شهدت المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية دورة قاتلة من التظاهرات وإطلاق النار والاعتقالات على مدى أكثر من عامين. وفي حين يشترك شيعة المنطقة الشرقية في المظالم مع بقية أنحاء البلاد، يتفاقم السخط الذي يجيّش تحت السطح بسبب سجلّ حافل من تمييز النظام والإهمال على المستوى المناطقي. ولتحقيق الاستقرار في المنطقة، ينبغي على النظام معالجة جذور المعارضة على المستويَين المحلي والوطني. INCXYZ[text.js]INCZYXتنفيذ النتائج التي توصّل إليها، في العام 2012، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض. وتشمل هذه النتائج سحب القوات السعودية من البحرين، والإفراج عن جميع السجناء السياسيين، وإنشاء لجنة للتحقيق في ممارسات وزارة الداخلية في العوامية، وهي بلدة فقيرة كانت نقطة محوريّة للمعارضة الشيعية وقمع النظام. وضع حدّ لعمليات الاعتقال التعسّفي وإلغاء القوانين الصارمة ضد "الفتنة". فقد أجّجت هذه التجاوزات غضب الشباب في المنطقة الشرقية ومناطق أخرى في البلاد. تمكين المجالس البلدية المُنتخَبة في جميع أنحاء البلاد لكي تمارس قدراً أكبر من الرقابة والسلطة التنفيذية على ميزانياتها. فهذه السلطات في الشرق ستساعد في تعزيز البنية التحتية وتحسين المرافق التعليمية وتنويع الاقتصاد، وهي كلّها أمور ضرورية لتجنّب مخاطر المعارضة الشبابية. الاعتراف بالقوانين الشرعية للشيعة الجعفرية ومنح الشيعة تمثيلاً في هيئة كبار العلماء. فزيادة التنوّع في هذه المؤسّسات ستساهم، على المدى الطويل، في الحدّ من الطائفية في المجتمع السعودي. عدم التسامح مع تصوير المعارضة في المنطقة الشرقية على أنها دليل على التخريب الذي تمارسه إيران. فمثل هذا التصوير يغذّي بيئة سياسية سامة ويساهم في تنفير جيل الشباب الشيعة. بعد عامين على بدء الانتفاضات العربية، لاتزال المملكة العربية السعودية تشكّل لغزاً.1 فيبدو، بالنسبة إلى المراقبين الخارجيين، أنها تجاوزت إلى حدّ كبير الثورات والاضطرابات التي هزّت بقية العالم العربي. لكن السعودية تحت السطح بلدٌ يعاني من تصاعد التحدّيات السياسية والاقتصادية والديمغرافية. كما أن تطلّعات جيل الشباب الذي يواجه بطالةً واسعة الانتشار، واستبعاداً وشيكاً له من نظام رعاية الدولة، آخذةٌ في الارتفاع. يُضاف إلى ذلك أن مشهد الإعلام الاجتماعي بات يمكّن الناس، وعلى نحو غير مسبوق، من تبادل الأفكار وانتهاك المحرّمات التي كانت مقدّسة في السابق. في الوقت نفسه، تتعرّض الخدمات والبنية التحتية إلى الضغط والإجهاد، في حين أن القطاع العام متضخّم، ويجري تجاهل مسائل الخلافة داخل القيادة الهرمة. وإذا ماكان ثمة مكان في المملكة العربية السعودية حيث تبرز هذه التحديات بوضوح، فهو المنطقة الشرقية الغنية بالنفط، حيث تقيم الغالبية العظمى من المواطنين الشيعة الاثني عشرية في البلاد، والذين تقدّر نسبتهم بحوالى 10 إلى 15 في المئة من مجموع السكان.2 فقد شهدت المنطقة الشرقية منذ بداية الانتفاضات العربية في أواخر العام 2010، اضطرابات ثانوية ومستمرة ضمن حلقة لاتنتهي من الاعتقالات وإطلاق النار والتظاهرات. وقد قُتِل ستة عشر شاباً خلال هذه الاضطرابات. خلال معظم سنوات العقدَين الماضيَين، عكست المعارضة في المنطقة الشرقية مزيجاً من الإهمال الاقتصادي والتهميش السياسي على المستوى المحلي، ينطوي في كثير من الأحيان على مفاهيم مُضخَّمة عن إذعان الشيعة لإيران. إضافة إلى ذلك، واجه الناشطون الشيعة رواية قديمة قدّمتها العائلة المالكة وحلفاؤها، مفادها أن المواطنين في البلاد ميّالون إلى أهواء القبَلية والطائفية والإسلاميين، وبالتالي هم ليسوا جاهزين للديمقراطية الكاملة. وفي هذا الإطار، يؤدّي آل سعود دور الوسيط المعتدل، والرابط الذي يوحّد المواطنين المنقسمين. وردّاً على ذلك، يقول الناشطون الشيعة، إلى جانب عدد متزايد من الإصلاحيين السنّة، إن هذا يمثّل بالضبط غياب المجتمع المدني والحكم التشاركي الذي يفسّر الاستمرار المزمن للطائفية والقبلية في المجتمع السعودي. ما من شك في أن التمييز الطائفي يؤثّر إلى حدٍّ كبير على الحياة اليومية للأقلّية الشيعية في المنطقة الشرقية في السعودية. بيد أن العديد من مطالب المحتجّين لاتتعلّق بحقوق الشيعة على وجه التحديد، إذ تشمل بالأحرى مجموعةً من الأهداف التي طالما طرحها الإصلاحيون في أماكن أخرى من البلاد: الإفراج عن السجناء السياسيين، وتشكيل مجلس شورى مُنتخَب، واستقلال القضاء، وصياغة دستور للبلاد، ومنح المجالس البلدية قدراً أكبر من السلطة. في هذا المعنى، سيكون من الخطأ تفسير المعارضة في المنطقة الشرقية باعتبارها قضية محلية بحتة أو شيعية بالمعنى الضيّق. ومع أن الوضع تفاقم بالتأكيد بسبب التمييز الطائفي، يطال الكثير من الدوافع الكامنة وراء المعارضة أجزاءَ أخرى من المملكة، وبدرجات متفاوتة من الشدّة. وقد لجأ النظام، في سياق ردّه على الاحتجاجات، إلى استراتيجيات مُجرَّبة تمثّلت في تقديم الإعانات والمنافع الاقتصادية الأخرى، واستلحاق رجال الدين الشيعة المحافظين والأكثر مهادنة لتهدئة غضب الشباب، وإطلاق هجوم إعلامي مضاد يصوّر الاحتجاجات بوصفها أعمالاً إجرامية بطبيعتها أو أنها تسترشد بنظام ايران الشيعي، وشنّ حملة أمنية من الاعتقالات والسجن. وتسبّبت حملة القمع التي شنّتها الحكومة في تعميق الانقسامات بين محاوريها من رجال الدين الشيعة وبين كادر من الشباب أكثر نشاطاً، الأمر الذي أضرّ بعملية الإصلاح. يحتاج النظام إلى معالجة الدوافع المتأصّلة للمعارضة على الصعيدَين الوطني والمحلي لكي يحقّق سلاماً اجتماعياً دائماً في المنطقة الشرقية. ففي نهاية المطاف، تكمن أفضل وسيلة لتخفيف حالة عدم الاستقرار في المنطقة الشرقية في بدء عملية إصلاح شاملة تتضمّن نظاماً قضائياً أكثر شفافية ومستقلاً، ومنح صلاحيات أكبر للمجالس البلدية، ووضع حدّ للتمييز في القطاع العام، وإضفاء مزيد من التنوّع الديني على المؤسسة الدينية في البلاد. تُعَدّ مشكلة المعارضة في المنطقة الشرقية، في كثير من جوانبها، نتاجَ التوزيع غير المتكافئ للموارد الاقتصادية ورأس المال السياسي، وهو الخلل الذي يعتري العديد من المحافظات في المملكة العربية السعودية. بيد أن هذا الإحساس بالإقصاء متجذّر في المنطقة الشرقية، وله سجلّ طويل يعود إلى بدايات نشأة المملكة. في العام 1913، أُخضِعَت واحَتا الأحساءوالقطيف في المنطقة الشرقية إلى سيطرة ابن سعود وحلفائه القبليين من منطقة وسط نجد. وفي العام 1932، أُدمِجَت الواحتَين في الدولة السعودية الحديثة. في الفترة اللاحقة من بناء الدولة، ظلت المناطق الشرقية تابعة لمنطقة نجد من حيث تنميتها الاقتصادية وسلطتها السياسية ومكانتها البارزة في الروايات الرسمية للدولة. يعترف الناشطون الشيعة بأن مستوى المعيشة في شرق السعودية قد تحسّن عموماً مع مرور الوقت، ولاسيما بالمقارنة مع المحافظات الأخرى مثل الجوف وعسير. لكن لاشكّ أن المشاكل لاتزال قائمة، ولايزال هناك إحباط إزاء عدم وجود مدخلات لأبناء المنطقة الشرقية في ميزانيات البلديات وإدارة المحافظة. وفي مناطق معيّنة في الشرق، ولاسيما بلدة العوامية، أدّت المعدلات المرتفعة للبطالة والفقر المدقع إلى زيادة المشاكل، التي ازدادت مرارةً لأن البلدة تتاخم خط أنابيب رئيساً للغاز. أدّى الإقصاء الديني إلى تفاقم الشعور بالتهميش السياسي والمناطقي. وبموجب النظام الأساسي للحكم في المملكة الذي أُقِرّ في العام 1992، جرى تكريس الإسلام السنّي كمصدر لسلطة الدولة، إذ تصدر أعلى هيئة دينية في البلاد، هيئة كبار العلماء التي تضمّ عشرين شخصاً، الفتاوى الدينية التي تؤثّر على كل جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية في المملكة تقريباً. ومع أن الهيئة تضمّ ممثّلين عن المدارس الفقهية السنّية الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية، لايوجد فيها ممثّلون للشيعة. نتيجة لذلك، يشعر الشيعة بالتمييز في عدد من المجالات. ومع أن الحكومة تسمح بالتجمّعات الدينية الخاصة، لايزال الشيعة يواجهون عقبات بيروقراطية وقانونية في الحصول على التراخيص العامة والاعتراف بالمساجد وبيوت العزاء. ويشكو رجال الدين الشيعة من أن وسائل الإعلام الرسمية تهمل تغطية الاحتفالات الدينية الشيعية. كما يُعَدّ النظام التعليمي مجالاً رئيساً آخر للقلق، إذ تحوي الكتب المدرسية في كثير من الأحيان إشارات مهينة إلى الشيعة، وفي بعض الحالات حججاً قانونية لإقصائهم اجتماعياً أو حتى قتلهم. وثمّة شكوى قديمة تتمثّل في معاملة الشيعة في ظلّ النظام القضائي الذي تحكمه على المستوى الوطني مدرسة الفقه الحنبلي السنّية. ومع أن الشيعة في شرق المملكة يتمتّعون بالقدرة على استخدام محاكم الأوقاف والمواريث الجعفرية، يبقى نطاق أحكامها محدوداً جغرافياً ويقتصر على الدعاوى في القطيفوالأحساء. ولايستطيع الشيعة من أجزاء أخرى من البلاد، بما في ذلك أنحاء من المنطقة الشرقيةونجران والمناطق الشيعية في المدينةالمنورة في الغرب، الوصول إلى المحاكم الشيعية. إضافة إلى ذلك، فإن سلطة المحاكم الشيعية في المنطقة الشرقية مقيّدة بالمحاكم السنّية التي تمتلك حق نقض قرارات المحاكم الشيعية. وفي وسع أي مُدَّعى عليه أو مدَّعٍ لايوافق على حكم قاضٍ شيعي، أن يسعى إلى إعادة النظر في القضية في محكمة سنّية.3 كذلك يجري إقصاء الشيعة من الأجهزة الحكومية الحسّاسة، مثل وزارة الداخلية والحرس الوطني ووزارة الدفاع. وباستثناء مراقبة حركة المرور، تزوَّد قوات الشرطة في المنطقة الشرقية في العادة بموظفين من السنّة، وهم في كثير من الأحيان من أنحاء أخرى من البلاد، الأمر الذي يولّد شعوراً بالجفاء لدى المجتمعات المحلية وموظّفي إنفاذ القانون. ويُعتَبَر الديوان الملكي ومجلس الوزراء والسلك الدبلوماسي مجالات أخرى للإقصاء. على المستوى المحلي، الشيعة ممثَّلون بشكل أفضل في المجالس البلدية، ولهم ستة من أصل أحد عشر مقعداً في المنطقة الشرقية. ومع ذلك، ليست السلطة الحقيقية في المحافظة في يد المجالس، بل هي موجودة على مستوى المحافظة، التي تخضع إلى إشراف وزارة الداخلية وتسيطر العائلة المالكة عليها بحزم.4 يستند الكثير من التمييز إلى التحالف التاريخي والتكافلي بين عائلة آل سعود الحاكمة والمؤسّسة الدينية السلفية. وفي مقابل إضفاء الشرعية على حكم العائلة، يُسمَح للمؤسّسة السلفية بأن تتبوّأ مكاناً بارزاً في الخطاب العام والاجتماعي في المملكة. وبالنسبة إلى كثير من رجال الدين فى الدوائر العليا من هذه البيروقراطية، يوفّر تعزيز الطائفية منافع مادية حقيقية من خلال ضمان وصولهم بصورة مستمرة وحصرية إلى السلطة السياسية. ومن شأن أي اعتراف رسمي بالهوية الشيعية، سواء في المجالات السياسية أو القانونية أو الثقافية، أن يقوّض هذه الأولوية بصورة فعلية. فرجال الدين السلفيين هم بالكاد موحَّدون في سلوكهم تجاه الشيعة، لكنهم موحَّدون عموماً في الرأي القائل إن الشيعة منحرفون عن العقيدة الإسلامية السلفية. وبالتالي تُشوَّه سمعة الشيعة بوصفهم روافض. وقد أثبت التمييز الطائفي أنه مفيد للعائلة الحاكمة والسلفيين، إذ سمح النظام السعودي منذ وقت طويل بانتشار الكتيّبات والخطب وبيانات الإنترنت المناهضة للشيعة والفرس، حيث يتكرّر استخدام الكثير منها من هجوم المملكة الأيديولوجي المضاد على الثورة الإيرانية التي قامت في العام 1979. وكثيراً ماتُستخدَم مناهضة التشيّع كأداة محلية مفيدة للنظام، ووسيلة لاسترضاء المنتقدين المحتملين في المؤسّسة السلفية وصرف المشاعر الشعبية بعيداً عن إخفاقات النظام. ولكي يتمكن من التعامل مع مطالب الإصلاح، كثيراً مالعب نظام بالورقة الطائفية لتحقيق نتيجة مماثلة، حيث يصوّر الاحتجاجات في المنطقة الشرقية على أنها شيعية بطبيعتها. وكان الهدف النهائي من هذه الاستراتيجية هو إحباط أي تعاون عابر للطوائف بين الناشطين في أنحاء مختلفة من المملكة. جرى إقصاء الشيعة السعوديين منذ وقت طويل بسبب الشكوك الكبيرة حول روابطهم عبر الوطنية مع إيران والعراق ولبنان وسورية. ومن أبرز هذه الروابط المؤسّسة الشيعية الفريدة مراجع التقليد. وهذا المصطلح يعني حرفياً "مصدر المحاكاة"، ويشير في الممارسة العملية إلى تبجيل كبار رجال الدين الشيعة الذين توفّر فتاواهم إرشادات غير ملزمة في المسائل الروحية والاجتماعية والقانونية، والسياسية في بعض الحالات. ولأن سلطة المؤسّسة الدينية الشيعية لاتقتصر، من الناحية النظرية، على الحدود الوطنية، فقد أثبتت المؤسّسة أنها إشكالية على صعيد إدماج الشيعة من خلال تأجيج شكوك السنّة في خيانة الشيعة للدولة. وتكمن في صميم هذه الشكوك أسئلة حول ما إذا كانت السلطة عبر الوطنية للمرجع توجيهية أو استشارية، وما إذا كانت تمتدّ خارج نطاق الشؤون الروحية والاجتماعية لتطال المسائل السياسية. وجادل بعض الكتّاب الشيعة في أنه كي يندمج الشيعة حقيقة، فعليهم إصلاح هذه المؤسّسة أولاً. ولايزال هذا النقاش مستمراً بين الشيعة، وقد تأثّر كثيراً بالأحداث الإقليمية في العراق وإيران. لاتزال الشكوك في ولاء الشيعة السياسي في المنطقة الشرقية للنظام الإيراني تحاصرهم وتضايقهم. وتتجنّب الأغلبية الساحقة من الشيعة السعوديين إقامة علاقات سياسية رسمية مع الجمهورية الإسلامية، وترفض نظام الحكم الديني الإيراني لصالح الرؤية الأكثر مهادَنة لآية الله العظمى السيد علي السيستاني، أرفع رجل دين شيعي في العراق. ومع ذلك، لم يكن هذا هو الحال دائماً، فقد تسبّبت الثورة الإيرانية في حدوث تحوّل كبير من المهادنة إلى النشاط في أوساط الشيعة في المنطقة الشرقية. كانت انتفاضة الأيام السبعة في تشرين الثاني/نوفمبر 1979 الحدث الأكثر تأثيراً في المنطقة الشرقية في السعودية بعد الثورة الإيرانية. ومع أن التظاهرات كانت مستوحاة جزئياً من الثورة الإيرانية،5كان الكثير من المظالم التي حرّكت المتظاهرين محلياً وغير طائفي. وشهدت فترة أواخر السبعينيات خيبة أمل متزايدة بين الشيعة، بسبب فشل الحكومة في الوفاء بوعودها لتحديث المنطقة الشرقية، حيث تتناقض الظروف المعيشية بشكل حادّ مع الثراء المتزايد للنخب السعودية في منطقة نجد وسط البلاد. وقد بدأت الاحتجاجات بعدما نظّم ناشطون شيعة مواكب عامة في يوم عاشوراء، إحياءً لذكرى أربعينية الإمام الحسين، في القطيف في انتهاك مباشر للحظر الذي كان قائماً منذ العام 1913. وسرعان ما امتدّ التمرّد إلى القرى المجاورة، حيث جاء ردّ النظام القمعي سريعاً بواسطة الحرس الوطني السعودي، فقُتِل أربعة وعشرون من المتظاهرين الشيعة على الأقل. وبحلول كانون الأول/ديسمبر، أسّس قادة الانتفاضة، حسن الصفار وتوفيق السيف وجعفر الشايب، منظمة الثورة الإسلامية رسمياً. في أعقاب الانتفاضة، واصلت إيران جهودها الرامية إلى ممارسة نفوذ على النشاط الشيعي في المملكة العربية السعودية. في العام 1981، أنشأ فيلق الحرس الثوري الإسلامي مكتب حركات التحرر، الذي يهدف بوضوح إلى دعم الجماعات الثورية في منطقة الخليج.6 وقد أقامت شخصيات شيعية دينية سعودية وناشطون علمانيون – الكثير منهم من أتباع آية الله السيد محمد الشيرازي، والمعروفين بأعضاء مايُسمّى التيار الشيرازي – علاقات وثيقة مع هذا المكتب. وتبيّن لاحقاً أن لهؤلاء الأفراد دوراً فعّالاً في دعم منظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية. ومع ذلك، لم تكن إيران راضية في نهاية المطاف عن قدرتها على السيطرة على منظمة الثورة الإسلامية. فقد حدا غياب الرقابة، إلى جانب التحوّل السياسي الحزبي في طهران، بالقيادة الإيرانية إلى إنشاء، جماعة متشدّدة أكثر مرونة في المملكة العربية السعودية، أطلق عليها اسم "حزب الله الحجاز". وقيل إن أعضاء الجماعة هم الذين نفّذوا تفجير أبراج الخبر في العام 1996 في المنطقة الشرقية، حيث قُتِل تسعة عشر جندياً أميركياً وجُرِح حوالى 500 شخص.7 وفي أعقاب اعتقال منفّذي التفجير وعودة الدفء إلى العلاقات السعودية-الإيرانية في أواخر تسعينيات القرن المنصرم، حُلَّت الجماعة ودُمِج أعضاؤها في فصيل سياسي يُعرَف باسم "خط الإمام" (في إشارة إلى آية الله روح الله الخميني). في العام 1993، عاد الزعماء الشيعة لمنظمة الثورة الإسلامية، والذين كان الكثير منهم في المنفى، إلى السعودية، وتوصّلوا إلى اتفاق مع الحكومة السعودية. وفي مقابل وعدٍ بالتخلّي عن العنف، حصل هؤلاء على تأكيدات من الحكومة بشأن الإصلاح السياسي ومعالجة المظالم الشيعية.8 كانت هذه بداية فترة طويلة من النشاط السلمي لرجال الدين والناشطين المعروفين الآن جَماعياً باسم "الإصلاحيين". ومع أنهم نأوا بأنفسهم عن إيران، واجه العديد منهم اتّهامات متكرّرة من جانب النظام ورجال الدين السلفيين بأنهم استمروا في التصرّف نيابة عن طهران وبناءً على طلبٍ من رجال الدين الشيعة في إيران والعراق ولبنان. تمثّل النشاط السياسي الشيعي السعودي منذ فترة الثمانينيات المضطّربة إلى حدّ كبير بتقديم التماساتٍ إلى العائلة المالكة، والعمل في المجتمع المدني على مستوى القاعدة، والمشاركة في انتخابات المجالس البلدية، والحوار مع الإصلاحيين من ذوي التفكير المماثل من الليبراليين السعوديين والإسلاميين السنّة. لكن الجزء الأكبر من هذا النشاط لايهدف إلى معالجة الإساءات الطائفية المحدّدة ضد الشيعة، بل إلى بناء مجتمع مدني وهياكل حكم تقوم على المشاركة بصورة أكبر في المملكة. مع ارتقاء الملك عبدالله إلى العرش في العام 2005، أعرب شيعة المنطقة الشرقية عن أملهم في أن يكون الإصلاح حقيقة واقعة. فقد تبنّى عبدالله، كولي للعهد أولاً وكملك فيما بعد، عدداً من المبادرات الرامية إلى تهدئة الانقسامات الطائفية وزيادة المشاركة العامة في الحياة السياسية في البلاد. وكان من بين أبرز المبادرات في هذا الصدد إنشاء جلسات الحوار الوطني، التي تهدف إلى جمع أفراد من مختلف شرائح المجتمع السعودي لمناقشة مجموعة متنّوعة من القضايا الوطنية. وقد اتّخذت المبادرة الخطوة الثورية المتمثّلة بالاعتراف بالتنوّع الطائفي والمناطقي في المملكة. كما أسّس عبدالله برنامجاً وطنياً ضخماً للمنح الدراسية لإرسال الشباب السعودي إلى الخارج من أجل الحصول على التعليم الجامعي. والأهم من ذلك هو أن الملك عبدالله أشرف على أول تجربة للبلاد في السياسة القائمة على المشاركة الجماعية عبر انتخابات المجلس البلدي في العام 2005. لكن هذه الإصلاحات لم تَرْقَ إلى مستوى الوعود التي قطعتها. وفقاً لكل الروايات تقريباً – من شباب الشيعة إلى رجال الدين والمثقفين – أثبتت المبادرات مثل الحوار الوطني والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان أنها شكلية في الأساس. فقد أنعشت انتخابات المجالس البلدية في العام 2005 الآمال بشأن إجراء تحسينات على الحكم في المنطقة الشرقية. لكنها أثبتت أيضاً أنها مخيّبة للآمال، حيث بقيت السلطة النهائية على الميزانيات المحلية والإدارة وتعيين الموظفين في يد أمير المنطقة الشرقية ووزارة الداخلية. بدا التعديل الوزاري الذي أُجري في السعودية في شباط/فبراير 2009 واعداً. فقد شمل إقصاء أنصار متشدّدين من الحكومة، مثل إبراهيم بن عبدالله الغيث، رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصالح بن محمد اللحيدان، رئيس مجلس القضاء الأعلى. أثارت عملية إعادة التنظيم التوقّعات بأن يحصل الشيعة على تمثيل في هيئة كبار العلماء ومجلس القضاء الأعلى، وهو أيضاً هيئة دينية رفيعة. ومع ذلك، لم يُعيَّن أيُّ شيعي في هذه الهيئات. الأسوأ من ذلك هو أنه تمّ التراجع تدريجياً عن الجهود الرسمية وغير الرسمية لإقامة حوار عابر للطوائف بين الشيعة والسنّة، إما بسبب غياب الدعم من جانب النظام، وإما بسبب العرقلة المتزايدة لهذه الجهود، إلى جانب تصاعد التوتّر الطائفي في المجتمع السعودي. فقد أعرب أحد الناشطين الشيعة في الهفوف لكاتب الورقة عن أسفه في أوائل العام 2013 قائلاً: "لقد ولّت أيام المصالحة بين الشيعة والسنّة بين العامين 2005 و2007″. إن كان ثمة نقطة إيجابية فهي تتمثّل في برنامج المنح الدراسية في الخارج. كان هذا البرنامج يُدار، وفقاً لكثير من المحاورين الشيعة، من دون اعتبار للطائفة أو المنطقة. ومع ذلك، تبيّن أن هذا البرنامج كان سيفاً ذا حدّين، حيث عاد الكثير من الشباب الشيعة الذين استفادوا من البرنامج إلى بلدٍ لم يكن قادراً على استيعاب تطلّعاتهم في اللحظة التي حلّت فيها مشاعر اللامبالاة وانعدام الثقة واليأس المتجدّدة محلّ وعود الإصلاح. 1. ما لم يذكر خلاف ذلك، تعتمد هذه الورقة على مقابلات ميدانية أُجريَت في الأعوام 2007 و2010 و2013 مع مجموعة من الناشطين ورجال الدين والشباب الشيعة في أنحاء المنطقة الشرقية: في القطيفوالأحساء والدمام وتاروت والصفوة والعوامية. وأنا ممتنّ لهؤلاء الأفراد لتبادل وجهات نظرهم معي. كما أود أن أشكر ألكساندرا سيغل على المساعدة منقطعة النظير التي قدّمتها في مجال الأبحاث. للاطلاع على مزيد من الدراسات عن الاحتجاجات في المنطقة الشرقية، أنظر: Madawi al-Rasheed, "Sectarianism as Counter-Revolution: Saudi Responses to the Arab Spring," Studies in Ethnicity and Nationalism 11, issue 3 (2011): 513–26; Madawi al-Rasheed, "Saudi Arabia: Local and Regional Challenges," Contemporary Arab Affairs 6, no. 1 (2013); Toby Matthiesen, "A ‘Saudi Spring?': The Shi'a Protest Movement in the Eastern Province 2011–2012," Middle East Journal 66, no. 4 (Autumn 2012): 628–59. 2. The Pew Forum on Religion and Public Life, "The Future of the Global Muslim Population," January 17, 2011,http://pewforum.org/future-of-the-global-muslim-population-sunni-and-shia.aspx. يتبع الشيعة "الاثني عشرية" فتاوى وتعاليم محمد بن الحسن المهدي، الذي يبجّلونه بوصفه "الإمام الثاني عشر". وفقاً لوزارة الخارجية الأميركية، 80 في المئة من الشيعة السعوديين هم من "الإثني عشرية" الذين يتبعون مدرسة الفقه الجعفري. ويقيم الشيعة (الإسماعيلية) – أتباع الإمام السابع – في منطقة نجران، وهناك جماعة شيعية صغيرة في المدينةالمنورة معروفة باسم النخاولة. أنظر: United States Department of State, 2012 Report on International Religious Freedom —Saudi Arabia, May 20, 2013, available atwww.refworld.org/docid/519dd4911e.html 3. U.S. Department of State, 2012 Report on International Religious Freedom—Saudi Arabia. 4. المصدر السابق. 5. "Rebellion on the Saudi Periphery: Modernity, Marginalization and the Shi'a Uprising of 1979," International Journal of Middle East Studies, 38:2. May (2006): 227–29. 6. Laurence Louër, Transnational Shi'a Politics: Religious and Political Networks in the Gulf (London: Hurst & Company, 2008), 179. 7. Tobias Matthiesen, "Hizbullah al-Hijaz: A History of the Most Radical Saudi Shi'a Opposition Group," Middle East Journal 64, no. 2 (Spring 2010): 182. 8. فؤاد إبراهيم، "الشيعة في السعودية"، (لندن، دار الساقي، 2006)، ص 140-177. فريدريك ويري مركز كارنيغي المصدر: مركز كارنيغي للشرق الأوسط