛ كي يتمكن من تقرير مصيره في الحياة أكثر من حصوله على حريته السياسية. أثرت الثورة التى عمت أوربا عام 1884 فى فكر إبسن، ووجهته نحو التحرر الفكرى، واتضح ذلك فى أول مؤلفاته "كتيلينا"، حيث تناول نضال الثائر الذى يهزم لأنه يفتقر إلى الثقة بنفسة، فيخون شخصيته الحقيقية، وفى أولى مسرحياته الحديثة "الحب والكوميديا" انتقد الخطوبة والزواج المعاصر، وشهر بالمجتمع البرجوزاى فى هذه المسرحية، واتصفت المسرحيات التى ألفها بالنقد العنيف بقصد الارتقاء بأمته إلى مصاف الصدق والحرية الأخلاقية، وتفرغ إبسن للكتابة المسرحية بإلحاح يحدوه إيمان مطلق بأن هذا الشكل الأدبي هو طريقه الوحيد للإفصاح عما يجيش في نفسه. وفي عام 1866 ظهرت مسرحيته الشعرية الرمزية "براند"، فكانت كالبركان في دعوتها الأخلاقية للإخلاص للرسالة السماوية، وحركت العالم الإسكندنافي بأجمعه، وجعلت من إبسن داعية أخلاقيًّا لهذا العالم. توفي عام 1906 بعد صراع طويل مع المرض، وبعد أن وضع اسمه في مصاف أشهر المسرحيين في العالم.