"لم تصلنا لحوم الأضاحي، وغابت أعين الأغنياء وميسوري الحال عنا في عيد الأضحى المبارك، اتكتب علينا ما نشوفش اللحمة غير عند الجزارين من بعيد وعودنا نفسنا ما نفكرش في طعمها أو ريحتها" بهذه الكلمات البائسة عبر قاطنو منطقة عشش الحبشي عن تخلي الأغنياء عنهم في أيام عيد الأضحى المبارك . يقول "صلاح معروف" (58 سنة عاطل) أحد قاطني المنطقة إن لحوم الأضاحي فقط للأغنياء والمتسولين ممن يجولون المنازل بالقرى والمدن، وأن أحدا لم يتذكرهم بكيلو واحد من اللحوم تلك، وكأن الأغنياء نسوا أن قاطني العشش أكثر فقرا وأشد احتياجا من فقراء الصومال، لكون معظمهم من المسنين المرضى والعاطلين، ومن لا مأوى لهم، مضيفا أن العام الماضي وصلتهم لحوم بعض الجمعيات الخيرية والأهالي. وأضاف "مغازي جاد الحق" : ما دقناش احنا ولا أولادنا طعم اللحمة، وشكل الناس بطلت تعمل الخير، وما قدرناش نشتري حتي نص كيلو لحمة، آخر مرة كلنا لحمة كان في موائد الرحمن في رمضان اللي فات. وتابعت "تفيدة نصر" من المنطقة أن سيارة ربع نقل توقفت أمام الشارع الموازي لهم علي طريق الحبشي الرئيسي وسرعان ما استولي المارة والباعة الجائلون والمقيمون وأصحاب الغرز علي اللحوم، دون أن ينال أي منهم كيلو واحد منها، مضيفة أنهم لا يعرفون طريق تلك الجمعيات. عشش منطقة الحبشي بمدينة المنيا، وكما عرفت بمساكن خلف القضبان؛ يفصل بينها وشريط السكك الحديدية سور خرساني على حافة ترعة الإبراهيمية، يقطنها أكثر من 600 مواطن يعشون واقعا مريرا تعكسه تعبيرات وجوههم، إلى جانب الصورة الحية التي ترسم بالأسى مرارة العيش وضنك الحال وفي صورة واصفة تبدو العشش والأكواخ على جنبات الطريق لتلقي الانطباع الأول لمأساة مواطن منياوي بعيدا عن أعين المسئولين ومنظمات المجتمع المدني. وحتى الصحافة لم تسطر واقعهم وكأنها تبرأت منهم كما تبرأت الحكومة، حيث تؤرق منامهم أشعة الشمس الحارقة؛ لعدم وجود سقف بالعشش والأكواخ ويفصل ساتر قماشي بينهم وبين الشارع، وأكد بعضهم افتقارهم لأساسيات العيش من دورات مياه وكهرباء وماء واشتراكات الخبز وغيرها، وقال: يئسنا من الحياة كما يئس الكفار من أصحاب القبور. قاطنو منطقة العشش ليسوا وحدهم من يشكون من تجاهل الأغنياء والجمعيات الخيرية والحكومة لهم، فقد أكدت "سعدية عبد العاطي" بقرية كفر لبس بمركز أبو قرقاص في مداخلة تليفونية لمكتب البديل بالمنيا متسائلة عن نصيبها في لحوم الأضاحي، وأن أحدا لم يسأل عنها وأولادها الخمس في العيد المبارك، برغم كبر سنها ووفاة زوجها منذ ثماني سنوات. وأكد عدد من أهالي مساكن الإيواء بحي "أبو هلال" غرب مدينة المنيا أن لحوم الأضاحي وصلت بعضهم دون الآخر، حيث حضرت سيارة تابعة لإحدى الجمعيات الخيرية ولم تطال عدد أكياس اللحوم كافة الأهالي لقلة عددها. ورصدت "البديل" حصول المتسولين جائلي المنازل بالقرى والمدن علي النصيب الأكبر من لحوم الأضاحي، حيث يقومون بطرق الأبواب، وينتظرهم الأهالي لتوزيع الثلث الخاص للفقراء من الأضحية، كعادة كل عام، في حين وجود آلاف الأسر الفقيرة لم تصلها كيلو واحد من لحوم الأضاحي تلك.