فى خضم هذه الأحداث المتلاطمة، التي اختلط فيها الحابل بالنابل، وكثرت فيها الفتن وزاد فيها المضللين المتشددين، الذين يرتدون ثياب الحق والخير والجمال، ولكن البعض منهم في الحقيقة، ليس إلا كما وصفه المعصوم المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيما روى البخاري البخاري في صحيحه بسنده إلى حُذَيفَة بن اليمان - رضِي الله عنه - أنَّه قال: كان الناس يسألون رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم - عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يُدرِكني، فقلت: يا رسول الله، إنَّا كنَّا في جاهلية وشرك، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: ((نعم))، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: ((نعم، وفيه دَخَنٌ))، قلت: وما دَخَنُه؟ قال: ((قومٌ يَهدُون بغير هَديِي، تعرِف منهم وتُنكِر))، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: ((نعم؛ دُعَاة على أبواب جهنَّم، مَن أجابَهُم إليها قذَفُوه فيها))، قلت: يا رسول الله، صِفْهُم لنا؟ قال: ((هم من جِلدَتِنا، ويتكلَّمون بألسنتنا))، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: ((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم))، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: ((فاعتَزِل تلك الفِرَق كلها، ولو أن تَعَضَّ بأصل شجرة حتى يُدرِكَك الموت، وأنت على ذلك" واليوم موعدنا مع أحد أهم الدعاة الأزهريين، الذين تبنوا الفكر الإسلامي الوسطي المعتدل، إنه الشيخ الخراشى نشأته ولد الإمام الخراشى سنة 1601م ، سمي الإمام الخراشى بهذا الاسم نسبة إلى قريته التي ولد بها، قرية أبو خراش، التابعة لمركز شبراخيت، بمحافظة البحيرة وضبطه بعضهم باسم (الخَراشي) بفتح الخاء، وبعضهم بكسرها، ولكن الأصح أنها بالفتح وكان شيخ المالكية فى عصره ، عرف بالورع والتقوي والتقرب إلى الله بالعلم وخدمة الدين، تلقى الخراشى العلم عل يد نخبة من العلماء والأعلام، منهم والده الشيخ "جمال الدين عبد الله بن علي الخراشي، والشيخ اللقاني، والأجهوري، والشامي... وغيرهم" ودرس العلوم المقررة بالأزهر "العلوم الدينية واللغوية والتاريخ، ودرس علوم السيرة والعلوم النقلية؛ كالمنطق وعلم الكلام مكَث عشرات السنين يتلقى العلمَ ويلقنه. وعندما شارف على الثمانين من عمره أصدر السلطان العثماني سليمان القانوني فرمانا بضرورة تنصيب شيخ للأزهر يختاره العلماء يتفرغ للإشراف على شئون الأزهر الدينية والإدارية ، تم اختيار الشيخ محمد بن عبد الله الخراشي المالكي كأول شيخ للأزهر الشريف. حيث تولى مشيخة الأزهر بصفة رسمية وقبله لم تكن مشيخة الأزهر منصبا رسميا بل كان السلاطين والأمراء يشرفون على الأزهر ويديرون شئونه وكانت طبيعة أعماله المحدودة تمكنهم من القيام بهذا العبء وعندما ازداد عدد الطلاب وكثرت المسئوليات والأعباء رؤى تعيين شيخ الأزهر ليواجه المسئوليات المتزايدة وكان ذلك فى أواخر القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادى )،وكان رحمه الله من العلماء المشهود لهم بالتقوى والورع وكان حجة فى الفقه المالكي. يا خراشى ... ومن ابرز النوادر عن الشيخ الخراشى أن كلمة الخراشى تلك الكلمة يعرفها كل مصري وكل مصرية ولكن الكثير لا يعرف معنى هذه الكلمة ولماذا يقولها....كلمة يا خراشي قيلت أول مرة من الناس في مصر قبل مئات الأعوام وأصل هذه الكلمة تنبع من أن أول شيخ للأزهر كان يسمى بالشيخ محمد الخراشي وكان شيخا ينصر الحق ولو كان ضعيفا ولا يخاف الظلم مهما كانت قوته فكانت كلمة خراشي هي النداء إلى الشيخ الخراشي كي ينصرهم على الظلم الواقع عليهم حتى ولو كان من صاحب سلطان. فإذا ظلمهم ظالم يقولون : يا خراشي ، وإذا ظلمهم حاكم البلاد قالوا يا خراشي، وإذا اختلف الناس قالوا يا خراشي ، حتى عندما تصيبهم مصيبة يقولون يا خراشى وفي ذلك دلالة على مدى قوة الجامع الأزهر في ذلك الوقت ودخوله في الموضوعات الحياتية للناس لرفع الظلم عنهم و إعادة الحق لأصحابه.ومن ذلك عرفنا من هو خراشي وانه عالم جليل . ويقول عنه الدكتور احمد الريان عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ان الشيخ الخراشى يعتبر من أوائل الفقهاء المالكيين الذى اسند اليه مشيخة الأزهر الشريف ليكون اول شيخا للأزهر الشريف بمرسوم معتمد من الخليفة العثمانى آنذاك. وأضاف الريان استطاع الشيخ الخراشى ان يدرس خلال مرحلة تعليمه فى رحاب الأزهر الشريف الفقه والتوحيد والسيرة والمنطق وعلو اللغة العربية ، ومن ثم استطاع ان يجمع بين علوم الدنيا وعلوم الدين معا ، وهو ما أتاح له بعد ذلك ان ينشر علمه على الناس بعد ان إتاحة لهم علومه الدينية والدنيوية معرفة طباع وخصائص الناس . وأردف الريان قائلا ان ابرز ما ميز الشيخ الخراشى بجانب علمه ومعرفته هو ظهور فى تلك الفترة التى اتسمت بالجهل والفقر والضعف ، فكان للناس نعم المصباح المضئ الذى يسيرون خلفه ، ويسترشدون بآرائه فى كافة شئون حياتهم . بينما يرى الدكتور عبدالخالق الشريف أستاذ الدعوة بجامعة الأزهر وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ان هذه الرجل من الشخصيات التى حفظ لها التاريخ افعالها ، وشكر لها جهة ده فى الإصلاح والتنوير وأضاف ابرز ماميز الشيخ الخراشى بجانب كونه اول شيخ للازهر انه كان لايخشى فى الحق لومة لائم فكان دائما نصيرا للفقراء والمساكين يستنجدون به لنصرتهم فيجدونه دائما فى نصرتهم يغيث ملهوفهم و، وينتصر لضعيفهم حتى وصل الأمر بالناس ان يشتكوا الأمير الى الشيخ الخراشى لو أصابهم من الحاكم سوء ، فكان الشيخ بذهب إلى الأمير بنفسه ويأمره برد الحق الى صاحبه . وأضاف لا يمكننا ايضا ان ننسى ما تركه لنا هذا العالم الجليل من علوم أبرزها ما خلفه لنا من كتب الفقه المالكى ، فله كتاب عظيم " فى شرح مختصر خليل " من ثمانية مجلات كبيرة ، وله فى المنطق والتوحيد، فملأ الدنيا علما ، إلى أن انتقل رحمه اللع الى جوار ربه فى جنازة مهيبه لم ترى القاهرة مثلها إلى الان ...رحم الله الشيخ الجليل .